الباحث القرآني
(p-١٠٩٢)سُورَةُ النِّساءِ
رَوى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّساءِ بِالمَدِينَةِ.
وكَذا رَوى ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ.
وقَدْ زَعَمَ النَّحّاسُ أنَّها مَكِّيَّةٌ مُسْتَنِدًا إلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ [النساء: ٥٨] [النِّساءِ: ٥٨] الآيَةَ، نَزَلَتْ بِمَكَّةَ اتِّفاقًا في شَأْنِ مِفْتاحِ الكَعْبَةِ، وذَلِكَ مُسْتَنَدٌ واهٍ؛ لِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن نُزُولِ آيَةٍ أوْ آياتٍ مِن سُوَرٍ طَوِيلَةٍ - نَزَلَ مُعْظَمُها بِالمَدِينَةِ - أنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً، خُصُوصًا أنَّ الأرْجَحَ أنَّ ما نَزَلَ بَعْدَ الهِجْرَةِ مَدَنِيٌّ.
ومَن راجَعَ أسْبابَ نُزُولِ آياتِها عَرَفَ الرَّدَّ عَلَيْهِ، ومِمّا يَرُدُّ عَلَيْهِ أيْضًا ما أخْرَجَهُ البُخارِيُّ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «ما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّساءِ إلّا وأنا عِنْدُهُ» ودُخُولُها عَلَيْهِ كانَ بَعْدَ الهِجْرَةِ اتِّفاقًا.
وقِيلَ: نَزَلَتْ عِنْدَ الهِجْرَةِ.
وآياتُها مِائَةٌ وسَبْعُونَ وخَمْسٌ، وقِيلَ سِتٌّ وقِيلَ سَبْعٌ، كَذا في الإتْقانِ.
ورَوى الحاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: إنَّ في سُورَةِ النِّساءِ لَخَمْسُ آياتٍ ما يَسُرُّنِي أنَّ لِي بِها الدُّنْيا وما فِيها: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] [النِّساءِ: ٤٠] الآيَةَ، و َ ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] [النِّساءِ: ٣١] الآيَةَ، (p-١٠٩٣)و﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] [النِّساءِ: ٤٨]، ﴿ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ﴾ [النساء: ٦٤] [النِّساءِ: ٦٤] الآيَةَ.
ورَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: خَمْسُ آياتٍ مِنَ النِّساءِ لَهُنَّ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيا جَمِيعًا: ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] وقَوْلُهُ: ﴿وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ [النساء: ٤٠] وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] [النِّساءِ: ٦٤] وقَوْلُهُ: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] [النِّساءِ: ١١٠].
ورَوى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ثَمانِي آياتٍ نَزَلَتْ في سُورَةِ النِّساءِ خَيْرٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وغَرَبَتْ؛ أوَّلُهُنَّ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم ويَتُوبَ عَلَيْكم واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦] [النِّساءِ: ٢٦]، والثّانِيَةُ: ﴿واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] [النِّساءِ: ٢٧] والثّالِثَةُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] [النِّساءِ: ٢٨] ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَواءً، يَعْنِي في الخَمْسَةِ الباقِيَةِ.
لَطِيفَةٌ: إنَّما سُمِّيَتْ سُورَةَ النِّساءِ؛ لِأنَّ ما نَزَلَ مِنها في أحْكامِهِنَّ أكْثَرُ مِمّا نَزَلَ في غَيْرِها.
(p-١٠٩٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكم رَقِيبًا﴾ [١]
﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ أيِ: اخْشَوْهُ أنْ تُخالِفُوهُ فِيما أمَرَكم بِهِ أوْ نَهاكم عَنْهُ.
ثُمَّ نَبَّهَهم عَلى اتِّصافِهِ بِكَمالِ القُدْرَةِ الباهِرَةِ، لِتَأْيِيدِ الأمْرِ بِالتَّقْوى وتَأْكِيدِ إيجابِ الِامْتِثالِ بِهِ عَلى طَرِيقِ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ أيْ: فَرَّعَكم مِن أصْلٍ واحِدٍ، وهو نَفْسُ أبِيكم آدَمَ، وخَلْقُهُ تَعالى إيّاهم عَلى هَذا النَّمَطِ البَدِيعِ مِمّا يَدُلُّ عَلى القُدْرَةِ العَظِيمَةِ، ومَن قَدَرَ عَلى نَحْوِهِ كانَ قادِرًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ، ومِنهُ عِقابُهم عَلى مَعاصِيهِمْ.
فالنَّظَرُ فِيهِ يُؤَدِّي إلى الِاتِّقاءِ مِن مُوجِباتِ نِقْمَتِهِ، وكَذا جَعْلُهُ تَعالى إيّاهم صِنْوانًا مُفَرَّعَةً مِن أرُومَةٍ واحِدَةٍ مِن مُوجِباتِ الِاحْتِرازِ عَنِ الإخْلالِ بِمُراعاةِ ما بَيْنَهم مِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ ما يَأْتِي مِنَ الإرْشادِ إلى صِلَةِ الأرْحامِ، ورِعايَةِ حالِ الأيْتامِ، والعَدْلِ في النِّكاحِ، وغَيْرِ ذَلِكَ.
وقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ (p-١٠٩٥)أُولَئِكَ النَّفَرُ مِن مُضَرَ وهم مُجْتابُو النِّمارِ (أيْ: مِن عُرْيِهِمْ وفَقْرِهِمْ) قامَ فَخَطَبَ النّاسَ بَعْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ فَقالَ في خُطْبَتِهِ: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [النِّساءِ: مِنَ الآيَةِ ١] حَتّى خَتَمَ الآيَةَ، ثُمَّ قالَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨] [الحَشْرِ: مِنَ الآيَةِ ١٨] ثُمَّ حَضَّهم عَلى الصَّدَقَةِ فَقالَ: تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن صاعِ بُرِّهِ، مِن صاعِ تَمْرِهِ» وذَكَرَ تَمامَ الحَدِيثِ.
وهَكَذا رَواهُ أحْمَدُ وأهْلُ السُّنَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في خُطْبَةِ الحاجَةِ.
وفِيها: ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلاثَ آياتٍ هَذِهِ مِنها: ﴿أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ الآيَةَ ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾ أيْ: مِن نَفْسِها، يَعْنِي مِن جِنْسِها لِيَكُونَ بَيْنَهُما ما يُوجِبُ التَّآلُفَ والتَّضامَّ، فَإنَّ الجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ، وقَدْ أوْضَحَ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكم مَوَدَّةً ورَحْمَةً إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١] [الرُّومِ: ٢١].
﴿وبَثَّ مِنهُما﴾ أيْ: نَشَرَ مِن تِلْكَ النَّفْسِ وزَوْجِها المَخْلُوقَةِ مِنها بِطَرِيقِ التَّوالُدِ (p-١٠٩٦)والتَّناسُلِ ﴿رِجالا كَثِيرًا ونِساءً﴾ أيْ: كَثِيرَةً، وتَرَكَ التَّصْرِيحَ بِها لِلِاكْتِفاءِ بِالوَصْفِ المَذْكُورِ.
﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ﴾ تَكْرِيرٌ لِلْأمْرِ وتَذْكِيرٌ لِبَعْضٍ آخَرَ مِن مُوجِباتِ الِامْتِثالِ بِهِ، فَإنَّ سُؤالَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِاللَّهِ تَعالى بِأنْ يَقُولُوا: أسْألُكَ بِاللَّهِ وأنْشُدُكَ اللَّهَ - عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعْطافِ - يَقْتَضِي الِاتِّقاءَ مِن مُخالَفَةِ أوامِرِهِ ونَواهِيهِ.
وتَعْلِيقُ الِاتِّقاءِ بِالِاسْمِ الجَلِيلِ لِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ والمُبالَغَةِ في الحَمْلِ عَلى الِامْتِثالِ بِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ وإدْخالِ الرَّوْعَةِ، ولِوُقُوعِ التَّساؤُلِ بِهِ لا بِغَيْرِهِ مِن أسْمائِهِ تَعالى وصِفاتِهِ.
و: ﴿تَساءَلُونَ﴾ أصْلُهُ تَتَساءَلُونَ، فَطُرِحَتْ إحْدى التّاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وقُرِئَ بِإدْغامِ تاءِ التَّفاعُلِ في السِّينِ لِتَقارُبِهِما في الهَمْسِ، وقُرِئَ (تَسْألُونَ) مِنَ الثُّلاثِيِّ، أيْ: تَسْألُونَ بِهِ غَيْرَكُمْ، وقَدْ فُسِّرَ بِهِ القِراءَةُ الأُولى والثّانِيَةُ، وحَمْلُ صِيغَةِ التَّفاعُلِ عَلى اعْتِبارِ الجَمْعِ، كَما في قَوْلِكَ: رَأيْتُ الهِلالَ وتَراءَيْناهُ، أفادَهُ أبُو السُّعُودِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والأرْحامَ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ بِالجَرِّ عَطْفًا عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ، والباقُونَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى الِاسْمِ الجَلِيلِ، أيِ: اتَّقُوا اللَّهَ والأرْحامَ أنْ تَقْطَعُوها، فَإنَّ قَطِيعَتَها مِمّا يَجِبُ أنْ يُتَّقى، أوْ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ الجارِّ والمَجْرُورِ، كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وعَمْرًا، ويَنْصُرُهُ قِراءَةُ: (تَساءَلُونَ بِهِ وبِالأرْحامِ) فَإنَّهم كانُوا يُقْرِنُونَها في السُّؤالِ والمُناشَدَةِ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ويَقُولُونَ: أسْألُكَ بِاللَّهِ وبِالرَّحِمِ، ولَقَدْ نَبَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى - حَيْثُ قَرَنَها بِاسْمِهِ الجَلِيلِ - عَلى أنَّ صِلَتَها بِمَكانٍ مِنهُ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] [الإسْراءِ: مِنَ الآيَةِ ٢٣]، وقالَ تَعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا وبِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ﴾ [النساء: ٣٦] [النِّساءِ: مِنَ الآيَةِ ٣٦].
(p-١٠٩٧)وقَدْ رَوى الشَّيْخانِ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَقُولُ: مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَّعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ» .
ورَوِيا أيْضًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ» .
قالَ سُفْيانُ في رِوايَتِهِ: يَعْنِي قاطِعَ رَحِمٍ.
ورَوى البُخارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَيْسَ الواصِلُ بِالمُكافِئِ، ولَكِنَّ الواصِلَ الَّذِي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها» .
ورَوِيا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» والأحادِيثُ في التَّرْغِيبِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، والتَّرْهِيبِ مِن قَطِيعَتِها كَثِيرَةٌ.
* * *
تَنْبِيهٌ:
دَلَّتِ الآيَةُ عَلى جَوازِ المَسْألَةِ بِاللَّهِ تَعالى، كَذا قالَهُ الرّازِيُّ، ووَجْهُهُ أنَّهُ تَعالى أقَرَّهم عَلى هَذا التَّساؤُلِ؛ لِكَوْنِهِمْ يَعْتَقِدُونَ عَظَمَتَهُ، ولَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ، نَعَمْ مَن أدّاهُ التَّساؤُلُ بِاسْمِهِ تَعالى إلى (p-١٠٩٨)التَّساهُلِ في شَأْنِهِ وجَعْلِهِ عُرْضَةً لِعَدَمِ إجْلالِهِ ووَسِيلَةً لِلْأبْوابِ السّاسانِيَّةِ فَهَذا مَحْظُورٌ قَطْعًا.
وعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما ورَدَ مِن لَعْنِ مَن سَألَ بِوَجْهِ اللَّهِ، كَما سَنَذْكُرُهُ، وقَدْ ورَدَ في هَذا البابِ أحادِيثُ وافِرَةٌ.
مِنها عَنِ ابْنِ عُمَرِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنِ اسْتَعاذَ بِاللَّهِ فَأعِيذُوهُ، ومَن سَألَكم بِاللَّهِ فَأعْطُوهُ، ومَن دَعاكم فَأجِيبُوهُ، ومَن أتى عَلَيْكم مَعْرُوفًا فَكافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُوهُ فادْعُوا لَهُ حَتّى تَعْلَمُوا أنْ قَدْ كافَأْتُمُوهُ» رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ حِبّانَ، والحاكِمُ.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنِ اسْتَعاذَ بِاللَّهِ فَأعِيذُوهُ، ومَن سَألَكم بِوَجْهِ اللَّهِ فَأعْطُوهُ» .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَن سُئِلَ بِاللَّهِ فَأعْطى كُتِبَ لَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» رَواهُ البَيْهَقِيُّ بِإسْنادٍ ضَعِيفٍ.
وفِي البُخارِيِّ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ: «أمَرَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعٍ وذَكَرَ مِنها: وإبْرارِ القَسَمِ» .
ورَوى أبُو داوُدَ والضِّياءُ في "المُخْتارَةِ" بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَنْ (p-١٠٩٩)جابِرٍ مَرْفُوعًا: «لا يُسْألُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى إلّا الجَنَّةُ» .
ورَوى الطَّبَرانِيُّ، عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا: «مَلْعُونٌ مَن سَألَ بِوَجْهِ اللَّهِ، ومَلْعُونٌ مَن سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سائِلَهُ، ما لَمْ يَسْألْ هُجْرًا» قالَ السُّيُوطِيُّ: إسْنادُهُ حَسَنٌ.
وقالَ الحافِظُ المُنْذِرِيُّ: رِجالُهُ رِجالُ الصَّحِيحِ إلّا شَيْخَهُ (يَعْنِي الطَّبَرانِيَّ ) يَحْيى بْنَ عُثْمانَ بْنِ صالِحٍ، وهو ثِقَةٌ وفِيهِ كَلامٌ.
وهُجْرًا (بِضَمِّ الهاءِ وسُكُونِ الجِيمِ) أيْ: ما لَمْ يَسْألْ أمْرًا قَبِيحًا لا يَلِيقُ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ أرادَ ما لَمْ يَسْألْ سُؤالًا قَبِيحًا بِكَلامٍ قَبِيحٍ، انْتَهى.
وعَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، مَوْلى رِفاعَةَ، عَنْ رافِعٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: مَلْعُونٌ مَن سَألَ بِوَجْهِ اللَّهِ، ومَلْعُونٌ مَن سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سائِلَهُ» رَواهُ الطَّبَرانِيُّ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «ألا أُخْبِرُكم بِشَرِّ النّاسِ؟ رَجُلٍ يُسْألُ بِوَجْهِ اللَّهِ ولا يُعْطِي» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ، وقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ.
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قالَ: «ألا أُخْبِرُكم بِشَرِّ البَرِيَّةِ؟ قالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الَّذِي يُسْألُ بِاللَّهِ ولا يُعْطِي» .
﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكم رَقِيبًا﴾ أيْ: مُراقِبًا لِجَمِيعِ أحْوالِكم وأعْمالِكُمْ، يَراها ويَعْلَمُها فَلا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ، كَما قالَ [تَعالى]: ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: ٩] وفي الحَدِيثِ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإنَّهُ يَراكَ» .
وهَذا إرْشادٌ وأمْرٌ بِمُراقَبَتِهِ تَعالى، فَعَلى المَرْءِ أنْ يُراقِبَ أحْوالَ نَفْسِهِ، ويَأْخُذَ حَذَرَهُ مِن أنْ يَنْتَهِزَ الشَّيْطانُ مِنهُ فُرْصَةً فَيَهْلَكَ عَلى غَفْلَةٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِی تَسَاۤءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق