الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنهم ولا نِساءٌ مِن نِساءٍ عَسى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنهُنَّ﴾ أيْ لا يَسْخَرْ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ مِن بَعْضٍ إذْ قَدْ يَكُونُ المَسْخُورُ مِنهُ خَيْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ السّاخِرِ، والقَوْمُ مُخْتَصٌّ بِالرِّجالِ لِأنَّهُ إمّا مَصْدَرٌ نُعِتَ بِهِ فَشاعَ في الجَمْعِ أوْ جَمْعٌ لِقائِمٍ كَزائِرٍ وزُوَّرٍ، والقِيامُ بِالأُمُورِ وظِيفَةُ الرِّجالِ كَما قالَ تَعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ وحَيْثُ فُسِّرَ بِالقَبِيلَيْنِ كَقَوْمِ عادٍ وفِرْعَوْنَ، فَإمّا عَلى التَّغْلِيبِ أوِ الِاكْتِفاءِ بِذِكْرِ الرِّجالِ عَلى ذِكْرِهِنَّ لِأنَّهُنَّ تَوابِعُ، واخْتِيارُ الجَمْعِ لِأنَّ السُّخْرِيَةَ تَغْلِبُ في المَجامِعِ وعَسى بِاسْمِها اسْتِئْنافٌ بِالعِلَّةِ المُوجِبَةِ لِلنَّهْيِ ولا خَبَرَ لَها لِإغْناءِ الِاسْمِ عَنْهُ. وقُرِئَ «عَسَوْا أنْ يَكُونُوا» و «عَسَيْنَ أنْ يَكُنَّ» فَهي عَلى هَذا ذاتُ خَبَرٍ. ﴿وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ﴾ أيْ ولا يَغْتَبْ بَعْضُكم بَعْضًا فَإنَّ المُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، أوْ لا تَفْعَلُوا ما تَلْمِزُونَ بِهِ فَإنَّ مَن فَعَلَ ما يَسْتَحِقُّ بِهِ اللَّمْزَ فَقَدَ لَمَزَ نَفْسَهُ. واللَّمْزُ الطَّعْنُ بِاللِّسانِ. وقَرَأ يَعْقُوبُ بِالضَّمِّ. ﴿وَلا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ ولا يَدْعُ بَعْضُكم بَعْضًا بِلَقَبِ السُّوءِ، فَإنَّ النَّبْزَ مُخْتَصٌّ بِلَقَبِ السُّوءِ عُرْفًا. ﴿بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ﴾ أيْ بِئْسَ الذِّكْرُ المُرْتَفِعُ لِلْمُؤْمِنِينَ أنْ يُذْكَرُوا بِالفُسُوقِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الإيمانَ واشْتِهارِهِمْ بِهِ، والمُرادُ بِهِ إمّا تَهْجِينُ نِسْبَةِ الكُفْرِ والفِسْقِ إلى المُؤْمِنِينَ خُصُوصًا إذْ رُوِيَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، «أتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ النِّساءَ يَقُلْنَ لِي يا يَهُودِيَّةُ بِنْتَ يَهُودِيِّينَ، فَقالَ لَها: «هَلّا قُلْتِ إنَّ أبِي هارُونُ وعَمِّي مُوسى وزَوْجِي مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمُ السَّلامُ».»
أوِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ التَّنابُزَ فِسْقٌ والجَمْعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الإيمانِ مُسْتَقْبَحٌ. ﴿وَمَن لَمْ يَتُبْ﴾ عَمّا نُهِيَ عَنْهُ. ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ بِوَضْعِ العِصْيانِ مَوْضِعَ الطّاعَةِ وتَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْعَذابِ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ كُونُوا مِنهُ عَلى جانِبٍ، وإبْهامُ الكَثِيرِ لِيَحْتاطَ في كُلِّ ظَنٍّ ويَتَأمَّلَ حَتّى يَعْلَمَ أنَّهُ مِن أيِّ القَبِيلِ، فَإنَّ مِنَ الظَّنِّ ما يَجِبُ اتِّباعُهُ كالظَّنِّ حَيْثُ لا قاطِعَ فِيهِ مِنَ العَمَلِيّاتِ وحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وما يَحْرُمُ كالظَّنِّ في الإلَهِيّاتِ والنُّبُوّاتِ وحَيْثُ يُخالِفُهُ قاطِعٌ وظَنُّ السَّوْءِ بِالمُؤْمِنِينَ، وما يُباحُ كالظَّنِّ في الأُمُورِ المَعاشِيَّةِ. ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ مُسْتَأْنِفٌ لِلْأمْرِ، والإثْمُ الذَّنْبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ العُقُوبَةَ عَلَيْهِ. والهَمْزَةُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الواوِ كَأنَّهُ يَثِمُ الأعْمالَ أيْ يَكْسِرُها. ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ ولا تَبْحَثُوا عَنْ عَوْراتِ المُسْلِمِينَ، تَفَعُّلٌ مِنَ الجَسِّ بِاعْتِبارِ ما فِيهِ مِن مَعْنى الطَّلَبِ كالتَّلَمُّسِ، وقُرِئَ بِالحاءِ مِنَ الحِسِّ الَّذِي هو أثَرُ الجَسِّ وغايَتُهُ ولِذَلِكَ قِيلَ لِلْحَواسِّ الخَمْسِ: الجَواسُّ.
وَفِي الحَدِيثِ: «لا تَتَّبِعُوا عَوْراتِ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ مَن تَتَبَّعَ عَوْراتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتّى يَفْضَحَهُ ولَوْ في جَوْفِ بَيْتِهِ».»
﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ ولا يَذْكُرْ بَعْضُكم بَعْضًا بِالسُّوءِ في غَيْبَتِهِ.
«وَسُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنِ الغَيْبَةِ فَقالَ: «أنْ تَذْكُرَ أخاكَ بِما يَكْرَهُهُ، فَإنْ كانَ فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».»
﴿أيُحِبُّ أحَدُكم أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتًا﴾ تَمْثِيلٌ لِما يَنالُهُ المُغْتابُ مِن عِرْضِ المُغْتابِ عَلى أفْحَشِ وجْهٍ مَعَ مُبالَغاتِ الِاسْتِفْهامِ المُقَرَّرِ، وإسْنادِ الفِعْلِ إلى أحَدٍ لِلتَّعْمِيمِ وتَعْلِيقِ المُحِبَّةِ بِما هو في غايَةِ الكَراهَةِ، وتَمْثِيلِ الِاغْتِيابِ بِأكْلِ لَحْمِ الإنْسانِ وجَعْلِ المَأْكُولِ أخًا ومَيْتًا وتَعْقِيبِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ تَقْرِيرًا وتَحْقِيقًا لِذَلِكَ. والمَعْنى إنْ صَحَّ ذَلِكَ أوْ عُرِضَ عَلَيْكم هَذا فَقَدَ كَرِهْتُمُوهُ ولا يُمْكِنُكم إنْكارُ كَراهَتِهِ، وانْتِصابُ مَيْتًا عَلى الحالِ مِنَ اللَّحْمِ أوِ الأخِ وشَدَّدَهُ نافِعٌ. ﴿واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ﴾ لِمَنِ اتَّقى ما نُهِيَ عَنْهُ وتابَ مِمّا فَرَطَ مِنهُ، والمُبالَغَةُ في ال ( تَوّابٌ ) لِأنَّهُ بَلِيغٌ في قَبُولِ التَّوْبَةِ إذْ (p-137)يَجْعَلُ صاحِبَها كَمَن لَمْ يُذْنِبْ، أوْ لِكَثْرَةِ المَتُوبِ عَلَيْهِمْ أوْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ، رُوِيَ: «أنَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الصَّحابَةِ بَعَثا سَلْمانَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَبْغِي لَهُما إدامًا، وكانَ أُسامَةُ عَلى طَعامِهِ فَقالَ: ما عِنْدِي شَيْءٌ فَأخْبَرَهُما سَلْمانُ فَقالا: لَوْ بَعَثْناهُ إلى بِئْرِ سَمِيحَةَ لَغارَ ماؤُها، فَلَمّا راحا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ لَهُما: «ما لِي أرى حَضْرَةَ اللَّحْمِ في أفْواهِكُما»، فَقالا: ما تَناوَلْنا لَحْمًا، فَقالَ: «إنَّكُما قَدِ اغْتَبْتُما» فَنَزَلَتْ.»
{"ayahs_start":11,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق