الباحث القرآني
﴿يا أهْلَ الكِتابِ﴾ تَجْرِيدٌ لِلْخِطابِ وتَخْصِيصٌ لَهُ بِالنَّصارى زَجْرًَا لَهم عَمّا هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ.
﴿لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ﴾ بِالإفْراطِ في رَفْعِ شَأْنِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وادِّعاءِ أُلُوهِيَّتِهِ وأمّا غُلُوُّ اليَهُودِ في حَطِّ رُتْبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ورَمْيُهم لَهُ بِأنَّهُ وُلِدَ لِغَيْرِ رَشْدَةٍ فَقَدْ نَعى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِيما سَبَقَ.
﴿وَلا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلا الحَقَّ﴾ أيْ: لا تَصِفُوهُ بِما يَسْتَحِيلُ اتِّصافُهُ بِهِ مِنَ الحُلُولِ والِاتِّحادِ واتِّخاذِ الصّاحِبَةِ والوَلَدِ بَلْ نَزِّهُوهُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ.
﴿إنَّما المَسِيحُ﴾ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ وقُرِئَ بِكَسْرِ المِيمِ وتَشْدِيدِ السِّينِ كالسِّكِّيتِ عَلى صِيغَةِ المُبالَغَةِ، وهو مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عِيسى﴾ بَدَلٌ مِنهُ أوْ عَطْفُ بَيانٍ لَهُ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ صِفَةٌ لَهُ مُفِيدَةٌ لِبُطْلانِ ما وصَفُوهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ مِن بُنُوَّتِهِ لِلَّهِ تَعالى وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَسُولُ اللَّهِ﴾ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإ والجُمْلَةُ مُسْتَأْنِفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنِ القَوْلِ الباطِلِ المُسْتَلْزِمِ لِلْأمْرِ بِضِدِّهِ أعْنِي الحَقَّ، أيْ: أنَّهُ مَقْصُورٌ عَلى رُتْبَةِ الرِّسالَةِ لا يَتَخَطّاها.
﴿وَكَلِمَتُهُ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿رَسُولُ اللَّهِ﴾ أيْ: مُكَوَّنٌ بِكَلِمَتِهِ وأمْرِهِ الَّذِي هو كُنْ مِن غَيْرِ واسِطَةِ أبٍ ولا نُطْفَةٍ.
﴿ألْقاها إلى مَرْيَمَ﴾ أيْ: أوْصَلَها إلَيْها وحَصَّلَها فِيها بِنَفْخِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وقِيلَ: أعْلَمَها إيّاها وأخْبَرَها بِها بِطَرِيقِ البِشارَةِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ . وقِيلَ: الجُمْلَةُ حالٌ مِن ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ المُسْتَكِنِّ فِيما دَلَّ عَلَيْهِ "وَكَلِمَتُهُ" مِن مَعْنى المُشْتَقِّ الَّذِي هو العامِلُ فِيها و"قَدْ" مُقَدَّرَةٌ مَعَها.
﴿وَرُوحٌ مِنهُ﴾ قِيلَ: هو الَّذِي نَفَخَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ في دِرْعِ مَرْيَمَ فَحَمَلَتْ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى سُمِّيَ النَّفْخُ رُوحًَا لِأنَّهُ رِيحٌ تَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ و"مِن" لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًَا لا تَبْعِيضِيَّةٌ كَما زَعَمَتِ النَّصارى. يُحْكى أنَّ طَبِيبًَا حاذِقًَا نَصْرانِيًَّا لِلرَّشِيدِ ناظَرَ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ الواقِدِيَّ المَرْوَزِيَّ ذاتَ يَوْمٍ فَقالَ لَهُ: إنَّ في كِتابِكم ما يَدُلُّ عَلى أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ جُزْءٌ مِنهُ تَعالى وتَلا هَذِهِ الآيَةَ فَقَرَأ الواقِدِيُّ: وسَخَّرَ لَكم ما في السَّمَواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًَا مِنهُ فَقالَ: إذَنْ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ جَمِيعُ تِلْكَ الأشْياءِ جُزْءًَا مِنَ اللَّهِ تَعالى عُلُوًَّا كَبِيرًَا، فانْقَطَعَ النَّصْرانِيُّ فَأسْلَمَ وفَرِحَ الرَّشِيدُ فَرَحًَا شَدِيدًَا ووَصَلَ الواقِدِيَّ بِصِلَةٍ فاخِرَةٍ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِـ"رُوحٌ" أيْ: كائِنَةٌ مِن جِهَتِهِ تَعالى جُعِلَتْ مِنهُ تَعالى وإنْ كانَتْ بِنَفْخِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِكَوْنِ النَّفْخِ بِأمْرِهِ سُبْحانَهُ. وقِيلَ: سُمِّيَ رُوحًَا لِإحْيائِهِ الأمْواتَ. وقِيلَ: لِإحْيائِهِ القُلُوبَ كَما سُمِّيَ بِهِ القرآن (p-260)لِذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ . وقِيلَ: أُرِيدَ بِالرُّوحِ الوَحْىُ الَّذِي أوْحى إلى مَرْيَمَ بِالبِشارَةِ. وقِيلَ: جَرَتِ العادَةُ بِأنَّهم إذا أرادُوا وصْفَ شَيْءٍ بِغايَةِ الطَّهارَةِ والنَّظافَةِ قالُوا: إنَّهُ رُوحٌ؛ فَلَمّا كانَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُتَكَوِّنًَا مِنَ النَّفْخِ لا مِنَ النُّطْفَةِ وُصِفَ بِالرُّوحِ، وتَقْدِيمُ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ رَسُولَ اللَّهِ في الذِّكْرِ مَعَ تَأخُّرِهِ عَنْ كَوْنِهِ كَلِمَتَهُ تَعالى ورُوحًَا مِنهُ في الوُجُودِ لِتَحْقِيقِ الحَقِّ مِن أوَّلِ الأمْرِ بِما هو نَصٌّ فِيهِ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ وتَعْيِينِ مَآلِ ما يَحْتَمِلُهُ وسَدِّ بابِ التَّأْوِيلِ الزّائِغِ.
﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ﴾ وخُصُّوهُ بِالأُلُوهِيَّةِ.
﴿وَرُسُلِهِ﴾ أجْمَعِينَ وصِفُوهم بِالرِّسالَةِ ولا تُخْرِجُوا بَعْضَهم عَنْ سِلْكِهِمْ بِوَصْفِهِ بِالأُلُوهِيَّةِ.
﴿وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ أيِ: الآلِهَةُ ثَلاثَةٌ اللَّهُ والمَسِيحُ ومَرْيَمُ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ * أوِ اللَّهُ ثَلاثَةٌ إنْ صَحَّ أنَّهم يَقُولُونَ: اللَّهُ جَوْهَرٌ واحِدٌ ثَلاثَةُ أقانِيمَ أُقْنُومُ الأبِ وأُقْنُومُ الِابْنِ وأُقْنُومُ الرُّوحِ القُدُسِ وأنَّهم يُرِيدُونَ بِالأوَّلِ الذّاتَ. وقِيلَ: الوُجُودُ وبِالثّانِي العِلْمَ وبِالثّالِثِ الحَياةَ.
﴿انْتَهُوا﴾ أيْ: عَنِ التَّثْلِيثِ.
﴿خَيْرًا لَكُمْ﴾ قَدْ مَرَّ وُجُوهُ انْتِصابِهِ.
﴿إنَّما اللَّهُ إلَهٌ واحِدٌ﴾ أيْ: بِالذّاتِ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّعَدُّدِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ فَـ"اللَّهُ" مُبْتَدَأٌ و"إلَهٌ" خَبَرُهُ و "واحِدٌ" نَعْتٌ أيْ: مُنْفَرِدٌ في أُلُوهِيَّتِهِ.
﴿سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ﴾ أيْ: أُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًَا مِن ذَلِكَ فَإنَّهُ إنَّما يُتَصَوَّرُ فِيمَن يُماثِلُهُ شَيْءٌ ويَتَطَرَّقُ إلَيْهِ فَناءٌ واللَّهُ سُبْحانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أمْثالِهِ، وقُرِئَ "إنْ يَكُونُ" أيْ: سُبْحانَهُ ما يَكُونُ لَهُ ولَدٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ التَّنْزِيهِ وتَقْرِيرِهِ: أيْ: لَهُ ما فِيهِما مِنَ المَوْجُوداتِ خَلْقًَا ومِلْكًَا وتَصَرُّفًَا لا يَخْرُجُ عَنْ مَلَكُوتِهِ شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ ولَدًَا لَهُ تَعالى.
﴿وَكَفى بِاللَّهِ وكِيلا﴾ إلَيْهِ يَكِلُ كُلُّ الخَلْقِ أُمُورَهم وهو غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ فَأنّى يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ اتِّخاذُ الوَلَدِ الَّذِي هو شَأْنُ العَجَزَةِ المُحْتاجِينَ في تَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ إلى مَن يَخْلُفُهم ويَقُومُ مَقامَهم.
{"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق