الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ الآيَةَ، فالخَمْرُ عِنْدَ كافَّةِ العُلَماءِ مُحَرَّمَةٌ، غَيْرَ أنَّ في النّاسِ مَن يَشُكُّ في بَعْضِ الأحْيانِ، وأنَّها خَمْرٌ أمْ لا. ولا شَكَّ أنَّ مَوْضِعَ الِاشْتِقاقِ وهو التَّخْمِيرُ أوِ المُخامَرَةُ يَقْتَضِي كَوْنَ الأشْرِبَةِ المُسْكِرَةِ خَمْرًا، غَيْرَ أنّا لا نُثْبِتُ اللُّغاتِ بِهَذا الجِنْسِ مِنَ القِياسِ، ورُوِيَتْ أخْبارٌ تَدُلُّ عَلى أنَّ اسْمَ الخَمْرِ لازِمَةٌ لِهَذِهِ الأشْرِبَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ العُلَماءُ في تَحْرِيمِها، والمُشْكِلُ إشْكالُ الِاسْمِ عَلى أهْلِ اللُّغَةِ وأنَّ ذَلِكَ لَوْ سُمِّيَ خَمْرًا لَمْ يُشْكِلْ. كَيْفَ وعامَّةُ أشْرِبَةِالمَدِينَةِ مِنَ التَّجَمُّلِ، لِأنَّ العِنَبَ لا يُوجَدُ بِالمَدِينَةِ، وكَيْفَ صارَ ذَلِكَ مُشْكِلًا؟ وكَيْفَ يُصَوَّرُ الِاخْتِلافُ فِيهِ؟ فَلَعَلَّ اشْتِهارَ غَيْرِ العِنَبِيِّ بِأسامِيَ أُخَرَ، لِتَمْيِيزِ نَوْعٍ مِن نَوْعٍ أوْرَثَ هَذا الإشْكالَ، ولَمْ يَكُنْ لِلْعِنَبِيِّ اسْمٌ آخَرُ وغَيْرُ العِنَبِيِّ. (p-٩٩)فَمِنهُ ما يُسَمّى الفَضِيخَ. ومِنهُ ما يُسَمّى المَزْرَ. ومِنهُ ما يُسَمّى البَتْعَ. ومِنهُ ما يُسَمّى نَبِيذًا، فَصارَ هَذا الِاسْمُ مَشْهُورًا في التَّعارُفِ. وظَنَّ ظانُّونَ أنَّ الِاشْتِهارَ في بَعْضِ الأشْرِبَةِ يَمْنَعُ مِن إطْلاقِ اسْمِ الخَمْرِ عَلَيْهِ. ورَأى آخَرُونَ أنَّ اسْمَ الخَمْرِ عامٌّ، ثُمَّ اخْتَصَّ كُلُّ شَرابٍ بِاسْمٍ، كالفاكِهَةِ اسْمٌ عامٌّ، ثُمَّ يُسَمّى كُلُّ واحِدٍ بِاسْمٍ خاصٍّ، وهم يُجِيبُونَ عَنْ ذَلِكَ ويَقُولُونَ: الفاكِهَةُ لَمْ تُوضَعْ مَشْهُورَةً بِبَعْضِها دُونَ بَعْضٍ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِنها اسْمٌ خاصٌّ، فَأمّا العِنَبُ فَلَيْسَ لَهُ اسْمٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ سِوى الخَمْرِ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِمّا سِواهُ اسْمٌ يُدْعى بِهِ، فانْصَرَفَ المُطْلَقُ إلى ما اشْتُهِرَ بِهِ، وكانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ، وهَذا في غايَةِ الوُضُوحِ. ويُجابُ عَنْ هَذا أنَّ مَزِيَّةَ الِاشْتِهارِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا لِلشُّرْبِ غالِبًا وغَيْرِهِ، إنَّما يُشْرَبُ عِنْدَ إعْوازِ العِنَبِ، والأصْلُ: الِاعْتِمادُ عَلى الآبارِ، مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وهو الفَضِيخُ، فَأخْبَرَ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ الفَضِيخَ: خَمْرٌ.
ورَوى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ «عَنْ أنَسٍ قالَ: كُنْتُ أسْقِي أبا عُبَيْدَةَ، وأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وسُهَيْلَ بْنَ بَيْضاءَ في نَفَرٍ في بَيْتِ أبِي طَلْحَةَ، فَمَرَّ بِنا رَجُلٌ فَقالَ: إنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَواللَّهِ ما قالُوا حَتّى نَتَبَيَّنَ حَتّى قالُوا: أهْرِقْ ما في إنائِكَ يا أنَسُ، ثُمَّ ما عادُوا فِيها حَتّى لَقُوا اللَّهَ، وإنَّهُ البُسْرُ والتَّمْرُ وهو خَمْرُنا يَوْمَئِذٍ». فَأخْبَرَ أنَسٌ أنَّ الخَمْرَ يَوْمَ حُرِّمَتِ البُسْرُ والتَّمْرُ. (p-١٠٠)وعِنْدَ مَن يُخالِفُنا شَيْءٌ مِن ذَلِكَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ قَبْلَ السُّكْرِ، ولا هو مُسَمًّى بِالخَمْرِ.
ورَوى ثابِتٌ عَنْ أنَسٍ، قالَ: حَرُمَتْ عَلَيْنا الخَمْرُ يَوْمَ حَرُمَتْ، ولا نَجِدُ خُمُورَ العِنَبِ إلّا القَلِيلَ، وعامَّةُ خُمُورِنا البُسْرُ والتَّمْرُ. وعِنْدَهم أنَّها لَيْسَتْ كالخَمْرِ، لا في الحُكْمِ ولا في الِاسْمِ.
وعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، أنَّهُ قالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ وهي مِنَ التَّمْرِ والعِنَبِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والذُّرَةِ، وما خَمَّرَ مِن ذَلِكَ فَهو خَمْرٌ. ذَكَرَ في الحَدِيثِ الآيَةَ أنَّهُ مِنَ التَّمْرِ والبُسْرِ. وذَكَرَ في هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ مِن سِتَّةِ أشْياءَ.
وعِنْدَهم أنْ لا خَمْرَ مِنها. ورَوى النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ مِنَ الحِنْطَةِ خَمْرًا، وإنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وإنَّ مِنَ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وإنَّ مِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، وإنَّ مِنَ العَسَلِ خَمْرًا».
ووَرَدَ في بَعْضِ الأخْبارِ رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الخَمْرُ مِن هاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، يَعْنِي: النَّخْلَةَ والعِنَبَ،» ومُرادُهُ غالِبُ ما يُشْرَبُ مِنَ الخَمْرِ، وإلّا فَعِنْدَهُمُ المُثَلَّثُ لَيْسَ مِنَ الخَمْرِ، وهو مِنَ العِنَبِ، ونَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ بِخَمْرٍ.
وتَواتَرَتِ الأخْبارُ أنَّ «ما أسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرامٌ». قالَ إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ: الدَّلِيلُ عَلى أنَّ كُلَّ شَيْءٍ أسْكَرَ فَهو خَمْرٌ قَوْلُهُ تَعالى: (p-١٠١)﴿ومِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنهُ سَكَرًا ورِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] . فَكانَ السَّكَرُ مِنَ العِنَبِ مِثْلَ السَّكَرِ مِنَ النَّخْلِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَإنَّ سُورَةَ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ، إلّا آياتٍ في آخِرِها.
وقالَ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٩] . فَذَمَّهُما ولَمْ يُحَرِّمْهُما عَلى تَأْوِيلِ قَوْمٍ، وحَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ السُّكْرَ عِنْدَ إرادَةِ الصَّلاةِ، فاسْتَوى في ذَلِكَ السُّكْرُ مِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ، ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾، فَجاءَ التَّحْرِيمُ في هَذِهِ الآيَةِ. قالَ: وجاءَ في الأخْبارِ أنَّهُ كانَ لِلْخَمْرِ أحْوالٌ ثَلاثَةٌ، ووُصِفَتِ الأحْوالُ الثَّلاثَةُ بِهَذِهِ الآياتِ. فَلَمّا كانَ السُّكْرُ مِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ مُوجَبًا نَهْيًا عَنِ الصَّلاةِ، وكانَتْ إحْدى حالاتِ الخَمْرِ كَذَلِكَ، كانَتِ الخَمْرُ مِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأعْنابِ مُحَرَّمَةً بِهَذِهِ الآيَةِ، وكانَتْ هي الحالَةُ الثّالِثَةُ مِن حالاتِ الخَمْرِ. وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ دَلالَةٍ، وإنَّما غايَةُ ما فِيهِ أنَّ السُّكْرَ مِنَ الجَمِيعِ سَواءٌ، فَلْيَكُنِ القَلِيلُ مِنَ الجَمِيعِ سَواءً. فَيُقالُ لَهُ: لِأنَّ المَعْنى في تَحْرِيمِ السُّكْرِ ظاهِرٌ، ولا مَعْنى في تَحْرِيمِ القَلِيلِ، وإنَّما هو تَعَبُّدٌ، والتَّعَبُّدُ مُخْتَصٌّ بِما يُسَمّى خَمْرًا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق