الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنهم ولا نِساءٌ مِن نِساءٍ عَسى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنهُنَّ﴾، "اَلْقَوْمُ": اَلرِّجالُ خاصَّةً، لِأنَّهُمُ القُوّامُ بِأُمُورِ النِساءِ، قالَ اللهُ (تَعالى): ﴿الرِجالُ قَوّامُونَ عَلى النِساءِ﴾ [النساء: ٣٤]، وهو في الأصْلِ جَمْعُ "قائِمٌ"، كَـ "صَوْمٌ"، و"زَوْرٌ"، في جَمْعِ "صائِمٌ"، و"زائِرٌ"، واخْتِصاصُ القَوْمِ بِالرِجالِ صَرِيحٌ في الآيَةِ، إذْ لَوْ كانَتِ النِساءُ داخِلَةً في "قَوْمٌ"، لَمْ يَقُلْ: "وَلا نِساءٌ"، وحَقَّقَ ذَلِكَ زُهَيْرٌ في قَوْلِهِ:
؎ وما أدْرِي ولَسْتُ إخالُ أدْرِي... أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ
وَأمّا قَوْلُهم في "قَوْمُ فِرْعَوْنَ"، و"قَوْمُ عادٍ"، هُمُ الذُكُورُ، والإناثُ، فَلَيْسَ لَفْظُ القَوْمِ بِمُتَعاطٍ لِلْفَرِيقَيْنِ، ولَكِنْ قُصِدَ ذِكْرُ الذُكُورِ، وتَرْكُ ذِكْرِ الإناثِ، لِأنَّهُنَ تَوابِعُ لِرِجالِهِنَّ، وتَنْكِيرُ القَوْمِ والنِساءِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أنْ يُرادَ "لا يَسْخَرْ بَعْضُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ مِن بَعْضٍ"، وأنْ يُقْصَدَ إفادَةُ الشِياعِ، وأنْ يَصِيرَ كُلُّ جَماعَةٍ مِنهم مَنهِيَّةً مِنَ السُخْرِيَةِ، وإنَّما لَمْ يَقُلْ: "رَجُلٌ مِن رَجُلٍ"، ولا "اِمْرَأةٌ مِنَ امْرَأةٍ"، عَلى التَوْحِيدِ، إعْلامًا بِإقْدامِ غَيْرِ واحِدٍ مِن رِجالِهِمْ، وغَيْرِ واحِدَةٍ مِن نِسائِهِمْ، عَلى السُخْرِيَةِ، واسْتِفْظاعًا لِلشَّأْنِ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿عَسى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنهُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ، ورَدَ مَوْرِدَ جَوابِ المُسْتَخْبِرِ عَنْ عِلَّةِ النَهْيِ، وإلّا فَقَدَ كانَ حَقُّهُ أنْ يُوصَلَ بِما قَبْلَهُ بِالفاءِ، والمَعْنى وُجُوبُ أنْ يَعْتَقِدَ كُلُّ واحِدٍ أنَّ (p-٣٥٤)المَسْخُورَ مِنهُ رُبَّما كانَ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا مِنَ الساخِرِ، إذْ لا اطِّلاعَ لِلنّاسِ إلّا عَلى الظَواهِرِ، ولا عِلْمَ لَهم بِالسَرائِرِ، والَّذِي يَزِنُ عِنْدَ اللهِ خُلُوصُ الضَمائِرِ، فَيَنْبَغِي ألّا يَجْتَرِئَ أحَدٌ عَلى الِاسْتِهْزاءِ بِمَن تَقْتَحِمُهُ عَيْنُهُ، إذا رَآهُ رَثَّ الحالِ، أوْ ذا عاهَةٍ في بَدَنِهِ، أوْ غَيْرَ لَبِيقٍ في مُحادَثَتِهِ، فَلَعَلَّهُ أخْلَصُ ضَمِيرًا، وأتْقى قَلْبًا مِمَّنْ هو عَلى ضِدِّ صِفَتِهِ، فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ بِتَحْقِيرِ مَن وقَّرَهُ اللهُ (تَعالى)، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: "اَلْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالقَوْلِ، لَوْ سَخِرْتُ مِن كَلْبٍ لَخَشِيتُ أنْ أُحَوَّلَ كَلْبًا"،
﴿وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ﴾، ولا تَطْعَنُوا أهْلَ دِينِكُمْ، و"اَللَّمْزُ": اَلطَّعْنُ، والضَرْبُ بِاللِسانِ، "وَلا تُلَمِّزُوا"، "يَعْقُوبُ وسَهْلٌ"، والمُؤْمِنُونَ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، فَإذا عابَ المُؤْمِنُ المُؤْمِنَ، فَكَأنَّما عابَ نَفْسَهُ، وقِيلَ: مَعْناهُ: "لا تَفْعَلُوا ما تُلْمَزُونَ بِهِ"، لِأنَّ مَن فَعَلَ ما اسْتَحَقَّ بِهِ اللَمْزَ فَقَدْ لَمَزَ نَفْسَهُ حَقِيقَةً،
﴿وَلا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾، اَلتَّنابُزُ بِالألْقابِ: اَلتَّداعِي بِها، و"اَلنَّبْزُ": لَقَبُ السُوءِ، والتَلْقِيبُ المَنهِيُّ عَنْهُ هو ما يَتَداخَلُ المَدْعُوَّ بِهِ كَراهَةٌ، لِكَوْنِهِ تَقْصِيرًا بِهِ، وذَمًّا لَهُ، فَأمّا ما يُحِبُّهُ فَلا بَأْسَ بِهِ، ورُوِيَ أنَّ قَوْمًا مِن بَنِي تَمِيمٍ اسْتَهْزَؤُوا بِبِلالٍ، وخَبّابٍ، وعَمّارٍ، وصُهَيْبٍ، فَنَزَلَتْ، وعَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - أنَّها كانَتْ تَسْخَرُ مِن زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ، وكانَتْ قَصِيرَةً، وعَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: "عَيَّرَتْ نِساءُ النَبِيِّ ﷺ أُمَّ سَلَمَةَ بِالقِصَرِ، ورُوِيَ «أنَّها نَزَلَتْ في ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وكانَ بِهِ وقْرٌ، فَكانُوا يُوَسِّعُونَ لَهُ في مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِيَسْمَعَ، فَأتى يَوْمًا وهو يَقُولُ: تَفَسَّحُوا، حَتّى انْتَهى إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَ لِرَجُلٍ: تَنَحَّ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقالَ: مَن هَذا؟ فَقالَ الرَجُلُ: أنا فُلانٌ، فَقالَ: بَلْ أنْتَ ابْنُ فُلانَةَ، يُرِيدُ أُمًّا كانَ يُعَيَّرُ بِها في الجاهِلِيَّةِ، فَخَجِلَ الرَجُلُ، فَنَزَلَتْ، فَقالَ ثابِتٌ: لا أفْخَرُ عَلى أحَدٍ في الحَسَبِ بَعْدَها أبَدًا، »﴿بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ﴾، "اَلِاسْمُ"، هَهُنا، بِمَعْنى "اَلذِّكْرُ"، مِن قَوْلِهِمْ: "طارَ اسْمُهُ في الناسِ بِالكَرَمِ، أوْ بِاللُؤْمِ"، وحَقِيقَتُهُ ما سَما مِن ذِكْرِهِ (p-٣٥٥)وارْتَفَعَ بَيْنَ الناسِ، كَأنَّهُ قِيلَ: "بِئْسَ الذِكْرُ المُرْتَفِعُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ ارْتِكابِ هَذِهِ الجَرائِمِ أنْ يُذْكَرُوا بِالفِسْقِ"، وقَوْلُهُ: "بَعْدَ الإيمانِ"، اِسْتِقْباحٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الإيمانِ، وبَيْنَ الفِسْقِ، الَّذِي يَحْظُرُهُ الإيمانُ، كَما تَقُولُ: "بِئْسَ الشَأْنُ بَعْدَ الكَبْرَةِ الصَبْوَةُ"، وقِيلَ: كانَ في شَتائِمِهِمْ لِمَن أسْلَمَ مِنَ اليَهُودِ: "يا يَهُودِيُّ، يا فاسِقُ"، فَنُهُوا عَنْهُ، وقِيلَ لَهُمْ: "بِئْسَ الذِكْرُ أنْ تَذْكُرُوا الرَجُلَ بِالفِسْقِ واليَهُودِيَّةِ بَعْدَ إيمانِهِ"،
﴿وَمَن لَمْ يَتُبْ﴾، عَمّا نُهِيَ عَنْهُ،
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ﴾، وحَّدَ وجَمَعَ لِلَفْظِ "مَن"، ومَعْناهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق