الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة ٤٢].
قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم سماعون، وذكر سماعين للكذب هنا للتوكيد والتوطئة في قوله: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ فهؤلاء جمعوا بين أمرين: بين فساد القول وفساد الغذاء، فهم سماعون للكذب يقبلونه ويتحدثون به ويأخذونه مُسَلَّمًا.
﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي: للمال الحرام، وفيها قراءتان: ﴿لِلسُّحْتِ﴾ بسكون الحاء، و﴿لِلسُّحُتِ﴾ بضم الحاء، مثل: نَهْر ونَهَر.
﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ السحت قلت لكم: كل مال محرم، يدخل فيه الرشوة وهي شائعة في اليهود، ويدخل فيه الربا وهو أيضًا شائع في اليهود، ويدخل فيه الغش والخيانة، والقاعدة: أن السحت كل مال محرم، يعني كل مال يكتسبه الإنسان بالمحرم فهو سحت، وسمي سحتًا؛ لأنه لا بركة فيه فهو مسحوت البركة، وهو أيضًا يَسْحَتُ المال الآخر، فالسحت إذن وصف في نفسه ووصف في غيره.
أما كونه وصفًا لنفسه فلأنه هو نفسه لا بركة فيه، «كما جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه فيمن كسب مالًا محرمًا: أنه إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلَّفه كان زاده إلى النار»[[أخرجه أحمد (٣٦٧٢) بلفظ: «ولا يكسب عبد مالًا من حرام، فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار».]].
* طالب: بعض العلماء الذين عرف فيهم القصد الحسن وقع منهم أخطاء في العقيدة (...) عن موضعه وهل هؤلاء يدخلون في الحديث (...)؟
* الشيخ: إي نعم يدخلون في هذا، الصواب أنه لا فرق بين ما يقال عنه: إنه أصول أو فروع، ما دام النص يسوغ فيه الاجتهاد وتأوله الإنسان فإنه لا يقال: إن هذا آثم على كل حال، لكن هذا الخطأ الذي ارتكبه وهو ممن عرف بالخير وإرادة الخير هل نتابعه فيه أو لا؟ لا؛ ولهذا قد يعذر القائل ولا يعذر التابع.
* طالب: اللي بين الطرفين ويحيد عن (...) ولا فتوى شرعية؟
* الشيخ: إي نعم هذا يختلف.
* الطالب: يحيد عن هواه لهوى الثاني.
* الشيخ: هذا -بارك الله فيك- يختلف اختلاف الأحوال، قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل للكفر.
* الطالب: بعض الناس يطعن حتى في (...) يعني حتى (...) اللي يشوفونه معروف عند الناس هو الحق (...) فتوى من المشايخ يطعن في..
* الشيخ: ما فيه شك، بعض الناس يكره الحق ويكره القائل بالحق.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قسمتم الكفر إلى قسمين ولم تذكر القسم الثاني؛ الجهل؟
* الشيخ: كفر الجهل؟
* الطالب: (...) عباد الصليب أو عباد (...) لم يكن معاندًا ولم يكن مؤيدًا فهذا ما حكمه؟
* الشيخ: لا، هؤلاء لو كانوا جاهلين عفا الله عنهم، لكن هم الآن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا معاندين ما (...) الجهل.
* الطالب: (...) معاندون ولا..؟
* الشيخ: لا، نقول: معاندون ما فيه شك، النصارى معاندون، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[أخرجه مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: في قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف ٧٧] فهل هذا دليل على أن للجمادات إرادة؟
* الشيخ: إي نعم، ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ الجمادات لها إرادة، أليس النبي ﷺ قال: «هَذَا أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤٢٢)، ومسلم (١٣٩٢ / ٥٠٣) من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.]]؟ أجب.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أليس قال هكذا؟ أليس تسبيح الحصى يسمع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام؟[[أخرجه البزار (٤٠٤٤)، والطبراني في الأوسط (١٢٤٤)، من حديث أبي ذر.]] أليس الله يقول: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤]؟ كل هذا يدل على أن الجماد له إرادة.
* طالب: جزاك الله خيرًا يا شيخ، قلنا: السحت له وصفان: وصف في نفسه؛ لأنه يكره فيه، ووصف في غيره (...)؟
* الشيخ: نعم، وصف في نفسه أنه هو نفسه لا بركة فيه، الوصف في غيره أنه يسحت بركة غيره، يعني المال إذا دخل المال السحت في مال حلال سحته، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم ٣٩].
طالب: يدل على أن للجمادات..
* الشيخ: إي نعم، ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف ٧٧]، الجمادات لها إرادة، أليس النبي ﷺ قال: «هَذَا أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤٢٢)، ومسلم (١٣٩٢ / ٥٠٣) بلفظ: «وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» من حديث أبي حميد.]]؟ أجب.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أليس قال هكذا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: أليس تسبيح الحصى يُسْمَع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام؟[[أخرجه البزار في المسند (٤٠٤٠)، والبيهقي في دلائل النبوة (٦ / ٦٤) من حديث أبي ذر.]]
أليس الله يقول: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤]؟ كل هذا يدل على أن الجماد له إرادة.
* طالب: جزاك الله خيرًا يا شيخ، قلنا: السحت له وصفان؛ وصف في نفسه لأنه يكره فيه، ووصف في غيره (...).
* الشيخ: وَصْف في نفسه أنه هو نفسه لا بَرَكَة فيه، الوصف في غيره أنه يَسْحَتُ بركةَ غيره؛ يعني المال السحت إذا دخل في مال حلال سَحَتَه؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم ٣٩].
* طالب: شيخ أثابك الله، الجَعْل الكوني إذا سيق مساق الاتهام، فهل يدل على ما يدل عليه الجَعْل الشرعي؟
* الشيخ: لا، الجَعْل الشرعي هو التشريع، والجَعْل الكوني هو بمعنى الخلق.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، من فَسَّر القرآن من عند نفسه، ثم تبين له أنه ليس على الصواب لا يرجع عن تفسيره ما الذي نقول له؟
* الشيخ: نقول: هذا محرف للكلم، الواجب على من فسَّر القرآن أو فسَّر السنة أو فهم من كلام العلماء فهمًا خلاف الحق الواجب عليه أن يرجع ويعلن هذا، وهذا رِفْعة له في الدنيا والآخرة.
* طالب: أحسن الله إليك، هل تحريف آيات الصفات أشد من تحريف غيرها من الآيات؟
* الشيخ: إي نعم، تحريف آيات الصفات أشد لسببين؛ أولًا: لشرف موضوعها؛ لأن البحث في أسماء الله وصفاته هو أشرف العلوم حتى كانوا يسمونه الفقه الأكبر.
الثاني: أنه ليس للعقل فيها مجال، فواجب الإنسان فيها التسليم وعدم التعرض للتحريف، فالتحريف إذن أشد من أن يحرف الإنسان آية في حكم من الأحكام مثلًا أو حديثًا، لأن الأول يتعلق بالخالق وهذا يتعلق بالمخلوق.
* طالب: قلنا: من يظن فيهم الخير و(...) السنة في أمور كثيرة، لكن ما هم في بعض الآيات آيات الصفات يؤوِّلونها قلنا: يعذرون في ذلك إذا كان في تأويل سائغ، وآيات الصفات ليس فيها تأويل سائغ؟
* الشيخ: لا، فيها لأنهم فهموا وهو فهم خاطئ أن إثباتها على ظاهرها يستلزم التشبيه، فمثلًا يقول إذا قلت: (استوى على العرش) بمعنى أنه علا على العرش واستقر عليه فقد جعلته جسمًا، والأجسام متماثلة وما أشبه ذلك من الشبهات، وكذلك في مسألة اليدين والعينين، لكن لو قال: استوى على العرش بمعنى أنه (...) العرش، قلنا: ما يصير لأنه لا يسوغ.
* الطالب: التأويل السائغ.
* الشيخ: كل ما له وجه في اللغة فهو تأويل سائغ.
* الطالب: هذا ما له وجه.
* الشيخ: لا، له وجه أن الاستواء بمعنى العلو المعنوي، والعلو المعنوي معناها الملك والقهر (...) وما أشبه ذلك على كل حال هذه شبهات لهم.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ذكرت أن في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ [المائدة ٤١] هذا قد وقع، هذا فقط إذا وقع لهم أم أن هذا يستمر إلى يوم القيامة؟
* الشيخ: كيف؟
* طالب: لهم في الدنيا..
* الشيخ: لا، الظاهر هو إذا وقع العذاب في قوم لسببٍ فمتى وجد هذا السبب استحق أهله هذا العذاب.
* الطالب: يعني هذا (...).
* الشيخ: بس ما نقدر نحكم بها على كل واحد بعينه، اللي وقع وقع ومن شاركهم في عملهم استحق مثل عقوبتهم.
* طالب: فقط يهود خيبر وغيرهم.
* الشيخ: وغيرهم اللي وقع عليهم الذل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة ٤٢، ٤٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ فيها قراءتان؟
* طالب: ﴿يُحْزِنْك﴾ ، و﴿يَحْزُنْكَ﴾.
* الشيخ: قراءتان اتلهما لفظا؟
* الطالب: ﴿لَا يَحْزُنْكَ﴾ و﴿لَا يُحْزِنْكَ﴾ .
* الشيخ: ﴿لَا يَحْزُنْكَ﴾ و﴿لَا يُحْزِنْكَ﴾ اضبطهما؟
* الطالب: الأولى بسكون الحاء والثانية بضمها.
* الشيخ: خطأ، كلتاهما بسكون الحاء.
* الطالب: ﴿لَا يَحْزُنْكَ﴾ الأولى بضم الزاي.
* الشيخ: بضم أيش؟
* الطالب: بضم الزاي.
* الشيخ: بضم الزاي والثانية؟
* الطالب: بكسرها.
* الشيخ: طيب، ولا يختلفان في غير هذا؟ لا يختلفان في غير هذا؟
* الطالب: الأولى ساكنة الياء والثانية مضمومة.
* الشيخ: الأولى ساكنة الياء ما يصير ما تستطيع تنطق بهذا؟
* الطالب: الأولى مفتوحة الياء والثانية مضمومة.
* الشيخ: طيب، تمام، كيف يقول: ﴿لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر﴾ الخطاب للرسول ﷺ ولّا لكل من يُوجَّه إليه الخطاب؟
* الطالب: الخطاب هنا للرسول ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾.
* الشيخ: للرسول أحسنت، قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ﴾ الجملة مستأنفة، ولَّا معطوفة على ما قبلها؟
* طالب: مستأنفة.
* الشيخ: مستأنفة، كيف تعربها إذا كانت مستأنفة؟
* الطالب: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ﴾ سماعون تكون خبر لمبتدأ محذوف تقديره..
* الشيخ: خطأ.
* الطالب: هم سماعون.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: سماعون صفة لموصوف محذوف هم سماعون.
* الشيخ: إي، لكن محله من الإعراب؟
* الطالب: مبتدأ.
* الشيخ: مبتدأ، وأين الخبر؟
* الطالب: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾.
* الشيخ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ خبر مقدم، قوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ فيها وجهان؟
* طالب: سماعون للكذب أي: يسمعون لمن يكذب عليهم وهم الأحبار أحبارهم يكذبون عليهم.
* الشيخ: فتكون اللام للتعدية أو للتقوية كما تشاء؟ الوجه الثاني؟
* الطالب: الوجه الثاني ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أي: يسمعون كلام النبي ﷺ فيحرفونه ويكذبون.
* الشيخ: ويكذبون فيه، فتكون اللام؟
* الطالب: ﴿لِلْكَذِبِ﴾ تعليلية.
* الشيخ: للتعليل تمام، هل نأخذ بأحدهما دون الآخر؟
* طالب: نأخذ بكلا المعنيين.
* الشيخ: بكلا المعنيين على قاعدة؟
* الطالب: على القاعدة أن الآية إذا تضمنت معنيين صحيحين ولا مرجح لأحدهما على الآخر أخذنا بالمعنيين جميعًا.
* الشيخ: معنيين صحيحين، ولا مرجِّح لأحدهما على الآخر..
* الطالب: أخذنا بالمعنيين جميعًا.
* الشيخ: ما نقول بقي ثالث؟ ولا منافاة؟
* الطالب: بينهما.
* الشيخ: تحمل على المعنيين، على الوجه الأول: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ على أن اللام للتعدية أو للتقوية ما معناها؟
* طالب: اللام للتعدية، الفعل..
* الشيخ: إن قولنا: للتعدية أو للتقوية صار المعنى سماعون الكذب.
* الطالب: إذا كان العامل ضعيفًا.
* الشيخ: دعنا ما أقول: ما السبب للام؟ أقول ما معناها.
* طالب: بمعنى أنهم يصدقون الكذب.
* الشيخ: نعم، ويكون الكذب مِمَّن؟
* الطالب: مِن أحبارهم.
* الشيخ: مِنْ أحبارهم، تمام.
﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ يعني: يسمعون ما يحدثهم به أحبارهم، وهو كذب، هذا إذا جعلنا اللام لأيش؟
* طلبة: للتقوية.
* الشيخ: للتقوية، على الرأي الثاني أن اللام للتعليل؟
* طالب: أنهم يسمعون الكلام من النبي عليه الصلاة والسلام ثم يحرفونه حسب ما تهوى أهواؤهم.
* الشيخ: يعني: لأجل أن يقولوا: سمعنا كذا. وهم كاذبون؟
* الطالب: حتى يحرفونه إلى ما عندهم، ما يقرره على العامة من اليهود.
* الشيخ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ يعني يسمعون كلام الرسول عليه الصلاة والسلام يستمعون إليه من أجل أن يكذبوا، ويقولوا للناس قال لنا: محمد كذا وكذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: هذا المعنى، قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ مَن هؤلاء القوم الآخرون؟
* طالب: القوم الآخرون الذين هم عامة اليهود الذين لم يحضروا للنبي ﷺ.
* الشيخ: هل هم رؤساؤهم أم من عامة الناس؟ طيب ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ معنى يحرفون؟
* طالب: يُغيِّرون ويُبَدِّلون.
* الشيخ: يُغَيِّرونه إما لفظًا وإما معنى.
ما معنى قوله: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾؟
* طالب: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا﴾ الحكمَ المحرَّف فخذوه، ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾ فاحذروا أي: لا تأخذوه.
* الشيخ: يعني: إن وافقكم محمد على ما تريدون فخذوه، كذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: وإلَّا؟
* الطالب: فاحذروا.
* الشيخ: فاحذروا.
من المعلوم أن الإيتاء والإعطاء إنما يكون في المحسوسات، في المنقولات، لكنه قد يستعمل في المعاني كما هنا؛ لأن معنى ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾ يعني: إن وافقكم محمَّدٌ عليه فخذوه وإلا فردوه واحذروا منه، وأصل هذه الآية نزلت في أيش؟ في يهوديين زانيَيْنِ.
قوله عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ الإرادة هنا شرعية ولَّا كونية؟
* طالب: كونية.
* الشيخ: كونية. ما الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية؟
* الطالب: الشرعية يحبها الله، والكونية لا يلزم أن يحبها.
* الشيخ: الشرعية تكون فيما يحبه الله ولا يلزم منها؟
* الطالب: أن يحبه الله.
* الشيخ: كيف تقول: فيما يحبه الله، ثم تقول: لا يلزم أن يحبه الله؟
الآن الشرعية تكون في أيش؟
* الطالب: فيما يحبه الله.
* الشيخ: ولا يلزم منها؟
* الطالب: ولا يلزم منها يا شيخ أن تقع.
* الشيخ: لا يلزم منه وقوع المراد، الكونية؟
* الطالب: لا يلزم منها..
* الشيخ: تكون؟
* الطالب: تكون فيما يحبه الله وما لا يحبه.
* الشيخ: يكون فيما يحبه الله وما لا يحبه، ويلزم منها؟
* الطالب: أن تقع.
* الشيخ: يلزم منها وقوع المراد.
قوله تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر ٣٨] ما هي الإرادة هنا؟
* طالب: الإرادة هنا كونية ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾.
* الشيخ: كونية؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: تمام، قوله: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة ٤١] الخزي في الدنيا؟
* طالب: الخزي في الدنيا أن يفضحهم الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: الفضيحة في الهزيمة وبيان؟
* الطالب: في بيان حالهم.
* الشيخ: وبيان حالهم، أما في الآخرة فلهم عذاب عظيم لا يُعْلَم كُنْهُهُ؛ لأنه من الأمور الغيبية.
* * *
قال الله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة ٤٢].
﴿سَمَّاعُونَ﴾ خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هم سماعون للكذب أكالون للسحت، هل هذه الجملة تأكيد لما سبق أو هي مغايرة؟
يحتمل المعنيين، يحتمل أن تكون تأكيدًا لما سبق؛ يعني المقام مقام عظيم يحتاج إلى تكرار بيان أوصافهم القبيحة، ويحتمل أن تكون مغايرة لما سبق؛ وذلك بأن نحمل اللام في الأولى على أنها للتقوية وفي الثانية على أنها للتعليل.
الآن نقول: هل الجملة هنا تأكيد لما سبق أو هي غير توكيد؟
نقول: في ذلك قولان لأهل العلم: الأول: أنها تأكيد وإنما احتيج للتأكيد؛ لأن المقام مقام مهم يحتاج أن يؤكد ببيان أوصافهم للحذر منهم؛ ويحتمل أن تكون مغايرة للأولى وذلك بأن نحمل اللام في الأولى على أنها للتقوية وهذه للتعليل أو بالعكس.
وقوله: ﴿أَكَّالُونَ﴾ (أكالون) هذه صيغة مبالغة تدل على كثرة أكلهم للسحت.
و(السُّحْتُ) فيها قراءتان ﴿لِلسُّحُتِ﴾ بضم الحاء، و﴿لِلسُّحْتِ﴾ بسكون الحاء، قراءتان سبعيتان.
فما هو السحت، هل هو أكل المال الباطل؟ هل هو أكل الربا؟ هل هو الرشوة؟
الجواب: شامل لكل ذلك، والمعنى العام أن نقول: السحت كل ما اكْتُسِبَ بكسب محرم، كل ما اكتسب بكسب محرم فهو سحت، فيشمل الربا والرشوة والغصب والسرقة وغير ذلك، ووجهه أن الحرام يسْحَتُ الحلال ينزِع بركتَه، أو أنه نفسه أي الحرام سحت ينْسَحت ويزول ولا يكون فيه بركة.
﴿فَإِنْ جَاءُوكَ﴾ يعني لتحكم بينهم.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ الخطاب هنا للرسول عليه الصلاة والسلام وأمته مثلُه ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب ٢١].
لكنَّ الفاعل في قوله: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ﴾ هل المراد به أهل الذمة أو المعاهَدون أم كل كافر أم كل مؤمن أم ماذا؟
نقول: أما المؤمن فلا يجوز الإعراض عن الحكم بين المسلمين، لا يجوز الإعراض عن الحكم بين المسلمين خصوصًا من وكل إليه ذلك الأمر، مثل؟
* طالب: القضاة.
* الشيخ: القضاة، لا يجوز لأي قاضٍ إذا ترافع إليه خصمان أن يتعذر بل يجب أن يحكم بينهم، المحكَّم الذي ليس بقاض له أن يحكُمَ وله أن لا يحكم، لكن لو استُفْتِي يجب أن يفتي بشرع الله، أما التحكيم فهو بالخيار إن شاء قَبِلَ وإن شاء لم يقبل، مثل أن يكون نزاع بين قريبين فيقولان: لا نريد أن نصل إلى القاضي، ولكن نحكِّم فلانًا فلا يلزمه أن يحكم، لكن لا شك أنه يتأكد عليه أن يحكم، يتأكد عليه أن يحكم لما في ذلك من فض النزاع وبيان حكم الله عز وجل ولكن لا يحكم حتى يستوثق من الجميع.
أما غير المسلمين فالصواب أن الإنسان مخيَّر إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم سواء كانوا ذميين تحت حكمنا أو معاهَدين منفصلين عنا أو حربيين، والحربي غالبًا لا يمكن أن يأتي؛ لأنه إذا أتى قُتِل لأنه مباح الدم.
﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ (أو) هنا نقول: إنها للتنويع ولَّا للتخيير؟
* طلبة: للتخير.
* الشيخ: هذه للتخيير، وإذا كانت للتخيير فهو تخيير تشهٍ أو مصلحة؟ نقول: هي تخيير مصلحة سنذكرها في الفوائد إن شاء الله تعالى.
﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ لا في الدنيا ولا في الآخرة، إن تُعْرِض عنهم ولا تحكم بينهم فإنهم لن يضروك لكن قد يؤذونك، والأذِيَّة لا يلزم منها الضرر بدليل أن الله سبحانه وتعالى أثبت أن بني آدم يُؤذونه ونفى أن يضرَّه أحدٌ؛ فقال جل وعلا: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]، وكذلك في القرآن: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران ١٧٦].
الأذِيَّة ثبتت في القرآن والأحاديث القدسية، قال الله تعالى في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب ٥٧]. وقال في الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢) من حديث أبي هريرة. ]]، فالضرر منفيٌّ عن الله عز وجل بالقرآن والأحاديث القدسية والأذية؟
* الطلبة: ثابتة.
* الشيخ: ثابتة، ومن المعلوم أنه لا يلزم من الأذِيَّة الضرر، بدليل أن الإنسان إذا جلس إلى جنبه رجل آكل بصلًا يتأذى به أو لا؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: يضره؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا يضره، ﴿إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ لكن قد يكون أذية أما الضرر فلا.
وقوله: ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النفي بـ (لن) فيعم أي شيء، أي شيء لن يضروك لا في الدنيا ولا في الآخرة.
﴿وَإِنْ حَكَمْتَ﴾ يعني: إن اخترت أن تحكم ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾.
﴿إِنْ حَكَمْتَ﴾ يعني: رأيت أن تحكم واخترت أن تحكم ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ القسط ما هو؟
* طالب: العدل.
* الشيخ: العدل حتى لو كان الحكم لكافر على مسلم، صح؟ لو كان لكافر على مسلم يحكم عليه؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يحكم عليه بالعدل، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: يجب أن يعدل بين الخصمين ولو بين مسلم وكافر في اللفظ واللحظ، والجلوس والتقديم وكل شيء؛ لأن هذا حكم يجب أن يعدل فيه، عبد الله بن رواحة رضي الله عنه «لما بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليَخْرُصَ على اليهود الثمارَ، جمعهم وقال: إني جئتكم من أحبِّ الناس إليَّ.» من يعني؟
* الطلبة: الرسول ﷺ.
* الشيخ: الرسول ﷺ. «وإنكم لأَبْغَضُ إليَّ من عِدَّتِكُمْ من القردة والخنازير » -رضي الله عنه، كلمة شجاع- «وما حبي له وبُغْضي لكم بموجِب ألَّا أعدلَ فيكم». وإلا من المعلوم أن النفس بالطبيعة البشرية تميل مع من تحب وعلى من تبغض، لكن يقول: لا يمكن أن لا أعدل فيكم. «فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض»[[أخرجه أبو داود (٣٤١٠)، وابن ماجه (١٨٢٠) من حديث ابن عباس.]]، وعدل فيهم رضي الله عنه.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ هذا حثٌّ على العدل في كل شيء، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ في كل شيء يعني العادلين، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في أَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا عَلَيْهِ »[[أخرجه مسلم (١٨٢٧ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.]].
إذن المقْسِط مَن؟
* طلبة: العادل.
* الشيخ: العادل، ما هو المقسط؟
* طالب: العادل.
* الشيخ: والقاسط؟
* الطالب: الظالم.
* الشيخ: الجائر، ﴿أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن ١٥] لكن المقسط هو العادل.
* في الآية فوائد كثيرة؛ منها: تأكيد كون هؤلاء اليهود سَمَّاعين للكذب؛ لقوله أيش؟ ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾.
فإن قال قائل: يَرِدُ على قولك: (التأكيد) القاعدة المعروفة: أنه إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد حُمِلَ على أيش؟
* الطلبة: على التأسيس.
* الشيخ: على التأسيس. قلنا: نعم، هذا وارد لكن عليه رَدٌّ، له جواب.
الجواب: أننا إذا قلنا: إنه للتأسيس صارت الجملة الأولى دالة على معنى واحد، والثانية على معنى واحد، وإذا قلنا: للتوكيد صار كل منهما أيش؟ دالًّا على معنيين، فمن ثَمَّ يترجح أن يكون ذلك للتأكيد.
* من فوائد الآية الكريمة: التحذير من هذا الوصف القبيح، وهو أيش؟ الاستماع للكذب أو نقل الكذب؛ لأن الله أكَّد بيان هذا الوصف القبيح من اليهود.
* ومنها: أن من اتصف بذلك ففيه شَبَهٌ من اليهود.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الوصف القبيح أيضًا وهو أكل المال بالباطل؛ لقوله: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾، والله عز وجل ما ذكر هذا الوصف إلا لنَحْذَره.
* ومنها؛ أي من فوائد هذه الآية: أن من اكتسب المال الحرام ففيه شبه بمن؟
* طلبة: باليهود.
* الشيخ: باليهود، فآكلو الربا مشابهون لليهود، آكلو الأموال بالغش مُشابِهون لليهود، آكلو الأموال بالحلف الكاذب مشابهون لليهود، كل من اكتسب مالًا بطريق محرَّم فهو أيش؟ مشابه لليهود، المرتشي مُشابِه لليهود.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ مخيَّر بين أن يحكم بين اليهود وألّا يحكمَ؛ لقوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾، و(أو) هنا للتخيير.
فإن قال قائل: هل التخيير على إطلاقه؟
فالجواب: لا، بل هو مقيَّد بالمصلحة، والقاعدة عندنا أن التخيير إذا كان للتَّيْسِير على المكلف فهو للتشهِّي يفعل ما شاء، وإذا كان للمصلحة وجب اتباع المصلحة (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة ٤٢، ٤٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة في هذه الجملة: أن من أعرض عن شيء بأمر الله فإن ذلك لا يضره؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ يعني: فلم تحكم فلن يضروك شيئًا.
ولكن هل انتفاء الضرر يجب أن يكون في الحال أو في المستقبل بمعنى أنه ربما يتضرر لأول وهلة ثم تكون العاقبة له؟
الجواب: الثاني؛ لأن الإنسان قد يتضرر بأول وهلة ثم تكون العاقبة له وحينئذ يكون كأن لم يتضرر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب الحكم بين الناس بالعدل؛ لقوله: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ يعني: إن أردت أن تحكم كما خيرناك فاحكم بينهم بالقسط.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يجوز للإنسان أن يراعيَ في حكمه قريبًا ولا صديقًا ولا غنيًّا ولا فقيرًا؛ لقوله: ﴿بِالْقِسْطِ﴾ وهذا يعني أن ينظر إلى القضية من حيث هي قضية لا من حيث إنها قضية فلان بن فلان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات المحبة لله عز وجل؛ أي: أن الله يحب.
* الطالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢].
* الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، وهل هذه المحبة مجاز عن الثواب أو هي محبَّة حقيقة؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني، يتعيَّن الثاني، ففيها إثبات أن الله تعالى يحب.
ومن أهل التأويل مَنْ قال: إن الله تعالى لا يحب. قال ذلك تأويلًا لا تكذيبًا، يعني هو لم يقل: إن الله لا يحب، بل قال: إنه يحب لكن معنى المحبة كذا، ويجب أن تفرقوا بين الطريقين، الذي يقول: إن الله لا يحب هذا كافر؛ لأنه مكذب للقرآن، والذي يقول: إنه يحب لكن معنى المحبة كذا فهذا ليس بكافر، ففرق بين إنكار المحبة تأويلًا وإنكارها تكذيبًا وجحودًا، هم يقولون -الأشاعرة ومَن وراءهم من المعتزلة وجميع المتأولين- يقولون: إن الله لا يحب؛ لأن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متناسبين، هذا واحد، ولأن المحبة تتجدد لأنها معلقة بأوصاف وأسباب، والله تعالى مُنَزَّه عن الحوادث، إذن ما معنى المحبة؟
قالوا: معناها الثواب، ولم يَعْلَم المساكين أنه يلزم من إثبات الثواب إثبات المحبة؛ إذ لا يمكن ثواب بلا محبة أبدًا، فهم وإن فرُّوا من إثباتها لفظًا فإنها تلزمهم إلزامًا.
المهم أنهم يقولون: إن المحبة بمعنى المثوبة. فقيل لهم: إن الله يقول: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾؟ قالوا: نعم ﴿يُحِبُّهُمْ﴾ يثيبهم، ﴿وَيُحِبُّونَهُ﴾ أي: يفعلون ما يُثِيبُهم عليه، ولكن هذا لا شك أنه مخالف لظاهر اللفظ ومخالف لإجماع السلف، فما من السلف أحد قال: إن المحبة بمعنى الثواب.
فإذا قال قائل: وهل عندكم نص من كل واحد من السلف أن المحبة بمعناها الحقيقي؟ قلنا: لا، لكن كون هذه النصوص ترد عليهم ولم يرد عنهم تفسير بخلاف ظاهرها يدل على أنهم أيش؟ أجمعوا على إثباته، ولا حاجة أن يُنْقَل إجماعهم على كل مسألة بعينها، لكن ما دامت نصوص الكتاب والسنة تَرِدُ عليهم ولم يأت عن أحد منهم ولا حرف واحد أنهم أَوَّلُوها بخلاف ظاهرها فإن هذا يدل على أنهم مُجْمِعُون على إثباتها.
أما قولهم: إن هذا يلزم أن تقوم الحوادث بالله عز وجل، فنقول: وليكن، نحن نؤمن بأن الله تعالى يفعل ما يشاء وأن صفاته منها ما يتجدد ومنها ما لا يتجدد بمعنى، منها ما يحدث بأسباب ومنها ما لا يحدث بأسباب، فالعلم مثلًا أزليٌّ أبديٌّ، لكن المحبة ليست كذلك، إذا كان الله يحب هذا العبد فمحبته لهذا العبد متى كانت؟ بعد وجود أسباب، أسباب المحبة؛ فمحبته لهذا العبد المعين حادثة ولا مانع، وقيام الأفعال الاختيارية به من كمال صفاته ولا شك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات تفاضل محبة الله عز وجل، إثبات تفاضل محبة الله؛ وجه الدلالة أن المحبة هنا عُلِّقَت بوصف؛ وما هو؟
* طلبة: القسط.
* الشيخ: لا، يعني الإقساط لأن (مقسطين) من الرباعي، الإقساط، وإذا كانت كذلك فإن المعلق بوصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، أرأيتم لو قلت: أكرم المجتهد من الطلبة، فإن إكرامك يزيد بزيادة الاجتهاد وينقص بنقصه.
إذن، إثبات كون الله يحب المقسطين يدل على تفاضل محبة الله عز وجل، وأنه يحب أحدًا أكثر من أحد ويحب أحدًا ولا يحب أحدًا، كيف الدلالة؟! إي نعم.
* طالب: لأنها هنا معلقة بوصف يزيد بزيادته الوصف..
* الشيخ: تمام، وهذه القاعدة في كل شيء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على الإقساط أي على العدل، وجه ذلك؟
* طالب: أن الله عز وجل يُحِبُّ المقسطين، إثبات محبة الله عز وجل للمقسط أي العادل، وهذا يستلزم الوجوب والحث عليه.
* الشيخ: يعني كون الله يخبر أنه يحب المقسطين يتضمن أيش؟ الحث على هذا، هذا ليس مجرد خبر، بل هو خبر يراد به أيش؟ الحث والإغراء على العدل.
{"ayah":"سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَاۤءُوكَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن یَضُرُّوكَ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق