الباحث القرآني
قَولُهُ تَعالى ﴿وَمَن لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ قَسَّمَ العِبادَ إلى تائِبٍ وظالِمٍ، وما ثَمَّ قَسْمٌ ثالِثٌ ألْبَتَّةَ، وأوْقَعَ اسْمَ الظّالِمِ عَلى مَن لَمْ يَتُبْ، ولا أظْلَمَ مِنهُ، لِجَهْلِهِ بِرَبِّهِ وبِحَقِّهِ، وبِعَيْبِ نَفْسِهِ وآفاتِ أعْمالِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ:
«يا أيُّها النّاسُ، تُوبُوا إلى اللَّهِ، فَواللَّهِ إنِّي لَأتُوبُ إلَيْهِ في اليَوْمِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً».
* (فائدة)
قالَ الله تَعالى ﴿وَلا تنابزوا بِالألْقابِ﴾ ولا خلاف في تَحْرِيم تلقيب الإنْسان بِما يكرههُ سَواء كانَ فِيهِ أو لم يكن وأما إذا عرف بذلك واشتهر بِهِ كالأعمش والأشْتَر والأصم والأعرج فقد اضطرد اسْتِعْماله على ألْسِنَة أهل العلم قَدِيما وحديثا، وسَهل فِيهِ الإمام أحْمد.
قالَ أبُو داوُد في مسائِله سَمِعت أحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَن الرجل يكون لَهُ اللقب لا يعرف إلّا بِهِ ولا يكرههُ.
قالَ ألَيْسَ يُقال سُلَيْمان الأعْمَش وحميد الطَّوِيل؟
كَأنَّهُ لا يرى بِهِ بَأْسا.
قالَ أبُو داوُد سَألت أحْمد عَنهُ مرّة أُخْرى فَرخص فِيهِ.
قلت كانَ أحْمد يكره أن يَقُول الأعْمَش قالَ الفضيل يَزْعمُونَ كانَ يَقُول سُلَيْمان وإمّا أن لا يفهم مدحا ولا ذما فَإن صدر بأب وأم فَهو الكنية كَأبي فلان وأم فلان وإن لم يصدر بذلك فَهو الِاسْم كزيد وعَمْرو.
وَهَذا هو الَّذِي كانَت تعرفه العَرَب وعَلِيهِ مدار مخاطباتهم.
وَأما فلان الدّين وعز الدّين وعز الدولة وبهاء الدولة، فَإنَّهُم لم يَكُونُوا يعْرفُونَ ذَلِك، وإنَّما أتى هَذا من قبل العَجم.
* (فصل)
اعلم أن الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء، والثناء على النفس تعريضا وتصريحا، وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه، ومدح من يحبه ونحو ذلك.
فتتفق قوة الداعي، وتيسر حركة اللسان، فيضعف الصبر، ولهذا قال ﷺ لمعاذ:
"امسك عليك لسانك" فقال "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به" فقال ﷺ
"وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"
ولا سيما إذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد فإنه يعز عليه الصبر عنها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع من استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة، ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والمفكه في أعراض الخلق وربما رخص أهل الصلاح والعلم بالله والدين والقول على الله ما لا يعلم، وكثير ممن تجده يتورع عن الدقائق من الحرام والقطرة من الخمر ومثل رأس الإبرة من النجاسة، ولا يبالي بارتكاب الفرج الحرام، كما يحكى:
أن رجلا خلا بامرأة أجنبية، فلما أراد مواقعتها قال يا هذه غطِّ وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام.
وقد سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض فقال انظروا إلى هؤلاء يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله؟!
واتفق لي قريب من هذه الحكاية كنت في حال الإحرام فأتاني قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس والإغارة على الأموال يسألوني عن قتل المحرم القمل؟
فقلت يا عجبا لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التي حرم الله قتلها ويسألون عن قتل القملة في الإحرام.
والمقصود أن اختلاف شدة الصبر في أنواع المعاصي وآحادها يكون باختلاف داعيه إلى تلك المعصية في قوتها وضعفها.
ويذكر عن على رضي الله عنه أنه قال:
"الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية.
فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة.
ومن صبر على الطاعة حتى يؤديها كما أمر الله كتب الله له ستمائة درجة.
ومن صبر عن المعصية خوفا من الله ورجاء ما عنده كتب الله له تسعمائة درجة".
وقال ميمون بن مهران:
"الصبر صبران فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية".
* [فَصْلٌ: المَعْصِيَةُ مَجْلَبَةٌ لِلذَّمِّ]
وَمِن عُقُوباتِها: أنَّها تَسْلُبُ صاحِبَها أسْماءَ المَدْحِ والشَّرَفِ، وتَكْسُوهُ أسْماءَ الذَّمِّ والصَّغارِ، فَتَسْلُبُهُ اسْمَ المُؤْمِنِ، والبَرِّ، والمُحْسِنِ، والمُتَّقِي، والمُطِيعِ، والمُنِيبِ، والوَلِيِّ، والوَرِعِ، والصّالِحِ، والعابِدِ، والخائِفِ، والأوّابِ، والطَّيِّبِ، والمَرَضِيِّ ونَحْوِها.
وَتَكْسُوهُ اسْمَ الفاجِرِ، والعاصِي، والمُخالِفِ، والمُسِيءِ، والمُفْسِدِ، والخَبِيثِ، والمَسْخُوطِ، والزّانِي، والسّارِقِ، والقاتِلِ، والكاذِبِ، والخائِنِ، واللُّوطِيِّ، وقاطِعِ الرَّحِمِ، والغادِرِ وأمْثالِها.
فَهَذِهِ أسْماءُ الفُسُوقِ و﴿بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ﴾ الَّذِي يُوجِبُ غَضَبَ الدَّيّانِ، ودُخُولَ النِّيرانِ، وعَيْشَ الخِزْيِ والهَوانِ.
وَتِلْكَ أسْماءٌ تُوجِبُ رِضاءَ الرَّحْمَنِ، ودُخُولَ الجِنانِ، وتُوجِبُ شَرَفَ المُسَمّى بِها عَلى سائِرِ أنْواعِ الإنْسانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ في عُقُوبَةِ المَعْصِيَةِ إلّا اسْتِحْقاقُ تِلْكَ الأسْماءِ ومُوجِباتِها لَكانَ في العَقْلِ ناهٍ عَنْها، ولَوْ لَمْ يَكُنْ في ثَوابِ الطّاعَةِ إلّا الفَوْزُ بِتِلْكَ الأسْماءِ ومُوجِباتِها لَكانَ في العَقْلِ آمِرٌ بِها، ولَكِنْ لا مانِعَ لِما أعْطى اللَّهُ، ولا مُعْطِيَ لِما مَنَعَ، ولا مُقَرِّبَ لِما باعَدَ، ولا مُبْعِدَ لِمَن قَرَّبَ، ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكْرِمٍ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ﴾ [الحج: ١٨].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق