الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى - ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ﴾ نَهى اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَنْ عَيْبِ مَن لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُعابَ عَلى وجْهِ الِاحْتِقارِ لَهُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو مَعْنى السُّخْرِيَةِ وأخْبَرَ أنَّهُ وإنْ كانَ أرْفَعَ حالًا مِنهُ في الدُّنْيا فَعَسى أنْ يَكُونَ المَسْخُورُ مِنهُ خَيْرًا عِنْدَ اللَّهِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى - ﴿ولا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ " لا يَطْعَنُ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: هو كَقَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]؛ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ فَكَأنَّهُ بِقَتْلِهِ أخاهُ قاتَلٌ نَفْسَهُ.
وكَقَوْلِهِ ﴿فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] (p-٢٨٦)يَعْنِي يُسَلِّمُ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ واللَّمْزُ العَيْبُ يُقالُ: لَمَزَهُ إذا عابَهُ وطَعَنَ عَلَيْهِ قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿ومِنهم مَن يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] قالَ زِيادٌ الأعْجَمُ:
؎إذا لَقِيتُكَ تُبْدِي لِي مُكاشَرَةً وإنْ تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهامِزَ اللُّمَزَهْ
؎ما كُنْتُ أخْشى وإنْ كانَ الزَّمانُ بِهِ ∗∗∗ حَيْفٌ عَلى النّاسِ أنْ يَغْتابَنِي عَنَزَهْ، وإنَّما نَهى بِذَلِكَ عَنْ عَيْبِ مَن لا يَسْتَحِقُّ، ولَيْسَ بِمَعِيبٍ فَإنَّ مَن كانَ مَعِيبًا فاجِرًا فَعَيْبُهُ بِما فِيهِ جائِزٌ.
ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا ماتَ الحَجّاجُ قالَ الحَسَنُ: " اللَّهُمَّ أنْتَ أمَتَّهُ فاقْطَعْ عَنّا سُنَّتَهُ فَإنَّهُ أتانا أُخَيْفِشَ أُعَيْمِشَ يَمُدُّ بِيَدٍ قَصِيرَةِ البَنانِ واللَّهِ ما عَرِقَ فِيها عِنانٌ في سَبِيلِ اللَّهِ يُرَجِّلُ جُمَّتَهُ ويَخْطُرُ في مِشْيَتِهِ ويَصْعَدُ المِنبَرَ فَيَهْذِرُ حَتّى تَفُوتَهُ الصَّلاةُ لا مِنَ اللَّهِ يَتَّقِي، ولا مِنَ النّاسِ يَسْتَحْيِ فَوْقَهُ اللَّهُ وتَحْتَهُ مِائَةُ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ لا يَقُولُ لَهُ قائِلٌ الصَّلاةَ أيُّها الرَّجُلُ " ثُمَّ قالَ الحَسَنُ " هَيْهاتَ واللَّهِ حالَ دُونَ ذَلِكَ السَّيْفُ والسَّوْطُ " .
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى - ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ رَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الحَسَنِ: «أنَّ أبا ذَرٍّ كانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ رِجْلٍ مُنازَعَةٌ فَقالَ لَهُ أبُو ذَرٍّ: يا ابْنَ اليَهُودِيَّةِ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ أما تَرى ما هَهُنا مِن شَيْءٍ أحْمَرَ ولا أسْوَدَ وما أنْتَ أفْضَلُ مِنهُ إلّا بِالتَّقْوى» قالَ: ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ وقالَ قَتادَةُ في قَوْلِهِ تَعالى -: ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ قالَ " لا تَقُلْ؛ لِأخِيكَ المُسْلِمِ يا فاسِقُ يا مُنافِقُ " حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: " كانَ اليَهُودِيُّ والنَّصْرانِيُّ يُسْلِمُ فَيُقالُ لَهُ يا يَهُودِيُّ يا نَصْرانِيُّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ " .
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا وُهَيْبٌ عَنْ داوُدَ عَنْ عامِرٍ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحّاكِ قالَ: فِينا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في بَنِي سَلَمَةَ: ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ﴾ قالَ: «قَدِمَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَيْسَ مِنّا رِجْلٌ إلّا ولَهُ اسْمانِ أوْ ثَلاثَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يا فُلانُ فَيَقُولُونَ: مَهْ يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَغْضَبُ مِن هَذا الِاسْمِ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾» . وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّقَبَ المَكْرُوهَ هو ما يَكْرَهُهُ صاحِبُهُ ويُفِيدُ ذَمًّا لِلْمَوْصُوفِ بِهِ؛ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ السِّبابِ والشَّتِيمَةِ فَأمّا الأسْماءُ والأوْصافُ الجارِيَةُ غَيْرَ هَذا المَجْرى فَغَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لَمْ يَتَناوَلْها النَّهْيُ؛ لِأنَّها بِمَنزِلَةِ أسْماءِ الأشْخاصِ والأسْماءِ المُشْتَقَّةِ مِن أفْعالٍ.
وقَدْ رَوى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خُثَيْمٍ المُحارِبِيُّ عَنْ (p-٢٨٧)عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: «كُنْتُ أنا وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَفِيقَيْنِ في غَزْوَةِ العَشِيرَةِ مِن بَطْنِ يَنْبُعَ، فَلَمّا نَزَلَ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أقامَ بِها شَهْرًا وصالَحَ فِيها بَنِي مُدْلِجٍ وحُلَفاءَهم مِن بَنِي ضَمْرَةَ ووادَعَهم، فَقالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ لَكَ أنْ تَأْتِيَ هَؤُلاءِ مِن بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ في عِيرٍ لَهم نَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فَأتَيْناهم فَنَظَرْنا إلَيْهِمْ ساعَةً ثُمَّ غَشِيَنا النَّوْمُ، فَعَمَدْنا إلى صُورٍ مِنَ النَّخْلِ في دَقْعاءَ مِنَ الأرْضِ فَنِمْنا، فَما أنْبَهَنا إلّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْنا، وقَدْ تَتَرَّبْنا مِن تِلْكَ الدَّقْعاءَ، فَيَوْمَئِذٍ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَلِيٍّ: يا أبا تُرابٍ لِما عَلَيْهِ مِنَ التُّرابِ، فَأخْبَرَناهُ بِما كانَ مِن أمْرِنا فَقالَ: ألا أُخْبِرُكم بِأشْقى رَجُلَيْنِ ؟ قُلْنا: مَن هُما يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النّاقَةَ واَلَّذِي يَضْرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلى هَذا ووَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ حَتّى تُبَلَّ مِنهُ هَذِهِ ووَضَعَ يَدَهُ عَلى لِحْيَتِهِ» .
وقالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: " ما كانَ اسْمٌ أحَبَّ إلى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ يُدْعى بِهِ مِن أبِي تُرابٍ " فَمِثْلُ هَذا لا يُكْرَهُ،؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ ذَمٌّ ولا يَكْرَهُهُ صاحِبُهُ. وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا شَرِيكٌ عَنْ عاصِمٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا ذا الأُذُنَيْنِ»، وقَدْ «غَيَّرَ النَّبِيُّ ﷺ أسْماءَ قَوْمٍ، فَسَمّى العاصَ عَبْدَ اللَّهِ وسَمّى شِهابًا هِشامًا وسَمّى حَرْبًا سِلْمًا،» وفي جَمِيعِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ المَنهِيَّ مِنَ الألْقابِ ما ذَكَرْنا دُونَ غَيْرِهِ، وقَدْ رُوِيَ «أنَّ رَجُلًا أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأةً فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اُنْظُرْ إلَيْها فَإنَّ في أعْيُنِ الأنْصارِ شَيْئًا» يَعْنِي الصِّغَرَ
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً؛ لِأنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَمَّ المَذْكُورِ ولا غِيبَتَهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق