الباحث القرآني
(p-٤٦٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٌ﴾ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ عَلى ثَلاثَةِ أسْبابٍ؛ فَأمّا أوَّلُها إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَيْرًا مِنهُمْ﴾ فَنَزَلَتْ عَلى سَبَبٍ، وفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: «أنَّ ثابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ جاءَ يَوْمًا يُرِيدُ الدُّنُوَّ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَ بِهِ صَمَمٌ، فَقالَ لِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ: افْسَحْ، فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: قَدْ أصَبْتَ مَجْلِسًا، فَجَلَسَ مُغْضَبًا، ثُمَّ قالَ الرَّجُلُ: مَن أنْتَ؟ قالَ: أنا فُلانٌ. فَقالَ ثابِتٌ: أنْتَ ابْنُ فُلانَةٍ؟! فَذَكَرَ أمًّا لَهُ كانَ يُعَيَّرُ بِها في الجاهِلِيَّةِ، فَأغْضى الرَّجُلُ ونَكَّسَ رَأْسَهُ، ونَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٌ عَسى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنهُمْ﴾»، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّ وفْدَ تَمِيمٍ اسْتَهْزَؤُوا بِفُقَراءِ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِما رَأوْا مِن رَثاثَةِ حالِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ الضَّحّاكُ ومُقاتِلٌ.
وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا نِساءٌ مِن نِساءٌ﴾ فَنَزَلَتْ عَلى سَبَبٍ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
(p-٤٦٦)أحَدُها: أنَّ نِساءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَيَّرْنَ أمَّ سَلَمَةَ بِالقِصَرِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ [الآيَةُ]، قالَهُ أنَسُ بْنُ مالِكٍ. وزَعَمَ مُقاتِلٌ أنَّ عائِشَةَ اسْتَهْزَأتْ مِن قِصَرِ أمِّ سَلَمَةَ.
والثّانِي: أنَّ امْرَأتَيْنِ مِن أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَخِرَتا مِن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَتْ أمُّ سَلَمَةَ قَدْ خَرَجَتْ ذاتَ يَوْمٍ وقَدْ رَبَطَتْ أحَدَ طَرَفَيْ جِلْبابِها عَلى حَقْوِها، وأرْخَتِ الطَّرَفَ الآخَرَ خَلْفَها، ولا تَعَلَمُ، فَقالَتْ إحْداهُما لِلْأُخْرى: انْظُرِي ما خَلْفَ أمِّ سَلَمَةَ كَأنَّهُ لِسانُ كَلْبٍ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: «أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أخْطُبَ أتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ النِّساءَ يُعَيِّرْنَنِي ويَقُلْنَ: يا يَهُودِيَّةُ بِنْتَ يَهُودِيِّينَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَلّا قُلْتِ: إنَّ أبِي هارُونُ، وإنَّ عَمِّي مُوسى، وإنَّ زَوْجِي مُحَمَّدٌ،» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكم ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ فَنَزَلَتْ عَلى سَبَبٍ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِمَ المَدِينَةَ ولَهم ألْقابٌ يَدْعُونَ بِها، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَدْعُو الرَّجُلَ بِلَقَبِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهم يَكْرَهُونَ هَذا، فَنَزَلَ (p-٤٦٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾،» قالَهُ أبُو جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحّاكِ.
والثّانِي: أنَّ أبا ذَرٍّ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ رَجُلٍ مُنازَعَةٌ، فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: يا ابْنَ اليَهُودِيَّةِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾، قالَهُ الحَسَنُ.
والثّالِثُ: أنَّ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ الأنْصارِيَّ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي حَدْرَدِ الأسْلَمِيِّ كَلامٌ، فَقالَ لَهُ: يا أعْرابِيُّ، فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: يا يَهُودِيُّ، فَنَزَلَتْ فِيهِما ﴿وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكم ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ قالَهُ مُقاتِلٌ.
وَأمّا التَّفْسِيرُ، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٌ﴾ أيْ: لا يَسْتَهْزِئُ غَنِيٌّ بِفَقِيرٍ، ولا مَسْتُورٌ عَلَيْهِ ذَنْبُهُ بِمَن لَمْ يُسْتَرْ عَلَيْهِ، ولا ذُو حَسَبٍ بِلَئِيمِ الحَسَبِ، وأشْباهُ ذَلِكَ مِمّا يَتَنَقَّصُهُ بِهِ، عَسى أنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا [مِنهُ] . وقَدْ بَيَّنّا في [البَقَرَةِ: ٥٤] أنَّ القَوْمَ اسْمُ الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ، ولِذَلِكَ قالَ: ﴿وَلا نِساءٌ مِن نِساءٌ﴾ و "تَلْمِزُوا" بِمَعْنى تَعِيبُوا، وقَدْ سَبَقَ بَيانُهُ [التَّوْبَةِ: ٥٨] . والمُرادُ بِالأنْفُسِ هاهُنا: الإخْوانُ. والمَعْنى: لا تَعِيبُوا إخْوانَكم مِنَ المُسْلِمِينَ لِأنَّهم كَأنْفُسِكم. والتَّنابُزُ: التَّفاعُلُ مِنَ النَّبْزِ، وهو مَصْدَرٌ، والنَّبَزُ الِاسْمُ. والألْقابُ جَمْعُ لَقَبٍ، وهو اسْمٌ يُدْعى بِهِ الإنْسانُ سِوى الِاسْمِ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ﴿وَلا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ أيْ: لا تَتَداعَوا بِها. و "الألْقابُ" و "الأنْبازُ" واحِدٌ، ومِنهُ (p-٤٦٨)الحَدِيثُ: "نَبْزُهُمُ الرّافِضَةُ" أيْ: لَقَبُهم. ولِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ بِهَذِهِ الألْقابِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: تَعْيِيرُ التّائِبِ بِسَيِّئاتٍ قَدْ كانَ عَمِلَها، رَواهُ عَطِيَّةُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: أنَّهُ تَسْمِيَتُهُ بَعْدَ إسْلامِهِ بِدِينِهِ قَبْلَ الإسْلامِ، كَقَوْلِهِ لِلْيَهُودِيِّ إذا أسْلَمَ: يا يَهُودِيُّ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعَطاءٌ الخُراسانِيُّ، والقُرَظِيُّ.
والثّالِثُ: أنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: يا كافِرُ، يا مُنافِقُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
والرّابِعُ: أنَّهُ تَسْمِيَتُهُ بِالأعْمالِ السَّيِّئَةِ، كَقَوْلِهِ: يا زانِي؛ يا سارِقُ، يا فاسِقُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قالَ أهْلُ العِلْمِ: والمُرادُ بِهَذِهِ الألْقابِ: ما يَكْرَهُهُ المُنادى بِهِ، أوْ يُعَدُّ ذَمًّا لَهُ. فَأمّا الألْقابُ الَّتِي تُكْسِبُ حَمْدًا وتَكُونُ صِدْقًا، فَلا تُكْرَهُ، كَما قِيلَ لِأبِي بَكْرٍ: عَتِيقٌ، ولِعُمَرَ: فارُوقٌ، ولِعُثْمانَ: ذُو النُّورَيْنِ، ولَعَلِيٍّ: أبُو تُرابٍ، (p-٤٦٩)وَلِخالِدٍ: سَيْفُ اللَّهِ، ونَحْوُ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ﴾ أيْ: تَسْمِيَتُهُ فاسِقًا أوْ كافِرًا وقَدْ آمَنَ، ﴿وَمَن لَمْ يَتُبْ﴾ مِنَ التَّنابُزِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: الضّارُّونَ لِأنْفُسِهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: هم أظْلَمُ مِنَ الَّذِينَ قالُوا لَهم ذَلِكَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق