الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكم ولا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ﴾، هَذا الغُلُوُّ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ هو وقَوْلُ غَيْرِ الحَقِّ هو قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ عِيسى ابْنُ اللَّهِ، وقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هو اللَّهُ، وقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هو إلَهٌ مَعَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا، كَما بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠]، وقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧]، وقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وأشارَ هُنا إلى إبْطالِ هَذِهِ المُفْتَرَياتِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ﴾ الآيَةَ [النساء: ١٧١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ الآيَةَ [النساء: ١٧٢]،
• وقَوْلِهِ: ﴿ما المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ﴾ [المائدة: ٧٥]،
• وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ١٧] .
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: يَدْخُلُ في الغُلُوِّ وغَيْرِ الحَقِّ المَنهِيِّ عَنْهُ في هَذِهِ الآيَةِ ما قالُوا مِنَ البُهْتانِ عَلى مَرْيَمَ أيْضًا، واعْتَمَدَهُ القُرْطُبِيُّ وعَلَيْهِ فَيَكُونُ الغُلُوُّ المَنهِيُّ عَنْهُ شامِلًا لِلتَّفْرِيطِ والإفْراطِ.
وَقَدْ قَرَّرَ العُلَماءُ أنَّ الحَقَّ واسِطَةٌ بَيْنَ التَّفْرِيطِ والإفْراطِ، وهو مَعْنى قَوْلِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: الحَسَنَةُ بَيْنَ سَيِّئَتَيْنِ وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ مَن جانَبَ التَّفْرِيطَ والإفْراطَ فَقَدِ اهْتَدى، (p-٣٢٣)وَلَقَدْ أجادَ مَن قالَ: [ الطَّوِيلُ ]
؎وَلا تَغْلُ في شَيْءٍ مِنَ الأمْرِ واقْتَصِدْ كِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ
وَقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ، أنَّهُ قالَ: «لا تُطْرُونِي كَما أطْرَتِ النَّصارى عِيسى، وقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ» .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنهُ﴾، لَيْسَتْ لَفْظَةُ ”مِن“ في هَذِهِ الآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ، كَما يَزْعُمُهُ النَّصارى افْتِراءً عَلى اللَّهِ، ولَكِنْ ”مِن“ هُنا لِابْتِداءِ الغايَةِ، يَعْنِي: أنَّ مَبْدَأ ذَلِكَ الرُّوحِ الَّذِي وُلِدَ بِهِ عِيسى حَيًّا مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي أحْياهُ بِهِ، ويَدُلُّ عَلى أنَّ مِن هُنا لِابْتِداءِ الغايَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكم ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، أيْ: كائِنًا مَبْدَأُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنهُ جَلَّ وعَلا ويَدُلُّ لِما ذَكَرْنا ما رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّهُ قالَ: ”خَلَقَ اللَّهُ أرْواحَ بَنِي آدَمَ لَمّا أخَذَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ، ثُمَّ رَدَّها إلى صُلْبِ آدَمَ، وأمْسَكَ عِنْدَهُ رُوحَ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ“؛ فَلَمّا أرادَ خَلْقَهُ أرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوحَ إلى مَرْيَمَ، فَكانَ مِنهُ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وهَذِهِ الإضافَةُ لِلتَّفْضِيلِ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الأرْواحِ مِن خَلْقِهِ جَلَّ وعَلا، كَقَوْلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ﴾ [الحج: ٢٦]، وقَوْلِهِ: ﴿ناقَةَ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الشمس: ١٣] . وقِيلَ: قَدْ يُسَمّى مَن تَظْهَرُ مِنهُ الأشْياءُ العَجِيبَةُ رُوحًا ويُضافُ إلى اللَّهِ، فَيُقالُ: هَذا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، أيْ: مِن خَلْقِهِ، وكانَ عِيسى يُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ، فاسْتَحَقَّ هَذا الِاسْمَ، وقِيلَ: سُمِّيَ رُوحًا بِسَبَبِ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ المَذْكُورَةِ في سُورَةِ ”الأنْبِياءِ“ ”والتَّحْرِيمِ“، والعَرَبُ تُسَمِّي النَّفْخَ رُوحًا؛ لِأنَّهُ رِيحٌ تَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: [ الطَّوِيلُ ]
؎فَقُلْتُ لَهُ: ارْفَعْها إلَيْكَ وأحْيِها بِرُوحِكَ واقْتَتْهُ لَها قِيتَةً قَدْرًا
وَعَلى هَذا القَوْلِ، فَقَوْلُهُ: ﴿وَرُوحٌ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ العائِدِ إلى اللَّهِ الَّذِي هو فاعِلُ ألْقاها، قالَهُ القُرْطُبِيُّ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ﴿وَرُوحٌ مِنهُ﴾، أيْ: رَحْمَةً مِنهُ، وكانَ عِيسى رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، قِيلَ ومِنهُ: ﴿وَأيَّدَهم بِرُوحٍ مِنهُ﴾ [الأنفال: ٢٢]، أيْ: بِرَحْمَةٍ مِنهُ، حَكاهُ القُرْطُبِيُّ أيْضًا، وقِيلَ، رُوحٌ مِنهُ، أيْ: بُرْهانٌ مِنهُ وكانَ عِيسى بُرْهانًا وحُجَّةً عَلى (p-٣٢٤)قَوْمِهِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق