الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ عَلى حَذْفِ اللّامِ مِنهُ لِلطُّولِ، والأصْلُ لِ «قُتِلَ» كَما في قَوْلِهِ: ؎حَلَفْتُ لَها بِاللَّهِ حَلْفَةَ فاجِرٍ لَنامُوا فَما إنْ مِن حَدِيثٍ ولا صالِي وقِيلَ: عَلى حَذْفِ اللّامِ وقَدْ، والأصْلُ: لَقَدْ قُتِلَ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى ما اشْتُهِرَ مِن أنَّ الماضِي المُثْبَتَ المُتَصَرِّفَ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ مَعْمُولَهُ تَلْزَمُهُ اللّامُ وقَدْ، ولا يَجُوزُ الِاقْتِصارُ عَلى أحَدِهِما إلّا عِنْدَ طُولِ الكَلامِ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ إلَخْ، والبَيْتِ المَذْكُورَ، ولا يَجُوزُ تَقْدِيرُ اللّامِ بِدُونِ قَدْ؛ لِأنَّها لا تَدْخُلُ عَلى الماضِي المُجَرَّدِ مِنها، وتَمامُ الكَلامِ في مَحَلِّهِ كَشُرُوحِ التَّسْهِيلِ وغَيْرِها، وأيًّا ما كانَ فالجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ. وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّ الأظْهَرَ أنَّها دِعائِيَّةٌ دالَّةٌ عَلى الجَوابِ كَأنَّهُ قِيلَ: أُقْسِمُ بِهَذِهِ الأشْياءِ أنَّ كَفّارَ قُرَيْشٍ لَمَلْعُونُونَ أحِقّاءُ بِأنْ يُقالَ فِيها: قُتِلُوا كَما هو شَأْنُ أصْحابِ الأُخْدُودِ لِما أنَّ السُّورَةَ ورَدَتْ لِتَثْبِيتِ المُؤْمِنِينَ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الإيمانِ وتَصْبِيرِهِمْ عَلى أذِيَّةِ الكَفَرَةِ وتَذْكِيرِهِمْ بِما جَرى مِمَّنْ تَقَدَّمَهم مِنَ التَّعْذِيبِ لِأهْلِ الإيمانِ وصَبْرِهِمْ عَلى ذَلِكَ حَتّى يَأْنَسُوا بِهِمْ ويَصْبِرُوا عَلى ما كانُوا يَلْقَوْنَ مِن قَوْمِهِمْ ويَعْلَمُوا أنَّهم مِثْلُ أُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ في كَوْنِهِمْ مَلْعُونِينَ مَطْرُودِينَ، فالقَتْلُ هُنا عِبارَةٌ عَنْ أشَدِّ اللَّعْنِ والطَّرْدِ لِاسْتِحالَةِ الدُّعاءِ مِنهُ سُبْحانَهُ حَقِيقَةً، فَأُرِيدَ لازِمُهُ مِنَ السُّخْطِ والطَّرْدِ عَنْ رَحْمَتِهِ جَلَّ وعَلا. وقالَ بَعْضُهُمُ: الأظْهَرُ أنْ يُقَدَّرَ أنَّهم لَمَقْتُولُونَ كَما قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ، فَيَكُونُ وعْدًا لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقَتْلِ الكَفَرَةِ المُتَرَدِّينَ لِإعْلاءِ دِينِهِ، ويَكُونُ مُعْجِزَةً بِقَتْلِ رُؤُوسِهِمْ في غَزْوَةِ بَدْرٍ انْتَهى. وظاهِرُهُ إبْقاءُ القَتْلِ عَلى حَقِيقَتِهِ واعْتِبارُ الجُمْلَةِ خَبَرِيَّةً، وهو كَما تَرى. وحُكِيَ في البَحْرِ أنَّ الجَوابَ مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ: لَتُبْعَثُنَّ ونَحْوَهُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى. والأُخْدُودُ: الخَدُّ وهو الشَّقُّ في الأرْضِ ونَحْوِهِما بِناءً، ومَعْنى الخَقِّ والأُخْقُوقِ. ومِنهُ ما جاءَ في خَبَرِ سُراقَةَ حِينَ (p-88)تَبِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَساخَتْ قَوائِمُهُ؛ أيْ: قَوائِمُ فَرَسِهِ في أخاقِيقِ جُرْذانٍ. أخْرَجَ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم مِن حَدِيثِ صُهَيْبٍ يَرْفَعُهُ: «كانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وكانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كاهِنٌ يَكْهُنُ لَهُ. فَقالَ لَهُ ذَلِكَ الكاهِنُ: انْظُرُوا لِي غُلامًا فَهِمًا فَأُعَلِّمُهُ عِلْمِي هَذا؛ فَإنِّي أخافُ أنْ أمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنكم هَذا العِلْمُ، ولا يَكُونَ فِيكم مَن يَعْلَمُهُ، فَنَظَرُوا لَهُ غُلامًا عَلى ما وصَفَ فَأمَرُوهُ أنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الكاهِنُ وأنْ يَخْتَلِفَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ الغُلامُ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ، وكانَ عَلى طَرِيقِ الغُلامِ راهِبٌ في صَوْمَعَةٍ فَجَعَلَ الغُلامُ يَسْألُ ذَلِكَ الرّاهِبَ كُلَّما مَرَّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أخْبَرَهُ فَقالَ: إنَّما أعْبُدُ اللَّهَ تَعالى. فَجَعَلَ الغُلامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ ويُبْطِئُ عَلى الكاهِنِ، فَأرْسَلَ الكاهِنُ إلى أهْلِ الغُلامِ إنَّهُ لا يَكادُ يَحْضُرُنِي فَأخْبَرَ الغُلامُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ فَقالَ لَهُ الرّاهِبُ: إذا قالَ لَكَ الكاهِنُ: أيْنَ كُنْتَ فَقُلْ: عِنْدَ أهْلِي، وإذا قالَ لَكَ أهْلُكَ: أيْنَ كُنْتَ فَأخْبِرْهم أنَّكَ كُنْتَ عِنْدَ الكاهِنِ، فَبَيْنَما الغُلامُ عَلى ذَلِكَ إذْ مَرَّ بِجَماعَةٍ مِنَ النّاسِ كَثِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهم دابَّةٌ يُقالُ كانَتْ أسَدًا، فَأخَذَ الغُلامُ حَجَرًا فَقالَ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ ما يَقُولُ الرّاهِبُ حَقًّا فَأسْألُكَ أنْ أقْتُلَ هَذِهِ الدّابَّةَ، وإنْ كانَ ما يَقُولُهُ الكاهِنُ حَقًّا فَأسْألُكَ أنْ لا أقْتُلَها، ثُمَّ رَمى فَقَتَلَ الدّابَّةَ، فَقالَ النّاسُ: مَن قَتَلَها؟ فَقالُوا: الغُلامُ. فَفَزِعَ النّاسُ وقالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذا الغُلامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أحَدٌ، فَسَمِعَ أعْمى فَجاءَهُ فَقالَ لَهُ: إنْ أنْتَ رَدَدْتَ بَصَرِي فَلَكَ كَذا وكَذا، فَقالَ الغُلامُ: لا أُرِيدُ مِنكَ هَذا ولَكِنْ أرَأيْتَ إنْ رَجَعَ عَلَيْكَ بَصَرُكَ أتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ؟ قالَ: نَعَمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الأعْمى، فَبَلَغَ المَلِكَ أمْرُهم. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فَأتى بِهِمْ فَقالَ: لَأقْتُلَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنكم قِتْلَةً لا أقْتُلُ بِها صاحِبَهُ، فَأمَرَ بِالرّاهِبِ والرَّجُلِ الَّذِي كانَ أعْمى فَوُضِعَ المِنشارُ عَلى مَفْرِقِ أحَدِهِما فَقَتَلَهُ وقَتْلَ الآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرى، ثُمَّ أمَرَ بِالغُلامِ فَقالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلى جَبَلِ كَذا وكَذا فَألْقُوهُ مِن رَأْسِهِ، فانْطَلَقُوا بِهِ إلى ذَلِكَ الجَبَلِ فَلَمّا انْتَهَوْا بِهِ إلى ذَلِكَ المَكانِ الَّذِي أرادُوا أنْ يُلْقُوهُ مِنهُ جَعَلُوا يَتَهافَتُونَ مِن ذَلِكَ الجَبَلِ ويَتَرَدَّوْنَ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنهم إلّا الغُلامُ، ثُمَّ رَجَعَ الغُلامُ فَأمَرَ بِهِ المَلِكُ أنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلى البَحْرِ فَيُلْقُوهُ فِيهِ فانْطُلِقَ بِهِ إلى البَحْرِ فَفَرَّقَ اللَّهُ تَعالى الَّذِينَ كانُوا مَعَهُ وأنْجاهُ اللَّهُ تَعالى، فَقالَ الغُلامُ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وتَرْمِيَنِي وتَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، فَأمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمَّ رَماهُ وقالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، فَوَضَعَ الغُلامُ يَدَهُ عَلى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمَّ ماتَ. فَقالَ النّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذا الغُلامُ عِلْمًا ما عَلِمَهُ أحَدٌ؛ فَإنّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذا الغُلامِ. فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أجَزِعْتَ إنْ خالَفَكَ ثَلاثَةٌ فَهَذا العالَمُ كُلُّهم قَدْ خالَفُوكَ؛ فَأخَدَ أُخْدُودًا ثُمَّ ألْقى فِيها الحَطَبَ والنّارَ ثُمَّ جَمَعَ النّاسَ فَقالَ: مَن رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْناهُ ومَن لَمْ يَرْجِعْ ألْقَيْناهُ في هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ في تِلْكَ الأُخْدُودِ، فَقالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ - حَتّى بَلَغَ -: ﴿العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ . وفِيهِ: فَأمّا الغُلامُ فَإنَّهُ دُفِنَ ثُمَّ أُخْرِجَ فَيُذْكَرُ أنَّهُ خَرَجَ في زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وإصْبَعُهُ عَلى صُدْغِهِ كَما وضَعَها حِينَ قُتِلَ، وفي بَعْضِ رِواياتِهِ: فَجاءَتِ امْرَأةٌ بِابْنٍ لَها صَغِيرٍ فَكَأنَّها تَقاعَسَتْ أنْ تَقَعَ في النّارِ فَقالَ الصَّبِيُّ: يا أُمَّهُ اصْبِرِي؛ فَإنَّكِ عَلى الحَقِّ». وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ قالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وقَدْ أتاهُ أُسْقُفُ نَجْرانَ فَسَألَهُ عَنْ أصْحابِ الأُخْدُودِ فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: أنا أعْلَمُ بِهِمْ مِنكَ بُعِثَ نَبِيٌّ مِنَ الحَبَشِ إلى قَوْمِهِ ثُمَّ قَرَأ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلا مِن قَبْلِكَ مِنهم مِن قَصَصْنا عَلَيْكَ ومِنهم مِن لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ فَدَعاهم فَتابَعَهُ النّاسُ فَقاتَلَهم فَقُتِلَ أصْحابُهُ وأُخِذَ فَأُوثِقَ فانْفَلَتَ فَأنِسَ إلَيْهِ رِجالٌ فَقاتَلَهم وقُتِلُوا، وأُخِذَ فَأُوثِقَ فَخَدَّدُوا أُخْدُودًا وجَعَلُوا فِيها النِّيرانَ وجَعَلُوا يَعْرِضُونَ النّاسَ؛ فَمَن تَبِعَ النَّبِيَّ رُمِيَ بِهِ فِيها ومَن تابَعَهم تُرِكَ. وجاءَتِ امْرَأةٌ في آخِرِ مَن جاءَ ومَعَها صَبِيٌّ فَجَزِعَتْ فَقالَ الصَّبِيُّ: يا أُمَّهُ اصْبِرِي ولا تُمارِي، فَوَقَعَتْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّهُ قالَ: كانَ المَجُوسُ أهْلَ كِتابٍ، وكانُوا مُتَمَسِّكِينَ (p-89)بِكِتابِهِمْ وكانَتِ الخَمْرَةُ قَدْ أُحِلَّتْ لَهم فَتَناوَلَ مِنها مَلِكٌ مِن مُلُوكِهِمْ فَغَلَبَتْهُ عَلى عَقْلِهِ فَتَناوَلَ أُخْتَهُ أوِ ابْنَتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْها، فَلَمّا ذَهَبَ عَنْهُ السُّكْرُ نَدِمَ وقالَ لَها: ويْحَكِ، ما هَذا الَّذِي أتَيْتُ؟ وما المَخْرَجُ مِنهُ؟ قالَتْ: المَخْرَجُ مِنهُ أنْ تَخْطُبَ النّاسَ فَتَقُولَ: أيُّها النّاسُ، إنَّ اللَّهَ تَعالى أحَلَّ نِكاحَ الأخَواتِ أوِ البَناتِ، فَقالَ النّاسُ جَماعَتُهُمْ: مَعاذَ اللَّهِ تَعالى أنْ نُؤْمِنَ بِهَذا أوْ نُقِرَّ بِهِ أوَجاءَ بِهِ نَبِيٌّ أوْ نَزَلَ عَلَيْنا في كِتابٍ، فَرَجَعَ إلى صاحِبَتِهِ وقالَ: ويْحَكِ، إنَّ النّاسَ قَدْ أبَوْا عَلَيَّ ذَلِكَ، قالَتْ: إنْ أبَوْا عَلَيْكَ فابْسُطْ فِيهِمُ السَّوْطَ فَبَسَطَ فِيهِمُ السَّوْطَ فَأبَوْا أنْ يُقِرُّوا، قالَتْ: فَجَرِّدْ فِيهِمُ السَّيْفَ فَأبَوْا أنْ يُقِرُّوا، قالَتْ: فَخُدَّ لَهُمُ الأُخْدُودَ ثُمَّ أوْقِدْ فِيها النِّيرانَ، فَمَن تابَعَكَ خَلِّ عَنْهُ، فَأخَدَّ لَهم أُخْدُودًا وأوْقَدَ فِيها النِّيرانَ وعَرَضَ أهْلَ مَمْلَكَتِهِ عَلى ذَلِكَ، فَمَن أبى قَذَفَهُ في النّارِ ومَن لَمْ يَأْبَ خَلّى عَنْهُ. وقِيلَ: وقَعَ إلى نَجْرانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ عَلى دِينِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَأجابُوهُ فَسارَ إلَيْهِمْ ذُو نُواسٍ اليَهُودِيُّ بِجُنُودٍ مِن حِمْيَرَ فَخَيَّرَهم بَيْنَ النّارِ واليَهُودِيَّةِ، فَأبَوْا فَأحْرَقَ مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا في الأخادِيدِ، وقِيلَ: سَبْعِينَ ألْفًا، وذُكِرَ أنَّ طُولَ الأُخْدُودِ أرْبَعُونَ ذِراعًا وعَرْضَهُ اثْنا عَشَرَ ذِراعًا، ولِاخْتِلافِ الأخْبارِ في القِصَّةِ اخْتَلَفُوا في مَوْضِعِ الأُخْدُودِ فَقِيلَ: بِنَجْرانَ لِهَذا الخَبَرِ الأخِيرِ، وقِيلَ: بِأرْضِ الحَبَشَةِ لِخَبَرِ ابْنِ نُجَيٍّ السّابِقِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّهُ كانَ بِمِذْراعِ اليَمَنِ؛ أيْ: قُراهُ، وهَذا لا يُنافِي كَوْنَهُ بِنَجْرانَ لِأنَّهُ بَلَدٌ بِاليَمَنِ. وكَذا اخْتَلَفُوا في أصْحابِ الأُخْدُودِ لِذَلِكَ فَحُكِيَ فِيهِ ما يَزِيدُ عَلى عَشَرَةِ أقْوالٍ مِنها أنَّهم حَبَشَةٌ، ومِنها أنَّهم مِنَ النَّبَطِ، ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، ومِنها أنَّهم مِن بَنِي إسْرائِيلَ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأصَحُّ الرِّواياتِ عِنْدِي في القِصَّةِ ما قَدَّمْناهُ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ والجَمْعُ مُمْكِنٌ، فَقَدْ قالَ عِصامُ الدِّينِ: لَعَلَّ جَمِيعَ ما رُوِيَ واقِعٌ، والقُرْآنُ شامِلٌ لَهُ فَلا تَغْفُلْ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ مِقْسَمٍ: «قُتِّلَ» بِالتَّشْدِيدِ، وهو مُبالَغَةٌ في لَعْنِهِمْ لِعِظَمِ ما أتَوْا بِهِ، وقَدْ كانَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلى ما أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَوْفٍ وعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ إذا ذُكِرَ أصْحابُ الأُخْدُودِ تَعَوَّذَ مِن جَهْدِ البَلاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب