الباحث القرآني
نكمل فيهما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات وهو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات ١١].
والسخرية: سبق أنها الاحتقار والازدراء، وأن قوله: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ و﴿خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ يعني: عند الله أو في المستقبل أو في الواقع، يعني أنه إذا سخر رجل من آخر فهذا المسخور منه قد يكون عند الله خيرًا من الساخر، وقد يكون في نفس الوقت خيرًا من الساخر، وقد يكون في المستقبل خيرًا من الساخر.
ثم قال عزَّ وجل: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات ١١] اللَّمز: العيب، بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يَعُدُّ عيبًا.
وقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فُسِّرت بمعنَيَيْنِ: المعنى الأول: لا يلمِزُ بعضُكم بعضًا؛ لأنَّ كل واحد منا بمنزلة نفسِ الإنسان، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
وقيل: إن المعنى لا تلمز أخاك؛ لأنك إذا لمزتَه لمزَك، فلمزُكَ إيَّاه سببٌ لكونه يلمِزُك، وحينئذ تكون كأنك لَمَزْتَ نفسَك، وعليه قول النبي ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» فقالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والدَيْه؟! قال: يسُبُّ أبا الرَّجُلِ فيَسُبُّ أباه، ويسُبُّ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّه»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٧٣)، ومسلم (٩٠ / ١٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو.]].
على كل حال في الآية: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضًا، فلا يجوز لك أن تعيبَ أخاك بصفة خَلْقِيَّة أو صفة خُلُقِيَّة.
أما الصفة الخَلْقِيَّة التي تعود إلى الخِلْقَةِ، فإن عيبَك إيَّاه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل، مَن الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل، مَن الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل، هل الإنسان يمكن أن يكمل خِلْقَتَه، فيكون الطويلُ قصيرًا أو القصير طويلًا، أو القبيح جميلًا أو الجميل قبيحًا؟ هذا لا يمكن، فأنت إذا لمزْتَ إنسانًا وعبْتَه في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع، أليس كذلك؟
ولهذا لو وجدنا جدارًا مبنيًّا مائلًا، وعبْنا الجِدار، هل عيبُنا للجدارِ أو لباني الجِدار؟ لباني الجدار، إذن، إذا عِبْتَ إنسانًا في خِلْقَتَه، فكأنَّما عِبْتَ الخالقَ عزَّ وجلَّ، فالمسألة خطيرة.
أما عيبُه في الخُلُقِ بأنْ يكونَ هذا الرَّجل سريعَ الغضب، شديد الانتقام، بذيء اللسانِ، فلا تُعِبْه؛ لأنه ربما إذا عِبْتَه ابتلاكَ اللهُ بنفسِ العيبِ؛ ولهذا جاء في الأثر: لا تُظْهِر الشماتَةَ في أخيك فيعافيه الله ويبتليكَ[[أخرجه الترمذي (٢٥٠٦)، والطبراني في المعجم الكبير (١٢٧) واللفظ له من حديث واثلة بن الأسقع.]]، لكن إذا وجدتَ فيه سوء خلق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به، وتبين له ما كان عليه من عيب، أو تكتب له كتابًا رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلًا.
﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: لا ينبز بعضكم بعضًا باللقب، فتقول له مثلًا: يا فاسد! يا فاجر! يا كافر! يا شارب الخمر! يا سارق! يا زان! لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزتَه باللَّقب؛ فإما أن يكون اللَّقَبُ فيه، وإما ألا يكون فيه، فإن كان فيه فقد ارتكبْتَ هذا النهي، وإن لم يكن فيه فَقَدْ بَهَتَّه، وارتكبت النَّهي أيضًا.
ثم قال عز وجل: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١١] يعني: بئس لكم أن تنتقلوا من وصفِ الإيمانِ إلى وصف الفسوق، متى؟ إذا ارتكبْتُم ما نهى اللهُ عنه صرتم فسقة، فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقًا، وإذا ارتكب صغيرة فإن كرَّرها وأصرَّ عليها صار فاسقًا، فلا تجعل نفسَك بعد الإيمانِ، وكمال الإيمانِ لا تجعل نفسك فاسقًا، هذا معنى قوله: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾؛ لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذَّمِّ، وما أفاد الذم فإنه مَنْهِيٌّ عنه بلا شك.
* استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية، وتحريمُ لمزِ الغَيْرِ، وتحريم التنابز بالألقاب، وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمنًا، والفسق ليس وصفًا على اللِّسان فقط يترتب عليه أحكام، فمثلًا قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون وليًّا على بنته فيزوجها؛ إنسان فاسق يريد أن يزوِّج ابنته، لا يزوجها، مَنْ يزوِّجها؟ أخوها، إذا كان لها أخ يصح أن يكون وليًّا، عمُّها، إن لم يكنْ لها أقارب، أو خافوا من أبيها إن زوجوها، يزوِّجها القاضي.
الفاسق لا تُقبَل شهادتُه؛ لأنَّ الله قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦] يشهَدُ عند القاضي بحقٍّ، يقول القاضي: لا نقبَل؛ لأنَّك فاسقٌ.
الفاسق لا يصِحُّ أن يكون إمامًا بالناس في الصلاة، الفاسق الذي يُظهِر فِسقَه لا يصحُّ أذانَه، كل هذا قال به العلماء رحمهم الله، وإن كان في بعض هذه المسائل خلافًا، لكني أقول لكم: إن كلمة (فاسق) ليست بالأمر الهيِّن، حتى يقول إنسانٌ: الأمرُ سهل، بدل ما يكون مؤمنًا يكون فاسقًا، هذا ليس بصحيح؛ ولهذا ذمَّه الله فقال: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١١].
﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات ١١] يعني: من كان يفعل هذه الأشياء –وهي كم؟ ثلاثة- ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، الذي لا يتوب يكون ظالمًا، والظلم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤٧)، ومسلم (٢٥٧٩ / ٥٧) من حديث عبد الله بن عمرو.]] إذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورُهم بينَ أيديهم وبأيمانهم، فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور، فيجب الحذرُ مما نهى الله عنه عز وجل؛ لأنَّك أيها العبد عبد لله، تأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه.
وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ إذا قال قائل: ما معنى التوبة؟ نقول: التوبة الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، فإذا كان شخص لا يُصَلِّي مع الجماعة، فما توبته؟ أن يصلِّيَ مع الجماعة.
إذا كان شخص قد سرق مالًا من إنسان فما توبتُه؟ أن يرد المال إلى صاحبه.
إذا كان الإنسان باع غِشًّا؛ يعني: غَشَّ بالبيع، فما توبتُه؟ أن يترُكَ الغش، وأن يرد ما زاد بسببِ الغشِّ على صاحبِه، يعني: مثلًا لو زاد في السِّلْعَة بسبب الغشِّ؛ فعليه أن يرد ما زاد بسببِ الغش على الرجل المغشوش، فإن كان لا يعرفه فليتصدَّقْ به عنه، يعني مثلًا هذه السلعة بدون غش تساوي عشرة، وبالغش اثنا عشر زاد كم؟ زاد ريالين.
إذن إذا تاب من الغش يجب عليه أن يرُدَّ الريالين إلى الرجل المغشوش، فإن لم يعرفْه فإنه يتصدَّق بذلك عنه.
التوبة تعريفها أيش؟ الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، ولها شروط، التوبة لها شروط؛ يعني: ليس كل من قال: أنا تائب إلى الله يكون تائبًا، لا بد من شروط:
الشرط الأول: أن يُخلِصَ لله في التَّوبة، يعني لا يحمله على التوبة أنه خاف من أبيه، خاف من أخيه الأكبر، خاف من السلطات، تاب؛ لأجل أن يقال: فلان مستقيم، لا، يجب أن يخلِصَ لله؛ يعني: يكون الحاملُ له على التَّوبة طلبَ رضا الله عزَّ وجل، والوصول إلى كرامته، والإخلاص شرط في كل عبادة.
الثاني: النَّدمُ على ما فعل، ومعنى يندم يعني يتحسَّر ويتكدَّر أنه وقع منه هذا الشيء.
والثالث: أن يُقلِع عن الذَّنْبِ في الحال، يعني: يتركُه على طول إذا كان في مُحَرَّمٍ تركه، إذا كان في واجب بادر إلى فعله.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل، يعني: يكون في قلبه نية عازمة جازمة ألا يعود لهذا الذنب في المستقبل، فإن تاب وهو يقول: ربما أنه يطرأ عليه أن أفعل الذنب، فهذا التائب لا تصح توبته، لا بد أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل سَدِّ الباب؛ لأنه يأتي وقت يُسَدُّ باب التوبة، ما تقبل من الإنسان، والباب الذي يغلق عن التائبين عام وخاص.
أما العام: فهو طلوع الشمس من مغربها، نحن الآن نرى الشمس تخرُج من أين؟ من المَشرِق، وتغرب في المغرب، سيأتي زمن تخرج الشمس من المَغرِب، ترجع، والذي يردُّها مَن؟ الله عزَّ وجلَّ، لو اجتمعت الخلائق كلُّها على أن تردَّها ما ردتها، لكن يردها الله عز وجل الذي أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، ترجع هذه الشمس العظيمة إذا غربت ترجع من مغربها، إذا طلعت الشمس من مغربها، كل من على الأرض يؤمنون كلهم: اليهودي، والنصراني، والبوذِيُّ، والشيوعيُّ، وغيرهم كلُّهم يؤمنون؛ لأنهم يرون شيئًا واضحًا في الدلالة على الرب عز وجل، لكن هل ينفعُهم الإيمان؟ لا؛ لقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨].
فسَّر النبيُّ ﷺ قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ بأنه خروج الشمس من مغربها، حينئذ لا تنفع التوبة، مع أن الناس كلهم يؤمنون لكن لا تنفع، لماذا؟ لأنَّه انسدَّ البابُ، انتهى الباب، إذا سُدَّ كيف يدخل الناس؟
أما الباب الخاص: فهو أن يحضُر الإنسانَ أجلُه، إذا حضر الإنسان الأجل ما ينفع التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨] ما ينفع، سُدَّ الباب، انتهى.
وإني أسألكم: هل أحد منا يعلم متى يموت؟ أبدًا، ربما يموت الإنسان وهو على مكتبه، وهو على فراشه، وهو في صلاته، في أي لحظة، وإذا كنا نعلم هذا ونوقن به، فالواجب أن نبادر بالتوبة لئلا يفجئنا الموت فينسد الباب، ولهذا كانت التوبة مما يجب على الفور أن يتوب الإنسان من ذنبه.
يا إخواني! الإنسان ما يدري متى يموت، فالواجب أن يبادر بالتَّوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، يقول عز وجل: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨] هذا ما له توبة، هذا خبر من الله عز وجل.
أمر واقع يدل على هذا: لما أغرق الله فرعون وقومه، ماذا قال فرعون في أثناء الغرق قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس ٩٠] تاب الآن، أليس كذلك؟ لكن متى؟! حينما رأى الموت، فقيل له: ﴿آلْآنَ﴾ يعني الآن تتوب! ليش ما تتب من قبل؟ ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس ٩١]، فلم تقبل توبته، والعياذ بالله.
إذن شروطُ التَّوبةِ كم؟ خمسة: الإخلاص لله عز وجل، الندم على ما فعل، الإقلاع عما كان عليه من الذنب في الحال، العزم على ألا يعود، الخامس: أن تكون التوبة قبل سد الأبواب، خمسة شروط.
إذا قال قائل: التوبة فيما بين العبد وبين ربه واضحة، يفرح الله عز وجل بتوبة عبده فرحًا عظيمًا، إذا تبتَ إلى ربك -وأسأل الله أن يتوب علي وعليكم- فإن الله يفرح بهذا فرحًا عظيمًا، فرحًا لا يتصوَّره الإنسان، قال النبي ﷺ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ» -أو قال: بتوبة عبده- «مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ» -الراحلة هي البعير- «كَانَ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَضَلَّهَا» -يعني ضاعت عنه- «فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَنَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ» -ضعفت قواه وخارت وانتهى اضطجع ينتظر الموت- «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا بِنَاقَتِهِ مُتَعَلِّقٌ زِمَامُهَا بِالشَّجَرِةِ، فَأَخَذَ الزِّمامَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ» -يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك- «لَكِنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ»[[أخرجه مسلم (٢٧٤٤ / ٣) من حديث عبد الله بن مسعود.]] وهل تجدون فرحًا أعظم من هذا؟ أجيبوا يا جماعة.
* طلبة: لا.
* الشيخ: لأنَّه فرح بحياة بعد الإشراف على الموت، فلا فرح أشد من ذلك.
فالربُّ عز وجل يفرح بتوبة أحدنا أشد من فرح هذا الرجل بناقته، فإذا كان الذنب بينك وبين الله فالأمر سهل، لكن المشكل إذا كان بينك وبين الناس، إنسان سرق من شخص وتاب من السرقة فيما بينه وبين الله، انتهى، لا إثم عليه، ولا عقوبة، ولا قطع يد، ولا شيء، لكن المال المسروق هل تكفي هذه التوبة عن رد المال إلى صاحبه، أو لا بد مِنْ رَدِّ المال إلى صاحبه؟ لا بد مِنْ ردِّ المال إلى صاحبه، لكن المشكلة كيف أرده؟ ربما لو ذهب إلى صاحبه وقال: إنه سرق منه هذا المال وتاب وهذا مالك، ربما يمسك به ويرفعه إلى الجهات المسؤولة، ربما يقول: أنت الآن أعطيتني عشرَةَ آلافٍ، والذي سُرِقَت عشرون ألفًا، أليس كذلك؟ ربما يقول هكذا، فيبقى الإنسان في ورطة، فماذا يصنع؟ نقول: يمكن أن ينظر إلى صاحب له أمين، فيقول: يا فلان، إنه سرق من فلان كذا وكذا، وهذه السرقة اذهب بها إليه، وقل له: إن هذا من شخص تاب الله عز وجل، وقد أخذها منك من قبل، وها هي الآن وصلتك.
لكن لا بد أن يكون هذا الرجل الذي وكَّله أن يُوصِل الدراهم إلى صاحبها، لا بد أن يكون موثوقًا عند صاحب المال، وأمينًا عنده، لأنه لو لم يكن موثوقًا لاتهمه صاحب المال؛ قال: أنت السارق، والمسروق أكثر من كذا، لكن إذا كان يعرف أنه صديقه وأمينه، يصدقه ويأتمنه، فليقل: يا فلان جزاك الله خيرًا، القضية كذا وكذا، فإن لم يتيسر له ذلك فيمكن أن يجعلها في ظرف، ويرسلها في البريد الممتاز، ويكتب فيها بكتابة لا تعرف؛ يعني: لا يعرف من هي خطه: بأن هذه دراهم لك من شخص أخذها منك سابقًا وقد تاب إلى الله، وبس، تبرَأُ ذمته، المهم أنه لا بد من التوبة؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات ١١].
فإن لم يعرف صاحبها، مثلًا: إنسان سرق في حال صغره سرقة من شخص لا يدري من هو، أو بعد تكليفه سرق من مال لا يدري من هو له، فبماذا تتحقق التوبة؟ أن يتصدق بهذا المال تخلُّصًا منه، ينويه لصاحبه، لا ينويه لنفسه، بل لصاحبه، وبذلك يبرأ.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوبة قبل غلق الأبواب، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق