الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾، قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وأصلهما واشتقاقهما [[الظاهر أن ذلك عند تفسير قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [البقرة: 219].]]، وقد قال ابن عباس في هذه الآية: "يريد الخمر من جميع الأشربة التي تخمر حتى تشتد وتسكر" [[انظر: "الوسيط" 2/ 223، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 123.]]. وقد قال ﷺ: "الخمر من تسع: من البِتْع وهو العسل، ومن العنب، ومن الزبيب، ومن التمر، ومن الحنطة، ومن الذرة، والشعير، والسُلت" [[أخرجه بمعناه أبو داود (3676 - 3677) في الأشربة، باب الخمر ما هي؟ من حديث النعمان بن بشيرِ، والترمذي (1872) في الأشربة، باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر، وابن ماجه (3379) في الأشربة، باب مما يكون منه الخمر.]]، وقال في الميسر: "يريد القمار، وهو في أشياء كثيرة" [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 123.]]. انتهى كلامه، وقال الزجاج: (والميسر: القمار) [[في (ج): (والميسر والقمار).]] كله، وأصله أنه كان قمارًا في الجزور، وكانوا يقسمون الجزور في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءًا، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء، وقال أبو عبيدة: لا أعرف عدد الأجزاء. وكانوا يضربون عليها بالقداح [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 175.]]. فهذا أجل الميسر، والقمار كله كالميسر [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 203، وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 356.]]، ويطول الكلام في كيفية قمار العرب على الجزور، فتركت ذلك، قال أبو إسحاق: وقد بينتها على حقيقتها في كتاب "الميسر". وقوله تعالى: ﴿وَالْأَنْصَابُ﴾، قال ابن عباس: يريد أنصبتهم التي نصبوها يعبدونها، وواحدها نَصْبٌ [[انظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 145، "النكت والعيون" 2/ 64، "الوسيط" 2/ 226، ونسبه المحقق لتفسير ابن عباس ص 88، والبغوي 3/ 94.]]، وقال في الأزلام: إنها سهام مكتوب عليها خير وشر [["النكت والعيون" 2/ 64، "الوسيط" 2/ 226، وعزاه المحقق لتفسير ابن عباس ص 88، والبغوي 3/ 94.]]، ومثل ذلك قال الفراء والزجاج وغيرهما في الأنصاب والأزلام [["معاني القرآن" للفراء 1/ 319، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 145، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 203.]]. وقد ذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول السورة عند قوله تعالى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: 3]. وذهب بعضهم إلى أن المراد بالأزلام ههنا: قداح الميسر، قال الأزهري: ومن قال ذلك فقد وهم. وقوله تعالى: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، الرجس في اللغة: اسم لكل ما استقذر من عمل، يقال: رَجِسَ الرجل رَجَسًا ورَجُسَ، إذا عمل عملًا قبيحًا، وأصل من الرَّجَس بفتح الراء وهو شدة الصوت، يقال: سحاب رجاس، إذا كان شديد الصوت بالرعد، قال الراجز: وكل رجَّاس يَسُوق الرُّجَّسَا [[هذا الرجز منسوب للعجاج كما في حاشية "معاني الزجاج" 2/ 204، "تهذيب اللغة" 2/ 1367 (رجس).]] فكان الرجس العمل الذي يقبح ذكره جدًا ويرتفع في القبح [[الكلام من أوله من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 203، 204، "تهذيب اللغة" 2/ 1367 (رجس)، "زاد المسير" 2/ 417]]، قال الزجاج [[في (ج): (الزجاجي)، وهو تصحيف لأن الكلام للزجاج.]]: بالغ الله في ذم هذه الأشياء فسماها رجسًا، وأعلم أن الشيطان يسول ذلك لبني آدم [["معاني الزجاج" 2/ 203.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، أي: كونوا جانبًا منه [["معاني الزجاج" 2/ 206، "معاني القرآن" للنحاس 1/ 356.]]، والهاء عائدة على الرجس [["تفسير البغوي" 3/ 94.]]، والرجس واقع على الخمر وما ذكر بعدها، وقد قرن الله تعالى تحريم الخمر بتحريم عبادة الأوثان تغليظًا وإبلاغًا في النهي عن شربها ، ولذلك قال رسول الله ﷺ: "مدمن الخمر كعابد الوثن" [[أخرجه البخاري في تاريخه 1/ 129، 3/ 515، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 12، وصححه الألبانى. انظر: "صحيح الجامع الصغير" 5/ 205 برقم 5737.]]. وقال ﷺ: "أكثر ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان شرب الخمر وملاحاة الرجال" [[لم أقف عليه.]]. يعني: عداوة الرجال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب