الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خِطابٌ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ. وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ المَيْسِرِ في سُورَةِ البَقَرَةِ ﴿والأنْصابُ﴾ هي الأصْنامُ المَنصُوبَةُ لِلْعِبادَةِ ﴿والأزْلامُ﴾ . قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُها في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، والرِّجْسُ يُطْلَقُ عَلى العُذْرَةِ والأقْذارِ. وهو خَبَرٌ لِلْخَمْرِ، وخَبَرُ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ﴾ صِفَةٌ لِرِجْسٍ؛ أيْ: كائِنٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ، بِسَبَبِ تَحْسِينِهِ لِذَلِكَ وتَزْيِينِهِ لَهُ وقِيلَ: هو الَّذِي كانَ عَمِلَ هَذِهِ الأُمُورَ بِنَفْسِهِ فاقْتَدى بِهِ بَنُو آدَمَ والضَّمِيرُ في ﴿فاجْتَنِبُوهُ﴾ راجِعٌ إلى الرِّجْسِ أوْ إلى المَذْكُورِ. وقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ عِلَّةٌ لِما قَبْلَهُ. قالَ في الكَشّافِ: أُكِّدَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ والمَيْسِرِ وُجُوهًا مِنَ التَّأْكِيدِ، مِنها تَصْدِيرُ الجُمْلَةِ بِإنَّما، ومِنها أنَّهُ قَرْنَهُما بِعِبادَةِ الأصْنامِ ومِنهُ قَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «شارِبُ الخَمْرِ كَعابِدِ الوَثَنِ» ومِنها أنَّهُ جَعَلَهُما رِجْسًا، كَما قالَ: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ [الحج: ٣٠]، ومِنها أنَّهُ جَعَلَهُما مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ والشَّيْطانُ لا يَأْتِي مِنهُ إلّا الشَّرُّ البَحْتُ، ومِنها أنَّهُ أمْرٌ بِالِاجْتِنابِ، ومِنها أنَّهُ جَعَلَ الِاجْتِنابَ مِنَ الفَلاحِ، وإذا كانَ الِاجْتِنابُ فَلاحًا كانَ الِارْتِكابُ خَيْبَةً ومُحْقَةً، ومِنها أنَّهُ ذَكَرَ ما يَنْتُجُ مِنهُما مِنَ الوَبالِ، وهو وُقُوعُ التَّعادِي والتَّباغُضِ بَيْنَ أصْحابِ الخَمْرِ والقَمْرِ، وما يُؤَدِّيانِ إلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنْ مُراعاةِ أوْقاتِ الصَّلَواتِ انْتَهى. وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ الخَمْرِ لِما تَضَمَّنَهُ الأمْرُ بِالِاجْتِنابِ مِنَ الوُجُوبِ وتَحْرِيمِ الصَّدِّ، ولِما تَقَرَّرَ في الشَّرِيعَةِ مِن تَحْرِيمِ قُرْبانِ الرِّجْسِ فَضْلًا عَنْ جَعْلِهِ شَرابًا يُشْرَبُ. قالَ أهْلُ العِلْمِ مِنَ المُفَسِّرِينَ وغَيْرُهم: كانَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ بِتَدْرِيجٍ ونَوازِلَ كَثِيرَةٍ؛ لِأنَّهم كانُوا قَدْ ألِفُوا شُرْبَها وحَبَّبَها الشَّيْطانُ إلى قُلُوبِهِمْ، فَأوَّلُ ما نَزَلْ في أمْرِها ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ ومَنافِعُ لِلنّاسِ﴾ [البقرة: ٢١٩] فَتَرَكَ عِنْدَ ذَلِكَ بَعْضٌ مِنَ المُسْلِمِينَ شُرْبَها ولَمْ يَتْرُكْهُ آخَرُونَ، ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ [النساء: ٤٣] فَتَرَكَها البَعْضُ أيْضًا، وقالُوا: لا حاجَةَ لَنا فِيما يَشْغَلُنا عَنِ الصَّلاةِ، وشَرِبَها البَعْضُ في غَيْرِ أوْقاتِ الصَّلاةِ، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ فَصارَتْ حَرامًا عَلَيْهِمْ، حَتّى كانَ يَقُولُ بَعْضُهم: ما حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا أشَدَّ مِنَ الخَمْرِ، وذَلِكَ لِما فَهِمُوهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِيما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ مِنَ الزَّواجِرِ، وفِيما جاءَتْ بِهِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنَ الوَعِيدِ لِشارِبِها، وأنَّها مِن كَبائِرِ الذُّنُوبِ. وقَدْ أجْمَعَ عَلى ذَلِكَ المُسْلِمُونَ إجْماعًا لا شَكَّ فِيهِ ولا شُبْهَةَ، وأجْمَعُوا أيْضًا عَلى تَحْرِيمِ بَيْعِها والِانْتِفاعِ بِها ما (p-٣٩٣)دامَتْ خَمْرًا، وكَما دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى تَحْرِيمِ الخَمْرِ دَلَّتْ أيْضًا عَلى تَحْرِيمِ المَيْسِرِ والأنْصابِ والأزْلامِ. وقَدْ أشارَتْ هَذِهِ الآيَةُ إلى ما في الخَمْرِ والمَيْسِرِ مِنَ المَفاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ﴾ ومِنَ المَفاسِدِ الدِّينِيَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَصُدَّكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ﴾ . قَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ فِيهِ زَجْرٌ بَلِيغٌ يُفِيدُهُ الِاسْتِفْهامُ الدّالُّ عَلى التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ. ولِهَذا قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمّا سَمِعَ هَذا: انْتَهَيْنا. ثُمَّ أكَّدَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هَذا التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ واحْذَرُوا﴾ أيْ: مُخالَفَتَهُما؛ أيْ: مُخالَفَةُ اللَّهِ ورَسُولِهِ، فَإنَّ هَذا وإنْ كانَ أمْرًا مُطْلَقًا فالمَجِيءُ بِهِ في هَذا المَوْضِعِ يُفِيدُ ما ذَكَرْناهُ مِنَ التَّأْكِيدِ، وهَكَذا ما أفادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أنَّما عَلى رَسُولِنا البَلاغُ المُبِينُ﴾ أيْ: إنْ أعْرَضْتُمْ عَنْ الِامْتِثالِ، فَقَدْ فَعَلَ الرَّسُولُ ما هو الواجِبُ عَلَيْهِ مِنَ البَلاغِ الَّذِي فِيهِ رَشادُكم وصَلاحُكم، ولَمْ تَضُرُّوا بِالمُخالَفَةِ إلّا أنْفُسَكم، وفي هَذا مِنَ الزَّجْرِ ما لا يُقادَرُ قَدْرُهُ ولا يُبْلَغُ مَداهُ. قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا﴾ أيْ: مِنَ المَطاعِمِ الَّتِي يَشْتَهُونَها، والطَّعْمُ وإنْ كانَ اسْتِعْمالُهُ في الأكْلِ أكْثَرَ لَكِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ في الشُّرْبِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي﴾ [البقرة: ٢٤٩] أباحَ اللَّهُ سُبْحانَهُ لَهم في هَذِهِ الآيَةِ جَمِيعَ ما طَعِمُوا كائِنًا ما كانَ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ: ﴿إذا ما اتَّقَوْا﴾ أيِ اتَّقَوْا ما هو مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ كالخَمْرِ وغَيْرِهِ مِنَ الكَبائِرِ، وجَمِيعِ المَعاصِي وآمَنُوا بِاللَّهِ وعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي شَرَعَها اللَّهُ لَهُمْ؛ أيِ: اسْتَمَرُّوا عَلى عَمَلِها. قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ عَطْفٌ عَلى اتَّقَوُا الأوَّلِ؛ أيِ: اتَّقَوْا ما حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ كانَ مُباحًا فِيما سَبَقَ وآمَنُوا بِتَحْرِيمِهِ ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ ما حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّحْرِيمِ المَذْكُورِ قَبْلَهُ مِمّا كانَ مُباحًا مِن قَبْلُ وأحْسَنُوا أيِ عَمِلُوا الأعْمالَ الحَسَنَةَ، هَذا مَعْنى الآيَةِ، وقِيلَ: التَّكْرِيرُ بِاعْتِبارِ الأوْقاتِ الثَّلاثَةِ، وقِيلَ: إنَّ التَّكْرِيرَ بِاعْتِبارِ المَراتِبِ الثَّلاثِ: المَبْدَأُ، والوَسَطُ، والمُنْتَهى، وقِيلَ: إنَّ التَّكْرارَ بِاعْتِبارِ ما يَتَّقِيهِ الإنْسانُ، فَإنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَتْرُكَ المُحَرَّماتِ تَوَقِّيًا مِنَ العَذابِ، والشُّبْهاتِ تَوَقِّيًا مِنَ الوُقُوعِ في الحَرامِ، وبَعْضِ المُباحاتِ حِفْظًا لِلنَّفْسِ عَنِ الخِسَّةِ، وقِيلَ: إنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [التكاثر: ٣، ٤] هَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ إمّا مَعَ النَّظَرِ إلى سَبَبِ نُزُولِها، وهو أنَّهُ لَمّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، قالَ قَوْمٌ مِنَ الصَّحابَةِ: كَيْفَ بِمَن ماتَ مِنّا وهو يَشْرَبُها ويَأْكُلُ المَيْسِرَ ؟ فَنَزَلَتْ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ المَعْنى اتَّقَوْا الشِّرْكَ وآمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ الكَبائِرَ وآمَنُوا أيِ: ازْدادُوا إيمانًا ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا﴾ الصَّغائِرَ وأحْسَنُوا أيْ تَنَفَّلُوا. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: الِاتِّقاءُ الأوَّلُ هو الِاتِّقاءُ بِتَلَقِّي أمْرِ اللَّهِ بِالقَبُولِ والتَّصْدِيقِ والدَّيْنُونَةِ بِهِ والعَمَلِ، والِاتِّقاءُ الثّانِي: الِاتِّقاءُ بِالثَّباتِ عَلى التَّصْدِيقِ، والثّالِثُ: الِاتِّقاءُ بِالإحْسانِ والتَّقَرُّبِ بِالنَّوافِلِ، وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «نَزَلَ في الخَمْرِ ثَلاثُ آياتٍ فَأوَّلُ شَيْءٍ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ﴾ [البقرة: ٢١٩] الآيَةَ، فَقِيلَ حُرِّمَتِ الخَمْرُ. فَقِيلَ: يا رَسُولُ اللَّهِ دَعْنا نَنْتَفِعْ بِها كَما قالَ اللَّهُ، فَسَكَتَ عَنْهم، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ [النساء: ٤٣]، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ. فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ لا نَشْرَبُها قُرْبَ الصَّلاةِ، فَسَكَتَ عَنْهم، ثُمَّ نَزَلَتْ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمْرُ﴾ الآيَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ» " . وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ ثَلاثَ مَرّاتٍ وذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَقالَ النّاسُ: «يا رَسُولَ اللَّهِ، ناسٌ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وماتُوا عَلى فِراشِهِمْ كانُوا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ ويَأْكُلُونَ المَيْسِرَ، وقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ رِجْسًا مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ، وقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: لَوْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ لَتَرَكُوهُ كَما تَرَكْتُمْ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والنَّحّاسُ في ناسِخِهِ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: فِيَّ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، صَنَعَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ طَعامًا فَدَعا ناسًا فَأتَوْهُ، فَأكَلُوا وشَرِبُوا حَتّى انْتَشَوْا مِنَ الخَمْرِ، وذَلِكَ قَبْلَ أنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ فَتَفاخَرُوا، فَقالَتِالأنْصارُ: الأنْصارُ خَيْرٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، وقالَ قُرَيْشٌ: قُرَيْشٌ خَيْرٌ، فَأهْوى رَجُلٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فَضَرَبَ عَلى أنْفِي، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أُنْزِلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ في قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الأنْصارِ شَرِبُوا، فَلَمّا أنْ ثَمِلَ القَوْمُ عَبَثَ بَعْضُهم بِبَعْضٍ، فَلَمّا أنْ صَحَوْا جَعَلَ يَرى الرَّجُلُ مِنهُمُ الأثَرَ بِوَجْهِهِ وبِرَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ، فَيَقُولُ: صَنَعَ بِي هَذا أخِي فُلانٍ وكانُوا إخْوَةً لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ ضَغائِنُ، واللَّهِ لَوْ كانَ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا ما صَنَعَ بِي هَذا حَتّى وقَعَتِ الضَّغائِنُ في قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ فَقالَ ناسٌ مِنَ المُتَكَلِّفِينَ: هي رِجْسٌ، وهي في بَطْنِ فُلانٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وفُلانٌ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا﴾ الآيَةَ. وقَدْ رُوِيَتْ في سَبَبِ النُّزُولِ رِواياتٌ كَثِيرَةٌ مُوافِقَةٌ لِما قَدْ ذَكَرْناهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: المَيْسِرُ هو القِمارُ كُلُّهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ وهْبِ بْنِ كَيْسانَ قالَ: قُلْتُ لِجابِرٍ مَتى حُرِّمَتِ الخَمْرُ ؟ قالَ: بَعْدَ أُحُدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ في سُورَةِ المائِدَةِ، بَعْدَ غَزْوَةِ الأحْزابِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي الدُّنْيا وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كُلُّ القِمارِ مِنَ المَيْسِرِ حَتّى لَعِبُ (p-٣٩٤)الصِّبْيانِ بِالجَوْزِ والكِعابِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: النَّرْدُ والشِّطْرَنْجُ مِنَ المَيْسِرِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: الشِّطْرَنْجُ مَيْسِرُ الأعاجِمِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ النَّرْدِ أهِيَ مِنَ المَيْسِرِ ؟ قالَ: كُلُّ ما ألْهى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ فَهو مَيْسِرٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي الدُّنْيا في ذَمِّ المَلاهِي والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ النَّرْدُ تَكْرَهُونَها فَما بالُ الشِّطْرَنْجِ ؟ قالَ: كُلُّ ما ألْهى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ فَهو مِنَ المَيْسِرِ. وأخْرَجُوا أيْضًا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: يا أهْلَ مَكَّةَ بَلَغَنِي عَنْ رِجالٍ يَلْعَبُونَ بِلُعْبَةٍ يُقالُ لَها النَّرْدَشِيرُ، واللَّهُ يَقُولُ في كِتابِهِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ وإنِّي أحْلِفُ بِاللَّهِ لا أُوتى بِأحَدٍ يَلْعَبُ بِها إلّا عاقَبْتُهُ في شَعْرِهِ وبَشَرِهِ، وأعْطَيْتُ سَلَبَهُ مَن أتانِي بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ مالِكِ بْنِ أنَسٍ قالَ: الشِّطْرَنْجُ مِنَ النَّرْدِ، بَلَغَنا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ ولِي مالَ يَتِيمٍ فَأحْرَقَها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ أبِي جَعْفَرٍ أنَّهُ سَألَ عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقالَ: تِلْكَ المَجُوسِيَّةُ فَلا تَلْعَبُوا بِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «مَن لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَقَدْ عَصى اللَّهَ ورَسُولَهُ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الخَطْمِيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَثَلُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِثْلُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالقَيْحِ ودَمِ الخِنْزِيرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: اللّاعِبُ بِالنَّرْدِ قِمارًا كَآكِلِ لَحْمِ الخِنْزِيرِ، واللّاعِبُ بِها مِن غَيْرِ قِمارٍ كالمُدَّهِنِ بِوَدَكِ الخِنْزِيرِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ يَحْيى بْنِ كَثِيرٍ قالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ فَقالَ: قُلُوبٌ لاهِيَةٌ وأيْدِي عَلِيلَةٌ وألْسِنَةٌ لاغِيَةٌ» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي الدُّنْيا وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: المَيْسِرُ: القِمارُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي الدُّنْيا وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ مِن طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ عَطاءٍ وطاوُسٍ ومُجاهِدٍ قالُوا: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ قِمارٌ فَهو مِنَ المَيْسِرِ حَتّى لَعِبِ الصِّبْيانُ بِالجَوْزِ والكِعابِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ أبِي الدُّنْيا وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قالَ: القِمارُ مِنَ المَيْسِرِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا وأبُو الشَّيْخِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «ثَلاثٌ مِنَ المَيْسِرِ: الصَّفِيرُ بِالحَمّامِ، والقِمارُ، والضَّرْبُ بِالكِعابِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الأنْصابُ حِجارَةٌ كانُوا يَذْبَحُونَ لَها، والأزْلامُ قِداحٌ كانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِها الأُمُورَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: كانَتْ لَهم حَصَياتٌ إذا أرادَ أحَدُهم أنْ يَغْزُوَ أوْ يَجْلِسَ اسْتَقْسَمَ بِها. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في الأزْلامِ قالَ: هي كَعابُ فارِسَ الَّتِي يَقْتَمِرُونَ بِها، وسِهامُ العَرَبِ. وقَدْ ورَدَتْ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ في ذَمِّ الخَمْرِ وشارِبِها والوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ وأنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرامٌ وهي مُدَوَّنَةٌ في كُتُبِ الحَدِيثِ فَلا نُطَوِّلُ المَقامَ بِذِكْرِها فَلَسْنا بِصَدَدِ ذَلِكَ، بَلْ نَحْنُ بِصَدَدِ ما هو مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفْسِيرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب