الباحث القرآني

وقوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ... الآية: قال ابن عَبَّاس وغيره: الخِطَابُ بهذه الآية للمؤمنين، فالمعنى: ليس البرّ الصلاة وحدها [[أخرجه الطبري (2/ 99) برقم (2521- 2524) بإسنادين عن ابن عباس. وذكره ابن عطية (1/ 243) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 310) بإسنادين، عن ابن عباس، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.]] ، وقال قتادة، والربيع: الخطاب لليهودِ والنصارى لأنهم تكلَّموا في تحويل القبلة، وفضَّلت كل فرقة تولِّيها، فقيلَ لهم: ليس البرَّ ما أنتم فيه، ولكنَّ البرَّ من آمن باللَّه [[أخرجه الطبري (2/ 99- 100) برقم (2526- 2528) عن قتادة، والربيع بن أنس، وذكره ابن عطية (1/ 243) . وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (1/ 66) عن قتادة. وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 310) عن قتادة، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير.]] . وقوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ... الآيةَ: هذه كلُّها حقوقٌ في المال سوى الزكاةِ، قال الفَخْر [[«التفسير الكبير» (5/ 35) .]] : وروَتْ فاطمةُ بنْتُ قَيْسٍ، أنَّ فِي المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ [[أخرجه الترمذي (3/ 48) في الزكاة، باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة (659، 660) . والطبري (2/ 57) ، والدارمي (1/ 385) في الزكاة، باب ما يجب في مال سوى الزكاة. والدارقطني (2/ 125) في الزكاة، باب تعجيل الصدقة قبل الحول رقم (11، 12) . والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 27) ، والبيهقي (4/ 84) في الزكاة: باب الدليل على أن من أدى فرض الله في الزكاة، فليس عليه أكثر منه إلا أن يتطوع ... من طريق شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بنحوه. وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف. وروى بيان وإسماعيل بن سالم، عن الشعبي هذا الحديث من قوله. وهذا أصح. وقال البيهقي: هذا حديث يعرف بأبي حمزة ميمون الأعور كوفي، وقد جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فمن بعدهما من حفاظ الحديث. والذي يرويه أصحابنا في التعاليق ليس في المال حق سوى الزكاة- فلست أحفظ فيه إسنادا. وأخرجه ابن ماجة بالإسناد السابق (1/ 570) في الزكاة، باب ما أدي زكاته ليس بكنز (1789) بلفظ: «ليس في المال حق سوى الزكاة» . وقال النووي كما في تخريج أحاديث «الكشاف» للزيعلي (1/ 107) : حديث «ليس في المال حق سوى الزكاة» حديث منكر. ثم نقل كلام البيهقي برمته. وبالجملة فالحديث كيفما كان ضعيف بأبي حمزة ميمون الأعور ضعفه الترمذي. وقال البيهقي: لا يثبت إسناده، تفرد به أبو حمزة الأعور، وهو ضعيف. ومن تابعه أضعف منه. وللفظ الأول من الحديث شاهد أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 89، 90) ، من طريق موسى بن إسماعيل، عن محمد بن راشد، عن عبد الكريم، عن حبان بن جزىء، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: «في المال حق بعد الزكاة؟ قال: نعم، يحمل على النجيبة» .]] ، وتَلاَ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ... الآية، وعنه ﷺ «لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ مَنْ بَاتَ شبعان، وجاره طاويا إلى جنبه» [[أخرجه البزار (1/ 76- كشف) رقم (115) ، من طريق حسين بن علي الجعفي، ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس مرفوعا بلفظ: «ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره طاوي» . وقال البزار: لا نعلمه، يروى عن أنس إلا من هذا الوجه. قلت: وفي كلام البزار نظر حيث إن للحديث طريقا آخر عن أنس: أخرجه الطبراني في «المعجم-- الكبير» (1/ 259) رقم (751) ، من طريق محمد بن سعيد الأثرم، ثنا همام، ثنا ثابت، ثنا أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «ما آمن بي من بات شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به» . والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 170) ، وقال: رواه الطبراني، والبزار، وإسناد البزار حسن. والحديث ذكره أيضا المنذري في «الترغيب» (3/ 334) ، وقال: رواه الطبراني، والبزار، وإسناده حسن، وللحديث شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» رقم (110) ، وفي «التاريخ الكبير» (5/ 195، 196) ، وأبو يعلى (5/ 92) رقم (2699) ، والحاكم (4/ 167) ، والطبراني في «الكبير» (12/ 154) رقم (12741) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (10/ 392) ، كلهم من طريق سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن المساور، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه» . والحديث ذكره المنذري في «الترغيب» (3/ 334) ، وقال: رواه الطبراني، وأبو يعلى ورواته ثقات. وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 170) : رواه الطبراني، وأبو يعلى، ورجاله ثقات.]] انتهى. قال ابن العربيِّ في «أحكامه» [[ينظر: «الأحكام» (1/ 59) .]] : وإِذا وقع أداء الزكاة، ثم نزلَتْ بعد ذلك حاجةٌ، فإِنه يجبُ صرف المال إِليها باتفاق من العلماءِ، وقد قال مالك: يجبُ على كافَّة المسلمين فِدَاءُ أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالَهُمْ، وكذلك إِذا منع الوالي الزكاةَ، فهل يجبُ على الأغنياء إِغناءُ الفقراء؟ الصحيحُ: وجوبُ ذلك علَيْهم. انتهى. ومعنى: آتَى: أعطى على حبِّه، أي: على حبِّ المال، ويحتملُ أن يعود الضميرُ على اسْمِ اللَّه تعالى من قوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، أي: من تَصَدَّقَ مَحَبَّة في اللَّه وطاعته. ص: والظاهر أن الضمير في «حُبِّهِ» عائدٌ على «المال» لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إِلاَّ بدليلٍ. انتهى. قال ع [[«المحرر الوجيز» (1/ 243) .]] : والمعنَى المقصودُ أن يتصدَّق المرءُ في هذه الوجوهِ، وهو صحيحٌ شحيحٌ يخشَى الفَقْر، ويأمل الغنى كما قال ﷺ [[أخرجه البخاري (3/ 334) في الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح (1419) ، و (5/ 439- 540) في «الوصايا» ، باب الصدقة عند الموت (2748) ، ومسلم (2/ 716) في الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح (92- 93/ 1032) ، وأبو داود (2/ 126) في الوصايا، باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية (2865) ، والنسائي (5/ 68) في الزكاة، باب أي الصدقة أفضل، و (6/ 237) في الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية، وابن ماجة (2/ 903) في الوصايا، باب النهي عن الإمساك في الحياة، والتبذير عند الموت (2706) . والبخاري في «الأدب المفرد» برقم (786) ، وأحمد (2/ 231، 415، 447) ، وابن خزيمة (4/ 103) برقم (2454) ، والبيهقي (4/ 190) ، والبغوي (3/ 423) برقم.- (1665) ، من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ ... » فذكره.]] . والشحّ في هذا الحديث: هو الغريزيُّ الذي في قوله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء: 128] وليس المعنَى أنْ يكون المتصدِّق متَّصِفاً بالشحِّ الذي هو البُخْل. وَفِي الرِّقابِ، أي: العتق، وفَكّ الأسرى. وَالصَّابِرِينَ: نصبٌ على المدح، أو على إِضمار فعْلٍ، وهذا مَهْيَعٌ [[المهيع: هو الطريق الواسع المنبسط. ينظر: «لسان العرب» (4838) (هيع) .]] في تكرار النعوت. والْبَأْساءِ: الفَقْر والفاقة. وَالضَّرَّاءِ: المرض، ومصائبُ البدن، وعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما، قال: قَالَ رسول الله ﷺ: «أَوَّلُ مَنْ يدعى إِلَى الجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» رواه الحاكم في «المستَدْرَكِ» ، وقال: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ [[أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» (1/ 103) ، وفي «الأوسط» (4/ 44) رقم (3057) ، وفي «الكبير» (12/ 19) رقم (12345) ، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 69) . كلهم من طريق قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا. وقال الطبراني: لم يروه عن حبيب إلا قيس بن الربيع، وشعبة بن الحجاج، عن نصر بن حماد الوراق. وقال أبو نعيم: رواه شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 98) ، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة بأسانيد، وفي أحدها قيس بن الربيع وثقه شعبة، والثوري، وغيرهما. وضعفه يحيى القطان، وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ. قلت: قيس بن الربيع في سند الطبراني في معاجمه الثلاثة، وليس كما يوهم كلام الهيثمي. والحديث ضعفه الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (4/ 79) ، وأعله بقيس بن الربيع، وقال: ضعفه الجمهور، وهذا الحديث قد رواه شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، كما أشار إلى ذلك الحافظ أبو نعيم. أخرجه الطبراني في «الصغير» (1/ 103) ، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 84- بتحقيقنا) . كلاهما من طريق نصر بن حماد الوراق، نا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وهذا سند ضعيف جدا. نصر بن حماد قال النسائي، وغيره: ليس بثقة، ينظر «المغني» للذهبي (6609) . وتابعهما عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن حبيب. أخرجه الحاكم (1/ 502) . وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. والمسعودي لم يخرج له مسلم شيئا فضلا عن اختلاطه.]] . انتهى من «السلاح» . وفي صحيح مُسْلِمٍ، عن صُهَيْب [[هو: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر. أبو يحيى. الرومي. الربعي. النمري. وهو صحابي مشهور. روى عنه أولاده حبيب، وحمزة، وسعد، وصالح، وصيفي، وعباد، وعثمان، ومحمد. وحفيده زياد بن صيفي. وروى عنه أيضا جابر الصحابي. وسعيد بن المسيب. وإنما قيل له الرومي قيل: لأن الروم سبوه صغيرا حين كان أبوه وعمه عاملين لكسرى على «الأبلة» ، وكانت لهم منازل على «دجلة» عند الموصل، وقيل غير ذلك. وروى الستة عنه قال: لم يشهد رسول الله ﷺ مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة قط إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامه، توفي سنة (38) وقيل (39) ، وقيل في شوال سنة 38، وله (70 سنة) . ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (3/ 36) ، «الإصابة» (3/ 254) ، «الاستيعاب» (2/ 726) ، «الاستبصار» (78، 134) ، «الرياض المستطابة» (130) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 268) ، «عنوان النجابة» (106) ، «أصحاب بدر» (108) ، «الثقات» (3/ 194) ، «الكاشف» (2/ 32) ، «حلية الأولياء» (1/ 372) ، «التحفة اللطيفة» (2/ 144) ، «تنقيح المقال» (5811) ، «بقي بن مخلد» (95) .]] ، قال: قَالَ رسول الله ﷺ: «عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِذَا أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ» [[أخرجه مسلم (4/ 2295) كتاب «الزهد» ، باب المؤمن أمره كله خير، حديث (64/ 2999) . وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى مسلم. وينظر: «تحفة الأشراف» (4/ 200) .]] انتهى. وَحِينَ الْبَأْسِ، أي: وقْتَ شدَّة القتال، هذا قولُ المفسِّرين في الألفاظ الثلاثة، تقولُ العربُ: بَئِسَ الرَّجُلُ إِذَا افتقر، وبَؤُسَ إِذا شَجُع، ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البَرَّة بالصدْقِ في أمورهم، أي: هم عند الظنِّ بهم والرجاء فيهم كما تقول: صَدَقَنِي المَالُ، وصَدَقَنِي الرُّمْحُ، ووصفهم تعالى/ بالتقى، والمعنى: هم الذين جعلوا بينهم وبين 43 ب عذاب الله وقاية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب