الباحث القرآني
ولَمّا نَهى عَنِ الإسْراعِ بِالإيقاعِ بِمُجَرَّدِ سَماعِ ما يُوجِبُ النِّزاعَ، وخَتَمَ بِما تُرْجى بِهِ الرَّحْمَةُ، وكانَ رُبَّما كانَ الخَبَرُ الَّذِي أمَرَ سُبْحانَهُ بِتَبَيُّنِهِ صَرِيحًا، نَهى عَنْ مُوجِباتِ الشَّرِّ الَّتِي يُخْبِرُ بِها فَتَكُونُ سَبَبًا لِلضَّغائِنِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ عَنْها الشَّرُّ الَّذِي هو سَبَبٌ لِلنِّقْمَةِ رَحْمَةً لِعِبادِ اللَّهِ وتَوَقُّعًا لِلرَّحْمَةِ مِنهُ، (p-٣٧٥)فَقالَ عَلى سَبِيلِ النَّتِيجَةِ مِن ذَلِكَ ذاكِرًا ما في القِسْمِ الرّابِعِ مِنَ الآدابِ والمَنافِعِ مِن وُجُوبِ تَرْكِ أذى المُؤْمِنِينَ في حُضُورِهِمْ والإزْراءِ بِحالِهِمُ المُذْهِبِ لِسُرُورِهِمُ الجالِبِ لِشُرُورِهِمْ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: أوْقَعُوا الإقْرارَ بِالتَّصْدِيقِ ﴿لا يَسْخَرْ﴾ أيْ: يَهْزَأْ ويَسْتَذِلَّ.
ولَمّا كانَتِ السُّخْرِيَةُ تَكُونُ بِحَضْرَةِ ناسٍ، قالَ مُعَبِّرًا بِما يُفْهِمُ أنَّ مَن شارَكَ أوْ رَضِيَ أوْ سَكَتَ وهو قادِرٌ فَهو ساخِرٌ مُشارِكٌ لِلْقائِلِ: ﴿قَوْمٌ﴾ أيْ: ناسٌ فِيهِمْ قُوَّةُ المُحاوَلَةِ، وفي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ هَزٌّ إلى قِيامِ الإنْسانِ عَلى نَفْسِهِ وكَفِّها [عَمّا تُرِيدُهُ] مِنَ النَّقائِصِ شُكْرًا لِما أعْطاهُ اللَّهُ مِنَ القُوَّةِ: ﴿مِن قَوْمٍ﴾ فَإنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الشَّرَّ؛ لِأنَّ أضْعَفَ النّاسِ إذا حُرِّكَ لِلِانْتِقاصِ قَوِيَ بِما يَثُورُ عِنْدَهُ مِن حَظِّ النَّفْسِ.
ولَمّا كانَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الرَّأْيُ الأصِيلُ أنَّهُ لا يَسْتَذِلُّ الإنْسانُ إلّا مَن أمِنَ أنْ يَصِيرَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ أقْوى مِنهُ في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: ﴿عَسى﴾ أيْ: لِأنَّهُ جَدِيرٌ وخَلِيقٌ لَهم ﴿أنْ يَكُونُوا﴾ أيِ: المُسْتَهْزَأُ بِهِمْ ﴿خَيْرًا مِنهُمْ﴾ فَيَنْقَلِبُ الأمْرُ عَلَيْهِمْ ويَكُونُ لَهم سُوءُ العاقِبَةِ، قالَ [ ابْنُ] مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: البَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالقَوْلِ و[لَوْ] سَخِرْتُ مِن كَلْبٍ خَشِيتُ [أنْ] أُحَوَّلَ كَلْبًا؛ وقالَ (p-٣٧٦)القُشَيْرِيُّ: ما اسْتَضْعَفَ أحَدٌ أحَدًا إلّا سُلِّطَ عَلَيْهِ، ولا يَنْبَغِي أنْ تَعْتَبِرَ بِظاهِرِ أحْوالِ النّاسِ؛ فَإنَّ [فِي] الزَّوايا خَبايا، والحَقُّ سُبْحانَهُ يَسْتُرُ أوْلِياءَهُ في حِجابِ الظِّنَّةِ، كَذا في الخَبَرِ: ««كَمْ مِن أشْعَثَ أغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أقْسَمَ عَلى اللَّهِ لَأبَرَّهُ»».
ولَمّا كانَ إطْلاقُ القَوْمِ لِمَن كانَ فِيهِ أهْلِيَّةُ المُقاوَمَةِ وهُمُ الرِّجالُ، قالَ مُعَبِّرًا ما هو مِنَ النَّسْوَةِ بِفَتْحِ النُّونِ أنَّ تَرْكَ العَمَلِ: ﴿ولا نِساءٌ مِن نِساءٍ﴾ ثُمَّ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: ﴿عَسى﴾ أيْ: يَنْبَغِي أنْ يَخَفْنَ مِن ﴿أنْ يَكُنَّ﴾ المَسْخُورُ بِهِنَّ ﴿خَيْرًا مِنهُنَّ﴾ أيِ: السّاخِراتِ.
ولَمّا كانَتِ السُّخْرِيَةُ تَتَضَمَّنُ العَيْبَ، ولا يُصَرَّحُ فِيها، وكانَ اللَّمْزُ العَيْبَ نَفْسَهُ، رَقّى الأمْرَ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿ولا تَلْمِزُوا﴾ أيْ: تَعِيبُوا عَلى وجْهِ الخُفْيَةِ ﴿أنْفُسَكُمْ﴾ بِأنْ يَعِيبَ بَعْضُكم بَعْضًا بِإشارَةٍ أوْ نَحْوِها، فَكَيْفَ إذا كانَ عَلى وجْهِ الظُّهُورِ؛ فَإنَّكم في التَّواصُلِ والتَّراحُمِ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، أوْ يَعْمَلُ الإنْسانُ ما يُعابُ بِهِ، فَيَكُونُ قَدْ لَمَزَ نَفْسَهُ أوْ يَلْمِزُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ لَمْزُهُ لَهُ سَبَبًا لِأنْ يَبْحَثَ عَنْ عُيُوبِهِ فَيَلْمِزَهُ فَيَكُونُ هو الَّذِي لَمَزَ نَفْسَهُ ﴿ولا تَنابَزُوا﴾ أيْ: يَنْبِزْ بَعْضُكم بَعْضًا، أيْ يَدْعُو عَلى وجْهِ التَّغَيُّرِ والتَّسَفُّلِ ﴿بِالألْقابِ﴾ بِأنْ يَدْعُوَ المَرْءُ صاحِبَهُ بِلَقَبٍ يَسُوءُهُ سَواءٌ (p-٣٧٧)كانَ هو المُخْتَرِعَ لَهُ أوَّلًا، وأمّا ألْقابُ المَدْحِ فَنِعْمَ هي كالصِّدِّيقِ والفارُوقِ.
ولَمّا كانَ الإيمانُ قَيْدًا لِأوابِدِ العِصْيانِ، وكانَ النَّبْزُ والسُّخْرِيَةُ قَطْعًا لِذَلِكَ القَيْدِ، عَلَّلَ بِما يُؤْذِنُ بِأنَّهُ فِسْقٌ، مُعَبِّرًا بِالكَلِمَةِ الجامِعَةِ لِجَمِيعِ المَذامِّ تَنْفِيرًا مِن ذَلِكَ فَقالَ: ﴿بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ﴾ أيِ: الخُرُوجُ مِن رِبْقَةِ الدِّينِ ﴿بَعْدَ الإيمانِ﴾ تَرَكَ الجارَّ إيذانًا بِأنَّ مَن وقَعَ في ذَلِكَ أوْشَكَ أنْ يُلازِمَهُ فَيَسْتَغْرِقَ زَمانَهُ فِيهِ؛ فَإنَّ النَّفْسَ عَشّاقَةٌ لِلنَّقائِصِ، ولا سِيَّما ما فِيهِ اسْتِعْلاءٌ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ أنْ يُوسَمَ بِالفِسْقِ بَعْدَ أنْ كانَ مَوْصُوفًا بِالإيمانِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَمَن تابَ فَأُولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ، وكانَ المَقامُ بِالتَّحْذِيرِ ألْيَقَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ومَن لَمْ يَتُبْ﴾ أيْ: يَرْجِعْ عَمّا نَهى اللَّهُ عَنْهُ، فَخَفَّفَ عَنْ نَفْسِهِ ما كانَ شُدِّدَ عَلَيْها ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أيِ البُعَداءُ مِنَ اللَّهِ ﴿هُمُ﴾ أيْ: خاصَّةً ﴿الظّالِمُونَ﴾ أيِ: العَرِيقُونَ في وضْعِ الأشْياءِ في غَيْرِ مَواضِعِها.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق