قَوْلُهُ: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ﴾ اخْتَلَفُوا في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ:
فَأخْبَرَنا أبُو مَنصُورٍ المَنصُورِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُحَمَّدٍ إسْماعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ، قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ المَعْمَرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ العَنْبَرِيُّ، قالَ: وجَدْتُ في كِتابِ أبِي: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ العَرْزَمِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً كُنْتُ فِيها، فَأصابَتْنا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفِ القِبْلَةَ، فَقالَتْ طائِفَةٌ مِنّا: قَدْ عَرَفْنا القِبْلَةَ، هي هَهُنا قِبَلَ الشَّمالِ، فَصَلَّوْا وخَطُّوا خُطُوطًا. وقالَ بَعْضُنا: القِبْلَةُ هَهُنا قِبَلَ الجَنُوبِ، وخَطُّوا خُطُوطًا. فَلَمّا أصْبَحُوا وطَلَعَتِ الشَّمْسُ أصْبَحَتْ تِلْكَ الخُطُوطُ لِغَيْرِ القِبْلَةِ، فَلَمّا قَفَلْنا مِن سَفَرِنا سَألْنا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ .
وأخْبَرَنا أبُو مَنصُورٍ، أخْبَرَنا عَلِيٌّ، قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ صاعِدٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْماعِيلَ الأحْمَسِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا وكِيعٌ، قالَ: حَدَّثَنا أشْعَثُ السَّمّانُ، عَنْ عاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أبِيهِ قالَ: كُنّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في السَّفَرِ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ القِبْلَةُ، فَصَلّى كُلُّ رَجُلٍ مِنّا عَلى حِيالِهِ، فَلَمّا أصْبَحْنا ذَكَرْنا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ .
ومَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أنَّ الآيَةَ نازِلَةٌ في التَّطَوُّعِ عَلى الرّاحِلَةِ بِالنّافِلَةِ.
أخْبَرَنا أبُو القاسِمِ بْنُ عَبْدانَ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الحافِظُ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو البَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شاكِرٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أُنْزِلَتْ: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ . أنْ تُصَلِّيَ حَيْثُما تَوَجَّهَتْ بِكَ راحِلَتُكَ في التَّطَوُّعِ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ: إنَّ النَّجاشِيَّ تُوُفِّيَ، فَأتى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: إنَّ النَّجاشِيَّ تُوُفِّيَ فَصَلِّ عَلَيْهِ. فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أصْحابَهُ أنْ يَحْضُرُوا، وصَفَّهم، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ لَهم: ”إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أُصَلِّيَ عَلى النَّجاشِيِّ وقَدْ تُوُفِّيَ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ“ . فَصَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهم عَلَيْهِ، فَقالَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في أنْفُسِهِمْ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلى رَجُلٍ ماتَ وهو يُصَلِّي لِغَيْرِ قِبْلَتِنا ؟ وكانَ النَّجاشِيُّ يُصَلِّي إلى بَيْتِ المَقْدِسِ حَتّى ماتَ، وقَدْ صُرِفَتِ القِبْلَةُ إلى الكَعْبَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ .
ومَذْهَبُ قَتادَةَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحَيْثُ ما كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكم شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] . وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ، قالَ: أوَّلُ ما نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ شَأْنُ القِبْلَةِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ . قالَ: فَصَلّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ وتَرَكَ البَيْتَ العَتِيقَ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعالى إلى البَيْتِ العَتِيقِ. وقالَ في رِوايَةِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ الوالِبِيِّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا هاجَرَ إلى المَدِينَةِ - وكانَ أكْثَرُ أهْلِها اليَهُودَ - أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى أنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَفَرِحَتِ اليَهُودُ، فاسْتَقْبَلَها بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ قِبْلَةَ إبْراهِيمَ، فَلَمّا صَرَفَهُ اللَّهُ تَعالى إلَيْها ارْتابَ مِن ذَلِكَ اليَهُودُ، وقالُوا: ما ولّاهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ .
{"ayah":"وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}