الباحث القرآني
(p-١٢٢)ولَمّا أفْهَمَتِ الآيَةُ أنَّهُ حَصَلَ لِأوْلِياءِ اللَّهِ مَنعٌ مِن عِمارَةِ بَيْتِ اللَّهِ بِذِكْرِهِ، وكانَ اللَّهُ تَعالى قَدْ مَنَّ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ بِأنْ جَعَلَ الأرْضَ كُلَّها لَها مَسْجِدًا سَلّى المُؤْمِنِينَ بِأنَّهم أيْنَما صَلَّوْا بِقَصْدِ عِبادَتِهِ لَقِيَهم ثَوابُهُ، لِأنَّهُ لا يَخْتَصُّ بِهِ جِهَةً دُونَ جِهَةٍ، لِأنَّ مِلْكَهُ لِلْكُلِّ عَلى حَدٍّ سَواءٍ؛ فَكانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَأقِيمُوا الصَّلاةَ الَّتِي هي أعْظَمُ ذِكْرِ اللَّهِ حَيْثُما كُنْتُمْ فَإنَّهُ لِلَّهِ، كَما أنَّ المَسْجِدَ الَّذِي مَنَعْتُمُوهُ لِلَّهِ؛ وعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولِلَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ،
﴿المَشْرِقُ﴾ أيْ: مَوْضِعُ الشُّرُوقِ وهو مَطْلَعُ الأنْوارِ،
﴿والمَغْرِبُ﴾ وهو مَوْضِعُ أُفُولِها، فَأنْبَأ تَعالى -كَما قالَ الحَرالِّيُّ- بِإضافَةِ جَوامِعِ الآفاقِ إلَيْهِ إعْلامًا بِأنَّ الوُجْهَةَ لِوَجْهِهِ لا لِلْجِهَةِ، مِن حَيْثُ إنَّ الجِهَةَ لَهُ، انْتَهى.
ولَمّا كانَ هَذانِ الأُفْقانِ مَدارًا لِلْكَواكِبِ مِنَ الشَّمْسِ وغَيْرِها عَبَّرَ بِهِما عَنْ جَمِيعِ الجِهاتِ، لِتَحَوُّلِ الأفْلاكِ حالَ الدَّوَرانُ (p-١٢٣)إلى كُلٍّ مِنهُما؛ فَلِذَلِكَ تَسَبَّبَ عَنْ ذِكْرِهِما قَوْلُهُ: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا﴾: أيْ: فَأيُّ مَكانٍ أوْقَعْتُمْ فِيهِ التَّوْلِيَةَ لِلصَّلاةِ إلى القِبْلَةِ الَّتِي أُمِرْتُمْ بِالتَّوْلِيَةِ إلَيْها مِن بَيْتِ المَقْدِسِ أوِ الكَعْبَةِ أوْ غَيْرِهِما في النّافِلَةِ،
﴿فَثَمَّ﴾ أيْ: فَذَلِكَ المَوْضِعُ، لِأنَّ ”ثَمَّ“ إشارَةٌ لِظَرْفِ مَكانٍ،
﴿وجْهُ اللَّهِ﴾ أيْ: جِهَتُهُ الَّتِي وجَّهَكم إلَيْها أوْ مَكانُ اسْتِقْبالِهِ والتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وما يَسْتَقْبِلُكم مِن جَلالِهِ وجَمالِهِ ويَتَوَجَّهُ إلَيْكم مِن بِرِّهِ وإفْضالِهِ، فَإنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ الأماكِنِ والجِهاتِ في الإبْداعِ والقُرْبِ والبُعْدِ وغَيْرِ ذَلِكَ إلَيْهِ واحِدَةٌ. قالَ الحَرالِّيُّ: وأبْهَمَ المَوْلى لِيَقَعَ تَوَلِّي القَلْبِ لِوَجْهِ اللَّهِ حِينَ تَقَعُ مُحاذاةُ وجْهِ المُوَجِّهِ الظّاهِرِ لِلْجِهَةِ المُضافَةِ لِلَّهِ، انْتَهى. (p-١٢٤)ولَمّا أخْبَرَ مِن سِعَةِ فَضْلِهِ مَبْثُوثًا في واسِعِ مِلْكِهِ بِما وقَفَتِ العُقُولُ عَنْ مُنْتَهى عِلْمِهِ عَلَّلَهُ بِما صَغُرَ ذَلِكَ في جَنْبِهِ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ فَذَكَرَهُ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ الجامِعِ لِجَمِيعِ الأسْماءِ،
﴿واسِعٌ﴾ أيْ: مُحِيطٌ بِما لا تُدْرِكُهُ الأوْهامُ، فَلا يَقَعُ شَيْءٌ إلّا في مِلْكِهِ؛ وأصْلُ الوُسْعِ تَباعُدُ الأطْرافِ والحُدُودِ،
﴿عَلِيمٌ﴾ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ فِعْلُ فاعِلٍ أيْنَ ما كانَ وكَيْفَ ما كانَ، فَهو يُعْطِي المُتَوَجِّهَ إلَيْهِ عَلى قَدْرِ نِيَّتِهِ بِحَسَبِ بُلُوغِ إحاطَتِهِ وشُمُولِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ.
قالَ الحَرالِّيُّ في شَرْحِ الأسْماءِ: والسِّعَةُ المَزِيدُ عَلى الكِفايَةِ مِن نَحْوِها إلى أنْ يَنْبَسِطَ إلى ما وراءَ امْتِدادًا [و ] رَحْمَةً وعِلْمًا،
﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] ﴿لَهم ما يَشاءُونَ فِيها ولَدَيْنا مَزِيدٌ﴾ [ق: ٣٥] ولا تَقَعُ السِّعَةُ إلّا مَعَ إحاطَةِ العِلْمِ والقُدْرَةِ وكَمالِ الحِلْمِ وإفاضَةِ الخَيْرِ والنِّعْمَةِ لِمُقْتَضى كَمالِ الرَّحْمَةِ، ولِمِسْرى النِّعْمَةِ في وُجُوهِ الكِفاياتِ ظاهِرًا وباطِنًا خُصُوصًا وعُمُومًا لَمْ يَكَدْ يَصِلُ الخَلْقُ إلى حَظٍّ مِنَ السِّعَةِ، أمّا ظاهِرًا فَلا تَقَعُ مِنهم ولا تَكادُ، إنَّكم لَنْ تَسَعُوا النّاسَ بِمَعْرُوفِكم، وأمّا باطِنًا بِخُصُوصِ حُسْنِ الخُلُقِ فَعَساهُ (p-١٢٥)يَكادُ. وقالَ في تَفْسِيرِهِ: قَدَّمَ تَعالى: ﴿المَشْرِقُ﴾ لِأنَّهُ مَوْطِنُ بُدُوِّ الأنْوارِ الَّتِي مِنها رُؤْيَةُ الأبْصارِ، وأعْقَبَهُ بِالمَغْرِبِ الَّذِي هو مَغْرِبُ الأنْوارِ الظّاهِرَةِ، [وهُوَ مَشْرِقُ الأنْوارِ الباطِنَةِ، فَيَعُودُ التَّعادُلُ إلى أنَّ مَشْرِقَ الأنْوارِ الظّاهِرَةِ ] هو مَغْرِبُ الأنْوارِ الباطِنَةِ ”الفِتْنَةُ ها هُنا مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطانِ - وأشارَ بِيَدِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ“، ”لا يَزالُ أهْلُ المَغْرِبِ ظاهِرِينَ عَلى الحَقِّ“، انْتَهى. قُلْتُ: ومِن ذَلِكَ حَدِيثُ صَفْوانَ بْنِ عَسّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إنَّ لِلَّهِ بِالمَغْرِبِ بابًا»، وفي رِوايَةٍ: «بابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مِن قِبَلِ المَغْرِبِ -مَسِيرَةُ عَرْضِهِ سَبْعُونَ عامًا، لا يُغْلَقُ ما لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِن قِبَلِهِ-» أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ والبَغَوِيُّ في تَفْسِيرِهِ، وقَدْ ظَهَرَ أنَّ المَغْرِبَ في الحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ هو في الصَّحِيحِ ما عَدا المَشْرِقَ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ بِالفِتْنَةِ في الحَدِيثِ الآخَرِ، فالمَغْرِبُ حِينَئِذٍ المَدِينَةُ وما يُنْسَبُ إلَيْها مِن جِهَةِ المَشْرِقِ وما وراءَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ الجَنُوبِ والشَّمالِ وما وراءَ ذَلِكَ مِن جِهَةِ الغَرْبِ إلى مُنْتَهى الأرْضِ، فَلا يُعارِضُ حِينَئِذٍ حَدِيثَ «وهم بِالشّامِ» فَإنَّها مِن جُمْلَةِ المَغْرِبِ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ، فَدُونَكَ جَمْعًا طالَ ما دارَتْ فِيهِ الرُّؤُوسُ وحارَتْ فِيهِ الأفْكارُ في المَحافِلِ والدُّرُوسِ، واللَّهُ المُوَفِّقُ.
{"ayah":"وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











