الباحث القرآني

﴿يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ﴾ لا تُجاوِزُوا الحَدَّ، فَغَلَتِ اليَهُودُ في حَطِّ المَسِيحِ عَنْ مَنزِلَتِهِ، حَتّى قالُوا: إنَّهُ ابْنُ الزِنا، وغَلَتِ النَصارى في رَفْعِهِ عَنْ مِقْدارِهِ حَيْثُ جَعَلُوهُ ابْنَ اللهِ ﴿وَلا تَقُولُوا عَلى اللهِ إلا الحَقَّ﴾ وهو تَنْزِيهُهُ عَنِ الشَرِيكِ، والوَلَدِ ﴿إنَّما المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ لا ابْنُ اللهِ ﴿رَسُولُ اللهِ﴾ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وهو المَسِيحُ و"عِيسى" عَطْفُ بَيانٍ، أوْ بَدَلٌ ﴿وَكَلِمَتُهُ﴾ عَطْفٌ عَلى "رَسُولِ اللهِ"، وقِيلَ لَهُ: كَلِمَةٌ، لِأنَّهُ يُهْتَدى بِهِ كَما يُهْتَدى بِالكَلامِ ﴿ألْقاها إلى مَرْيَمَ﴾ حالٌ، و"قَدْ" مَعَهُ مُرادَةٌ، أيْ: أوْصَلَها إلَيْها، وحَصَّلَها فِيها. ﴿وَرُوحٌ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى الخَبَرِ أيْضًا، وقِيلَ لَهُ: رُوحٌ، لِأنَّهُ كانَ يُحْيِي المَوْتى، كَما سَمّى القُرْآنَ رُوحًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ [الشُورى: ٥٢] لِما أنَّهُ يُحْيِي القُلُوبَ "مِنهُ" أيْ: بِتَخْلِيقِهِ وتَكْوِينِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكم ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ﴾ [الجاثِيَةُ: ١٣] وبِهِ أجابَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ واقَدٍ غُلامًا نَصْرانِيًّا كانَ لِلرَّشِيدِ في مَجْلِسِهِ، حَيْثُ زَعَمَ أنَّ (p-٤١٩)فِي كِتابِكم حُجَّةً عَلى أنَّ عِيسى مِنَ اللهِ ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ ورُسُلِهِ ولا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: ولا تَقُولُوا الآلِهَةُ ثَلاثَةٌ ﴿انْتَهُوا﴾ عَنِ التَثْلِيثِ ﴿خَيْرًا لَكُمْ﴾ والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ القُرْآنُ والتَصْرِيحُ مِنهم بِأنَّ اللهَ والمَسِيحَ ومَرْيَمَ ثَلاثَةُ آلِهَةٍ وأنَّ المَسِيحَ ولَدُ اللهِ مِن مَرْيَمَ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ﴾ [المائِدَةُ: ١١٦] ﴿وَقالَتِ النَصارى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ﴾ [التَوْبَةُ: ٣٠] ﴿إنَّما اللهُ﴾ مُبْتَدَأٌ ﴿إلَهٌ﴾ خَبَرُهُ ﴿واحِدٌ﴾ تَوْكِيدٌ ﴿سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ﴾ أُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًا مِن أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ ﴿لَهُ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ﴾ بَيانٌ لِتَنَزُّهِهِ مِمّا نُسِبَ إلَيْهِ بِمَعْنى أنَّ كُلَّ ما فِيهِما خَلْقُهُ ومُلْكُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُ مُلْكِهِ جُزْءًا مِنهُ؟! إذِ النُبُوَّةُ والمُلْكُ لا يَجْتَمِعانِ عَلى أنَّ الجُزْءَ إنَّما يَصِحُّ في الأجْسامِ، وهو يَتَعالى عَنْ أنْ يَكُونَ جِسْمًا ﴿وَكَفى بِاللهِ وكِيلا﴾ حافِظًا، ومُدَبِّرًا لَهُما، ولِما فِيهِما، ومَن عَجَزَ عَنْ كِفايَةِ أمْرٍ يَحْتاجُ إلى ولَدٍ يُعِينُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب