الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم﴾ السخرية: هُوَ الِاسْتِهْزَاء والبطر يَعْنِي: المهانة والاحتقار. وَقَوله: ﴿قوم من قوم﴾ الْقَوْم هَاهُنَا بِمَعْنى الرِّجَال، قَالَ الشَّاعِر: (وَلَا أَدْرِي وَلست أخال أَدْرِي ... أقوم آل حصن أم نسَاء) وَإِنَّمَا سمي الرِّجَال قوما دون النِّسَاء؛ لأَنهم الَّذين يقومُونَ بالأمور. قَالَ مُجَاهِد: الْآيَة فِي الِاسْتِهْزَاء؛ الْغَنِيّ بالفقير، وَالْقَوِي بالضعيف. وَيُقَال: استهزاء الدهاة بِأَهْل سَلامَة الْقُلُوب. ﴿قوم من قوم عَسى أَن يَكُونُوا خيرا مِنْهُم وَلَا نسَاء من نسَاء عَسى أَن يكن خيرا مِنْهُنَّ وَلَا تلمزوا أَنفسكُم وتنابزوا بِالْأَلْقَابِ﴾ وَقَوله: ﴿عَسى أَن يَكُونُوا خيرا مِنْهُم﴾ أَي: عَسى أَن يكون المستهزئ مِنْهُ خيرا من المستهزئ. وَقَوله: ﴿وَلَا نسَاء من نسَاء﴾ أَي: وَلَا يسخر نسَاء من نسَاء عَسى أَن تكون خيرا مِنْهُنَّ، أَي: عَسى أَن تكون المستهزأة مِنْهَا خيرا من المستهزئة، وَالْمرَاد فِي الْآخِرَة. وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ لأبي ذَر: " أنظر إِلَى أوضع رجل فِي الْمَسْجِد عنْدك، فَأَشَارَ إِلَى فَقير عَلَيْهِ أطمار. فَقَالَ: انْظُر إِلَى أرفع رجل فِي الْمَسْجِد عنْدك، فَأَشَارَ إِلَى بعض الْأَغْنِيَاء وَعَلِيهِ شارة فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْقِيَامَة أفضل من ملْء الأَرْض من هَذَا " وعنى بِهِ الْفَقِير. وَقَوله: ﴿وَلَا تلمزا أَنفسكُم﴾ أَي: (لَا يعيب) بَعْضكُم بَعْضًا [أَي:] مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم﴾ أَي: لَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا. قَالَ الضَّحَّاك: لَا يلعن بَعْضكُم بَعْضًا، وَيُقَال: لَا يطعن بَعْضكُم على بعض. وَقَوله: ﴿وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ﴾ النبز واللقب بِمَعْنى وَاحِد. وَمعنى النبز هَاهُنَا: هُوَ اللقب الْمَكْرُوه الَّذِي يكره الْإِنْسَان أَن يدعى بِهِ. وَعَن ﴿بئس الِاسْم الفسوق بعد الْإِيمَان﴾ [أبي] جبيرَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: " قدم رَسُول الله علينا الْمَدِينَة ولأحدنا الِاسْم والاسمان وَالثَّلَاثَة، فَكَانَ رَسُول الله يَدْعُو بذلك الِاسْم، فَقيل لَهُ: إِنَّه يغْضب إِذا دعِي بِهَذَا، فَترك ذَلِك، وَأنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة ". قَالَ مُجَاهِد وَالْحسن: هُوَ أَن يَقُول لمن أسلم: يَا يَهُودِيّ، يَا نَصْرَانِيّ تعييرا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ من قبل. وَقَالَ قَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة: هُوَ أَن يَقُول يَا مُنَافِق، يَا فَاسق. وَفِي بعض التفاسير: أَنه كَانَ بَين كَعْب بن مَالك وَعبد الله بن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ مُنَازعَة فَقَالَ كَعْب بن مَالك لعبد الله: يَا أَعْرَابِي، وَقَالَ عبد الله لكعب: يَا يَهُودِيّ، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، ونهاهم عَن مثل هَذَا. وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من حق الْمُسلم على الْمُسلم أَن يَدعُوهُ بِأحب أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ ". وَقَوله: ﴿بئس الِاسْم الفسوق بعد الْإِيمَان﴾ اسْتدلَّ بِهَذَا من قَالَ إِن الْفَاسِق لَا يكون مُؤمنا، قَالَ: لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْفَاسِق مُؤمنا لم يستقم قَوْله: ﴿بعد الْإِيمَان﴾ وَالْجَوَاب: أَن المُرَاد مِنْهُ النَّهْي عَن قَوْله: يَا فَاسق، يَا مُنَافِق، وَكَأَنَّهُ قَالَ: بئس الْوَصْف بالفسوق بعد الْإِيمَان بِاللَّه. وَقَالَ: إِن " بعد " هَاهُنَا بِمَعْنى: " مَعَ " وَمَعْنَاهُ: بئس اسْم الفسوق مَعَ الْإِيمَان. وَقَوله: ﴿وَمن لم يتب فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ﴾ أَي: من لم يتب عَن هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي كَانُوا يفعلونها فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب