الباحث القرآني

سُورَةُ البُرُوجِ مَكِّيَّةٌ وهي اثْنانِ وعِشْرُونَ آيَةً ﷽ ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾ ﴿وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ ﴿إذْ هم عَلَيْها قُعُودٌ﴾ ﴿وهم عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ ﴿وما نَقَمُوا مِنهم إلّا أنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: ٩] ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ ولَهم عَذابُ الحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠] ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ﴾ [البروج: ١١] ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج: ١٢] ﴿إنَّهُ هو يُبْدِئُ ويُعِيدُ﴾ [البروج: ١٣] ﴿وهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ﴾ [البروج: ١٤] ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ﴾ [البروج: ١٥] ﴿فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦] ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] ﴿فِرْعَوْنَ وثَمُودَ﴾ [البروج: ١٨] ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في تَكْذِيبٍ﴾ [البروج: ١٩] ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠] ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ [البروج: ٢١] ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢٢] الأُخْدُودُ: الخَدُّ في الأرْضِ، وهو الشِّقُّ ونَحْوُهُما بِناءٌ، ومَعْنى الخَقِّ والأُخْقُوقِ، ومِنهُ: فَساحَتْ قَوائِمُهُ في أخافِيقِ جُرْدانِ (p-٤٤٩)﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾ ﴿وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ ﴿إذْ هم عَلَيْها قُعُودٌ﴾ ﴿وهم عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ ﴿وما نَقَمُوا مِنهم إلّا أنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [البروج: ٩] ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ ولَهم عَذابُ الحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠] ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ﴾ [البروج: ١١] ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج: ١٢] ﴿إنَّهُ هو يُبْدِئُ ويُعِيدُ﴾ [البروج: ١٣] ﴿وهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ﴾ [البروج: ١٤] ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ﴾ [البروج: ١٥] ﴿فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦] ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] ﴿فِرْعَوْنَ وثَمُودَ﴾ [البروج: ١٨] ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في تَكْذِيبٍ واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ١٩] ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ [البروج: ٢١] ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢٢] . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها: لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِما يَجْمَعُونَ لِلرَّسُولِ ولِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ المَكْرِ، والخِداعِ، وإذايَةِ مَن أسْلَمَ بِأنْواعٍ مِنَ الأذى، كالضَّرْبِ، والقَتْلِ، والصَّلْبِ، والحَرْقِ بِالشَّمْسِ، وإحْماءِ الصَّخْرِ ووَضْعِ أجْسادِ مَن يُرِيدُونَ أنْ يَفْتِنُوهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَ أنَّ هَذِهِ الشِّنْشَنَةَ كانَتْ فِيمَن تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ يُعَذِّبُونَ بِالنّارِ، وأنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أُعْرِضُوا عَلى النّارِ كانَ لَهم مِنَ الثَّباتِ في الإيمانِ ما مَنَعَهم أنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ أوْ يُحْرَمُوا، وأنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ عَذَّبُوا عِبادَ اللَّهِ مَلْعُونُونَ، فَكَذَلِكَ الَّذِينَ عَذَّبُوا المُؤْمِنِينَ مِن كُفّارِ قُرَيْشٍ مَلْعُونُونَ، فَهَذِهِ السُّورَةُ عِظَةٌ لِقُرَيْشٍ وتَثْبِيتٌ لِمَن يُعَذَّبُ. ﴿ذاتِ البُرُوجِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والجُمْهُورُ: هي المَنازِلُ الَّتِي عَرَفَتْها العَرَبُ، وهي اثْنا عَشَرَ عَلى ما قَسَّمَتْهُ، وهي الَّتِي تَقْطَعُها الشَّمْسُ في سَنَةٍ، والقَمَرُ في ثَمانِيَةٍ وعِشْرِينَ يَوْمًا. وقالَ عِكْرِمَةُ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ: هي القُصُورُ. وقالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ أيْضًا: هي النُّجُومُ. وقِيلَ: عِظامُ الكَواكِبِ، سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِظُهُورِها. وقِيلَ: هي أبْوابُ السَّماءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ البُرُوجِ في سُورَةِ الحِجْرِ. ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾ هو يَوْمُ القِيامَةِ، أيْ المَوْعُودِ بِهِ ﴿وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾ هَذانِ مُنَكَّرانِ، ويَنْبَغِي حَمْلُهُما عَلى العُمُومِ لِقَوْلِهِ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ [التكوير: ١٤] وإنْ كانَ اللَّفْظُ لا يَقْتَضِيهِ، لَكِنَّ المَعْنى يَقْتَضِيهِ، إذْ لا يُقْسَمُ بِنَكِرَةٍ ولا يُدْرى مَن هي. فَإذا لُوحِظَ فِيها مَعْنى العُمُومِ انْدَرَجَ فِيها المَعْرِفَةُ فَحَسُنَ القَسَمُ، وكَذا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ ما جاءَ مِن هَذا النَّوْعِ نَكِرَةً، كَقَوْلِهِ: ﴿والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ١] ولِأنَّهُ إذا حُمِلَ ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] عَلى العُمُومِ دَخَلَ فِيهِ مَعْنَيانِ: الكُتُبُ الإلَهِيَّةُ، كالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ، والقُرْآنِ، فَيَحْسُنُ إذْ ذاكَ القَسَمُ بِهِ. ولَمّا ذَكَرَ ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾، وهو يَوْمُ القِيامَةِ بِاتِّفاقٍ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ ناسَبَ أنْ يَكُونَ المُقْسَمُ بِهِ مَن يَشْهَدُ في ذَلِكَ اليَوْمِ ومَن يُشْهَدُ عَلَيْهِ (p-٤٥٠)إنْ كانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهادَةِ، وإنْ كانَ مِنَ الحُضُورِ، فالشّاهِدُ: الخَلائِقُ الحاضِرُونَ لِلْحِسابِ، والمَشْهُودُ: اليَوْمُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] كانَ مَوْعُودًا بِهِ فَصارَ مَشْهُودًا، وقَدِ اخْتَلَفَتْ أقْوالُ المُفَسِّرِينَ في تَعْيِينِهِما. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: الشّاهِدُ: اللَّهُ تَعالى، وعَنْهُ وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وعِكْرِمَةَ: الرَّسُولُ، وعَنْ مُجاهِدٍ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءِ بْنِ يَسارٍ: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وذُرِّيَّتُهُ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا والحَسَنِ: الشّاهِدُ يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ الجُمُعَةِ، وفي كُلِّ قَوْمٍ مِنها المَشْهُودُ يَوْمُ القِيامَةِ، وعَنْ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ، والحَسَنِ، وابْنِ المُسَيَّبِ، وقَتادَةَ: ﴿وشاهِدٍ﴾ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وعَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وعَنْ عَلِيٍّ أيْضًا: يَوْمُ القِيامَةِ، وعَنِ النَّخَعِيِّ: يَوْمُ الأضْحى، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ في هَذِهِ الأقْوالِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، (ومَشْهُودٍ) يَوْمُ النَّحْرِ، وعَنْ جابِرٍ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ النّاسُ، وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: ابْنُ آدَمَ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ اللَّهُ تَعالى، وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: عَكْسُ هَذا، وعَنْ أبِي مالِكٍ: عِيسى، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ أُمَّتُهُ، وعَنْ عَلِيٍّ: يَوْمُ عَرَفَةَ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ يَوْمُ النَّحْرِ، وعَنِ التِّرْمِذِيِّ الحَكِيمِ: الحَفَظَةُ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ عَلَيْهِمْ: النّاسُ، وعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ يَحْيى: مُحَمَّدٌ، (ومَشْهُودٍ) عَلَيْهِ: أُمَّتُهُ، وعَنْهُ: الأنْبِياءُ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ أُمَمُهم، وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ ومُقاتِلٍ: الجَوارِحُ يَوْمَ القِيامَةِ، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ أصْحابُها. وقِيلَ: هُما يَوْمُ الإثْنَيْنِ ويَوْمُ الجُمُعَةِ. وقِيلَ: المَلائِكَةُ المُتَعاقِبُونَ وقُرْآنُ الفَجْرِ. وقِيلَ: النَّجْمُ واللَّيْلُ والنَّهارُ. وقِيلَ: اللَّهُ والمَلائِكَةُ وأُولُو العِلْمِ، ومَشْهُودٌ بِهِ الوَحْدانِيَّةُ، و﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] . وقِيلَ: مَخْلُوقاتُهُ تَعالى، ﴿ومَشْهُودٍ﴾ بِهِ: وحْدانِيَّتُهُ. وقِيلَ: هُما الحَجَرُ الأسْوَدُ والحَجِيجُ. وقِيلَ: اللَّيالِي والأيّامُ وبَنُو آدَمَ. وقِيلَ: الأنْبِياءُ ومُحَمَّدٌ، وهَذِهِ أقْوالٌ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ لِكُلٍّ مِنها مُتَمَسَّكٌ، ولِلصُّوفِيَّةِ أقْوالٌ غَيْرُ هَذِهِ، والظّاهِرُ ما قُلْناهُ أوَّلًا، وجَوابُ القَسَمِ قِيلَ مَحْذُوفٌ، فَقِيلَ: لَتُبْعَثُنَّ ونَحْوُهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ وقِيلَ: الجَوابُ مَذْكُورٌ فَقِيلَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ [البروج: ١٠] . وقالَ المُبَرِّدُ: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج: ١٢] . وقِيلَ: (قُتِلَ) وهَذا نَخْتارُهُ وحُذِفَتِ اللّامُ أيْ: لَقُتِلَ، وحَسُنَ حَذْفُها كَما حَسُنَ في قَوْلِهِ: ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ [الشمس: ١] ثُمَّ قالَ: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ [الشمس: ٩] أيْ: لَقَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها، ويَكُونُ الجَوابُ دَلِيلًا عَلى لَعْنَةِ اللَّهِ عَلى مَن فَعَلَ ذَلِكَ وطَرْدِهِ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، وتَنْبِيهًا لِكُفّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ لِيَفْتِنُوهم عَنْ دِينِهِمْ، عَلى أنَّهم مَلْعُونُونَ بِجامِعِ ما اشْتَرَكا فِيهِ مِن تَعْذِيبِ المُؤْمِنِينَ، وإذا كانَ (قُتِلَ) جَوابًا لِلْقَسَمِ، فَهي جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وقِيلَ: دُعاءٌ، فَكَوْنُ الجَوابِ غَيْرَها. وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ مِقْسَمٍ بِالتَّشْدِيدِ، والجُمْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب