الباحث القرآني

* [فصل: تسمية المسيح روح اللّه] يبقى هاهنا أمران: أحدهما: أن يقال: فإذا كان النفخ حصل في مريم من جهة الملك وهو الذي ينفخ الأرواح في سائر البشر، فما وجه تسمية المسيح روح اللّه؟ وإذا كان سائر الناس تحدث أرواحهم من هذه الروح فما خاصية المسيح؟ الثاني: أن يقال فهل تعلق الروح بآدم كانت بواسطة نفخ هذه الروح هو الذي نفخها فيه بإذن اللّه كما نفخها في مريم، أم الرب تعالى هو الذي نفخها بنفسه كما خلقه بيده؟ قيل لعمر اللّه إنهما سؤالان مهمان، فأما الأول فالجواب عنه أن الروح الذي نفخ في مريم هو الروح المضاف إلى اللّه الذي اختصه لنفسه وأضافه إليه وهو روح خاص من بين سائر الأرواح، وليس الملك الموكل بالنفخ في بطون الحوامل من المؤمنين والكفار، فإن اللّه سبحانه وكل بالرحم ملكا ينفخ الروح في الجنين فيكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته. وأما هذا الروح المرسل إلى مريم فهو روح اللّه الذي اصطفاه من الأرواح لنفسه، فكان بمنزلة الأب لسائر النوع، فإن نفخته لما دخلت في فرجها كان ذلك بمنزلة لقاح الذكر للأنثى من غير أن يكون هناك وطء، وأما ما اختص به آدم فإنه لم يخلق كخلقة المسيح من أم ولا كخلقه سائر النوع من أب وأم، ولا كان الروح الذي نفخ فيه منه هو الملك الذي ينفخ الروح في سائر أولاده، ولو كان كذلك لم يكن لآدم به اختصاص، وإنما ذكر في الحديث ما اختص به على غيره وهو أربعة أشياء: خلق اللّه له بيده ونفخ فيه من روحه يستلزم نافخا ونفخا ومنفوخا منه، فالمنفوخ منه: هو الروح المضافة إلى اللّه، فمنها سرت النفخة في طينة آدم، واللّه تعالى هو الذي نفخ في طينه من تلك الروح، هذا هو الذي دل عليه النص. وأما كون النفخة بمباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده أو أنها حصلت بأمره، كما حصلت في مريم عليها السلام، فهذا يحتاج إلى دليل، والفرق بين خلق اللّه له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غير مخلوقة، والروح مخلوقة، والخلق فعل من أفعال الرب، وأما النفخ فهل هو من أفعاله القائمة به أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بغيره المنفصلة عنه؟ وهذا مما لا يحتاج إلى دليل؛ وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم، فإنه مفعول من مفعولاته، وأضافه إليه لأنه بإذنه، وأمره فنفخه في آدم هل هو فعل له أو مفعول، وعلى كل تقدير فالروح الذي نفخ منها في آدم روح مخلوقة غير قديمة، وهي مادة روح آدم، فروحه أولى أن تكون حادثة مخلوقة وهو المراد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب