الباحث القرآني

﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ لَمّا جاءَ بِوَعِيدِهِمْ ووَعَدَ المُؤْمِنِينَ عَطَفَ عَلى ذَلِكَ تَسْلِيَةَ المُؤْمِنِينَ عَلى خُرُوجِهِمْ مِن مَكَّةَ ونِكايَةَ المُشْرِكِينَ بِفَسْخِ ابْتِهاجِهِمْ بِخُرُوجِ المُؤْمِنِينَ مِنها وانْفِرادِهِمْ هم بِمَزِيَّةِ جِوارِ الكَعْبَةِ فَبَيَّنَ أنَّ الأرْضَ كُلَّها لِلَّهِ تَعالى وأنَّها ما تَفاضَلَتْ جِهاتُها إلّا بِكَوْنِها مَظِنَّةً لِلتَّقَرُّبِ إلَيْهِ تَعالى وتَذَكُّرِ نِعَمِهِ وآياتِهِ العَظِيمَةِ فَإذا كانَتْ وِجْهَةُ الإنْسانِ نَحْوَ مَرْضاةِ اللَّهِ تَعالى فَأيْنَما تَوَلّى فَقَدْ صادَفَ رِضى اللَّهِ تَعالى، وإذا كانَتْ وِجْهَتَهُ الكُفْرُ والغُرُورُ والظُّلْمُ فَما يُغْنِي عَنْهُ العِياذُ بِالمَواضِعِ المُقَدَّسَةِ بَلْ هو فِيها دَخِيلٌ لا يَلْبَثُ أنْ يُقْلَعَ مِنها قالَ تَعالى ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] «وقالَ ﷺ في بَنِي إسْرائِيلَ: نَحْنُ أحَقُّ بِمُوسى مِنهم» . فالمُرادُ مِنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ في الآيَةِ تَعْمِيمُ جِهاتِ الأرْضِ لِأنَّها تَنْقَسِمُ بِالنِّسْبَةِ إلى مَسِيرِ الشَّمْسِ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَبْتَدِئُ مِن حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، وقِسْمٌ يَنْتَهِي في حَيْثُ تَغْرُبُ، وهو تَقْسِيمٌ اعْتِبارِيٌّ كانَ مَشْهُورًا عِنْدَ المُتَقَدِّمِينَ لِأنَّهُ المَبْنِيُّ عَلى المُشاهَدَةِ مُناسِبٌ لِجَمِيعِ النّاسِ والتَّقْسِيمُ الذّاتِيُّ لِلْأرْضِ هو تَقْسِيمُها إلى شَمالِيٍّ وجَنُوبِيٍّ لِأنَّهُ تَقْسِيمٌ يَنْبَنِي عَلى اخْتِلافِ آثارِ الحَرَكَةِ الأرْضِيَّةِ. (p-٦٨٣)وقَدْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ إذْنٌ لِلرَّسُولِ ﷺ بِأنْ يَتَوَجَّهَ في الصَّلاةِ إلى أيَّةِ جِهَةٍ شاءَ، ولَعَلَّ مُرادَ هَذا القائِلِ أنَّ الآيَةَ تُشِيرُ إلى تِلْكَ المَشْرُوعِيَّةِ لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ قُبَيْلَ نَسْخِ اسْتِقْبالِ بَيْتِ المَقْدِسِ إذِ الشَّأْنُ تَوالِي نُزُولِ الآياتِ، وآيَةُ نَسْخِ القِبْلَةِ قَرِيبَةُ المَوْقِعِ مِن هَذِهِ، والوَجْهُ أنْ يَكُونَ مَقْصِدُ الآيَةِ عامًّا كَما هو الشَّأْنُ فَتَشْمَلُ الهِجْرَةَ مِن مَكَّةَ والِانْصِرافَ عَنِ اسْتِقْبالِ الكَعْبَةِ. وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِلِاخْتِصاصِ أيْ أنَّ الأرْضَ لِلَّهِ تَعالى فَقَطْ لا لَهم، فَلَيْسَ لَهم حَقٌّ في مَنعِ شَيْءٍ مِنها عَنْ عِبادِ اللَّهِ المُخْلِصِينَ. و”وجْهُ اللَّهِ“ بِمَعْنى الذّاتِ وهو حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ تَقُولُ: لِوَجْهِ زَيْدٍ أيْ ذاتِهِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ”مَن أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ“ وهو هُنا كِنايَةٌ عَنْ عَمَلِهِ فَحَيْثُ أمَرَهم بِاسْتِقْبالِ بَيْتِ المَقْدِسِ فَرِضاهُ مَنُوطٌ بِالِامْتِثالِ لِذَلِكَ. وهو أيْضًا كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنْ رِضاهُ بِهِجْرَةِ المُؤْمِنِينَ في سَبِيلِ الدِّينِ لِبِلادِ الحَبَشَةِ ثُمَّ لِلْمَدِينَةِ ويُؤَيِّدُ كَوْنَ الوَجْهِ بِهَذا المَعْنى قَوْلُهُ في التَّذْيِيلِ إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ فَقَوْلُهُ ”واسِعٌ“ تَذْيِيلٌ لِمَدْلُولٍ ﴿ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ﴾ والمُرادُ سَعَةُ مُلْكِهِ أوْ سَعَةُ تَيْسِيرِهِ والمَقْصُودُ عَظَمَةُ اللَّهِ وأنَّهُ لا جِهَةَ لَهُ وإنَّما الجِهاتُ الَّتِي يُقْصَدُ مِنها رِضى اللَّهِ تَفْضُلُ غَيْرَها وهو عَلِيمٌ بِمَن يَتَوَجَّهُ لِقَصْدِ مَرْضاتِهِ وقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِأنَّها المُرادُ بِها القِبْلَةُ في الصَّلاةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب