الباحث القرآني
﴿يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكم ولا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ إنَّما المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنهُ﴾ .
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ بِخِطابٍ مُوَجَّهٍ إلى النَّصارى خاصَّةً.
وخُوطِبُوا بِعُنْوانِ أهْلِ الكِتابِ تَعْرِيضًا بِأنَّهم خالَفُوا كِتابَهم.
وقَرِينَةُ أنَّهُمُ المُرادُ هي قَوْلُهُ ﴿إنَّما المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ﴾ إلى قَوْلِهِ (﴿أنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٧٢]) فَإنَّهُ بَيانٌ لِلْمُرادِ مِن إجْمالِ قَوْلِهِ ﴿لا تَغْلُوا في دِينِكم ولا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ﴾ وابْتُدِئَتْ مَوْعِظَتُهم بِالنَّهْيِ عَنِ الغُلُوِّ لِأنَّ النَّصارى غَلَوْا في تَعْظِيمِ عِيسى فادَّعَوْا لَهُ بُنُوَّةَ اللَّهِ، وجَعَلُوهُ ثالِثَ الآلِهَةِ.
والغُلُوُّ: تَجاوُزُ الحَدِّ المَأْلُوفِ، مُشْتَقٌّ مِن غَلْوَةِ السَّهْمِ، وهي مُنْتَهى انْدِفاعِهِ، (p-٥١)واسْتُعِيرَ لِلزِّيادَةِ عَلى المَطْلُوبِ مِنَ المَعْقُولِ، أوِ المَشْرُوعِ في المُعْتَقَداتِ، والإدْراكاتِ، والأفْعالِ. والغُلُوُّ في الدِّينِ أنْ يُظْهِرَ المُتَدَيِّنُ ما يَفُوتُ الحَدَّ الَّذِي حَدَّدَ لَهُ الدِّينُ. ونَهاهم عَنِ الغُلُوِّ لِأنَّهُ أصْلٌ لِكَثِيرٍ مِن ضَلالِهِمْ وتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ الصّادِقِينَ. وغُلُوُّ أهْلِ الكِتابِ تَجاوُزُهُمُ الحَدَّ الَّذِي طَلَبَهُ دِينُهم مِنهم: فاليَهُودُ طُولِبُوا بِاتِّباعِ التَّوْراةِ ومَحَبَّةِ رَسُولِهِمْ، فَتَجاوَزُوهُ إلى بِغْضَةِ الرُّسُلِ كَعِيسى ومُحَمَّدٍ عَلَيْهِما السَّلامُ، والنَّصارى طُولِبُوا بِاتِّباعِ المَسِيحِ فَتَجاوَزُوا فِيهِ الحَدَّ إلى دَعْوى إلَهِيَّتِهِ أوْ كَوْنِهِ ابْنَ اللَّهِ، مَعَ الكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ .
وقَوْلُهُ ﴿ولا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ﴾ عَطْفٌ خاصٌّ عَلى عامٍّ لِلِاهْتِمامِ بِالنَّهْيِ عَنِ الِافْتِراءِ الشَّنِيعِ. وفِعْلُ القَوْلِ إذا عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلى) دَلَّ عَلى أنَّ نِسْبَةَ القائِلِ القَوْلِ إلى المَجْرُورِ بِـ (عَلى) نِسْبَةٌ كاذِبَةٌ، قالَ تَعالى ﴿ويَقُولُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [آل عمران: ٧٥] . ومَعْنى القَوْلِ عَلى اللَّهِ هُنا: أنْ يَقُولُوا شَيْئًا يَزْعُمُونَ أنَّهُ مِن دِينِهِمْ، فَإنَّ الدِّينَ مِن شَأْنِهِ أنْ يُتَلَقّى مِن عِنْدِ اللَّهِ.
وقَوْلُهُ ﴿إنَّما المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْحَدِّ الَّذِي كانَ الغُلُوُّ عِنْدَهُ، فَإنَّهُ مُجْمَلٌ؛ ومُبَيِّنَةٌ لِلْمُرادِ مِن قَوْلِ الحَقِّ.
ولِكَوْنِها تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَها مَنزِلَةَ البَيانِ فُصِلَتْ عَنْها. وقَدْ أفادَتِ الجُمْلَةُ قَصْرَ المَسِيحِ عَلى صِفاتٍ ثَلاثٍ: صِفَةُ الرِّسالَةِ، وصِفَةُ كَوْنِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ أُلْقِيَتْ إلى مَرْيَمَ، وصِفَةُ كَوْنِهِ رُوحًا مِن عِنْدِ اللَّهِ. فالقَصْرُ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلى صِفَةٍ. والقَصْدُ مِن هَذا القَصْرِ إبْطالُ ما أحْدَثَهُ غُلُوُّهم في هَذِهِ الصِّفاتِ غُلُوًّا أخْرَجَها عَنْ كُنْهِها؛ فَإنَّ هَذِهِ الصِّفاتِ ثابِتَةٌ لِعِيسى، وهم مُثْبِتُونَ لَها فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ وصْفُ عِيسى بِها، لَكِنَّهم تَجاوَزُوا الحَدَّ المَحْدُودَ لَها فَجَعَلُوا الرِّسالَةَ البُنُوَّةَ، وجَعَلُوا الكَلِمَةَ اتِّحادَ حَقِيقَةِ الإلَهِيَّةِ بِعِيسى في بَطْنِ مَرْيَمَ فَجَعَلُوا (p-٥٢)عِيسى ابْنًا لِلَّهِ ومَرْيَمَ صاحِبَةً لِلَّهِ سُبْحانَهُ، وجَعَلُوا مَعْنى الرُّوحِ عَلى ما بِهِ تَكَوَّنَتْ حَقِيقَةُ المَسِيحِ في بَطْنِ مَرْيَمَ مِن نَفْسِ الإلَهِيَّةِ.
والقَصْرُ إضافِيٌّ، وهو قَصْرُ إفْرادٍ، أيْ عِيسى مَقْصُورٌ عَلى صِفَةِ الرِّسالَةِ والكَلِمَةِ والرُّوحِ، لا يَتَجاوَزُ ذَلِكَ إلى ما يُزادُ عَلى تِلْكَ الصِّفاتِ مِن كَوْنِ المَسِيحِ ابْنًا لِلَّهِ واتِّحادِ الإلَهِيَّةِ بِهِ وكَوْنِ مَرْيَمَ صاحِبَةً.
ووَصْفُ المَسِيحِ بِأنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وصْفٌ جاءَ التَّعْبِيرُ بِهِ في الأناجِيلِ؛ فَفي صَدْرِ إنْجِيلِ يُوحَنّا: في البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ، والكَلِمَةُ كانَ عِنْدَ اللَّهِ، وكانَ الكَلِمَةُ اللَّهَ، ثُمَّ قالَ والكَلِمَةُ صارَ جَسَدًا وحَلَّ بَيْنَنا. وقَدْ حَكاهُ القُرْآنُ وأثْبَتَهُ فَدَلَّ عَلى أنَّهُ مِنَ الكَلِماتِ الإنْجِيلِيَّةِ، فَمَعْنى ذَلِكَ أنَّهُ أثَرُ كَلِمَةِ اللَّهِ. والكَلِمَةُ هي التَّكْوِينُ، وهو المُعَبَّرُ عَنْهُ في الِاصْطِلاحِ بِـ (كُنْ) . فَإطْلاقُ الكَلِمَةِ عَلى التَّكْوِينِ مَجازٌ، ولَيْسَ هو بِكَلِمَةٍ، ولَكِنَّهُ تَعَلُّقُ القُدْرَةِ. ووَصْفُ عِيسى بِذَلِكَ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِتَكْوِينِهِ التَّأْثِيرُ الظّاهِرُ المَعْرُوفُ في تَكْوِينِ الأجِنَّةِ، فَكانَ حُدُوثُهُ بِتَعَلُّقِ القُدْرَةِ، فَيَكُونُ في كَلِمَتِهِ في الآيَةِ مَجازانِ: مَجازُ حَذْفٍ، ومَجازُ اسْتِعارَةٍ صارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.
ومَعْنى ألْقاها إلى مَرْيَمَ أوْصَلَها إلى مَرْيَمَ، ورُوعِيَ في الضَّمِيرِ تَأْنِيثُ لَفْظِ الكَلِمَةِ، وإلّا فَإنَّ المُرادَ مِنها عِيسى، أوْ أرادَ كَلِمَةَ أمْرِ التَّكْوِينِ. ووَصْفُ عِيسى بِأنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وصْفٌ وقَعَ في الأناجِيلِ. وقَدْ أقَرَّهُ اللَّهُ هُنا، فَهو مِمّا نَزَلَ حَقًّا.
ومَعْنى كَوْنِ عِيسى رُوحًا مِنَ اللَّهِ أنَّ رُوحَهُ مِنَ الأرْواحِ الَّتِي هي عَناصِرُ الحَياةِ، لَكِنَّها نُسِبَتْ إلى اللَّهِ لِأنَّها وصَلَتْ إلى مَرْيَمَ بِدُونِ تَكَوُّنٍ في نُطْفَةٍ فَبِهَذا امْتازَ عَنْ بَقِيَّةِ الأرْواحِ. ووُصِفَ بِأنَّهُ مُبْتَدَأٌ مِن جانِبِ اللَّهِ، وقِيلَ: لِأنَّ عِيسى لَمّا غَلَبَتْ عَلى نَفْسِهِ المَلَكِيَّةُ وُصِفَ بِأنَّهُ رُوحٌ، كَأنَّ حُظُوظَ الحَيَوانِيَّةِ مُجَرَّدَةٌ عَنْهُ. وقِيلَ: الرُّوحُ النَّفْخَةُ. والعَرَبُ تُسَمِّي النَّفْسَ رُوحًا والنَّفْخَ رُوحًا. قالَ ذُو الرُّمَّةِ يَذْكُرُ لِرَفِيقِهِ أنْ يُوقِدَ نارًا بِحَطَبٍ:(p-٥٣)
؎فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْها إلَيْكَ فَأحْيِها بِرُوحِكَ واقْتُتْهُ لَها قِيتَةً قَدْرًا
أيْ بِنَفْخِكَ.
وتَلْقِيبُ عِيسى بِالرُّوحِ طَفَحَتْ بِهِ عِباراتُ الأناجِيلِ. و(مِن) ابْتِدائِيَّةٌ عَلى التَّقادِيرِ.
فَإنْ قُلْتَ: ما حِكْمَةُ وُقُوعِ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ هُنا عَلى ما فِيهِما مِن شُبْهَةٍ ضَلَّتْ بِها النَّصارى ؟ وهَلّا وُصِفَ المَسِيحُ في جُمْلَةِ القَصْرِ بِمِثْلِ ما وُصِفَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ﴾ [الكهف: ١١٠] فَكانَ أصْرَحُ في بَيانِ العُبُودِيَّةِ، وأنْفى لِلضَّلالِ ؟
قُلْتُ: الحِكْمَةُ في ذَلِكَ أنَّ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ وقَعا في كَلامِ الإنْجِيلِ، أوْ في كَلامِ الحَوارِيِّينَ وصْفًا لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانا مَفْهُومَيْنِ في لُغَةِ المُخاطَبِينَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمّا تَغَيَّرَتْ أسالِيبُ اللُّغاتِ، وساءَ الفَهْمُ في إدْراكِ الحَقِيقَةِ والمَجازِ تَسَرَّبَ الضَّلالُ إلى النَّصارى في سُوءِ وضْعِهِما فَأُرِيدَ التَّنْبِيهُ عَلى ذَلِكَ الخَطَأِ في التَّأْوِيلِ، أيْ أنَّ قُصارى ما وقَعَ لَدَيْكم مِن كَلامِ الأناجِيلِ هو وصْفُ المَسِيحِ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وبِرَوْحِ اللَّهِ، ولَيْسَ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ ما يُؤَدِّي إلى اعْتِقادِ أنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وأنَّهُ إلَهٌ.
وتَصْدِيرُ جُمْلَةِ القَصْرِ بِأنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ يُنادِي عَلى وصْفِ العُبُودِيَّةِ إذْ لا يُرْسِلُ الإلَهُ إلَهًا مِثْلَهُ، فَفِيهِ كِفايَةٌ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى مَعْنى الكَلِمَةِ والرُّوحِ.
* * *
﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكم إنَّما اللَّهُ إلَهٌ واحِدٌ سُبْحَنَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا﴾ .
الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَنْ جُمْلَةِ القَصْرِ وما بُنِيَتْ عَلَيْهِ. أيْ إذا وضَحَ كُلُّ ما بَيَّنَهُ اللَّهُ (p-٥٤)مِن وحْدانِيَّتِهِ، وتَنْزِيهِهِ، وصِدْقِ رُسُلِهِ، يَتَفَرَّعُ أنْ آمُرَكم بِالإيمانِ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ. وأُمِرُوا بِالإيمانِ بِاللَّهِ مَعَ كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ، أيِ النَّصارى، لِأنَّهم لَمّا وصَفُوا اللَّهَ بِما لا يَلِيقُ فَقَدْ أفْسَدُوا الإيمانَ، ولِيَكُونَ الأمْرُ بِالإيمانِ بِاللَّهِ تَمْهِيدًا لِلْأمْرِ بِالإيمانِ بِرُسُلِهِ، وهو المَقْصُودُ، وهَذا هو الظّاهِرُ عِنْدِي. وأُرِيدَ بِالرُّسُلِ جَمِيعُهم، أيْ لا تَكْفُرُوا بِواحِدٍ مِن رُسُلِهِ. وهَذا بِمَنزِلَةِ الِاحْتِراسِ عَنْ أنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمُونَ أنْ يُعْرِضُوا عَنِ الإيمانِ بِرِسالَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُبالَغَةً في نَفْيِ الإلَهِيَّةِ عَنْهُ.
وقَوْلُهُ ﴿ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ أيْ لا تَنْطِقُوا بِهَذِهِ الكَلِمَةِ، ولَعَلَّها كانَتْ شِعارًا لِلنَّصارى في دِينِهِمْ كَكَلِمَةِ الشَّهادَةِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، ومِن عَوائِدِهِمُ الإشارَةُ إلى التَّثْلِيثِ بِالأصابِعِ الثَّلاثَةِ: الإبْهامِ والخِنْصَرِ والبِنْصِرِ. والمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ النَّهْيُ عَنِ النُّطْقِ بِالمُشْتَهِرِ مِن مَدْلُولِ هَذِهِ الكَلِمَةِ وعَنِ الِاعْتِقادِ. لِأنَّ أصْلَ الكَلامِ الصِّدْقُ فَلا يَنْطِقُ أحَدٌ إلّا عَنِ اعْتِقادٍ، فالنَّهْيُ هُنا كِنايَةٌ بِإرادَةِ المَعْنى ولازِمِهِ. والمُخاطَبُ بِقَوْلِهِ (ولا تَقُولُوا) خُصُوصُ النَّصارى.
و(ثَلاثَةٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كانَ حَذْفُهُ لِيَصْلُحَ لِكُلِّ ما يَصْلُحُ تَقْدِيرُهُ مِن مَذاهِبِهِمْ مِنَ التَّثْلِيثِ، فَإنَّ النَّصارى اضْطَرَبُوا في حَقِيقَةِ تَثْلِيثِ الإلَهِ كَما سَيَأْتِي، فَيُقَدَّرُ المُبْتَدَأُ المَحْذُوفُ عَلى حَسَبِ ما يَقْتَضِيهِ المَرْدُودُ مِن أقْوالِهِمْ في كَيْفِيَّةِ التَّثْلِيثِ مِمّا يَصِحُّ الإخْبارُ عَنْهُ بِلَفْظِ (ثَلاثَةٌ) مِنَ الأسْماءِ الدّالَّةِ عَلى الإلَهِ، وهي عِدَّةُ أسْماءٍ. فَفي الآيَةِ الأُخْرى ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣] . وفي آيَةِ آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]، أيْ إلَهَيْنِ مَعَ اللَّهِ، كَما سَيَأْتِي، فالمَجْمُوعُ ثَلاثَةٌ: كُلُّ واحِدٍ مِنهم إلَهٌ؛ ولَكِنَّهم يَقُولُونَ: إنَّ مَجْمُوعَ الثَّلاثَةِ إلَهٌ واحِدٌ أوِ اتَّحَدَتِ الثَّلاثَةُ فَصارَ إلَهًا واحِدًا. قالَ في الكَشّافِ: (ثَلاثَةٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. فَإنْ صَحَّتِ الحِكايَةُ عَنْهم أنَّهم يَقُولُونَ: هو جَوْهَرٌ واحِدٌ وثَلاثَةُ أقانِيمَ، فَتَقْدِيرُهُ اللَّهُ ثَلاثَةٌ وإلّا فَتَقْدِيرُهُ الآلِهَةُ ثَلاثَةٌ اهـ.
والتَّثْلِيثُ أصْلٌ في عَقِيدَةِ النَّصارى كُلِّهِمْ، ولَكِنَّهم مُخْتَلِفُونَ في كَيْفِيَّتِهِ. ونَشَأ (p-٥٥)مِنِ اعْتِقادِ قُدَماءِ الإلَهِيِّينَ مِن نَصارى اليُونانِ أنَّ اللَّهَ تَعالى (ثالُوثٌ)، أيْ أنَّهُ جَوْهَرٌ واحِدٌ، وهَذا الجَوْهَرُ مَجْمُوعُ ثَلاثَةِ أقانِيمَ، واحِدُها أُقْنُومٌ بِضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُونُ القافِ. قالَ في القامُوسِ: هو كَلِمَةٌ رُومِيَّةٌ، وفَسَّرَهُ القامُوسُ بِالأصْلِ، وفَسَّرَهُ التَّفْتَزانِيُّ في كِتابِ المَقاصِدِ بِالصِّفَةِ. ويَظْهَرُ أنَّهُ مُعَرَّبُ كَلِمَةِ (قَنُومَ) بِقافٍ مُعَقَّدٍ عَجَمِيٍّ وهو الِاسْمُ، أيِ الكَلِمَةُ. وعَبَّرُوا عَنْ مَجْمُوعِ الأقانِيمِ الثَّلاثَةِ بِعِبارَةٍ (آبا - ابْنا - رُوحا - قُدُسا) وهَذِهِ الأقانِيمُ يَتَفَرَّعُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ: فالأُقْنُومُ الأوَّلُ أُقْنُومُ الذّاتِ أوِ الوُجُودِ القَدِيمِ وهو الأبُ وهو أصْلُ المَوْجُوداتِ.
والأُقْنُومُ الثّانِي أُقْنُومُ العِلْمِ، وهو الِابْنُ، وهو دُونُ الأُقْنُومِ الأوَّلِ، ومِنهُ كانَ تَدْبِيرُ جَمِيعِ القُوى العَقْلِيَّةِ.
والأُقْنُومُ الثّالِثُ أُقْنُومُ الرُّوحِ القُدُسِ، وهو صِفَةُ الحَياةِ، وهي دُونُ أُقْنُومِ العِلْمِ ومِنها كانَ إيجادُ عالَمِ المَحْسُوساتِ.
وقَدْ أهْمَلُوا ذِكْرَ صِفاتٍ تَقْتَضِيها الإلَهِيَّةُ، مِثْلَ القِدَمِ والبَقاءِ، وتَرَكُوا صِفَةَ الكَلامِ والقُدْرَةِ والإرادَةِ، ثُمَّ أرادُوا أنْ يَتَأوَّلُوا ما يَقَعُ في الإنْجِيلِ مِن صِفاتِ اللَّهِ، فَسَمُّوا أُقْنُومَ الذّاتِ بِالأبِ، وأُقْنُومَ العِلْمِ بِالِابْنِ، وأُقْنُومَ الحَياةِ بِالرُّوحِ القُدُسِ، لِأنَّ الإنْجِيلَ أطْلَقَ اسْمَ الأبِ عَلى اللَّهِ، وأطْلَقَ اسْمَ الِابْنِ عَلى المَسِيحِ رَسُولِهِ، وأطْلَقَ الرُّوحَ القُدُسَ عَلى ما بِهِ كُوِّنَ المَسِيحُ في بَطْنِ مَرْيَمَ، عَلى أنَّهم أرادُوا أنْ يُنَبِّهُوا عَلى أنَّ أُقْنُومَ الوُجُودِ هو مُفِيضُ الأُقْنُومَيْنِ الآخَرَيْنِ فَرامُوا أنْ يَدُلُّوا عَلى عَدَمِ تَأخُّرِ بَعْضِ الصِّفاتِ عَنْ بَعْضٍ فَعَبَّرُوا بِالأبِ والِابْنِ، كَما عَبَّرَ الفَلاسِفَةُ اليُونانُ بِالتَّوَلُّدِ. وسَمُّوا أُقْنُومَ العِلْمِ بِالكَلِمَةِ لِأنَّ مِن عِباراتِ الإنْجِيلِ إطْلاقَ الكَلِمَةِ عَلى المَسِيحِ، فَأرادُوا أنَّ المَسِيحَ مَظْهَرُ عِلْمِ اللَّهِ، أيْ أنَّهُ يَعْلَمُ ما عَلِمَهُ اللَّهُ ويُبَلِّغُهُ، وهو مَعْنى الرِّسالَةِ إذْ كانَ العِلْمُ يَوْمَ تَدْوِينِ الأناجِيلِ مُكَلَّلًا بِالألْفاظِ الِاصْطِلاحِيَّةِ لِلْحِكْمَةِ الإلَهِيَّةِ الرُّومِيَّةِ، فَلَمّا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ المَعانِي أخَذُوا بِالظَّواهِرِ فاعْتَقَدُوا أنَّ الأرْبابَ ثَلاثَةٌ، وهَذا أصْلُ النَّصْرانِيَّةِ، وقارَبُوا عَقِيدَةَ الشِّرْكِ.
(p-٥٦)ثُمَّ جَرَّهُمُ الغُلُوُّ في تَقْدِيسِ المَسِيحِ فَتَوَهَّمُوا أنَّ عِلْمَ اللَّهِ اتَّحَدَ بِالمَسِيحِ، فَقالُوا: إنَّ المَسِيحَ صارَ ناسُوتُهُ لاهُوتًا، بِاتِّحادِ أُقْنُومِ العِلْمِ بِهِ، فالمَسِيحُ جَوْهَرانِ وأُقْنُومٌ واحِدٌ، ثُمَّ نَشَأتْ فِيهِمْ عَقِيدَةُ الحُلُولِ، أيْ حُلُولِ اللَّهِ في المَسِيحِ بِعِباراتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، ثُمَّ اعْتَقَدُوا اتِّحادَ اللَّهِ بِالمَسِيحِ، فَقالُوا: اللَّهُ هو المَسِيحُ. هَذا أصْلُ التَّثْلِيثِ عِنْدَ النَّصارى، وعَنْهُ تَفَرَّعَتْ مَذاهِبُ ثَلاثَةٌ أشارَ إلى جَمِيعِها قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ وقَوْلُهُ ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٢] وقَوْلُهُ ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] وكانُوا يَقُولُونَ: في عِيسى لاهُوتِيَّةٌ مِن جِهَةِ الأبِ وناسُوتِيَّةٌ أيْ إنْسانِيَّةٌ مِن جِهَةِ الأُمِّ.
وظَهَرَ بِالإسْكَنْدَرِيَّةِ راهِبٌ اسْمُهُ (آرِيُوسُ) قالَ بِالتَّوْحِيدِ وأنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وكانَ في زَمَنِ قُسْطَنْطِينُوسَ سُلْطانِ الرُّومِ بانِي القُسْطَنْطِينِيَّةِ. فَلَمّا تَدَيَّنَ قُسْطَنْطِينُوسُ المَذْكُورُ بِالنَّصْرانِيَّةِ سَنَةَ ٣٢٧ تَبِعَ مَقالَةَ آرِيُوسَ، ثُمَّ رَأى مُخالَفَةَ مُعْظَمِ الرُّهْبانِ لَهُ فَأرادَ أنْ يُوَحِّدَ كَلِمَتَهم، فَجَمَعَ مَجْمَعًا مِن عُلَماءِ النَّصارى في أواخِرِ القَرْنِ الرّابِعِ مِنَ التّارِيخِ المَسِيحِيِّ، وكانَ في هَذا المَجْمَعِ نَحْوُ ألْفَيْ عالٍمٍ مِنَ النَّصارى فَوَجَدَهم مُخْتَلِفِينَ اخْتِلافًا كَثِيرًا ووَجَدَ أكْثَرَ طائِفَةٍ مِنهم عَلى قَوْلٍ واحِدٍ ثَلاثَمِائَةٍ وبِضْعَةَ عَشَرَ عالِمًا فَأخَذَ قَوْلَهم وجَعَلَهُ أصْلَ المَسِيحِيَّةِ ونَصَرَهُ، وهَذِهِ الطّائِفَةُ تُلَقَّبُ (المَلْكانِيَّةُ) نِسْبَةً لِلْمَلِكِ.
واتَّفَقَ قَوْلُهم عَلى أنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ اتَّحَدَتْ بِجَسَدِ عِيسى، وتَقَمَّصَتْ في ناسُوتِهِ، أيْ إنْسانِيَّتِهِ، ومازَجَتْهُ امْتِزاجَ الخَمْرِ بِالماءِ، فَصارَتِ الكَلِمَةُ ذاتًا في بَطْنِ مَرْيَمَ، وصارَتْ تِلْكَ الذّاتُ ابْنًا لِلَّهِ تَعالى، فالإلَهُ مَجْمُوعُ ثَلاثَةِ أشْياءَ: الأوَّلُ الأبُ ذُو الوُجُودِ، والثّانِي الِابْنُ ذُو الكَلِمَةِ، أيِ العِلْمِ، والثّالِثُ رُوحُ القُدُسِ.
(p-٥٧)ثُمَّ حَدَثَتْ فِيهِمْ فِرْقَةُ اليَعْقُوبِيَّةِ وفِرْقَةُ النَّسْطُورِيَّةِ في مَجامِعٍ أُخْرى انْعَقَدَتْ بَيْنَ الرُّهْبانِ. فاليَعْقُوبِيَّةُ، ويُسَمَّوْنَ الآنَ (أرْثُودُكْسَ)، ظَهَرُوا في أواسِطِ القَرْنِ السّادِسِ المَسِيحِيِّ، وهم أسْبَقُ مِنَ النَّسْطُورِيَّةِ؛ قالُوا: انْقَلَبَتِ الإلَهِيَّةُ لَحْمًا ودَمًا، فَصارَ الإلَهُ هو المَسِيحُ فَلِأجْلِ ذَلِكَ صَدَرَتْ عَنِ المَسِيحِ خَوارِقُ العاداتِ مِن إحْياءِ المَوْتى وإبْراءِ الأكَمَهِ والأبْرَصِ فَأشْبَهَ صُنْعُهُ صُنْعَ اللَّهِ تَعالى مِمّا يَعْجِزُ عَنْهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى. وكانَ نَصارى الحَبَشَةِ يَعاقِبَةً، وسَنَتَعَرَّضُ لِذِكْرِها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٢] في سُورَةِ المائِدَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ مِن بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧] .
والنَّسْطُورِيَّةُ قالَتْ: اتَّحَدَتِ الكَلِمَةُ بِجَسَدِ المَسِيحِ بِطَرِيقِ الإشْراقِ كَما تُشْرِقُ الشَّمْسُ مِن كُوَّةٍ مِن بَلُّورٍ، فالمَسِيحُ إنْسانٌ، وهو كَلِمَةُ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ هو إنْسانٌ إلَهٌ، أوْ هو لَهُ ذاتِيَّتانِ ذاتٌ إنْسانِيَّةٌ وأُخْرى إلَهِيَّةٌ، وقَدْ أُطْلِقَ عَلى الرَّئِيسِ الدِّينِيِّ لِهَذِهِ النِّحْلَةِ لَقَبُ جاثِلِيقَ. وكانَتِ النِّحْلَةُ النَّسْطُورِيَّةُ غالِبَةً عَلى نَصارى العَرَبِ. وكانَ رُهْبانُ اليَعاقِبَةِ ورُهْبانُ النَّسْطُورِيِّينَ يَتَسابَقُونَ لِبَثِّ كُلِّ فَرِيقٍ نِحْلَتَهُ بَيْنَ قَبائِلِ العَرَبِ. وكانَ الأكاسِرَةُ حُماةً لِلنَّسْطُورِيَّةِ، وقَياصِرَةُ الرُّومِ حُماةً لِلْيَعْقُوبِيَّةِ. وقَدْ شاعَتِ النَّصْرانِيَّةُ بِنِحْلَتَيْها في بَكْرٍ، وتَغْلِبَ، ورَبِيعَةَ، ولَخْمٍ، وجُذامَ، وتَنُوخَ، وكَلْبٍ، ونَجْرانَ، واليَمَنِ، والبَحْرِينِ. وقَدْ بَسَطْتُ هَذا لِيُعْلَمَ حُسْنُ الإيجازِ في قَوْلِهِ تَعالى (﴿ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾) وإتْيانِهِ عَلى هَذِهِ المَذاهِبِ كُلِّها. فَلِلَّهِ هَذا الإعْجازُ العِلْمِيُّ.
(p-٥٨)والقَوْلُ في نَصْبِ (خَيْرًا) مِن قَوْلِهِ (﴿انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾) كالقَوْلِ في قَوْلِهِ تَعالى (﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: ١٧٠]) .
والقَصْرُ في قَوْلِهِ إنَّما اللَّهُ إلَهٌ واحِدٌ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلى صِفَةٍ، لِأنَّ (إنَّما) يَلِيها المَقْصُورُ، وهو هُنا قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ لَيْسَ اللَّهُ بِثَلاثَةٍ.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ (﴿أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ﴾) إظْهارٌ لِغَلَطِهِمْ في أفْهامِهِمْ، وفي إطْلاقاتِهِمْ لَفْظَ الأبِ والِابْنِ كَيْفَما كانَ مَحْمَلُهُما لِأنَّهُما إمّا ضَلالَةٌ وإمّا إيهامُها، فَكَلِمَةُ (سُبْحانَهُ) تُفِيدُ قُوَّةَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ تَعالى عَنْ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، والدَّلالَةُ عَلى غَلَطِ مُثْبِتِيهِ، فَإنَّ الإلَهِيَّةَ تُنافِي الكَوْنَ أبًا واتِّخاذَ ابْنٍ، لِاسْتِحالَةِ الفَناءِ، والِاحْتِياجِ، والِانْفِصالِ، والمُماثَلَةِ لِلْمَخْلُوقاتِ عَنِ اللَّهِ تَعالى. والبُنُوَّةُ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ هَذِهِ المُسْتَحِيلاتِ لِأنَّ النَّسْلَ قانُونٌ كَوْنِيٌّ لِلْمَوْجُوداتِ لِحِكْمَةِ اسْتِبْقاءِ النَّوْعِ، والنّاسُ يَتَطَلَّبُونَها لِذَلِكَ، ولِلْإعانَةِ عَلى لَوازِمِ الحَياةِ، وفِيها انْفِصالُ المَوْلُودِ عَنْ أبِيهِ، وفِيها أنَّ الِابْنَ مُماثِلٌ لِأبِيهِ فَأبُوهُ مُماثِلٌ لَهُ لا مَحالَةَ.
و(سُبْحانَ) اسْمُ مَصْدَرِ سَبَّحَ، ولَيْسَ مَصْدَرًا، لِأنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِعْلٌ سالِمٌ. وجَزَمَ ابْنُ جِنِّي بِأنَّهُ عَلَمٌ عَلى التَّسْبِيحِ، فَهو مِن أعْلامِ الأجْناسِ، وهو مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ والزِّيادَةِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا﴾ [البقرة: ٣٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وقَوْلُهُ (﴿أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ﴾) مُتَعَلِّقٌ بِـ (سُبْحانَ) بِحَرْفِ الجَرِّ، وهو حَرْفُ (عَنْ) مَحْذُوفًا.
وجُمْلَةُ (﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ (﴿أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ﴾) لِأنَّ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ قَدِ اسْتَغْنى عَنِ الوَلَدِ، ولِأنَّ مَن يَزْعُمُ أنَّهُ ولَدٌ لَهُ هو مِمّا في السَّماواتِ والأرْضِ كالمَلائِكَةِ أوِ المَسِيحِ، فالكُلُّ عَبِيدُهُ ولَيْسَ الِابْنُ بِعَبْدٍ.
(p-٥٩)وقَوْلُهُ (﴿وكَفى بِاللَّهِ وكِيلًا﴾) تَذْيِيلٌ، والوَكِيلُ الحافِظُ، والمُرادُ هُنا حافِظُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، أيِ المَوْجُوداتِ كُلِّها. وحُذِفَ مَفْعُولُ (كَفى) لِلْعُمُومِ، أيْ كَفى كُلَّ أحَدٍ، أيْ فَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، ولا تَتَوَكَّلُوا عَلى مَن تَزْعُمُونَهُ ابْنًا لَهُ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَفى بِاللَّهِ ولِيًّا وكَفى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٤٥] في هَذِهِ السُّورَةِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق