الباحث القرآني

(p-٢٦٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ﴾ قالَ مُقاتِلٌ: نَزَلَتْ في نَصارى نَجْرانَ، السَّيِّدِ والعاقِبِ، ومَن مَعَهُما. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ: النَّصارى. وقالَ الحَسَنُ: نَزَلَتْ في اليَهُودِ والنَّصارى. والغُلُوُّ: الإفْراطُ ومُجاوَزَةُ الحَدِّ، ومِنهُ غَلا السِّعْرُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الغُلُوُّ: مُجاوَزَةُ القَدْرِ في الظُّلْمِ. وغُلُوُّ النَّصارى في عِيسى: قَوْلُ بَعْضِهِمْ: هو اللَّهُ، وقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هو ابْنُ اللَّهِ، وقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هو ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وعَلى قَوْلِ الحَسَنِ غُلُوُّ اليَهُودِ فِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: لا تَغْلُوا في دِينِكم بِالزِّيادَةِ في التَّشَدُّدِ فِيهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إلا الحَقَّ﴾ أيْ: لا تَقُولُوا إنَّ اللَّهَ لَهُ شَرِيكٌ (p-٢٦١)أوِ ابْنٌ أوْ زَوْجَةٌ. وقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى "المَسِيحِ" و "الكَلِمَةِ" في (آلِ عِمْرانَ. وَفِي مَعْنى ﴿وَرُوحٌ مِنهُ﴾ سَبْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ رُوحٌ مِن أرْواحِ الأبْدانِ. قالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: لَمّا أخَذَ اللَّهُ المِيثاقَ عَلى بَنِي آدَمَ كانَ عِيسى رُوحًا مِن تِلْكَ الأرْواحِ، فَأرْسَلَهُ إلى مَرْيَمَ، فَحَمَلَتْ بِهِ. والثّانِي: أنَّ الرُّوحَ النَّفْخُ، فَسُمِّيَ رُوحًا، لِأنَّهُ حَدَثَ عَنْ نَفْخَةِ جِبْرِيلَ في دِرْعِ مَرْيَمَ. ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: ؎ وقُلْتُ لَهُ ارْفَعْها إلَيْكَ وأحْيِها بِرُوحِكَ واقْتَتْهُ لَها قِيتَةً قَدْرا هَذا قَوْلُ أبِي رَوْقٍ. والثّالِثُ: أنَّ مَعْنى ﴿وَرُوحٌ مِنهُ﴾ إنْسانٌ حَيٌّ بِإحْياءِ اللَّهِ لَهُ. والرّابِعُ: أنَّ الرُّوحَ: الرَّحْمَةُ، فَمَعْناهُ: ورَحْمَةٌ مِنهُ، ومِثْلُهُ ﴿وَأيَّدَهم بِرُوحٍ مِنهُ﴾ [المُجادَلَةُ ٢٢] . والخامِسُ: أنَّ الرُّوحَ هاهُنا جِبْرِيلُ. فالمَعْنى: ألْقاها اللَّهُ إلى مَرْيَمَ، والَّذِي ألْقاها رُوحٌ مِنهُ، ذَكَرَ هَذِهِ الأقْوالَ الثَّلاثَةَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. (p-٢٦٢)والسّادِسُ: أنَّهُ سَمّاهُ رُوحًا، لِأنَّهُ يَحْيا بِهِ النّاسُ كَما يَحْيَوْنَ بِالأرْواحِ، ولِهَذا المَعْنى: سُمِّيَ القُرْآنُ رُوحًا، ذَكَرَهُ القاضِي أبُو يَعْلى. والسّابِعُ: أنَّ الرُّوحَ: الوَحْيُ أوْحى اللَّهُ إلى مَرْيَمَ يُبَشِّرُها بِهِ، وأوْحى إلى جِبْرِيلَ بِالنَّفْخِ في دِرْعِها، وأوْحى إلى ذاتِ عِيسى أنْ: كُنْ فَكانَ. ومِثْلُهُ: ﴿يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِن أمْرِهِ﴾ [النَّحْلِ: ٢] أيْ: بِالوَحْيِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. فَأمّا قَوْلُهُ: "مِنهُ" فَإنَّهُ إضافَةُ تَشْرِيفٍ، كَما تَقُولُ: بَيْتُ اللَّهِ، والمَعْنى: مِن أمْرِهِ، ومِمّا يُقارِبُها قَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ لَكم ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعًا مِنهُ﴾ [الجاثِيَةِ: ١٣] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: رَفَعَهُ بِإضْمارِ: لا تَقُولُوا آلِهَتُنا ثَلاثَةٌ ﴿ (إنَّما اللَّهُ إلَهٌ واحِدٌ﴾ أيْ: ما هو إلّا إلَهٌ واحِدٌ ﴿سُبْحانَهُ﴾ ومَعْنى سُبْحانَهُ: تَبْرِئَتُهُ مِن أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ: ﴿وَكَفى بِاللَّهِ وكِيلا﴾ أيْ: قَيِّمًا عَلى خَلْقِهِ، مُدَبِّرًا لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب