الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: ١١٥].
ذكَرَ اللهُ مشرِقَ الشمسِ ومغرِبَها، لأنّه بذلك تُعرَفُ القِبْلةُ غالبًا، ورُبَّما عُرِفَتْ بمشرِقِ القمرِ ومغربِه، فالشرقُ والغربُ جهتانِ يُعرَفُ بهما بقيةُ الجهاتِ: الشَّمالُ والجَنُوبُ، ولا يمكنُ معرفةُ الشمالِ والجنوبِ إلا بعدَ معرفةِ الشرقِ والغربِ غالبًا، ومطلعُ الشمسِ ومغرِبُها، وكذلك القمرُ: أظهرُ الدلالاتِ للبشريةِ على معرفةِ جهاتِهم.
وقولُه: ﴿ولِلَّهِ﴾، أيْ: له مُلْكُهما وتدبيرُهما والتصرُّفُ فيهما، وإجراءُ العبادِ عليهما وعلى غيرِهما، وهذا كمالُ تصرُّفِ المالكِ في مُلْكِه.
والمَشْرِقُ: كمَسْجِدٍ، وهو موضِعُ طلوعِ الشمسِ، والمَغْرِبُ: عكسُهُ.
التوسعةُ في التوجُّه إلى القبلةِ:
وظاهرُ هذه الآيةِ: التوسعةُ في شأنِ توليةِ الوجهِ إلى القِبلةِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في نسخِها وإحكامِها، والحدِّ المرادِ فيها، ومجملُ ذلك قولانِ للعلماءِ:
القولُ الأولُ: مِن العلماءِ مَن قال بنسخِها، وأنّ القِبْلةَ كانتْ موسَّعةً، ثمَّ أُحكِمَ تحديدُها إلى الكعبةِ.
ورُوِيَ هذا عن ابنِ عباسٍ، وأبي العاليةِ، والحسَنِ، وعطاءٍ، وعِكْرِمةَ، وغيرِهم[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١ /٢١٢).]].
روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ وعثمانَ بنِ عطاءٍ، كلاهُما عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ... وذكَرَ أنّها منسوخةٌ بقولِه: ﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ [البقرة: ١٤٩] [[«تفسير ابن أبي حاتم» (١ /٢١٢).]].
وعطاءٌ هذا هو: الخُراسانيُّ، ولم يَلْقَ ابنَ عباسٍ[[«المراسيل» لابن أبي حاتم (١ /١٥٦)، و«تهذيب الكمال» (٢٠ /١١٠).]].
وقد رُوِيَ نسخُ هذه الآيةِ في كتابِ «الناسخِ والمنسوخِ» لأبي عبيدٍ، ولابنِ أبي داودَ، وغيرِهما، وصُرِّحَ فيها بأنّ عطاءً هو الخُراسانيُّ[[ينظر: «الناسخ والمنسوخ» للقاسم بن سلام (١ /١٨).]].
وروى معناه سعيدٌ ومَعْمَرٌ عن قتادةَ مختصرًا، رواهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٢ /٤٥١).]].
القولُ الثاني: مِن العلماءِ مَن قال بإحكامِها، وحمَلَ معناها على عـدةِ مـعـانٍ:
أولُها: أنّ المرادَ بذلك: حالُ الضرورةِ، ولو صلّى الإنسانُ مِن غيرِ عمدٍ أو قصدٍ إلى غيرِ القِبْلةِ، فبان له بعدَ ذلك أنّه صلّى إلى غيرِ القِبْلةِ، صحَّتْ صلاتُه، بدليلِ هذه الآيةِ، وكذلك في حالِ الحربِ، وتعذُّرِ استقبالِ القِبلةِ، ونحوِ ذلك.
وقد روى التِّرمِذيُّ، وابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتمٍ، مِن حديثِ أبي الربيعِ السَّمّانِ، عن عاصمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عن عبدِ اللهِ بنِ عامرِ بنِ ربيعةَ، عن أبيهِ، قال: كنّا مع رسولِ اللهِ ﷺ في ليلةٍ سوداءَ مُظلِمةٍ، فنزَلْنا منزلًا فجعَلَ الرجلُ يأخُذُ الأحجارَ فيَعْمَلُ مسجدًا يصلِّي فيه، فلمّا أصبحْنا، إذا نحنُ قد صَلَّيْنا على غيرِ القِبْلةِ، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، لقد صلَّيْنا ليلتَنا هذه لغيرِ القِبْلةِ! فأنزَلَ اللَّهُ عزّ وجل: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [[أخرجه الترمذي (٣٤٥) (٢ /١٧٦)، وابن جرير في «تفسيره» (٢ /٤٥٤)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (١ /٢١١).]].
وأبو الربيعِ هو: أشعثُ بنُ سعيدٍ، ليِّنُ الحديثِ[[ينظر: «العلل ومعرفة الرجال» «رواية عبد الله» (٢ /٥١٦)، وتاريخ ابن معين «دوري» (٤ /٨٠)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (١ /٣٤٠).]].
وعاصمٌ ضعيفٌ، قال البخاريُّ: مُنكَرُ الحديثِ[[«التاريخ الكبير» للبخاري (٦ /٤٩٣).]]، وضعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ[[«تاريخ ابن معين» «دارمي» (١ /١٣٧).]]، وترَكَهُ ابنُ حِبّانَ[[«المجروحين» لابن حبان (٢ /١٢٧).]].
وقد ضعَّفَ الحديثَ الترمذيُّ في «سننِه»، وقال: ليس إسنادُهُ بذاك[[(٢ / ١٧٦).]].
وبمعنى الحديثِ يُفتي إبراهيمُ النَّخَعيُّ، كما رواهُ عنه حمادٌ ومنصورٌ، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُه[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنَّفه» (٣٦٣١) (٢ /٣٤٤)، وابن جرير في «تفسيره» (٢ /٤٥٤).]].
ثانيها: أنّ هذه الآيةَ في التخفيفِ في استقبالِ القِبْلةِ للمسافرِ في صلاةِ التطوُّعِ خاصةً، كما روى ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ في «تفسيريهما»، من طريقِ عبدِ الملكِ بنِ أبي سُلَيْمانَ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عمرَ، أنّه قال: إنّما نزَلَتْ هذه الآيةُ: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ أن تصلِّيَ حيثُما توجَّهَتْ بكَ راحلتُكَ في السفرِ تطوُّعًا، كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا رجَعَ مِن مكةَ، يصلِّي على راحلتِهِ تطوُّعًا، يُومِئُ برأسِه نحوَ المدينةِ[[«تفسير الطبري» (٢ /٤٥٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١ /٢١٢).]].
وبنحوِ ذلك يُفتي عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ، كما رواهُ عبدُ الرزّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: أجاءَكم بذلك ثَبَتٌ بالصلاةِ على الدابَّةِ مُدْبِرًا عن القِبْلةِ؟ قال: نعم، ثمَّ قال عندَ ذلك: ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾، قال ابنُ جُرَيْجٍ: ذُكِرَ ذلك ليحيى بنِ جَعْدةَ، فكاد يُنكِرُ، ثمَّ انطلَقَ فإذا هو مستفاضٌ بالمدينةِ، فرجَعَ إلينا وهو يَعرِفُ ذلك[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٤٥٣٠) (٢ /٥٧٧).]].
الصلاةُ على الراحلة:
وخصَّ مالكٌ الصلاةَ على الراحلةِ في النافلةِ بالسفرِ الذي تُقصَرُ فيه الصلاةُ، فقال: لا يُصلِّي أحدٌ في غيرِ سفرٍ تُقصَرُ في مِثلِه الصلاةُ على دابَّتِه للقِبْلةِ، ولا يسجُدُ عليها سجدةَ تلاوةٍ للقِبْلةِ ولا لغيرِ القِبْلةِ[[ينظر: «المدونة» (١ /١٧٤).]].
والجمهورُ على العمومِ والجوازِ في كلِّ سفرٍ، وهو الصوابُ، وهذا مذهبُ أحمدَ، ونصُّه عليه[[ينظر: «المبسوط»، للشيباني (١ /٢٩٥)، و«البيان» للعمراني (٢ /١٥١)، و«المجموع» (٣ /٢٣٣)، و«المغني» (١ /٣١٥).]].
وتقييدُ مالكٍ فيه نظرٌ، ولم يُوافِقْه كبيرُ أحدٍ، قال الطبريُّ: لا أعلمُ أحدًا وافَقَهُ على ذلك.
وذهَبَ أبو يوسفَ، وأبو سعيدٍ الإصْطَخْريُّ[[ينظر: «تحفة الفقهاء» (١ /١٥٥)، و«تبيين الحقائق» (١ /١٧٧)، و«الحاوي» (٢ /٧٧).]]، وابنُ سُرَيجٍ، والطحاويُّ: إلى أنّ الصلاةَ على الراحلةِ تجوزُ حتى في الحَضَرِ.
ولم يَثْبُتْ هذا عن النبيِّ ﷺ، وإنّما استفاضَ هذا عنه في النافلةِ في السفرِ خاصةً.
وما يُحكى عن أنسٍ: أنّه كان يصلِّي على الراحلةِ النافلةَ في الحضرِ، فليس له أصلٌ يُعتمَدُ عليه.
ثالثُها: أنّ المرادَ بذلك استقبالُ القِبلةِ، فقولُه: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا﴾ مِن جهةٍ: شرقًا أو غربًا، أو شمالًا أو جنوبًا، فعليكم الاستقبالَ للقِبْلةِ وإنِ اختلَفَتِ الجهاتُ، واستدارَتْ بكم الأرضُ، فثَمَّ وجهُ اللهِ إلى القِبْلةِ، وإنْ كان منكم مشرِّقٌ وآخَرُ مغرِّبٌ.
روى ابنُ جريرٍ الطبريُّ، مِن حديثِ عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان أولَ ما نَسَخَ اللهُ مِن القرآنِ القِبْلةُ، وذلك أنّ رسولَ اللهِ ﷺ لمّا هاجَرَ إلى المدينةِ، وكان أكثَرَ أهلِها اليهودُ، أمَرَهُ اللهُ عزّ وجل أنْ يستقبِلَ بيتَ المَقْدِسِ، ففرِحَتِ اليهودُ، فاستقبَلَها رسولُ اللهِ ﷺ بِضْعةَ عشَرَ شهرًا، فكان رسولُ اللهِ ﷺ يُحِبُّ قِبْلةَ إبراهيمَ عليه السلام، فكان يدعو وينظُرُ إلى السماءِ، فأنزَلَ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّماءِ﴾، إلى قولِهِ: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤]، فارتابَ مِن ذلك اليهودُ، وقالوا: ﴿ما ولاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ [البقرة: ١٤٢]، فأنزَلَ اللهُ عزّ وجل: ﴿قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ﴾ [البقرة: ١٤٢]، وقال: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ [[«تفسير الطبري» (٢ /٤٥٠).]].
وروى معناهُ ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ، في قولِه: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾: حيثُما كنتُمْ، فلكم قِبْلةٌ تستقبِلُونَها: الكَعْبةُ، وجاء عن الحسنِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١ /٢١٢).]].
الحكمةُ من ذكرِ المشارق والمغارب جمعًا:
وإنّما ذكَرَ المشرقَ والمغربَ منفردًا، ولم يذكُرْهُ جمعًا، كما في قولِه تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ ﴾ [المعارج: ٤٠]، لأنّ المشارقَ والمغاربَ ذُكِرتْ جمعًا لإثباتِ ربوبيَّةِ اللهِ وعظيمِ صنعِه وإتقانِهِ وتسييرِهِ للأجرامِ، واللائقُ بذلك ذِكرُ الجمعِ لإثباتِ كمالِ القدرةِ والعلمِ، فالمشارقُ والمغاربُ هي تعدُّدُ مطالعِ الشمسِ والقمرِ وغروبِهما في السَّنَةِ، فللشمسِ أكثَرُ مِن مَطْلَعٍ تدورُ وتَرجِعُ إليه كلَّ عامٍ، وتغرُبُ في جزءٍ يقابِلُهُ مِن اليومِ نفسِهِ، ثمَّ تعودُ إليه كلَّ عامٍ، وهكذا.
وهذا بخلافِ القِبْلةِ، فلا يُذكَرُ تعدُّدُ المشارقِ والمغاربِ، لأنّ القِبْلةَ تُضبَطُ بمشرِقٍ واحدٍ ومغرِبٍ واحدٍ، ثمَّ ينتهي ضبطُها بذلك، فلا تتغيَّرُ الجهةُ بتغيُّرِ مشرقِ الشمسِ والقمرِ ومغربِهما بعدَ ذلك.
وأيضًا: فإنّ القِبْلةَ جاء الشرعُ بالترخيصِ بالصلاةِ جِهَتَها ولو لم يُصِبِ الإنسانُ عينَها، ولو ورَدَ ذكرُ المشارقِ والمغاربِ جمعًا في الآيةِ، لَلَزِمَ منه وجوبُ الإصابةِ، لأنّ ضبطَ مطالعِ الشمسِ والقمرِ ومغاربِهما يلزمُ منه ضبطُ دَرَجاتِ ما بينَهما وضبطُ صوبِ القِبْلةِ تحديدًا، لأنّ المحدَّدَ بعلامتَيْنِ ووصفَيْنِ أوسَعُ ممّا يحدَّدُ بعلاماتٍ، وما يحدَّدُ بعلاماتٍ وأوصافٍ وأماكنَ متعدِّدةٍ يضيِّقُ الاختيارَ، وهذا تشديدٌ يُنافي التيسيرَ في قولِه: ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾.
وفي الحديثِ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا، أنّ النبيَّ ﷺ قال: (ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [[أخرجه الدارقطني في «سننه» (١٠٦٠) (٢ /٥)، والحاكم في «المستدرك» (٧٤١) (١ /٣٢٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢ /٩).]]. والصوابُ وقفُهُ، ثبَتَ عن ابنِ عُمَرَ، مِن حديثِ نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، قال عمرُ: «ما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ قِبْلةٌ»، أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبةَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (٧٤٣١) (٢ /١٤٠).]]، وقال أبو زُرْعةَ: «رفعُهُ وهَمٌ، الحديثُ حديثُ ابنِ عُمَرَ موقُوفًا»[[ينظر: «علل ابن أبي حاتم» (٢ /٤٧٣).]].
ورواهُ مالكٌ، عن نافعٍ، عن عمرَ، قولَهُ، وهو منقطِعٌ[[أخرجه مالك في «الموطأ» (عبد الباقي) (٨) (١ /١٩٦).]]، قال أحمدُ: «وهو عن عمرَ صحيحٌ»[[ينظر: «فتح الباري» لابن رجب (٣ /٦١).]]، وذلك أنّ غالبَ حديثِ نافعٍ عن عمرَ هو بواسطةِ ابنِه عبدِ اللهِ، فقد جاء هذا الخبرُ بواسطتِهِ، كما ذكَرَهُ الدارقطنيُّ في «عللِه»، وقال: «الصوابُ: عن نافعٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، عن عمرَ، قولَهُ»[[ينظر: «علل الدارقطني» (٢ /٣٢).]].
ورواهُ الترمذيُّ وغيرُهُ، مِن حديثِ أبي هريرةَ، وفيها ضعفٌ[[أخرجه الترمذي (٣٤٢) (٢ /١٧١)، وابن ماجه (١٠١١) (١ /٣٢٣)، وابن أبي شيبة (٧٤٤٠) (٢ /١٤١).]].
وقد قال أحمدُ: «ليس له إسنادٌ»[[ينظر: «مسائل أحمد» «رواية أبي داود» (١ /٤٠٤)، و«فتح الباري» لابن رجب (٣ /٦٠).]]، أي: ليس له إسنادٌ يُعْتَدُّ به، يعني: أسانيدُهُ ضعيفةٌ.
ولذا يذكُرُ اللهُ تعالى عندَ ربوبيَّتِهِ وتعظيمِهِ الجمعَ في المطالعِ والمغاربِ، ويذكُرُ أيضًا ما بينَهما مما ليس من المطالعِ والمغاربِ، قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ وما بَيْنَهُما ورَبُّ المَشارِقِ ﴾ [الصافات: ٥]، وقال: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بَيْنَهُما﴾ [الشعراء: ٢٨]، فذكَرَ ما بينَهما، وهو شاملٌ لبقيةِ المطالعِ والمغاربِ للكواكبِ الأُخرى التي تُرى والتي لا تُرى، وزيادة مِن الجهات، وذكَرَ سائرَ المخلوقاتِ.
ولعلَّ ما جاء في سورةِ المزَّمِّلِ مِن القِبْلةِ والتوسعةِ فيها، كان قبلَ نزولِ التوجُّهِ إلى القِبْلةِ، فبعدَما أمَرَ اللهُ نبيَّهُ بالصلاةِ بقولِهِ: ﴿إنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فاتَّخِذْهُ وكِيلًا ﴾ [المزمل: ٧ ـ ٩]، والجهاتُ أربعٌ، وأكثرُ ما يُذكَرُ المشرِقُ والمغرِبُ، لتعلُّقِهما بالنَّيِّرَيْنِ: الشمسِ والقمرِ، والشمالُ والجنوبُ يستدَلُّ عليهما بالمشرقِ والمغربِ، وبدونِهما لا يُعرَفانِ، والمشرِقُ والمغرِبُ يُعرَفانِ بلا معرفةٍ سابقةٍ بالشمالِ والجنوبِ، وأولُ ما عرَفَ الإنسانُ مِن الجهاتِ المشرقُ والمغربُ، ثمَّ تلاهما غيرُهما.
التصويبُ جهةَ القبلةِ:
وتتضمَّنُ الآيةُ التوسعةَ في استقبالِ القِبْلةِ حتى عندَ معرفةِ جهتِها، فلا يُشترَطُ التصويبُ لمَن لم يَرَها، فمَن صلّى إلى الجهةِ ولو انحرَفَ درجةً أو دَرَجاتٍ، يَمْنةً أو يَسْرةً ـ: صَحَّتْ صلاتُهُ، ما دامتْ ناحيتُهُ لم تتغيَّرْ.
فمَن كان في المدينةِ، فجهتُهُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ يصلِّي نحوَها، ولو تقلَّبَ بينَها مِن غيرِ تغيُّرِ الجهةِ لا يشدَّدُ عليه إذا لم يصوِّبْ، لظاهرِ الآيةِ، ولِما رواهُ أحمدُ في «مسندِهِ»، والتِّرمِذيُّ، مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ المَخْرَمِيِّ، عن عثمانَ بنِ محمدٍ الأَخْنَسِيِّ، عن سعيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ، قال: (ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [[أخرجه الترمذي (٣٤٤) (٢ /١٧٣).]].
والأَخْنَسيُّ وثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ، وعبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ المَخْرَميُّ له مناكيرُ، كما قاله ابنُ المَدِينيِّ، وقال أيضًا: روى عن سعيدِ بن المسيَّبِ، عن أبي هريرةَ أحاديثَ مناكيرَ[[ينظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٦ /١٦٦)، و«علل الترمذي» (١ /١٦١)، و«تهذيب الكمال» (١٩ /٤٨٩).]].
وأخرَجَه الترمذيُّ وابنُ ماجهْ، من طريقِ أبي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ السِّنْديِّ، عن محمدِ بنِ عمرٍو، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيّ ﷺ[[أخرجه الترمذي (٣٤٢) (٢ /١٧١)، وابن ماجه (١٠١١) (١ /٣٢٣).]].
وقد وهِمَ فيه أبو معشرٍ، وهو ضعيفُ الحديثِ، قال النَّسائيُّ: «وأبو معشرٍ المدنيُّ اسمُه نَجِيحٌ، وهو ضعيفٌ، ومع ضعفِهِ أيضًا كان قد اختلَطَ، عندَه أحاديثُ مناكيرُ، منها: محمدُ بنُ عمرٍو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ، قال: (ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ)»[[«سنن النسائي» (٤ /١٧١).]].
وتابَعَهُ عليه عليُّ بنُ ظَبْيانَ، فرواهُ عن محمدِ بنِ عمرٍو، أخرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في «الكاملِ»[[ينظر: «الكامل» لابن عدي (٦ /٣٢٠).]]، وعليُّ بنُ ظَبْيانَ لا يُحتَجُّ به أيضًا[[ينظر: «تاريخ ابن معين» «محرز» (١ /٥٠)، و«الضعفاء» للنسائي (١ /٧٧)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٦ /١٩١)، و«الضعفاء» للعقيلي (٣ /٢٣٤)، و«الضعفاء» لأبي زرعة (٦ /٢ /٤٢٩).]].
وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ أصحُّ مِن حديثِ أبي معشرٍ، قاله البخاريُّ[[ينظر: «سنن الترمذي» (٢ /١٧١).]].
وروى الإمامُ أحمدُ ـ في روايةِ ابنِه صالحٍ ـ عن أبي سعيدٍ مَوْلى بني هاشمٍ، حدَّثَني سليمانُ بنُ بلالٍ، قال: قال عمرُو بنُ أبي عمرٍو، عن المُطَّلِبِ بنِ حَنْطَبٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، إذا وجَّهْتَ وجْهَكَ نَحْوَ البَيْتِ الحَرامِ) [[ينظر: «فتح الباري» لابن رجب (٣ /٦١).]]، وهو مرسَلٌ.
ورُوِيَ هذا موقوفًا عن عمرَ وابنِه، كما تقدَّمَ، وعن عليٍّ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٧٤٣٥) (٢ /١٤١).]]، وابنِ عباسٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٧٤٣٦) (٢ /١٤١).]]، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٧٤٣٧) (٢ /١٤١).]]، وغيرِهم.
التكلُّفُ في تصويب القبلةِ:
وكان أحمدُ ينهى عن التكلُّفِ في التصويبِ على الكعبةِ للبعيدِ عنها بالاهتداءِ بالنجومِ والحسابِ، ما دام يعرِفُ الجهةَ، وأنكَرَ على مَن يستدِلُّ بنجمِ الجَدْيِ على القِبْلةِ[[ينظر: «فتح الباري» لابن رجب (٣ /٦٥).]].
ويجبُ التصويبُ على مَن شاهَدَ الكَعْبةَ إمامًا ومنفردًا، لظواهرِ الأدلَّةِ، وهو محلُّ إجماعٍ عندَ العلماءِ[[ينظر: «الاستذكار» (٢ /٤٥٥).]].
ومَن لم يشاهِدِ الكَعْبةَ ممَّن كان خارجَ المسجدِ، فصلّى متحرِّيًا صوبَها، فبانَ أنّه انحرَفَ عن البناءِ قليلًا، صحَّتْ صلاتُه.
دورانُ الصفوفِ عند الكعبةِ:
وأمّا المأمومُ عندَ البيتِ خلفَ الإمامِ، إنِ امتدَّتْ به الصفوفُ، وخرَجَ خروجًا يسيرًا عن حائطِ الكعبةِ، دون أن يُغيِّرَ جهةَ القِبلةِ، بشرطِ أن يكونَ وجهُه نحوَها، فصلاتُه صحيحةٌ، فالصفوفُ عندَ الكعبةِ كانتْ زمنَ النبيِّ ﷺ وخلفائِهِ جهةَ جدارِ البابِ، فإنْ زادتِ الصفوفُ عن حدِّ الكعبةِ، جاء صفٌّ آخَرُ خَلْفَهم، وأولُ مَن أدارَ الصفوفَ القَسْرِيُّ، كما رواهُ الأَزْرَقِيُّ في «أخبارِ مكةَ»، عن سُفْيانَ بنِ عُيَيْنةَ، قال: «أولُ مَن أدارَ الصفوفَ حولَ الكعبةِ خالدُ بنُ عبدِ اللهِ القَسْرِيُّ»[[«أخبار مكة» للأزرقي (٢ /٦٥).]].
وروى الفاكهيُّ، مِن حديثِ ابنِ جُرَيْجٍ، قال: أخبَرَني عطاءٌ، قال: كان ابنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما إذا صلّى بالناسِ، جمَعَهُمْ أجمعينَ وراءَ المَقامِ، قال: فعِيبَ ذلك عليه، فقال له إنسانٌ: أرأَيْتَ إنْ كان وراءَ المقامِ مِن الناسِ ما لو جمَعَهُمْ حولَ البيتِ، أطافُوا به واحدًا، ولكنْ فيه فُرَجٌ، أيُّ ذلك أحَبُّ إليك؟ فقال: ﴿وتَرى المَلائِكَةَ حَآفِّينَ مِن حَوْلِ العَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥]، يقولُ: صفوفُهُمْ حولَ البيتِ أحَبُّ إلَيَّ[[«أخبار مكة» للفاكهي (١٢٢٩) (٢ /١٠٢).]]، وهذا استنباطٌ حسَنٌ.
{"ayah":"وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق