الباحث القرآني
﴿قُتِلَ﴾ - تفسير
٨٢٤٢٥- قال عبد الله بن عباس: ﴿قُتِلَ﴾ لُعن، كلّ شيء في القرآن ﴿قُتل﴾ فهو لُعن[[تفسير الثعلبي ١٠/١٦٨.]]٧١٠٧. (ز)
﴿قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ٤﴾ - تفسير
٨٢٤٢٦- عن صُهيب، قال: كان رسول الله ﷺ إذا صلّى العصر همس، فقيل له: إنك -يا رسول الله- إذا صلَّيتَ العصر همستَ؟ فقال: «إنّ نبيًّا مِن الأنبياء كان أُعجِب بأُمّته، فقال: مَن يقوم لهؤلاء؟! فأوحى الله إليه أن خَيِّرهم بين أنْ أنتقم منهم، وبين أن أُسلّط عليهم عدوّهم. فاختاروا النّقمة، فسلَّط عليهم الموت، فمات منهم في يوم سبعون ألفًا». قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر، قال: «كان مَلِك من الملوك، وكان لذلك المَلِك كاهن يَكهَن له، فقال له ذلك الكاهن: انظروا لي غلامًا فَهِمًا -أو قال: فَطِنًا- لَقِنًا، فأُعلّمه علمي هذا، فإني أخاف أنْ أموت فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم مَن يعلمه». قال: «فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يُحضِر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهبٌ في صومعةٍ، فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مَرَّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال: إنما أعبد الله. فجعل الغلام يمكث عند الراهب، ويُبطئ على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام: إنه لا يكاد يحضرني. فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك: أين كنتَ؟ فقُل: عند أهلي. وإذا قال لك أهلك: أين كنتَ؟ فأخبِرهم أنك كنت عند الكاهن. فبينما الغلام على ذلك إذ مَرَّ بجماعةٍ من الناس كثيرةٍ قد حبستهم دابةٌ، يقال: كانت أسدًا، فأخذ الغلام حَجَرًا، فقال: اللهم، إن كان ما يقول الراهب حقًّا فأسألك أنْ أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقول الكاهن حقًّا فأسألك ألا أقتلَها. ثم رمى، فقَتل الدابة، فقال الناس: مَن قتلها؟ فقالوا: الغلام. ففزع الناس، وقالوا: قد عَلِم هذا الغلامُ عِلْمًا لم يعلمه أحد. فسمع أعمى، فجاءه، فقال له: إنْ أنتَ رددتَ بصري فلك كذا وكذا. فقال الغلام: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيتَ إن رجع عليك بصرُك أتؤمن بالذي ردّه عليك؟ قال: نعم. فدعا الله فردّ عليه بصره، فآمن الأعمى، فبلغ المَلِكَ أمرُهم، فبعث إليهم، فأتى بهم، فقال: لَأقتلنَّ كلَّ واحد منكم قِتلةً لا أقتل بها صاحبه. فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى، فوضع المنشار على مَفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقِتلةٍ أخرى، ثم أمر بالغلام، فقال: انطلِقوا به إلى جبل كذا وكذا، فألقُوه مِن رأسه. فانطلَقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهَوا به إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل، ويتَردَّون حتى لم يبق منهم إلى الغلام، ثم رجع الغلام، فأَمر به المَلِك أن ينطَلِقوا به إلى البحر فيُلقوه فيه، فانطُلِق به إلى البحر، فغَرَّق الله الذين كانوا معه، وأنجاه الله، فقال الغلام للمَلِك: إنّك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله ربّ الغلام. فأَمر به، فصُلِب، ثم رماه، وقال: بسم الله ربّ الغلام. فوضع الغلام يدَه على صُدْغه حين رُمِي ثم مات، فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد، فإنّا نؤمن بربِّ هذا الغلام. فقيل للملك: أجزِعتَ أنْ خالفك ثلاثةٌ؟ فهذا العالم كلّهم قد خالفوك!». قال: «فخَدّ أخدودًا، ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس، فقال: مَن رجع عن دينه تركناه، ومَن لم يرجع ألقيناه في هذه النار. فجعل يلقيهم في تلك الأخدود». فقال: «يقول الله: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ حتى بلغ: ﴿العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾». فأمّا الغلام فإنه دُفن، ثم أُخرج، فيُذكر أنه أُخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صُدْغه كما وضعها حين قُتل[[أخرجه الترمذي ٥/٥٣٠-٥٣٣ (٣٦٣٣، ٣٦٣٤)، وعبد الرزاق ٣/٤١٣-٤١٥ (٣٥٦٨). قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وقال ابن كثير في تفسيره ٨/٣٦٨: «وهذا السياق ليس فيه صراحة أنّ سياق هذه القصة من كلام النبي ﷺ، قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: فيحتمل أن يكون من كلام صُهيب الرومي؛ فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى».]]. (١٥/٣٣٨)
٨٢٤٢٧- عن صُهيب، أنّ رسول الله ﷺ قال: «كان مَلِكٌ مِمّن كان قبلكم، وكان له ساحِر، فلمّا كَبِر الساحر قال لِلمَلِك: إنِّي قد كَبِرتْ سِنِّي، وحضر أجلي، فادفع إلَيَّ غلامًا لِأعلّمَه السحر. فدفع إليه غلامًا، فكان يعلّمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلامُ على الراهب، فسمع مِن كلامه، فأعجبه نحوُه وكلامُه، فكان إذا أتى على الساحر ضربَه، وقال: ما حبسك؟ فإذا أتى أهله جلس عند الراهب، فيُبطئ، فإذا أتى أهلَه ضربوه، وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقُل: حبسني أهلي. وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى ذات يوم على دابة فظيعة عظيمة، قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال الغلام: اليوم أعلم أمْر الراهب أحبّ إلى الله أم أمْر الساحر؟ فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إنْ كان أمْر الراهب أحبّ إليك وأرضى لك مِن أمْر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس. ورماها، فقتلها، ومضى الناس، فأخبَر الراهبَ بذلك، فقال: أي بني، أنتَ أفضل مني، وإنك سَتُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدل علَيَّ. وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان جليسٌ للمَلِك فعَمِي، فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال له: اشفني ولك ما ههنا أجمع. فقال: ما أشفي أنا أحدًا، إنما يشفي الله، فإنْ آمنتَ باللهِ دعوتُ الله فشفاك. فآمن، فدعا الله له فشفاه، ثم أتى المَلِك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له المَلِك: يا فلان، مَن ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: أنا! قال: لا. قال: أوَلك ربٌّ غيري؟ قال: نعم. فلم يزل به يُعذّبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه المَلِك، فقال: أي بني، قد بلغ مِن سحرك أن تُبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟! قال: ما أشفي أنا أحدًا، ما يشفي غير الله. قال: أنا! قال: لا. قال: وإنّ لك ربًّا غيري؟ قال: نعم، ربي وربّك الله. فأخذه أيضًا بالعذاب، فلم يزل به حتى دلَّ على الراهب. فأُتي بالراهب، فقال له: ارجِع عن دينك. فأبى، فوضع المنشار في مَفرِق رأسه حتى وقع شِقّاه إلى الأرض، وقال للأعمى: ارجع عن دينك. فأبى، فوضع المنشار في مَفرِق رأسه، حتى وقع شِقّاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك. فأبى، فبعث به مع نفرٍ إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه، وإلا فدهدِهوه[[دهدهوه: دحرجوه. اللسان (دهده).]] من فوقه. فذهبوا به، فلما علَوا به الجبل قال: اللهم، اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل، فتدهدهوا أجمعين، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابُك؟ قال: كفانيهم الله. فبعث به مع نفرٍ في قُرْقُور[[القرقور: السفينة الصغيرة، وقيل: الكبيرة. صحيح مسلم بشرح النووي ١٨/١٣١، وينظر: النهاية (قرقر).]]، فقال: إذا لجَجتم[[لجج القوم: إذا دخلوا في اللّجة، ولجة البحر: معظمه، وحيث لا يدرك قعره. اللسان (لجج).]] به البحر فإن رجع عن دينه، وإلا فغرِّقوه. فلجَّجوا به البحر، فقال الغلام: اللهم، اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعين، وجاء الغلام يتلمَّس حتى دخل على المَلِك، فقال: ما فعل أصحابُك؟ قال: كفانيهم الله. ثم قال للمَلِك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإنْ أنتَ فعلتَ ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لن تستطيع قتلي. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهمًا مِن كنانتي، ثم قُل: بسم الله ربّ الغلام. فإنك إذا فعلتَ ذلك قتلتني. ففعل، ووضع السهم في كبد القوس، ثم رماه، وقال: بسم الله ربّ الغلام. فوقع السهم في صُدْغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم، ومات، فقال الناس: آمنّا بربّ الغلام. فقيل للمَلِك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد -واللهِ- نزل بك هذا مِن الناس كلّهم! فأمر بأفواه السِّكك فخُدَّتْ فيها الأخدود، وأضْرِمتْ فيها النيران، وقال: مَن رجع عن دينه فدَعُوه، وإلا فأقحِموه فيها. فكانوا يتقارعون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأةٌ بابن لها صغير، فكأنها تقاعستْ أن تقع في النار، فقال الصبي: يا أُمَّه، اصبري؛ فإنّكِ على الحق»[[أخرجه مسلم ٤/٢٢٩٩-٢٣٠٠ (٣٠٠٥)، وابن جرير ٢٤/٢٧٣-٢٧٦ بنحوه. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن مردويه.]]. (١٥/٣٤١)
٨٢٤٢٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطاء- قال: كان بنجران مَلِكٌ من ملوك حِمْيَر يُقال له: يوسف ذو نواس بن شرحبيل، في الفترة قبل مولد النبي ﷺ بسبعين سنة، وكان في بلاده غلام يُقال له: عبد الله بن تامر، وكان أبوه قد سلّمه إلى مُعلِّم يُعلّمه السحر، فكره ذلك الغلامُ، ولم يجد بُدًّا مِن طاعة أبيه، فجعل يختلف إلى المُعلّم، وكان في طريقه راهب حَسن القراءة حَسن الصوت، فأعجبه ذلك، -وذكر قريبًا مِن معنى حديث صُهيب- إلى أن قال الغلام للمَلِك: إنّك لا تقدر على قتلي إلا أن تفعل ما أقول لك، قال: فكيف أقتلك؟ قال: تجمع أهل مملكتك وأنتَ على سريرك، فترميني بسهم باسم إلهي. ففعل الملك ذلك، فقتله، فقال الناس: لا إله إلا الله، عبد الله بن تامر لا دين إلا دينه. فغضب الملك، وأغلق باب المدينة، وأخذ أفواه السِّكك، وخد أخدودًا، وملأه نارًا، ثم عرضهم رجلًا رجلًا؛ فمَن رجع عن الإسلام تركه، ومَن قال: ديني دين عبد الله بن تامر. ألقاه في الأخدود، فأحرقه، وكان في مملكته امرأة أسلمتْ فيمن أسلم، ولها أولاد ثلاث أحدهم رضيع، فقال لها المَلِك: ارجعي عن دينكِ، وإلا ألقيتُكِ وأولادكِ في النار، فأبَتْ، فأخذ ابنها الأكبر، فألقاه في النار، ثم قال لها: ارجعي عن دينكِ. فأبَتْ، فألقى الثاني في النار، ثم قال لها: ارجعي. فأبَتْ، فأخذوا الصبيَّ منها ليلقوه في النار، فهَمَّت المرأة بالرجوع، فقال الصبي: يا أُمّاه، لا ترجعي عن الإسلام؛ فإنكِ على الحق، ولا بأس عليك. فأُلقي الصبي في النار، وأُلقيتْ أُمّه على أثره[[أخرجه البغوي ٨/٣٨٥.]]. (ز)
٨٢٤٢٩- عن علي بن أبي طالب -من طريق الحسن- في قوله: ﴿أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، قال: هم الحبشة[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٥/٣٣٣)
٨٢٤٣٠- عن علي بن أبي طالب -من طريق عبد الله بن نُجَيٍّ- قال: كان نبيُّ أصحابِ الأخدود حبشيًّا[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٥/٣٣٣)
٨٢٤٣١- عن عبد الله بن نُجَيٍّ، قال: شهدتُ عليًّا، وأتاه أسْقُف نجران، فسأله عن أصحاب الأخدود، فقصّ عليه القصة، فقال عليٌّ: أنا أعلم بهم منك، بُعث نبيٌّ مِن الحبشة إلى قومه. ثم قرأ عليٌّ: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ مِنهُمْ مَن قَصَصْنا عَلَيْكَ ومِنهُمْ مَن لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر:٧٨]. فدعاهم، فتابعه الناس، فقاتلهم، فقُتل أصحابه، وأُخِذ، فأُوثِق، فانفلتَ، فأنس إليه رجال -يقول: اجتمع إليه رجال-، فقاتلهم، فقُتلوا، وأُخِذ فأُوثق، فخَدُّوا أخدودًا في الأرض، وجعلوا فيه النيران، فجعلوا يَعرضون الناس، فمَن تبع النبيَّ رُمي به فيها، ومَن تابعهم تُرِك، وجاءت امرأة في آخر مَن جاء، معها صبي لها، فجزعتْ، فقال الصبي: يا أُمَّهْ، اطمري[[طمر يطمِر طمرًا وطمورًا وطمرانًا: وثب. وقيل: الوثوب إلى أسفل. اللسان (طمر).]]، ولا تماري. فوقعتْ[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١٥/٣٣٦)
٨٢٤٣٢- عن علي بن أبي طالب -من طريق قتادة- في قوله: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾: هم أناس بمذارع[[هي القرى القريبة من الأنصار، وقيل: هي قرى بين الريف والبر. النهاية (ذرع).]] اليمن؛ اقتتل مؤمنوهم وكفّارهم، فظهر مؤمنوهم على كفّارهم، ثم أخذ بعضهم على بعض عهودًا ومواثيق لا يغدر بعضهم ببعض، فغدر بهم الكفار، فأخذوهم، ثم إنّ رجلًا من المؤمنين قال: هل لكم إلى خير؟ تُوقدون نارًا، ثم تعرضوننا عليها، فمَن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومَن لا اقتحم، فاسترَحْتُم منه. فأجَّجُوا لهم نارًا، وعرضوهم عليها، فجعلوا يقتحمونها، حتى بقيتْ عجوز فكأنها تلكَّأَت، فقال لها طفل في حِجرها: امضي، ولا تُنافقي. فقصَّ الله عليكم نبأهم وحديثهم، فقال: ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ إذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ﴾ قال: يعني بذلك: المؤمنين، ﴿وهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ﴾ يعني بذلك: الكفار[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٢٧١-٢٧٢ بنحوه. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٣٣- عن ابن أبْزى، قال: لَمّا رجع المهاجرون مِن بعض غزواتهم بلغهم نَعْيُ عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقال بعضهم لبعض: أي الأحكام تجري في المجوس، وإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا مِن مشركي العرب؟ فقال علي بن أبي طالب ﵁: قد كانوا أهل كتاب، وقد كانت الخمر أُحِلَّتْ لهم، فشربها مَلِكٌ مِن ملوكهم حتى ثمل منها، فتناول أخته، فوقع عليها، فلما ذهب عنه السُّكر قال لها: ويحكِ، فما المخرج مما ابتُليتُ به؟ فقالتْ: اخطب الناس. فقُل: يا أيها الناس، إنّ الله قد أحلّ نكاح الأخوات. فقام خطيبًا، فقال: يا أيها الناس، إنّ الله قد أحلّ نكاح الأخوات. فقال الناس: إنّا نبرأ إلى الله مِن هذا القول؛ ما أتانا به نبيٌّ، ولا وجدناه في كتاب الله. فرجع إليها نادمًا، فقال لها: ويحكِ، إن الناس قد أبَوا علي أن يُقرّوا بذلك. فقالت: ابسط عليهم السِّياط. ففعل، فبسَط عليهم السِّياط، فأبَوْا أن يُقرّوا له، فرجع إليها نادمًا، فقال: إنهم قد أبَوْا أن يُقرّوا. فقالتْ: اخطبهم، فإن أبَوا فجَرِّد فيهم السيف. ففعل، فأبى عليه الناس، فقال لها: قد أبى عليّ الناس. فقالت: خُدّ لهم الأخدود، ثم اعرض عليها أهل مملكتك؛ فمَن أقرّ، وإلا فاقذفه في النار. ففعل، ثم عرض عليها أهل مملكته، فمَن لم يُقرّ منهم قذفه في النار؛ فأنزل الله فيهم: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ إلى: ﴿أنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾، ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ حرقوهم، ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ ولَهُمْ عَذابُ الحَرِيقِ﴾ فلم يزالوا منذ ذلك يستحلّون نكاح الأخوات والبنات والأمهات[[أخرجه عبد بن حميد -كما في تخريج أحاديث الكشاف ٤/١٨٣-، وابن جرير ٢٤/٢٧٠-٢٧١. وفي تفسير البغوي ٨/٣٨٥-٣٨٦ بنحوه عن ابن أبزى، وسعيد بن جُبَير.]]. (١٥/٣٣٧)
٨٢٤٣٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العَوفيّ- في قوله: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، قال: هم ناس مِن بني إسرائيل خَدُّوا أخدودًا في الأرض، ثم أوقدوا فيه نارًا، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالًا ونساء، فعُرضوا عليها. وزعموا: أنه دانيال وأصحابه[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٢٧٢.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٣٥- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- قال: الأخدود: شَقٌّ بنجران، كانوا يُعَذِّبون الناس فيه[[تفسير مجاهد ص٧١٨ بنحوه، وأخرجه ابن جرير ٢٤/٢٧٣، والفريابي -كما في تغليق التعليق ٤/٣٦٤، وفتح الباري ٨/٦٩٨-. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٣٦- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، قال: يزعمون أنّ أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالًا ونساء، فخَدُّوا لهم أخدودًا، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون، أو نقذفكم في النار[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٢٧٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر بنحوه، وزاد في آخره: فاختاروا النار على الكفر، فأُلقُوا فيها.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٣٧- عن عكرمة مولى ابن عباس، ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، قال: كانوا من النَّبَط[[عزاه السيوطي إلى ابن جرير، وابن المنذر.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٣٨- عن الحسن البصري، قال: كان بعضُ الجبابرة خَدَّ أخدودًا في الأرض، وجعل فيها النيران، وعرض المؤمنين على ذلك، فمَن تابعه على كُفره خلّى عنه، ومَن أبىَ ألقاه في تلك النار، فجعل يُلقي، حتى أتى على امرأةٍ ومعها بُنَيٌّ لها صغير، وكانت اتَّقَتِ النارَ، فكلّمها الصبيُّ، فقال: يا أُمَّهْ، قَعِي ولا تُنافقي. فأُلقيتْ في النار، واللهِ، ما كانت إلا نقطة مِن نار حتى أفضَوا إلى رحمة الله. قال: الحسن: قال رسول الله ﷺ: «فما ذكرتُ أصحاب الأخدود إلا تعوّذتُ بالله مِن جَهد البلاء»[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٥/١١٤-١١٥- بنحوه. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٥/٣٣٥)
٨٢٤٣٩- عن وهْب بن مُنَبِّه -من طريق محمد بن إسحاق بن يسار-: أنّ رجلًا كان بقي على دين عيسى ﵇، فرجع إلى نجران، فدعاهم، فأجابوه، فسار إليه ذو نواس اليهودي بجنود من حِمْيَر، وخيَّرهم بين النار واليهودية، فأبَوا عليه، فخَدَّ لهم الأخاديد، وأحرق اثني عشر ألفًا[[أخرجه الثعلبي ١٠/١٧٠، والبغوي ٨/٣٨٤-٣٨٥.]]. (ز)
٨٢٤٤٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- في قوله: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، قال: يعني: القاتلين الذين قتلوهم يوم قُتلوا[[أخرجه عبد الرزاق ٣/٤١٢، وابن جرير ٢٤/٢٧٢.]]. (ز)
٨٢٤٤١- عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، قال: كانت الأخدودُ زمان تُبَّع[[عزاه السيوطي إلى ابن عساكر.]]. (١٥/٣٣٤)
٨٢٤٤٢- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قال: كان أصحاب الأخدود قومًا مؤمنين، اعتزلوا الناس في الفترة، وإنّ جبارًا مِن عَبَدة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبَوا، فخَدَّ أخدودًا، وأوقد فيه نارًا، ثم خَيَّرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار على الرجوع عن دينهم، فأُلقوا في النار، فنجّى الله المؤمنين الذين أُلقوا في النار من الحريق بأن قَبض أرواحهم قبل أن تمسّهم النار، وخَرجت النار إلى مَن على شفير الأخدود مِن الكفار فأحرقتهم، فذلك قول الله: ﴿فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة، ﴿ولَهُمْ عَذابُ الحَرِيقِ﴾ في الدنيا[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٢٧٦.]]. (ز)
٨٢٤٤٣- قال محمد بن السّائِب الكلبي: هم نصارى أهل نجران، وذلك أنّ مَلِكًا بنجران أخذ بها قومًا مؤمنين، فخَدَّ لهم في الأرض سبعة أخاديد، طول كلّ أخدود أربعون ذراعًا، وعرضه اثنا عشر ذراعًا، ثم طرح فيها النِّفط والحطب، ثم عرضهم عليها، فمَن أبى قذفه في النار، فبدأ برجل يُقال له: عمرو بن زيد، فسأله ملكهم، فقال له: مَن علّمك هذا؟ يعني: التوحيد، فأبى أن يُخبره، فأتى المَلِك الذي علّمه التوحيد، فقال: أيّها المَلِك، أنا علّمته. واسمه: عبد الله بن شمر، فقذفه في النار، ثم عرض على النار واحدًا بعد واحد، حتى إذا أراد أن يتبع بقيّة المؤمنين، فصنع ملكهم صنمًا مِن ذهب، ثم أمّر على كلِّ عشرة مِن المؤمنين رجلًا يقول لهم: إذا سمعتم صوت المزامير فاسجدوا للصنم، فمَن لم يسجد ألقوه في النار. فلما سمعت النصارى بذلك سجدوا للصنم، وأمّا المؤمنون فأبَوا، فخَدَّ لهم، وألقاهم فيها، فارتفعت النار فوقهم اثنا عشر ذِراعًا[[تفسير الثعلبي ١٠/١٦٩-١٧٠.]]. (ز)
٨٢٤٤٤- قال محمد بن السّائِب الكلبي: كان أصحاب الأخدود سبعين ألفًا[[تفسير الثعلبي ١٠/١٧٠.]]. (ز)
٨٢٤٤٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ وذلك أنّ يوسف بن ذي نواس من أهل نجران كان حفر خَدًّا، وأوقد فيه النار، فمَن تَكلّم منهم بالتوحيد أحرقه بالنار، وذلك أنه كان قد آمن مِن قومه ثمانون رجلًا وتسع نسوة، فأمرهم أن يرتَدُّوا عن الإسلام، فأبَوْا، فأخبرهم أنه سيُعذّبهم بالنار، فَرَضُوا لأمر الله ﷿، فأحرقهم كلَّهم، فلم يزل يُلقي واحدًا بعد واحد في النار، حتى مرَّت امرأةٌ ومعها صبي لها صغير يرضع، فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقتْ عليه، فرجعتْ، فعَرضوا عليها أن تكفر، فأبتْ، فضربوها حتى رجعتْ، فلم تزل ترجع مرة، وتُشفق مرة، حتى تَكلّم الصبيُّ فقال لها: يا أُمّاه، إنّ بين يديك نارًا لا تُطفأ أبدًا. فلما سمعتْ قولَ الطفل أحضرتْ حتى ألقتْ نفسها في النار، فجعل الله ﷿ أرواحهم في الجنة، وأوحى الله -تبارك وتعالى- إلى نبيّه محمد ﷺ: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ يوسف بن ذي نواس وأصحابه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٦٤٧-٦٤٨.]]٧١٠٨. (ز)
٨٢٤٤٦- قال مقاتل: كانت الأخاديدُ ثلاثةً: واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس، حرّقوا بالنار، أمّا التي بالشام فهو بطيانوس بن بليس الرومي، أمّا التي بفارس فهو بخت نصر، وأمّا التي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس، فأمّا التي بفارس والشام فلم يُنزل الله سبحانه فيهما قرآنًا، وأنزل في التي كانت بنجران، وذلك أنّ رجلين مُسلِمَيْن ممّن يقرؤون الإنجيل أحدهما بأرض تِهامة والآخر بنجران اليمن، فأجّر أحدُهما نفسَه في عمل يعمله، وجعل يقرأ الإنجيل، فرأتْ بنتُ المستأجر النورَ يُضيء في قراءة الإنجيل، فذكرتْ ذلك لأبيها، فرمقه حتى رآه، فسأله، فلم يُخبره، فلم يزل به حتى أخبره بالدين والإسلام، فتابَعه هو وسبعة وثمانون إنسانًا مِن رجل وامرأة، وهذا بعد ما رُفِع عيسى إلى السماء، فسمع ذلك يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تُبّع بن اليشرح الحِمْيَري، فخَدَّ لهم في الأرض، فأوَقد فيها، فعرضهم على الكفر، فمَن أبى منهم أن يكفر قذفه في النار، ومَن رجع عن دين عيسى لم يُقذَف في النار، وإنّ امرأة جاءت ومعها ولد لها صغير لا يَتكلّم، فلما قامتْ على شفير الخندق نظرتْ إلى ابنها، فرجعتْ عن النار، فضُرِبتْ حتى تقدّمتْ، فلم تزل كذلك ثلاث مرات، فلما كانت في الثالثة ذهبتْ ترجع، فقال لها ابنها: يا أُمّاه، إني أرى أمامك نارًا لا تُطفأ. فلما سمعت ابنَها يقول ذلك قَذَفا جميعًا أنفسَهما في النار، فجعلها الله وابنها في الجنة، فقذف في النار في يوم واحد سبعة وسبعون إنسانًا[[تفسير الثعلبي ١٠/١٧٠، وتفسير البغوي ٨/٣٨٦-٣٨٧.]]. (ز)
﴿قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ ٤﴾ - آثار متعلقة بالآية
٨٢٤٤٧- عن عوف، قال: كان رسول الله ﷺ إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ بالله مِن جَهد البلاء[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة. وأخرجه ابن أبي شيبة ١٣/٢٢٧، عن عوف، عن الحسن مرسلًا.]]. (١٥/٣٣٨)
٨٢٤٤٨- عن عبد الله بن أبي بكر -من طريق محمد بن إسحاق-: أنّ خربة احتُفرتْ في زمن عمر بن الخطاب، فوجدوا عبد الله بن التامر واضِعًا يده على ضربة في رأسه، إذا أميطتْ يده عنها انبعثت دمًا، وإذا تُرِكَت ارتدّت مكانها، وفي يده خاتم مِن حديد فيه: ربي الله، فبلغ ذلك عمر، فكتب أنْ أعيدوا عليه الذي وجدتم عليه[[أخرجه البغوي ٨/٣٨٥.]]. (ز)
٨٢٤٤٩- عن سلمة بن كُهيل، قال: ذَكروا أصحابَ الأخدود عند عليٍّ، فقال: أما إنّ فيكم مثلهم، فلا تكونُنَّ أعجزَ مِن قوم[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٥/٣٣٧)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.