الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ اخْتَلَفَ أهْلُ التَّأْوِيلِ في تَأْوِيلِها، وسَبَبِ نُزُولِها، عَلى سَبْعَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، كانَ يَسْتَقْبِلُ بِصَلاتِهِ بَيْتَ المَقْدِسِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، حَتّى قالَتِ اليَهُودُ: إنَّ مُحَمَّدًا وأصْحابَهُ، ما دَرَوْا أيْنَ قِبْلَتُهم حَتّى هَدَيْناهُمْ، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِاسْتِقْبالِ الكَعْبَةِ، فَتَكَلَّمَتِ اليَهُودُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ،» وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ أنْ يُفْرَضَ اسْتِقْبالُ القِبْلَةِ، فَأباحَ لَهم أنْ يَتَوَجَّهُوا بِصَلاتِهِمْ حَيْثُ شاءُوا مِن نَواحِي المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ وابْنِ زَيْدٍ. والثّالِثُ: أنَّها نَزَلَتْ في صَلاةِ التَّطَوُّعِ لِلسّائِرِ حَيْثُ تَوَجَّهَ، ولِلْخائِفِ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِن مَشْرِقٍ أوْ مَغْرِبٍ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، رَوى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ أنْ تُصَلِّيَ أيْنَما تَوَجَّهَتْ بِكَ راحِلَتُكَ في السَّفَرِ تَطَوُّعًا، «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا رَجَعَ مِن مَكَّةَ يُصَلِّي عَلى راحِلَتِهِ تَطَوُّعًا، يُومِئُ بِرَأْسِهِ نَحْوَ المَدِينَةِ. » والرّابِعُ: أنَّها نَزَلَتْ، فِيمَن خَفِيَتْ عَلَيْهِمُ القِبْلَةُ، ولَمْ يَعْرِفُوا جِهَتَها، فَصَلَّوْا إلى جِهاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. (p-١٧٧) رَوى عاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أبِيهِ قالَ: «كُنّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَنَزَلْنا مَنزِلًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الأحْجارَ، فَيَعْمَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، فَلَمّا أصْبَحْنا إذا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنا إلى غَيْرِ القِبْلَةِ، فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْنا لَيْلَتَنا هَذِهِ إلى غَيْرِ القِبْلَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ. » والخامِسُ: أنَّها نَزَلَتْ في النَّجاشِيِّ، ورَوى أبُو قَتادَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: (إنَّ أخاكُمُ النَّجاشِيَّ قَدْ ماتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ قالُوا: نُصَلِّي عَلى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، قالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وَإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وما (p-١٧٨)أُنْزِلَ إلَيْكم وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ [سُورَةُ آلِ عِمْرانَ الآيَةُ: ١٩٩] قالُوا: فَإنَّهُ كانَ لا يُصَلِّي إلى القِبْلَةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ )» والسّادِسُ: أنَّ سَبَبَ نُزُولِها «أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أنْزَلَ قَوْلَهُ: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ قالُوا إلى أيْنَ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾» [البَقَرَةِ: ١١٥] . والسّابِعُ: أنَّ مَعْناهُ وحَيْثُما كُنْتُمْ مِن مَشْرِقٍ أوْ مَغْرِبٍ، فَلَكم قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَها، يَعْنِي جِهَةً إلى الكَعْبَةِ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ. وَيَجِيءُ مِن هَذا الِاخْتِلافِ في قَوْلِهِ: ﴿فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ﴾ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ. والثّانِي: فَثَمَّ اللَّهُ تَعالى، ويَكُونُ الوَجْهُ عِبارَةٌ عَنْهُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَيَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٢٧] . وأمّا ( ثَمَّ ) فَهو لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ في الإشارَةِ إلى مَكانٍ، فَإنْ كانَ قَرِيبًا قِيلَ: (هُنا زَيْدٌ)، وإنْ كانَ بَعِيدًا قِيلَ: (هُناكَ زَيْدٌ) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب