الباحث القرآني
فإن قلت: أين جواب القسم؟ قلت: محذوف يدل عليه قوله قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون، يعنى كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدّمهم: من التعذيب على الإيمان. وإلحاق أنواع الأذى، وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش، كما قيل: قتل أصحاب الأخدود وقتل: دعاء عليهم، كقوله قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ وقرئ: قتل، بالتشديد. والأخدود:
الخدّ في الأرض وهو الشق، ونحوهما بناء ومعنى: الخق والأخقوق. ومنه فساخت قوائمه في أخاقيق جرذان [[قوله «جرذان» في الصحاح «الجرذ» : ضرب من الفأر والجمع: الجرذان. (ع)]] . روى عن النبي ﷺ أنه قال: كان لبعض الملوك ساحر، فلما كبر ضمّ إليه غلاما ليعلمه السحر، وكان في طريق الغلام راهب: فسمع منه، فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس. فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان الراهب أحبّ إليك من الساحر فاقتلها، فقتلها، فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص، ويشفى من الأدواء، وعمى جليس للملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله فقال: من ردّ عليك بصرك؟ فقال: ربى، فغضب فعذبه. فدل على الغلام فعذبه، فدل على الراهب، فلم يرجع الراهب عن دينه، فقدّ بالمنشار وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته، فدعا فرجب بالقوم، فطاحوا ونجا، فذهب به إلى قرقور [[قوله «قرقور» في الصحاح «القرقور» : السفينة الطويلة. (ع)]] فلججوا به ليغرقوه، فدعا فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا ونجا، فقال للملك:
لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي وتقول:
بسم الله رب الغلام، ثم ترميني به. فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقيل للملك. نزل بك ما كنت تحذر، فأمر بأخاديد في أفواه السكك وأو قدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبى فتقاعست [[قوله «فتقاعست» في الصحاح «تقاعس» : إذا تأخر عن الأمر ولم يتقدم. (ع)]] أن تقع فيها، فقال الصبى:
يا أماه، اصبري فإنك على الحق، فاقتحمت. وقيل: قال لها قعى ولا تنافقى. وقيل: قال لها ما هي إلا غميضة فصبرت [[أخرجه مسلم. والترمذي والنسائي وابن حبان والطبري والطبراني وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والبزار كلهم من رواية ابن أبى ليلى من طرق وأقربها إلى لفظ الكتاب سياق الطبري. تفرد به ثابت البناني عن عبد الرحمن.]] . وعن على رضى الله عنه: أنهم حين اختلفوا في أحكام المجوس قال: هم أهل كتاب وكانوا متمسكين بكتابهم، وكانت الخمر قد أحلت لهم، فتناولها بعض ملوكهم فسكر، فوقع على أخته فلما صحا ندم وطلب المخرج، فقالت له: المخرج أن تخطب الناس فتقول: يا أيها الناس، إنّ الله أحل نكاح الأخوات، ثم تخطبهم بعد ذلك فتقول: إن الله حرّمه، فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له: ابسط فيهم السوط، فلم يقبلوا، فقالت له: ابسط فيهم السيف، فلم يقبلوا، فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران وطرح من أبى فيها، فهم الذين أرادهم الله بقوله قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ [[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى. والطبري والطبراني. وأحمد وإسحاق والبزار كلهم من رواية عبد الرحمن بن حميد والطبري من رواية جعفر بن أبى المغيرة عن عبد الرحمن بن أيزى قال «لما هزم المسلمون أهل الاسفيذيان انصرفوا فجاءهم يعنى عمر رضى الله عنه. فاجتمعوا فقالوا. أى شيء يجرى على المجوس من الأحكام؟
نهم ليسوا أهل كتاب. وليسوا من مشركي العرب. فقال: هم أهل الكتاب. فذكره. وسياق الطبري أتم منه]] وقيل: وقع إلى نجران رجل ممن كان على دين عيسى عليه السلام، فدعاهم فأجابوه فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنود من حمير، فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا، فأحرق منهم اثنى عشر ألفا في الأخاديد. وقيل: سبعين ألفا [[أخرجه ابن إسحاق في السيرة، حدثني يزيد بن أبى زياد عن محمد بن كعب. فذره مطولا.]] ، وذكر أنّ طول الأخدود: أربعون ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا [[نقله الثعلبي عن الكلبي.]] . وعن النبي ﷺ أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوّذ من جهد البلاء [[أخرجه ابن أبى شيبة عن أبى أسامة عن عوف عن الحسن بهذا.]] النَّارِ بدل اشتمال من الأخدود ذاتِ الْوَقُودِ وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس، وقرئ: الوقود، بالضم إِذْ ظرف لقتل، أى لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها. ومعنى عَلَيْها على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كقوله:
وبات على النّار النّدى والمحلّق [[تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة 53 فراجعه إن شئت اه مصححه.]]
وكما تقول: مرت عليه، تريد: مستعليا لمكان يدنو منه، ومعنى شهادتهم على إحراق المؤمنين:
أنهم وكلوا بذلك وجعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أنّ أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب. ويجوز أن يراد: أنهم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، يؤدّون شهادتهم يوم القيامة يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان، كقوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم [[تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة 142 فراجعه إن شئت اه مصححه.]]
قال ابن الرقيات:
ما نقموا من بنى أميّة إلّا ... أنّهم يحلمون إن غضبوا [[لقيس الرقيات. ونقموا كرهوا: وحلم- كظرف-: صفح. يقول: إنهم جعلوا أحسن الأشياء وهو الحلم عند الغضب قبيحا. ويجوز أن فاعل الفعلين ضمير بنى أمية. ويجوز أن الأول لهم، والثاني: الناقمين. وفيه استتباع المدح بما يشبه الذم للمبالغة في المدح، حيث جعل الحلم عند الغضب ذما، مع أنه غاية في المدح. ويروى ما نقم الناس، وعليها فالصواب إسقاط «بين» لأجل الوزن.]] وقرأ أبو حيوة: نقموا، بالكسر، والفصيح: هو الفتح. وذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به ويعبد، وهو كونه عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه حميدا منعما. يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقديرا، لأن ما نَقَمُوا مِنْهُمْ هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغىّ، وإن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب لا يعدله عذاب وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وعيد لهم، يعنى أنه علم ما فعلوا، وهو مجازيهم عليه.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ","ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ","إِذۡ هُمۡ عَلَیۡهَا قُعُودࣱ","وَهُمۡ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ شُهُودࣱ","وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ","ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"],"ayah":"قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق