الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هؤلاء اليهود الذين وصفتُ لك، يا محمد، صفتَهم، سَمَّاعون لقِيل الباطل والكذب، ومن قيل بعضهم لبعض:"محمد كاذب، ليس بنبي"، وقيل بعضهم:"إن حكم الزاني المحصن في التوراة الجلد والتحميم"، وغير ذلك من الأباطيل والإفك= ويقبلون الرُّشَى فيأكلونها على كذبهم على الله وفريتهم عليه، [[في المخطوطة: "فيأكلوها"، والصواب ما في المطبوعة.]] كما:-
١١٩٤٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله:"سماعون للكذب أكَّالون للسحت"، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.
١١٩٤٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"سماعون للكذب أكالون للسحت"، قال: كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى.
١١٩٤٤ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"أكالون للسحت"، قال: الرشوة في الحكم، وهم يهود.
١١٩٤٥ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"أكالون للسحت"، قال:"السُّحت"، الرشوةُ.
١١٩٤٦ - حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
١١٩٤٧ - حدثنا سفيان قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال:"السحت"، الرشوة.
١١٩٤٨ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن حريث، عن عامر، عن مسروق قال: قلنا لعبد الله: ما كنا نرى"السحت" إلا الرشوة في الحكم! قال عبد الله: ذاك الكُفْر.
١١٩٤٩ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: "السحت"، الرُّشَى؟ قال: نعم. [[لعل الصواب"قيل: السحت، الرشى "أو"سئل".]]
١١٩٥٠ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمار الدُّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت عبد الله عن"السحت"، فقال: الرجل يطلب الحاجةَ للرجل فيقضيها، فيهدي إليه فيقبلُها.
١١٩٥١ - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:"السحت"، الرشى.
١١٩٥٢ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"السحت"، قال: الرشوة في الدِّين.
١١٩٥٣ - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال، قال عمر: [ما كان] من"السحت"، الرشى ومهر الزانية. [[ما بين القوسين ثابت في المخطوطة والمطبوعة، وأنا في شك منه، ولذلك وضعته بين قوسين، فإن الكلام بغيره مستقيم. وأخشى أن يكون تحريفًا لشيء لم أستطع أن أستظهر صوابه. أو لعله سقط من الخبر شيء. بعد قوله: [ما كان] . وانظر الآثار رقم: ١١٩٥٦، ١١٩٦٤، ١١٩٦٥، فربما كان ما سقط هنا: "ما كان يعطي الكهان في الجاهلية"، كما في رقم: ١١٩٦٤.]]
١١٩٥٤ - حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"السحت"، الرشوة.
١١٩٥٥ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"أكالون للسحت"، قال: الرشى.
١١٩٥٦ - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي= عن طلحة، عن أبي هريرة قال: مهر البغي سُحْت، وعَسْبُ الفحل سحت، [["عسب الفحل": طرق الفحل وضرابه. يقال: "عسب الفحل الناقة يعسبها عسبًا"، و"فحل شديد العسب". و"العسب" بعد ذلك هو: الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل. وقد جاء في الحديث النهي عن عسب الفحل، وهو كراء عسب الفحل. أما إعارة الفحل للضراب، فأمر مندوب إليه.]] وكسْبُ الحجَّام سحت، وثمن الكلب سُحْت.
١١٩٥٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك قال:"السحت"، الرشوة في الحكم.
١١٩٥٨ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن"السحت"، قال: الرشى. فقلت: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
١١٩٥٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أكالون للسحت"، يقول: للرشى.
١١٩٦٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن مسروق، وعلقمة: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة، فقال: هي السحت. قالا في الحكم؟ قال: ذاك الكفر! تم تلا هذه الآية: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [[الأثر: ١١٩٦٠-"علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي"، صاحب ابن مسعود، وكان أعلم الناس بحديث ابن مسعود. مترجم في التهذيب.
و"مسروق" هو: "مسروق بن الأجدع"، مضى برقم: ٤٢٤٢، ٧٢١٦، وغيرهما. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عن مسروق، عن علقمة"، والصواب ما أثبت، فإن مسروقًا وعلقمة، من كبار أصحاب عبد الله بن مسعود. والسياق يدل على صواب ما أثبت.]] [سورة المائدة: ٤٤] .
١١٩٦١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن المسعودي، عن بكير بن أبي بكير، عن مسلم بن صبيح قال: شفع مسروق لرجل في حاجة، فأهدى له جارية، فغضب غضبًا شديدًا وقال: لو علمت أنك تفعل هذا ما كلَّمت في حاجتك، ولا أكلم فيما بقي من حاجتك، سمعت ابن مسعود يقول:"من شفع شفاعة ليردّ بها حقًّا، أو يرفع بها ظلمًا، فأهدِيَ له فقبل، فهو سحت"، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم! قال: الأخذُ على الحكم كفر. [[الأثر: ١١٩٦١-"بكير بن أبي بكير"، لم أجد له ذكرًا في كتب التراجم التي بين يدي. وأخشى أن يكون تحريفًا كالذي يليه.
وأما "مسلم بن صبيح الهمداني"، فهو: "أبو الضحى"، وقد سلفت ترجمته مرارًا، منها: ٥٤٢٤، ٧٢١٦، ٨٢٠٦. ثقة كثير الحديث، يروي عن مسروق بن الأجدع. وانظر الأثر التالي: ١١٩٦٣.
وكان في المخطوطة: "هشام بن صبيح"، وفي المطبوعة: "هاشم بن صبيح"، وكلاهما خطأ محض، والذي في المخطوطة تحريف"مسلم".]]
١١٩٦٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"سماعون للكذب أكالون للسحت"، وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم، وقضوا بالكذب.
١١٩٦٣ - حدثنا هناد قال، حدثنا عبيدة، عن عمار، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن"السحت"، أهو الرشى في الحكم؟ فقال: لا من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق. ولكن"السحت"، يستعينك الرجل على المظلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية فتقبلُها.
١١٩٦٤ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن هبيرة السَّبائي قال: من السحت ثلاثة: مهرُ البغي، والرشوة في الحكم، وما كان يُعطى الكُهان في الجاهلية. [[الأثر: ١١٩٦٤-"يحيى بن سعيد"، أظنه"يحيى بن سعيد بن حيان التيمي"، "أبو حيان"، روى عنه ابن فضيل. مضى برقم: ٥٣٨٢، ٥٣٨٣.
و"عبد الله بن هبيرة السبائي"، ثقة. مضى برقم ١٩١٤، ٥٤٩٣، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"عبيد الله بن هبيرة"، وهو خطأ محض.]]
١١٩٦٥ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن مطيع، عن حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن ضمرة، عن علي بن أبي طالب: أنه قال في كسب الحجام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستجْعَال في القضية، [["الاستجعال"، يعني: أخذ الجعل (بضم فسكون) ، وهو الأجر، واشتراطه لقضاء الحاجة. ولم يذكر هذا الحرف من الاشتقاق في معاجم اللغة. وإنما قالوا: "اجتعل" فهو"مجتعل" أي: أخذ جعلا. و"فلان يجاعل فلانًا"، أي: يصانعه برشوة.]] وحلوان الكاهن، [["الحلوان": ما يعطاه الكاهن عن كهانته أجرة.]] وعسب الفحل، [["عسب الفحل"، مضى تفسيره ص: ٣٢٠، تعليق: ٣، وفي المطبوعة: "عسيب الفحل"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة.]] والرشوة في الحكم، وثمن الخمر، وثمن الميتة: من السحت. [[الأثر: ١١٩٦٥-"ضمرة" الذي يروي هنا عن علي بن أبي طالب، لم أعرف من يكون. وأخشى أن يكون فيه تحريف.]]
١١٩٦٦ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أكالون للسحت"، قال: الرشوة في الحكم.
١١٩٦٧ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله ﷺ قال: كُلُّ لحم أنبَته السُّحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم. [[الأثر: ١١٩٦٧-"عبد الرحمن بن أبي الموال"، ويقال: "عبد الرحمن بن زيد بن أبي الموال"، ويقال" بن أبي الموالي"، ثقة. مترجم في التهذيب.
و"عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب"، ثقة. مضى توثيقه برقم: ٧٨١٩. وهذا خبر مرسل، خرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٢٨٤، ونسبه لعبد بن حميد، وابن مردويه مرفوعًا من حديث ابن عمر، عن رسول الله ﷺ.]]
١١٩٦٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الجبار بن عمر، عن الحكم بن عبد الله قال: قال لي أنس بن مالك: إذا انقلبت إلى أبيك فقل له: إياك والرشوة، فإنها سحت= وكان أبوه على شُرَط المدينة. [[الأثر: ١١٩٦٨-"عبد الحبار بن عمر الأيلي"، ضعيف الحديث، ليس محله الكذب. ووثقه ابن سعد. مضى برقم: ٤٦٠٨، ٩٠٥٧.
أما "الحكم بن عبد الله"، وأبوه"عبد الله" الذي كان على شرط المدينة، فلم أعلم من يكونان؟]]
١١٩٦٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرشوة سُحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفي الحكم؟ قال: لا ثم قرأ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٤] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٥] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٧] .
* * *
وأصل"السحت": كَلَبُ الجوع، يقال منه:"فلان مسحُوت المَعِدَة"، إذا كان أكولا لا يُلْفَى أبدًا إلا جائعًا، وإنما قيل للرشوة:"السحت"، تشبيهًا بذلك، كأن بالمسترشي من الشَّره إلى أخذ ما يُعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشَّرَه إلى الطعام. يقالُ منه:"سحته وأسحته"، لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَع ... مِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ [[ديوانه: ٥٥٦، والنقائض: ٥٥٦، وطبقات فحول الشعراء: ١٩، والخزانة ٢: ٣٤٧، واللسان (سحت) (جلف) ، وسيأتي في التفسير ١٦: ١٣٥، وفي غيرها كثير. والبيت من قصيدته المشهورة، وقبل البيت: إِلَيْكَ أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَمَتْ بِنَا ... هُمُومُ الْمُنَى والْهَوْجَلُ الْمُتَعَسَّفُ
"الهوجل": البطن الواسع من الأرض. و"المتعسف": المسلوك بلا علم ولا دليل، فهو يسير فيها بالتعسف. ويروى: "أو مجرف"، وهو الذي جرفه الدهر، أي: اجتاح ماله وأفقره. ويروى في"إلا مسحت أو مجلف" بالرفع فيهما (كما سيأتي في ١٦: ١٣٥، من التفسير) . وقد تجرف النحاة هذا البيت إعرابًا وتأويلا.]]
يعني بِ"المسحت"، الذي قد استأصله هلاكًا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [سورة طه: ٦١] . وتقول العرب للحالق:"اسحت الشعر"، أي: استأصله.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرضْ عنهم"، إن جاء هؤلاء القوم الآخرون الذين لم يأتوك بعد =وهم قومُ المرأة البغيّة= محتكمين إليك، فاحكم بينهم إن شئت بالحقِّ الذي جعله الله حُكمًا له فيمن فعل فِعْل المرأة البغيَّة منهم= أو أعرض عنهم فدع الحكم بينهم إن شئت، والخيار إليك في ذلك.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١١٩٧٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أو أعرض عنهم"، يهودُ، زنى رجل منهم له نسبٌ حقير فرجموه، ثم زنى منهم شريف فحمَّمُوه، ثم طافوا به، ثم استفتوا رسول الله ﷺ ليوافقهم. قال: فأفتاهم فيه بالرجم، فأنكروه، فأمرهم أن يدعوا أحبارهم ورهبانهم، فناشدهم بالله: أتجدونه في التوراة؟ فكتموه، إلا رجلا من أصغرهم أعْوَرَ، فقال: كذبوك يا رسول الله، إنه لفي التوراة!
١١٩٧١ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن ابن شهاب: أنّ الآية التي في"سورة المائدة"،"فإن جاءوك فاحكم بينهم"، كانت في شأن الرجم.
١١٩٧٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إنهم أتوه =يعني اليهود= في امرأة منهم زنت، يسألونه عن عقوبتها، فقال لهم رسول الله ﷺ: كيف تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة؟ فقالوا: نؤمر برجم الزانية! فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت، وقد قال الله تبارك وتعالى:"وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين".
١١٩٧٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، قال: كانوا يحدُّون في الزنا، إلى أن زنى شاب منهم ذو شرف، [[في المخطوطة: "إلى أن زنى الشاب منهم"، والذي في المطبوعة أرجح.]] فقال بعضهم لبعض: لا يدعكم قومه ترجمونه، ولكن اجلدوه ومثِّلوا به! فجلدوه وحملوه على حمارِ إكافٍ، [["الإكاف" مركب من المراكب، مثل الرحال والأقتاب.]] وجعلوا وجهه مستقبِلَ ذنب الحمار= إلى أن زنى آخر وضيع ليس له شرف، فقالوا: ارجموه! ثم قالوا: فكيف لم ترجموا الذى قبله؟ ولكن مثل ما صنعتم به فاصنعوا بهذا! فلما كان النبي ﷺ، قالوا: سلوه، لعلكم تجدون عنده رخصة! فنزلت:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم" إلى قوله:"إنّ الله يحب المقسطين".
* * *
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قتيل قُتل في يهودَ منهم، قتله بعضهم.
* ذكر من قال ذلك:
١١٩٧٤ - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الآيات في"المائدة"، قوله:"فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، إلى قوله:"المقسطين"، إنما نزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة، وذلك أن قتلى بني النضير، وكان لهم شرف، [[في المطبوعة والمخطوطة: "كان لهم شرف"، بغير واو، فأثبتها من سيرة ابن هشام.]] تؤدِّي الدية كاملة، وإن قريظة كانوا يؤدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله ﷺ على الحقّ في ذلك، فجعل الدية في ذاك سواءً= والله أعلم أيُّ ذلك كان. [[الأثر: ١١٩٧٤- سيرة ابن هشام ٢: ٢١٥، ٢١٦، وفي سيرة ابن هشام بين أن قوله"والله أعلم أي ذلك كان"، من كلام ابن إسحق.
ورواه أحمد في المسند رقم: ٣٤٣٤، مختصرًا.]]
١١٩٧٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن علي بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت قريظة والنضير، وكان النضيرُ أشرفَ من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير، قُتِل به. وإذا قتل رجلٌ من النضير رجلا من قريظة، أدَّى مئة وَسْقَ تمرٍ. [["الوسق" (بفتح الواو وكسرها، وسكون السين) : هو حمل بعير، وهو ستون صاعًا بصاع رسول الله ﷺ.]] فلما بُعِث رسول الله ﷺ، قَتَل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا! فقالوا: بيننا وبينكم رسول الله ﷺ! فنزلت"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط". [[الأثر: ١١٩٧٥-"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي"، مضى مرارا. انظر رقم: ٢٠٩٢، ٢٢١٩، وغيرها إلى: ٩٤٥٦. وكان في المطبوعة والمخطوطة"عبد الله بن موسى"، وهو خطأ محض.
و"علي بن صالح بن صالح بن حي الهمداني"، ثقة. مضى برقم: ١٧٨. وانظر خبرًا بمعنى بعضه فيما سلف رقم: ٩٨٩٦، ومسند أحمد رقم: ٣٢١٢، ٣٤٣٤.]]
١١٩٧٦ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان في حكم حيي بن أخطب: للنّضِيريِّ ديتان، [[في المطبوعة: "للنضري"، والصواب من المخطوطة.]] والقرظيّ دية= لأنه كان من النضير. قال: وأخبر الله نبيه ﷺ بما في التوراة، [[في المخطوطة: "وأخبر الله نبيه ﷺ في التوراة"، وما في المطبوعة أصح.]] قال: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [سورة المائدة: ٤٥] ، إلى آخر الآية. قال: فلما رأت ذلك قريظة، لم يرضوا بحكم ابن أخطب، فقالوا: نتحاكم إلى محمد! فقال الله تبارك وتعالى:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، فخيرّه="وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله"، الآية كلها. وكان الشريف إذا زنى بالدنيئة رجموها هي، وحمَّموا وجهَ الشريف، وحملوه على البعير، وجَعلوا وجهه من قِبَل ذنب البعير. وإذا زنى الدنيء بالشريفة رجموه، وفعلوا بها هي ذلك. فتحاكموا إلى النبي ﷺ فرجمها. قال: وكان النبي ﷺ قال لهم: من أعلمكم بالتوراة؟ قالوا: فلان الأعور! فأرسل إليه فأتاه، فقال: أنت أعلمهم بالتوراة؟ قال: كذاك تزعم يهودُ! فقال له النبي ﷺ: أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طُور سَيْنَاء، ما تجد في التوراة في الزانيين؟ فقال: يا أبا القاسم، يرجمون الدنيئة، ويحملون الشريف على بعير، ويحمِّمون وجهه، ويجعلون وجهه من قبل ذنَبِ البعير، ويرجمون الدنيء إذا زنى بالشريفة، ويفعلون بها هي ذلك. فقال له النبي ﷺ:"أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طُور سَيْناء، ما تجد في التوراة؟ فجعل يروغ، والنبي ﷺ يَنْشُده بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء، حتى قال: يا أبا القاسم،"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة". فقال رسول الله ﷺ: فهو ذاك، اذهبوا بهما فارجموهما. قال عبد الله: [[كأنه يعني"عبد الله بن عمر"، وإن لم يذكر في الخبر، كما سيأتي في التخريج.]] فكنت فيمن رجمهما فما زال يُجْنِئُ عليها، [["جنأ عليه" و"أجنأ عليه" و"جانأ عليه" و"تجانأ عليه": أكب عليها ومال ليقيها. وهي في المطبوعة"يجني عليها"، وهي صواب أيضًا، والمخطوطة غير منقوطة."جنا عليه يجني" انثنى، وحنى ظهره. وجاء الحديث باللفظين.]] ويقيها الحجارة بنفسه حتّى مات. [[الأثر: ١١٩٧٦- خبر عبد الله بن عمر في رجم اليهودي اليهودية، رواه مسلم في صحيحه ١١: ٢٠٨، ٢٠٩ والبخاري، في صحيحه (الفتح ١٢: ١٤٨- ١٥٢) وشرحه الحافظ شرحًا وافيًا، وفي سنن أبي داود ٤: ٢١٤، رقم: ٤٤٤٦.]]
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية، هل هو ثابت اليوم؟ وهل للحكام من الخيار في الحكم والنظر بين أهل الذمّة والعهد إذا احتكموا إليهم، مثلُ الذي جعَل لنبيه ﷺ في هذه الآية، أم ذلك منسوخ؟
فقال بعضهم: ذلك ثابتٌ اليوم، لم ينسخه شيء، وللحكام من الخيار في كلّ دهر بهذه الآية، مثلُ ما جعَله الله لرسوله ﷺ.
* ذكر من قال ذلك:
١١٩٧٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي: إنْ رفع إليك أحد من المشركين في قَضَاءٍ، فإن شئت فاحكم بينهم بما أنزل الله، وإن شئت أعرضت عنهم. [[في المطبوعة: "أعرض عنهم"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
١١٩٧٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي وإبراهيم قالا إذا أتاك المشركون فحكَّموك، فاحكم بينهم أو أعرض عنهم. وإن حكمت فاحكم بحكم المسلمين، ولا تعدُهُ إلى غيره.
١١٩٧٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.
١١٩٨٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.
١١٩٨١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن محمد بن سالم، عن الشعبي قال: إذا أتاك أهل الكتاب بينهم أمر، فاحكم بينهم بحكم المسلمين، أو خَلِّ عنهم وأهلَ دينهم يحكمون فيهم، إلا في سرقة أو قتل.
١١٩٨٢ - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال، قال لي عطاء، نحن مخيَّرون، إن شئنا حكمنا بين أهل الكتاب، وإن شئنا أعرضنا فلم نحكم بينهم. وإن حكمنا بينهم حكمنا بحكمنا بيننا، أو نتركهم وحكمهم بينهم= قال ابن جريج: وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب. وذلك قوله:"فاحكم بينهم أو أعرض عنهم".
١١٩٨٣ - حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة= وحدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة= عن إبراهيم والشعبي في قوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، قالا إذا جاءوا إلى حاكم المسلمين، فإن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم. وإن حكم بينهم، حكم بينهم بما في كتاب الله.
١١٩٨٤ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم"، يقول: إن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله له في ذلك رُخْصة، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم.
١١٩٨٥ - حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا إذا أتاك المشركون فحكَّموك فيما بينهم، فاحكم بينهم بحكم المسلمين ولا تعدُه إلى غيره، أو أعرض عنهم وخلِّهم وأهلَ دينهم.
* * *
وقال آخرون: بل التخيير منسوخٌ، وعلى الحاكم إذا احتكم إليه أهل الذمة أن يحكُم بينهم بالحق، وليس له ترك النظر بينهم.
* ذكر من قال ذلك:
١١٩٨٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، نسخت بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ . [سورة المائدة: ٤٩] .
١١٩٨٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن السدي قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ .
١١٩٨٨ - حدثنا ابن وكيع ومحمد بن بشار قالا حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ .
١١٩٨٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد: لم ينسخ من"المائدة" إلا هاتان الآيتان:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، نسختها: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [سورة المائدة: ٤٩] ، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ﴾ [سورة المائدة: ٢] ، نسختها: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [سورة التوبة: ٥] . [[الأثر: ١١٩٨٩- انظر الأثر التالي رقم: ١١٩٩٦، والتعليق عليه.]]
١١٩٩٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد قال: نسختها: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ .
١١٩٩١ - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن منهال قال، حدثنا همام، عن قتادة قوله:"فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، يعني اليهود، فأمر الله نبيه ﷺ أن يحكم بينهم، ورخَّص له أن يُعْرض عنهم إن شاء، ثم أنزل الله تعالى ذكره الآية التي بعدها: ﴿وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [سورة المائدة: ٤٨] . فأمر الله نبيه ﷺ أن يحكم بينهم بما أنزل الله بعد ما رخَّص له، إن شاء، أن يُعْرض عنهم.
١١٩٩٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزريّ: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عديّ بن عديّ:"إذا جاءك أهل الكتاب فاحكم بينهم".
١١٩٩٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن السدي، عن عكرمة قال: نسخت بقوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ [سورة المائدة: ٤٨] .
١١٩٩٤ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري قوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، قال: مضت السنة أن يُرَدُّوا قي حقوقهم ومواريثهم إلى أهلِ دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حدٍّ، يحكم بينهم فيه بكتاب الله.
١١٩٩٥ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما نزلت:"فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، كان النبي ﷺ: إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، ثم نسخها فقال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ، وكان مجبورًا على أن يحكم بينهم.
١١٩٩٦ - حدثنا محمد بن عمار قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد قال: آيتان نسختا من هذه السورة= يعني"المائدة"، آية القلائد، وقوله:"فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، فكان النبيُّ ﷺ مخَّيرًا، إن شاء حكم، وإن شاء أعرض عنهم، فردّهم إلى احتكامهم، [[في المطبوعة: "فردهم إلى أن يحكم بينهم"، حذف ما كان في المخطوطة: "فردهم إلى أحكامهم أن يحكم بينهم"، وصواب قراءته ما أثبت.]] أن يحكم بينهم بما في كتابنا. [[الأثر: ١١٩٩٦-"سعيد بن سليمان الضبي"، هو"سعدويه"، ثقة مأمون من شيوخ البخاري، مضى برقم: ٦١١، ٢١٦٨.
و"عباد بن العوام الواسطي"، ثقة، من شيوخ أحمد، مضى برقم: ٢٨٥٣، ٥٤٣٣.
و"سفيان بن حسين الواسطي"، ثقة، تكلموا في روايته عن الزهري. مضى برقم: ٣٤٧١، ٦٤٦٢، ١٠٧٢٣.
و"الحكم"، هو"الحكم بن عتيبة"، تابعي ثقة فقيه مشهور، مضى مرارًا كثيرة.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ، من طريق سعيد بن سليمان بمثله، مرفوعًا إلى ابن عباس، ثم قال: "وهذا إسناد مستقيم، وأهل الحديث يدخلونه في المسند".]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: إن حكم هذه الآية ثابتٌ لم ينسخ، وأن للحكَّام من الخِيار في الحكم بين أهل العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وتركِ الحكم بينهم والنظر، مثلُ الذي جعله الله لرسوله ﷺ من ذلك في هذه الآية.
وإنما قلنا ذلك أولاهما بالصواب، لأن القائلين إن حكم هذه الآية منسوخ، زَعموا أنه نسخ بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ﴾ [سورة المائدة: ٤٩] وقد دللنا في كتابنا:"كتاب البيان عن أصول الأحكام": أن النسخ لا يكون نسخًا، إلا ما كان نفيًا لحكمٍ غَيْرِه بكلِّ معانيه، حتى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعًا على صِحّته بوجه من الوجوه= بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر قوله في"النسخ" فيما سلف ٨: ١٢، تعليق ١، والمراجع هناك.]]
وإذْ كان ذلك كذلك= وكان غير مستحيل في الكلام أن يقال:"وأن احكم بينهم بما أنزل الله"، ومعناه: وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إذا حكمت بينهم، باختيارك الحكم بينهم، إذا اخترت ذلك، ولم تختر الإعراض عنهم، إذ كان قد تقدَّم إعلام المقول له ذلك من قائِله: إنّ له الخيار في الحكم وترك الحكم= [[السياق: و"إذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستحيل ... كان معلوما".]] كان معلومًا بذلك أن لا دلالة في قوله:"وأن احكم بينهم بما أنزل الله"، أنه ناسخٌ قوله:"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، لما وصفنا من احتمال ذلك ما بَيَّنَّا، بل هو دليل على مثل الذي دلَّ عليه قوله:"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط".
وإذْ لم يكن في ظاهر التنزيل دليلٌ على نسخ إحدى الآيتين الأخرى، ولا نفي أحد الأمرين حكم الآخر= ولم يكن عن رسول الله ﷺ خبٌر يصحُّ بأن أحدهما ناسخ صاحبَه= ولا من المسلمين على ذلك إجماعٌ= [[السياق: "وإذ لم يكن في ظاهر التنزيل دليل ... صح ما قلنا"، وما بينهما عطف على صدر الكلام.]] صحَّ ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيِّد أحدهما صاحبه، ويوافق حكمُه حكمَه، ولا نسخ في أحدهما للآخر.
* * *
وأما قوله:"وإن تُعْرِض عنهم فلن يضروك شيئًا"، فإن معناه: وإن تعرض يا محمد، عن المحتكمين إليك من أهل الكتاب، فتدَع النظر بينهم فيما احتكموا فيه إليك، فلا تحكم فيه بينهم [[انظر تفسير" الإعراض". فيما سلف ٩: ٣١٠، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ="فلن يضروك شيئًا"، يقول: فلن يقدِرُوا لك على ضُرَّ في دين ولا دنيا، فدع النظر بينهم إذا اخترت ترك النظر بينهم. [[انظر تفسير" الضر" فيما سلف ٧: ١٥٧.]]
* * *
وأما قوله:"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، فإن معناه: وإن اخترت الحكم والنَظَر، يا محمد، بين أهل العهدِ إذا أتوك="فاحكم بينهم بالقسط"، وهو العدل، [[انظر تفسير"القسط" فيما سلف ص: ٩٥، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] وذلك هو الحكم بما جعله الله حكمًا في مثله على جميع خلقِه من أمة نبيِّنا ﷺ.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١١٩٩٧ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي:"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قالا إن حكم بينهم، حكم بما في كتاب الله.
١١٩٩٨ - حدثنا سفيان قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن العوَّام بن حوشب، عن إبراهيم:"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قال: أمر أن يحكم فيهم بالرجم.
١١٩٩٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن العوّام، عن إبراهيم التيمي في قوله:"وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قال: بالرجم.
٢١٠٠٠ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"بالقسط" بالعدل.
١٢٠٠١ - حدثنا هناد قال، حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي في قوله:"فاحكم بينهم بالقسط"، قال: أمر أن يحكم بينهم بالرجم.
* * *
وأما قوله:"إن الله يحب المقسطين"، فمعناه: إن الله يحب العادلين في حكمهم بين الناس، [[في المطبوعة والمخطوطة: "العاملين في حكمه بين الناس"، وهو كلام فارغ المعنى. وصواب قراءته ما أثبت، إنما حرفه الناسخ بلا ريب.]] القاضين بينهم بحكم الله الذي أنزله في كتابه وأمْرِه أنبياءَه صلوات الله عليهم. [[في المطبوعة: "وأمر أنبياءه"، وهو اختلال في السياق، صوابه من المخطوطة، وصواب ضبطه ما رسمت، "وأمره" مصدر معطوف على قوله: "في كتابه".]]
* * *
يقال منه:"أقسط الحاكم في حكمه"، [[انظر تفسير" أقسط" و"قسط" فيما سلف ٦: ٧٧، ٢٧٠/٧: ٥٤١/٩: ٣٠١/١٠: ٩٥، ٣٢٥]] إذا عدل وقضى بالحق،"يُقْسِط إقساطًا"= وأما"قسط"، فمعناه: الجور، [[قوله: "وأما "قسط"، فمعناه"الجور"، هذه الجملة ليست في المخطوطة، ولكن لا غنى عنها، فلذلك رجحت إثباتها كما هي في المطبوعة. وفي المطبوعة"وإقساطا به"، بزيادة"به"، ولا معنى لها، وليست في المخطوطة.]] ومنه قول الله تعالى ذكره: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [سورة الجن: ١٥] ، يعني بذلك: الجائرين عن الحق.
{"ayah":"سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَاۤءُوكَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن یَضُرُّوكَ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق