الباحث القرآني
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ قال ابن عباس: الخطاب لأهل مكة [[لم أجد هذا القول بنصه لابن عباس في تفسير هذه الآية، لكن قال ابن الجوزي: اختلفوا في نزولها على قولين: أحدهما: أنها مكية، رواه عطية عن ابن عباس. والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء عن ابن عباس. "زاد المسير" 2/ 1، وقد ذهب كثير من العلماء والمفسرين -ومنهم ابن عباس- إلى أن كل شيء نزل فيه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهو بالمدينة. انظر "البرهان" 1/ 189، 190. فلعل المؤلف ساق هذا الرأي لابن عباس بمعناه. هذا وقد رجح المحققون من العلماء أن سورة النساء مدنية. انظر "الجامع لأحكام القرآن" 5/ 1، "الإتقان" 1/ 16، 22. قال القرطبي: ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها. وأما من قال: إن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ مكي حيث وقع فليس بصحيح فإن البقرة مدنية وفيها قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ في موضعين، والله أعلم.]].
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أنثها على لفظ النفس وإن عَنَى به مُذَكَّرا كما قال:
أبُوكَ خَلِيفةٌ وَلَدَتْه أُخْرى ... وأَنْت خَلِيفةٌ ذاكَ الكَماَل [[لم أعرف قائله، وهو غير منسوب في "معاني القرآن" للفراء 1/ 208، "تفسير الطبري" 4/ 224، "لسان العرب" (خلف) 2/ 1235. والشاهد من البيت أن التأنيث يقع على اللفظ. قال الفراء: فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن يقول: ولده آخر. "معاني القرآن" 1/ 208.]]
وعنى بالنفس الواحدة آدم [[هذا تفسير ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وهو ظاهر. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 224، "تفسير البغوي" 2/ 159، "الدر المنثور" 2/ 206.]].
وقوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ حواء [[عن مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 224، والبغوي 2/ 159، و"ابن كثير" 1/ 487، و"الدر المنثور" 2/ 206.]]، خلقت من (ضلع [[ما بين القوسين ساقط من (د).]] من أضلاع آدم، ولذلك قال النبي ﷺ: "إن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها" [[أخرجه البخاري (3331) بنحوه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في كتاب الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته (635)، ولفظه: "استوصوا بالنساء فإن المرأة خُلِقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء". ومسلم (1468) كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء.]].
وقوله تعالى: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ يريد فرّق ونشر [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (111)، "تفسير الطبري" 4/ 225.]]. قال ابن المُظَفَّر [[يعني الليث كما في "تهذيب اللغة" 1/ 273 (بثث). وكلما أتى بهذه الكنية فأنما يعني: الليث. وتقدمت ترجمته ضمن مصادر الواحدي.]]: البث تفريقك الأشياء، يقال بثّوا الخيلَ في الغارة، وبثّ الصياد كِلابه، وخلق الله الخلق فبثّهم في الأرض، بثث البسط إذا نشرتها [[في "التهذيب" ومثبت البسط إذا بسطت.]]، قال الله تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [[انتهى من "تهذيب اللغة" 1/ 273 بتصرف، وانظر: "مقاييس اللغة" 86 - 87 (بث).]] [الغاشية: 16].
قال الفراء، والزجاج: وبعض العرب يقول أَبَثّ [[عند الفراء والزجاج: (بث).]] الله الخلق. وبثّ الحديث إذا نشره وأفشاه، وكذلك أبثه [["معاني القرآن" للفراء 1/ 252 بنصه، "معاني الزجاج" 3/ 5 بتصرف.]]، قال ذو الرمّة: وأُسْقيِه حتَّى كَادَ مما أَبثُّه ... تُكَلِّمُني أَحْجَارُه وَملاعِبُه [[البيت في "ديوان ذي الرمة" بشرح الباهلي 2/ 821، "الكتاب" 4/ 59، "تهذيب اللغة" 2/ 1908 (شكا)، "اللسان" 4/ 2314، وفيهما: وأشكيه بدل: وأسقيه. انظر "معجم شواهد العربية" ص 423. وهذا البيت ثاني بيت في القصيدة هو كما في الديوان والكتاب:
وقفتُ على رَبعٍ لمَيَّة ناقتي ... فما زِلتُ أبكي عنده وأخاطبُه
قال الباهلي: قوله: أبثه أي أُخْبِره بكل ما في نفسي، وقوله: وأسقِيه أي أدعو له بالسقيا، وملاعبُه مواضيع يلعب بها. واستشهد به المؤلف على أن أبث يأتي بمعنى: أفشى ونشر.]]
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ قُرئ (تساءلون) بالتخفيف والتشديد [[قراءة التخفيف (تساءلون) خفيفة السين لعاصم وحمزة والكسائي وخلف، وقراءة التشديد (تساءلون) مشددة السين لأبي عمرو ونافع وابن كثيرِ وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب. انظر: "السبعة" ص 226، "الحجة" 3/ 118، "المبسوط" ص 153، "النشر" 2/ 247، "البدور الزاهرة" (93). وتوجيه المؤلف للقراءة بعد ذلك من "الحجة" لأبي علي الفارسي.]]؛ فمن شدّد أراد: تتساءلون، فأدغَم التاء في السين لاجتماعهما في أنهما من حروف طرفِ اللسان وأصول الثنايا واجتماعِهما في الهمس.
ومن خفف، حذف تاء تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة فأعلَّها بالحَذْف، كما أعلَّ الأول بالإدغام [[انظر: "الحجة في القراءات السبعة" لابن خالويه ص 118، "حجة القراءات" ص 188، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي 1/ 375.]]، وإذا اجتمعت المتقاربة خففت بالحذف أو بالإدغام أو بالإبدال [[في "الحجة": أو الإدغام والإبدال.]]، (فالحذف والإدغام، كالقراءتين في هذا الحرف) [[ما بين القوسين ليس في "الحجة".]]. والإبدال كقولهم: طست (للطس) [[هذه الكلمات ليست في "الحجة"، ويبدو أنها ساقطة.]] أُبدِلَ من السين الثانية التاء لتقاربهما، قال العجَّاج:
أَإِنْ رأيتِ (هَامَتِي) [[في (ب): (متى) ولعله تحريف.]] كالطَّسْتِ [[نسبه المؤلف للعجاج تبعًا لأبي علي في "الحجة" 3/ 120، والواقع أنه ليس له وإنما هو لابنه رؤبة كما في ديوانه في "مجمع أشعار العرب" ص 23، وهو عجز بيت صدره:
ويحكِ إن أسلم فأنتِ أنتِ
والطست: من آنية الصفر. "اللسان" 5/ 2670 (طست).]]
وأنشد المازني في الطسّ:
لو عَرَضَت لأَيْبُلِي قَسّ ... أشعثَ في هيكلِه مُنْدَسّ
حَنَّ إِلَيهَا كحَنِين الطَّسّ [[إلى هنا انتهى أخذ المؤلف من "الحجة" 3/ 118 - 120. والرجز في "تهذيب اللغة" 3/ 2191 (طس)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 156، "اللسان" 5/ 2671 (طس) بدون نسبة، ونسبه أبو حيان للعجاج في "البحر المحيط" 3/ 156، لكن في "البحر": لأسقُفي بدل: لأيبُلي، ولم أجده في "ديوانه". والأيبلي والأيبل هو الراهب عند النصارى أو صاحب الناقوس الذي يدعوهم به إلى الصلاة. والقس هو القسيس رئيس من رؤساء النصارى، والهيكل معبدٌ للنصارى فيه صنم على سورة مريم وعيسى -عليهما السلام- فيما يزعمون، ومُنَدسّ أي داخلٌ ومختفي، والحنين الشديد من البكاء والطرب، والطس والطسة لغة في الطست. انظر "اللسان" 3/ 1372 - 1373، 5/ 2671 (طسس)، 1/ 11 (أبل)، 8/ 1681 (هكل)،2/ 1029 (حنن).]]
ومعنى: ﴿تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ أي تتساءلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به فتقولون: أسألُك بالله والرحِم، وأنشدك اللهَ والرحم [[انظر: "تفسير الطبري" 4/ 226، "معاني القرآن" للزجاج 2/ 6.]].
قال ابن عباس: يريدون أن أهل مكة لم يكونوا يؤمنون بالبَعْث، وكانوا يتواصلون بالأرحام، فإذا ناشد الرجلُ الرجلَ، قال: أنشدك الله والرحم، وكذلك كان يكتب المشركون إلى رسول الله ﷺ: نناشدك الله والرحم (إلَّا) [[في (د): (أن لا).]] بعثت إلينا فلانًا وفلانًا [[لم أقف له على تخريجٍ في تفسير هذه الآية عن ابن عباس.]].
وعلى هذا التفسير انتصب ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ بالعطف على موضع ﴿بِهِ﴾، كأنه قيل: وتذكرون الأرحامَ؛ لأن معنى ﴿تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾: تذكرونه في سؤالكم ومناشدتكم، فالأرحام عطف على موضع الجار والمجرور.
قال أبو علي [[ما نسبه المؤلف إلى أبي علي أحد الوجهين الذين ذكرهما في نصب الأرحام، والوجه الآخر أن يكون معطوفًا على قوله: ﴿وَاتَّقُوا﴾، التقدير: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾، واتقوا الأرحام أي اتقوا حقَّ الأرحام فصلوها ولا تقطعوها. "الحجة" 3/ 121. وسيأتي نحوه عند المصنف قريبًا.]] وعلي بن عيسى [[لعله أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني النحوي، وهو إمام في اللغة والنحو، صنف كتبًا كثيرة منها: "شرح كتاب سيبويه"، "معاني الحروف". وكان متهمًا بالاعتزال. توفي سنة 384 هـ
انظر: "سير أعلام النبلاء" 16/ 355، "البلغة" ص 154، "بغية الوعاة" 2/ 180، ولم أقف على قوله.]]: ويكون كقوله: فَلَسْنَا بِالجِبَالِ وَلا الحَديدَا [[عجز بيتٍ صدره:
معاويَ إننا بشرٌ فأسجِحْ
ومعنى أسجح: سهل علينا حتى نصبر، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 1/ 301.
وقد نسب هذا البيت إلى عُقَيبة بن هبيرة الأسدي كما نسب إلى عبد الله ابن الزبير وهو من "شواهد الكتاب" 1/ 67، 2/ 292، 344، 3/ 912، "معاني القرآن" للفراء 2/ 348، "المقتضب" 2/ 337، 4/ 112، 371، "الجمل" للزجاجي ص 55، "الإنصاف" للأنباري ص 284. وقد استشهد به المؤلف عند تفسير البسملة في أول الكتاب.
والشاهد منه نصبه الحديدا عطفًا على موضع المجرور بالجبال، وقد أنكر بعضهم على سيبويه استشهاده بهذا البيت لأنه من قصيدة القافية فيها مجرورة، لكن رد ذلك السيرافي بأن البيت له روايتان النصب والبحر، وكل رواية في قصيدةٍ مشاكلةٍ لها. انظر "شرح السيرافي" 1/ 300 - 303.]]
وقال أكثر المفسرين: معنى ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها. قاله: قتادة [[هو أبو الخطاب، قَتادة بن دِعَامة السّدوسِي الشيباني، ولد سنة 60 وهو أعمى، وعني بالعلم حتى صار من حفاظ التابعين وأعلمهم بالقرآن والسنة وهو من أخص تلامذة ابن عباس، توفي -رحمه الله- سنة 117 هـ، وقيل بعدها. انظر: "مشاهير علماء الأمصار" ص 96، "وفيات الأعيان" 4/ 85.]]، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد [[هو عبد الرحمن بن زَيد بن أَسْلم العَمري.]] والربيع [[هو الرَّبِيع بن أنس البّكري، تقدم.]] [[أخرج أقوالهم: ابن جرير 4/ 227 - 228 انظر: "زاد المسير" 2/ 3، و"ابن كثير" 1/ 487.]]، والفراء [["معاني القرآن" 1/ 252.]]، والزجاج [["معاني القرآن" 2/ 6.]].
وعلى هذا التفسير انتصب الأرحام بالعطف على قوله أي: اتقوا اللهَ واتقوا الأرحامَ، أي: اتقوا حقَّ الأرحام فصلوها ولا تقطعوها [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 252، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 390، "الحجة" 3/ 121.]].
ويجوز على هذا التفسير أنْ يكون منصوبًا بالإغراء، أي: والأرحام فاحفظوها وصلوها، كقولك: الأسدَ الأسدَ [[القول بنصب ﴿الأرحامَ﴾ على الإغراء لم أره عند غير المؤلف.]]
وهذا التفسير يدل على تحريم قطيعة الرحم، وينبئ بوجوب صلتها. وقرأ حمزة ﴿والأرحامِ﴾ جرًا [[هذه القراءة لحمزة وحده من العشرة، انظر "السبعة" ص 226، "المبسوط" ص 153، "الحجة" 3/ 121، "النشر" 2/ 247، "البدور الزاهرة" ص 93.]] بالعطف على المَكْنِيّ في ﴿بِهِ﴾ كما يقال: سألتك باللهِ والرحمِ، ونشدتك باللهِ والرحم، وإنما حَملَه على هذه القراءة ما ورد في التفسير أن المشركين كانوا يقولون: نناشدك بالله والرحم، ونسألك بالله والرحم إلّا فعلت كذا [[انظر:"معاني القرآن" 1/ 252.]].
وضعف النحويون كلُّهم هذه القراءة واستقبحوها [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 252، "معاني الأخفش" 1/ 430، "تفسير الطبري" 4/ 226، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 391، "معاني الزجاج" 2/ 6، "الإنصاف" 373 - 379، "إملاء ما من به الرحمن" بهامش الفتوحات الإلهية 2/ 182، "البحر المحيط" 3/ 158، "الدر المصون" 3/ 554.]]، فقال أبو علي [[في "الحجة" 3/ 121.]]: هذا ضعيف في القياس قليل في الاستعمال، وما كان كذلك فَتركُ الأخذ به أحسن [[إلى هنا نص كلامه أبي علي، وما بعده إلى قوله: قال: ويدلك .. بمعناه. انظر "الحجة" 3/ 121 ،122.]]؛ وضعفه أنَّ المشاكلة تُراعَى في باب العطف حتى يعطف الشك على الشكلِ، والمعطوف ينبغي أنْ يكون مُشاكلًا للمعطوف عليه، والمضمرُ المجرور قد خرج عن شبه الاسم وصار بمنزلة الحرف بدلالة أنه لا ينفصل، وذلك أن الكاف والهاء في قولك: (بِهِ وبِكَ) [[في (د): (بك وبه).]] (ألا) [[هكذا في النسختين، ولعل الصواب: لا وليس ألا.]] ترى واحدًا منهما منفصلًا عن الجار، فصار كالتنوين؛ فلأن المضمر المجرور أيضا قد صار عِوَضًا من التنوين إذا اتصل باسمٍ، نحو: غلامك، وغلامه، وغلامي، وأيضًا فإنه على حرف كما أن التنوين على حرف.
قال [[أي: أبو على.]]: ويدلك على أنه قد جرى عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من المُنَادَى المضاف [[في "الحجة" المضاف إليه.]] (في الاختيار) [[ليس في "الحجة".]] كحذفهم التنوين (من المفرد) [[ليس في "الحجة".]] وذلك قولهم: يا غلام، وهو أكثر في الاستعمال [[انتهى كلام أبي علي من "الحجة" 3/ 121، 122.]] من: يا غلامي، فشابه المضمرُ المجرور التنوينُ من هذه الوجوه. وإذا كان كذلك خرج عن حدّ الاسم وصار بمنزلة الحرف، فلم يعطف على المضمر المجرور لخروج المعطوف عليه عن شَبَه الاسم إلى شبَه الحرف، وقد ذكرنا شأن التشاكل، يُرَاعى في باب العطف فلا يُعطف الاسم على الحرف.
وقال الزجاج [[في "معاني القرآن" 2/ 6.]]: إجماع النحويين أنه يقبح أن يُنْسقَ باسمٍ ظاهر على اسم مُضمَر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض [[دعوى الإجماع فيها نظر، لأن ذلك رأي البصريين وأنه لا يجوز إلا في الشعر، == وأما الكوفيون فقد أجازوا ذلك. انظر "المقتضب" 4/ 152، "الأصول في النحو" 2/ 79، "الإنصاف" ص371، "شذور الذهب" ص 533.]]، كقوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] [[هذا الشاهد القرآني ليس في "معاني الزجاج".]]، ويستقبح النحويون: مررت به وزيد [[بعد هذا المقال كلام للزجاج هو: وبك وزيد، إلا مع إظهار الخافض، حتى يقولوا: بك وبزيد، فقال بعضهم: لأن المخفوض ... "معاني الزجاج" 2/ 6.]]، لأن المكني المخفوض حرف متصل غير منفصل، فكأنه كالتنوين في الاسم، فقبح أن (يعطف) [[ليس في (د).]] باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. هذا كلامه [["معاني الزجاج" 2/ 6 بتصرف.]]. وقد ذكر أبو علي وجه الشبه بينهما كما حكينا.
وقال علي بن عيسى [[هذا الكلام في "الحجة" 3/ 125، لكن دون نسبة إلى علي بن عيسى هذا، وعلي هذا لعله الرماني وقد تقدمت ترجمته.]]: ومما يزيد هذا الفصل بيانًا أنهم لم يستحسنوا عطف الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع حتى يؤكد، فينفع [[في "الحجة": فيقع.]] العطف في اللفظ على المضمر المنفصل الذي يجري مَجرى الأجنبي، وذلك نحو: اذهب وزيد، وذهبت وزيد، لا يستحسنون ذلك حتى يؤكدوه، فيقولوا: اذهب أنت وزيد، وذهبت أنا وزيد [[هذا عند البصريين، لكن إذا طال الكلام حسن حذف التوكيد، أما الكوفيون فلا قُبْح في الحالين. انظر "المقتضب" 3/ 210، 279، "الإنصاف" ص380 - 381، "شذور الذهب" ص 531 - 532.]]؛ لأنه لما اختلط الاسم بالفعل حتى صار كبعض أجزائه لوقوع إعرابه بعده في نحو: تفعلين، وتفعلان، وتفعلون، ولإسكانهم الآخر منه إذا اتصل بالضمير مع تحريكهم نحو: (عَلَيْطٍ) [[في (د): (غليط)، بإعجام الغين.]]، (لم يستجيزوا العطف عليه إلا بالتأكيد) [[في "الحجة" لم يستجيزوا العطف عليه في حال السعة إلا بالتأكيد.]] ليقع العطف عليه في اللفظ، فلا يكون كأنه عطف اسمًا على فِعل [[انظر: "الإنصاف" ص 381.]]، كما يصير في المجرور، كأنه عطف اسمًا على تنوين [[إلى هنا نفس الكلام في "الحجة" 3/ 125، وما بعده يحتمل أن يكون من زيادة المؤلف.]]. وإذا ضَعُف في المرفوع مع أن له ضميرًا منفصلًا نحو: أنت وهو، امتنع في المجرور؛ لأن المضمَر المجرور لا منفصل له، وليس بعد الضعف إلا الامتناع.
فأما الضمير المنصوب نحو: ضربته، لا يستقبح العطف عليه؛ لأنه ظاهر لم يختلط بالفعل حتى صار كبعض أجزائه، كضمير المرفوع، ولا يقوم مقام التنوين في موضع ما كضمير المجرور، وذلك أن ضمير المنصوب لا يتصل إلا بالفعل نحو: منعته وقتلته، ولا ينون الفعل قط.
وضمير المجرور إما أن يَتَّصل باسمٍ فيقوم فيه مقام التنوين، أو بحرفٍ نحو: به وبك، واتصالُه بالحرف كاتصالهِ بالاسم، ألا ترى أنه لا ينفصل من الاسم، ولا يفصل بينهما كما يفصل بين الجار والمجرور الظاهر في باب المضاف والمضاف إليه نحو:
كأن أصواتَ -مِن إِيغالِهِنَّ بنا- ... أَوَاخِرِ المَيْس إِنْقَاض الفَراريجِ [[البيت لذي الرمة: "ديوانه" ص 76، وهو من شواهد سيبويه 1/ 179، 2/ 166، 280، "المقتضب" 4/ 376، والأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3648 (نقض)،== "سر صناعة الإعراب" 1/ 10، "اللسان" 8/ 4525 (نفض).
قال الأزهري: وفي تقديم وتأخير، أراد كأن أصوات أواخر الميس إنقاض الفراريج من إيغال الرواحل بنا، أي من إسراعها السير بنا. والفراريج جمع فروج وهو الفتيّ من ولد الدجاج. "اللسان" 6/ 3371 (فرج)، وإنقاضها أصواتها، ففي "سر صناعة الإعراب" أصوات الفراريج وبين ابن جني فيه أن الميس خشب الرحل. والشاهد منه أنه فصل بين المضاف أصوات والمضاف إليه أواخر.]]
وإِذا اتّصلَ بالحرف لم ينفَصِل منه ولم يُفصل أيضًا بينهما بشيء، فلا فصل إذًا بين اتصاله بالاسم وبين اتصاله بالحرف.
ولأبي عثمان المازني [[من "معاني القرآن" للزجاج 2/ 6.]] تفسير لهذا الفصل مُقنع، وهو أنه قال: الثاني في العطف شريكٌ للأول، فإنْ كان الأول يصلح أَنْ يكون شريكًا الثاني وإلا لم يصلح أَنْ يكون الثاني شريكًا له. (بيان هذا أنك لا تقول) [[في "معاني الزجاج" قال: فكما لا تقول ....]]: مررت بزيدٍ وبك كذلك لا تقول: مررت بك وزيد.
وقال سيبويه: لا يجوز عطف الظاهر على المكني المخفوض من غير إعادة الخافض إلا في ضرورة الشعر [[معنى كلام سيبويه. انظر "الكتاب" 2/ 382 - 383.]]، وأنشد:
فاليَومَ قرَّبت تهجُونا وتشتُمُنا ... فاذْهَب فَمَا بِكَ والأيامِ من عَجَبِ [[الظاهر أن هذا البيت من الأبيات الخمسين عند سيبويه التي لم يُعرف لها قائل. انظر: "الكتاب" 2/ 383، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 390، "الإنصاف" ص 377. وقد استشهد بالبيت الزجاج في "معاني القرآن" 2/ 7، وقال محققه: البيت للأعشى وينسب لعمرو بن معد يكرب، ولم أجده في ديوان الأعشى. قال عبد السلام هارون في تحقيقه للكتاب: قرَّبت: أخذت وشرهت. يقول: إن هِجاءك الناس وشتمَهم صار أمرًا معروفًا لا يتعجب منه. كما لا يتعجب الناس من فعل الدهر. والشاهد فيه أنه عطف الأيام على الكاف الخطاب دون إعادة حرف الجر.]]
وأنشد الفراء أيضًا: نُعَلِّقُ في مثلِ السَّواري سيوفَنَا ... وما بَينَها والكَعْبِ غَوطٌ نَفَانِفُ [["معاني القرآن" للفراء 1/ 253. والبيت نسبه الجاحظ في "الحيوان" 6/ 494 لمسكين الدارمي، وانظر "الإنصاف" ص 378، "معجم شواهد العربية" ص 237. واختلفت الروايات لأول البيت بين نُعَلِّق بالنون والبناء للمعلوم فيكون سيوفَنا منصوبًا على أنه مفعول به، وبين تُعَلَّق بالتاء والبناء للمفعول ويكون سيوفُنا مرفوعًا على أنه نائب فاعل. كما أن قافيته جاءت على روايتين: نفانف، وتنائف. قال عبد السلام هارون في شرحه للحيوان: مثل السواري، عنى بها أعناق الرجال. والسارية: الأسطوانة من أساطين البيوت ونحوها. التنائف جمع تنوفة وهي المفازة، وهذه مبالغة ظاهرة أن يجعل ما بين أعناقهم وكعوبهم تنائف. والشاهد منه أنه عطف الكعب على الضمير في بينها دون إعادة الخافض.]]
قال أبو إسحاق [[أي الزجاج في "معاني القرآن" 2/ 6.]]: وقراءة حمزة مع ضَعفِها وقُبحِها في العربية خطأ في أمر الدين عظيم؛ لأن النبي ﷺ قال: "لا تحلفوا بآبائكم [[طرف حديث أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- رقم (2101) كتاب الكفارات، باب: من حُلِف له بالله فليرض 1/ 679، والحاكم في كتاب الأيمان من "مستدركه" 1/ 52، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" 6/ 136 (7247). كما أخرجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أبو داود (3247) في الأيمان والنذور، باب: في كراهية الحلف بالآباء، والنسائي 7/ 5 في الأيمان والنذور، باب: الحلف بالأمهات 7/ 5، وابن حبان 10/ 199 رقم (4357)]] فكيف يكون: تتساءلون بالله (والرحم)؟ [[في (أ): (والأرحام)، وما أثبته هو الموافق لما في "معاني الزجاج" إلا أن فيه: وبالرحم.]] [[انتهى من "معاني القرآن" للزجاج 2/ 6.]].
يعني أن الحَلِفَ بغير الله لا يجوز، وإذا عطفت الأرحام (كالمَكْنِيّ) [[هكذا فى (أ)، و (د)، ولعل الصواب: على المكنى.]] عن اسم الله أوجب جواز الحَلِف بالأرحامِ، وذلك غير جائز.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. الرقيب: الحافظ، يقال: رَقَبَ يرقُبُ رِقْبَةً وُرقُوبا [[انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1448 (رقب)، "مقاييس اللغة" 2/ 427 (رقب) والمصدر فيهما: رُقْبانًا.]]. ومعناه: أنه يرقُب عليكم أعمالكم فاتقوه فيما نهاكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِی تَسَاۤءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق