الباحث القرآني
قوله عز وجل: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما وذلك أن النبيّ ﷺ خرج إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من الأمور وهو على حماره، فبال الحمار وهو راكب عليه يكلم الأنصار. فقال عبد الله بن أبي المنافق: خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار، ثم قال: أف. وأمسك على أنفه فشق على النبيّ ﷺ قوله، فانصرف عبد الله بن رواحة. فقال:
اتقوا هذا لحمار رسول الله ﷺ، والله لبوله أطيب ريحاً منك. فاقتتلا فاجتمع قوم ابن رواحة وهم الأوس، وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج، فكان بينهم ضرب النعال، والأيدي، والسعف، ورجع النبيّ ﷺ فأصلح بينهم. فأنزل الله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بالعدل فكره بعضهم الصلح، فأنزل قوله: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى يعني: استطالت فلم ترجع إلى الصُّلح فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي يعني: تظلم حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ يعني: ترجع إلى ما أمر الله عز وجل. وروى أسباط عن السدي قال: كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد، فأبغضت زوجها، وأرادت أن تلحق بأهلها، وكان قد جعلها في غرفة له، وأمر أهله أن يحفظوها، وخرج إلى حاجة له، فأرسلت إلى أهلها، فجاء ناس من أهلها، وأرادوا أن يذهبوا بها، فاقتتلوا بالنعال، والتلاطم. فنزل قوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الآية. ثم صارت الآية عامة في جميع المسلمين. إذا اقتتل فريقان من المسلمين، وجب على المؤمنين الإصلاح بين الفريقين. فإن ظهر أن أحد الفريقين ظالم، فإنه يقاتل ذلك الفريق حتى يرجع إلى حكم الله.
ثم قال: فَإِنْ فاءَتْ يعني: رجعت إلى الصلح فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ يعني:
بالحق وَأَقْسِطُوا يعني: اعدلوا بين الفريقين، ولا تميلوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يعني:
العادلين.
ثم قال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعني: كالأخوة في التعاون لأنهم على دين واحد. كما قال النبيّ ﷺ: «المُؤْمِنَ للمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعْضاً» وَرُوي عنه أنه قال:
«المُؤْمِنُونَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِر الأَعْضَاءِ إِلَى الحُمَّى وَالسَّهَرِ» .
ثم قال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ يعني: الفريقين من المؤمنين مثل الأوس والخزرج.
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ قرأ ابن سيرين: إِخْوَانِكُم بالنون. وقرأ يعقوب الحضرمي: بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بالتاء. يعني: جمع الأخ. وقراءة العامة أَخَوَيْكُمْ بالياء على تثنية الأخ. يعني: بين كل أخوين.
ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني: اخشوا الله عز وجل، ولا تعصوه، لكي ترحموا، فلا تعذبوا.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ يعني: لا يستهزئ الرجل من أخيه. وقال بعضهم: الآية نزلت في ثابت بن قيس، حيث عيّر الذي لم يوسع له في المكان، وقال بعضهم: الآية نزلت في الذين ينادونه من وراء الحجرات. استهزءوا من ضعفاء المسلمين، عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ يعني: أفضل منهم، وأكرم على الله تعالى وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ يعني: لا تستهزئ امرأة من امرأة، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم سلمة جميلة لولا أنها قصيرة عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ يعني: أفضل. ثم صارت الآية عامة في الرجال والنساء، فلا يجوز أحد أن يسخر من صاحبه، أو من أحد من خلق الله تعالى. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أكون مثله.
ثم قال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ يعني: لا يطعن بعضكم بعضاً. وقال القتبي: ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم كما قال: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النور: 12] . يعني: بأمثالهم.
ثم قال: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ يعني: لا تسموا باللقب. وقال محمد بن كعب القرظي: هو الرجل يكون على دين من الأديان، فيسلم، فيدعونه بدينه الأول: يا يهودي، ويا نصراني. ويقال: لا تعيروا المسلم بالملة التي كان عليها، ولا تسموه بغير دين الإسلام. وقال أهل اللغة: الألقاب والأنباز واحد. ومنه قيل في الحديث: «قومٌ نَبْزُهُمُ الرَّافِضَةُ» أي: لقبهم وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي: لا تداعوا بها. ويقال: هو اللقب الذي يكرهه الرجل. يعني: أنه ينبغي للمؤمن أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه. وقرأ بعضهم وَلا تَلْمِزُوا بضم الميم.
وقراءة العامة: بالكسر، وهما لغتان. يقال: لمز فلان فلاناً، يلمز ويلمزه إذا عابه. وذكر في التفسير أن الآية نزلت في مالك بن أبي مالك، وعبد الله بن أبي حدرد، وذلك أن أبا مالك كان على المقاسم. فقال لعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: يا أعرابي. فقال له عبد الله: يا يهودي. فأمرهما رسول الله ﷺ أن يدخلا عليه، حتى تظهر توبتهما، فنزل بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يعني: بئس التسمية لإخوانكم بالكفر وهم مؤمنون وَمَنْ لَمْ يَتُبْ من قوله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فأوثقا أنفسهما حتى قبلت توبتهما.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ","إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق