الباحث القرآني
(p-٧٠)سُورَةُ البُرُوجِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ قَدْ ذَكَرْنا البُرُوجَ في [الحِجْرِ: ١٦] ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾ هو يَوْمُ القِيامَةِ بِإجْماعِهِمْ ﴿وَشاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾ فِيهِ أرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ قَوْلًا.
(p-٧١)أحَدُها: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، والمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وبِهِ قالَ عَلِيٌّ، وابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، وابْنُ زَيْدٍ. فَعَلى هَذا سُمِّيَ يَوْمُ الجُمُعَةِ شاهِدًا، لِأنَّهُ يَشْهَدُ عَلى كُلِّ عامِلٍ بِما فِيهِ، وسُمِّي يَوْمُ عَرَفَةَ مَشْهُودًا، لِأنَّ النّاسَ يَشْهَدُونَ فِيهِ مَوْسِمَ الحَجِّ، وتَشْهَدُهُ المَلائِكَةُ.
والثّانِي: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ النَّحْرِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ.
والثّالِثُ: أنَّ الشّاهِدَ: اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ الوالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والرّابِعُ: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والخامِسُ: أنَّ الشّاهِدَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ يُوسُفُ بْنُ مِهْرانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ.
والسّادِسُ: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ القِيامَةِ، والمَشْهُودَ: النّاسُ، قالَهُ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
(p-٧٢)والسّابِعُ: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
والثّامِنُ: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ.
والتّاسِعُ: أنَّ الشّاهِدَ: هو اللَّهُ، والمَشْهُودَ: بَنُو آدَمَ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
والعاشِرُ: أنَّ الشّاهِدَ: مُحَمَّدٌ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
والحادِي عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ.
والثّانِي عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: ابْنُ آدَمَ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ القِيامَةِ، رَواهُ لَيْثٌ عَنْ مُجاهِدٍ، وبِهِ قالَ عِكْرِمَةُ.
الثّالِثَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وذُرِّيَّتُهُ، والمَشْهُودَ يَوْمُ القِيامَةِ، قالَهُ عَطاءُ بْنُ يَسارٍ.
والرّابِعَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: الإنْسانُ، والمَشْهُودَ: اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ.
والخامِسَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: يَوْمُ النَّحْرِ، والمَشْهُودَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، قالَهُ إبْراهِيمُ.
والسّادِسَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، والمَشْهُودَ: أُمَّتُهُ، قالَهُ أبُو مالِكٍ. ودَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [المائِدَةُ: ١١٧] .
والسّابِعَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، والمَشْهُودَ: أمَّتُهُ، قالَهُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيى، وبَيانُهُ ﴿وَجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النِّساءُ: ٤١] .
(p-٧٣)الثّامِنَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: هَذِهِ الأُمَّةُ، والمَشْهُودَ: سائِرُ النّاسِ، قالَهُ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ، ودَلِيلُهُ ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ [البَقَرَةُ: ١٤٣] .
والتّاسِعَ عَشَرَ: أنَّ الشّاهِدَ: الحَفَظَةُ، والمَشْهُودَ: بَنُو آدَمَ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ، وحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوُهُ.
والعِشْرُونَ: أنَّ الشّاهِدَ: الحَقُّ، والمَشْهُودَ: الكَوْنُ، قالَهُ الجُنَيْدُ.
والحادِي والعِشْرُونَ: أنَّ الشّاهِدَ: الحَجَرُ الأسْوَدُ، والمَشْهُودَ: الحاجُّ.
والثّانِي والعِشْرُونَ: أنَّ الشّاهِدَ: الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والمَشْهُودَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، وبَيانُهُ ﴿وَإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ. . .﴾ الآيَةُ [آلُ عِمْرانَ: ٨١] .
والثّالِثُ والعِشْرُونَ: أنَّ الشّاهِدَ: اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، والمَلائِكَةُ، وأُولُو العِلْمِ، والمَشْهُودَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وبَيانُهُ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلا هو والمَلائِكَةُ وأُولُو العِلْمِ﴾ [آلُ عِمْرانَ: ١٨]، حَكى هَذِهِ الأقْوالَ الثَّلاثَةَ الثَّعْلَبِيُّ.
والرّابِعُ والعِشْرُونَ: أنَّ الشّاهِدَ: الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، والمَشْهُودَ: الأُمَمُ، حَكاهُ شَيْخُنا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ.
وَفِي جَوابِ القَسَمِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ قالَهُ قَتادَةُ، والزَّجّاجُ.
(p-٧٤)والثّانِي: أنَّهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾، كَما أنَّ القَسَمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ ﴿قَدْ أفْلَحَ﴾، حَكاهُ الفَرّاءُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ مَتْرُوكٌ، وهَذا اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ أيْ: لُعِنُوا. والأُخْدُودُ: شَقٌّ يُشَقُّ في الأرْضِ، والجَمْعُ: أخادِيدُ. وهَؤُلاءِ قَوْمٌ حَفَرُوا حَفائِرَ في الأرْضِ وأوْقَدُوا فِيها النّارَ، وألْقَوْا فِيها مَن لَمْ يَكْفُرْ.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ فِيهِمْ عَلى سِتَّةِ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ مَلَكٌ كانَ لَهُ ساحِرٌ فَبَعَثَ إلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، وكانَ الغُلامُ يَمُرُّ عَلى راهِبٍ، فَأعْجَبَهُ أمْرُهُ، فَتَبِعَهُ، فَعَلِمَ بِهِ المَلِكُ، فَأمَرَهُ أنْ يَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ، فَقالَ: لا أفْعَلُ، فاجْتَهَدَ المَلِكُ في إهْلاكِهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَقالَ الغُلامُ: لَسْتَ بِقاتِلِي حَتّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ بِهِ. اجْمَعِ النّاسَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، واصْلُبْنِي عَلى جِذْعٍ، وارْمِنِي بِسَهْمٍ مِن كِنانَتِي، وقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، فَفَعَلَ، فَماتَ الغُلامُ، فَقالَ النّاسُ: آمَنّا بِرَبِّ الغُلامِ، فَخَدَّ الأخادِيدَ، وأضْرَمَ فِيها النّارَ، وقالَ: مَن لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأقْحِمُوهُ فِيها، فَفَعَلُوا، وهَذا مُخْتَصَرُ الحَدِيثِ، وفِيهِ طُولٌ، وقَدْ ذَكَرْتُهُ في " المُغْنِي " و " الحَدائِقِ " بِطُولِهِ مِن حَدِيثِ صُهَيْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
والثّانِي: أنَّ مَلِكًا مِنَ المُلُوكِ سَكِرَ، فَوَقَعَ عَلى أُخْتِهِ، فَلَمّا أفاقَ قالَ لَها: (p-٧٥)وَيْحَكِ: كَيْفَ المَخْرَجُ؟ فَقالَتْ لَهُ: اجْمَعْ أهْلَ مَمْلَكَتِكَ فَأخْبِرْهم أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قَدْ أحَلَّ نِكاحَ الأخَواتِ، فَإذا ذَهَبَ هَذا في النّاسِ وتَناسَوْهُ، خَطَبْتَهم فَحَرَّمْتَهُ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَأبَوْا أنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنهُ، فَبَسَطَ فِيهِمُ السَّوْطَ، ثُمَّ جَرَّدَ السَّيْفَ، فَأبَوْا، فَخَدَّ لَهم أُخْدُودًا، وأوْقَدَ فِيهِ النّارَ، وقَذَفَ مَن أبى قَبُولَ ذَلِكَ، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ.
والثّالِثُ: أنَّهم ناسٌ اقْتَتَلَ مُؤْمِنُوهم وكُفّارُهُمْ، فَظَهَرَ المُؤْمِنُونَ، ثُمَّ تَعاهَدُوا أنْ لا يَغْدِرَ بَعْضُهم بِبَعْضٍ، فَغَدَرَ كُفّارُهُمْ، فَأخَذُوهُمْ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ: أوْقِدُوا نارًا، واعْرِضُوا عَلَيْها، فَمَن تابَعَكم عَلى دِينِكُمْ، فَذاكَ الَّذِي تُحِبُّونَ، ومَن لَمْ يَتْبَعْكم أُقْحِمَ النّارَ فاسْتَرَحْتُمْ مِنهُ، فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ المُسْلِمُونَ يَقْتَحِمُونَها، ذَكَرَهُ قَتادَةُ.
والرّابِعُ: أنَّ قَوْمًا مِنَ المُؤْمِنِينَ اعْتَزَلُوا النّاسَ في الفَتْرَةِ، فَأُرْسِلَ إلَيْهِمْ جَبّارٌ مِن عَبَدَةِ الأوْثانِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الدُّخُولَ في دِينِهِ فَأبَوْا، فَخَدَّ لَهم أُخْدُودًا، وألْقاهم فِيهِ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ.
والخامِسُ: أنَّ جَماعَةً آمَنُوا مِن قَوْمِ يُوسُفَ بْنِ ذِي نُواسٍ بَعْدَما رُفِعَ عِيسى، فَخَدَّ لَهم أُخْدُودًا، وأوْقَدَ فِيهِ النّارَ، فَأحْرَقَهم كُلَّهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ وهُمْ: يُوسُفُ بْنُ ذِي نُواسٍ وأصْحابُهُ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
والسّادِسُ: أنَّهم قَوْمٌ كانُوا يَعْبُدُونَ صَنَمًا، ومَعَهم قَوْمٌ يَكْتُمُونَ إيمانَهُمْ، (p-٧٦)فَعَلِمُوا بِهِمْ، فَخَدُّوا لَهم أُخْدُودًا، وقَذَفُوهم فِيهِ، حَكاهُ الزَّجّاجُ.
واخْتَلَفُوا في الَّذِينَ أُحْرِقُوا عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهم كانُوا مِنَ الحَبَشَةِ، قالَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ.
والثّانِي: مِن بَنِي إسْرائِيلَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: مِن أهْلِ اليَمَنِ، قالَهُ الحَسَنُ. وقالَ الضَّحّاكُ: كانُوا مِن نَصارى اليَمَنِ، وذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأرْبَعِينَ سَنَةً.
والرّابِعُ: مِن أهْلِ نَجْرانَ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والخامِسُ: مِنَ النَّبَطِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
وَفِي عَدَدِهِمْ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: اثْنا عَشَرَ ألْفًا، قالَهُ وهْبٌ.
والثّانِي: سَبْعُونَ ألْفًا، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ.
(p-٧٧)والثّالِثُ: ثَمانُونَ رَجُلًا، وتِسْعَةُ نِسْوَةٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ هَذا بَدَلٌ مِنَ " الأُخْدُودِ " كَأنَّهُ قالَ: قُتِلَ أصْحابُ النّارِ. و " الوَقُودُ " مُفَسَّرٌ في [البَقَرَةِ: ٢٤] . وقَرَأ أبُو رَزِينٍ العُقَيْلِيُّ، وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وأبُو العالِيَةِ، وابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " الوُقُودِ " بِضَمِّ الواوِ ﴿إذْ هم عَلَيْها قُعُودٌ﴾ أيْ: عِنْدَ النّارِ. وكانَ المَلِكُ وأصْحابُهُ جُلُوسًا عَلى الكَراسِيِّ عِنْدَ الأُخْدُودِ يَعْرِضُونَ المُؤْمِنِينَ عَلى الكُفْرِ، فَمَن أبى ألْقَوْهُ ﴿وَهم عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ أيْ: حُضُورٌ، فَأخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في هَذِهِ الآياتِ بِقِصَّةِ قَوْمٍ بَلَغَ مِن إيمانِهِمْ ويَقِينِهِمْ أنْ صَبَرُوا عَلى التَّحْرِيقِ بِالنّارِ، ولَمْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما نَقَمُوا مِنهُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ " نَقِمُوا " بِكَسْرِ القافِ. قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: ما أنْكَرُوا عَلَيْهِمْ إيمانُهم. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى " نَقَمُوا " في [المائِدَةِ: ٥٩] و [بَراءَةٍ: ٧٤] وشَرَحْنا مَعْنى ﴿العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ في [البَقَرَةِ: ١٢٩، ٢٦٧] .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أيْ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ ما صَنَعُوا، فَهو شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ بِما فَعَلُوا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ أيْ: أحْرَقُوهُمْ، وعَذَّبُوهم. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذّارِياتُ: ١٣] ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ مِن شِرْكِهِمْ وفِعْلِهِمْ ذَلِكَ بِالمُؤْمِنِينَ ﴿فَلَهم عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ بِكَفْرِهِمْ ﴿وَلَهم عَذابُ الحَرِيقِ﴾ بِما أحْرَقُوا المُؤْمِنِينَ، وكِلا العَذابَيْنِ في جَهَنَّمَ عِنْدَ الأكْثَرِينَ. وذَهَبَ الرَّبِيعُ بْنُ (p-٧٨)أنَسٍ في جَماعَةٍ إلى أنَّ النّارَ ارْتَفَعَتْ إلى المَلِكِ وأصْحابِهِ فَأحْرَقَتْهُمْ، فَذَلِكَ عَذابُ الحَرِيقِ في الدُّنْيا. قالَ الرَّبِيعُ: وقَبَضَ اللَّهُ أرْواحَ المُؤْمِنِينَ قَبْلَ أنْ تَمَسَّهُمُ النّارُ. وحَكى الفَرّاءُ أنَّ المُؤْمِنِينَ نَجَوْا مِنَ النّارِ، وأنَّها ارْتَفَعَتْ فَأحْرَقَتِ الكَفَرَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ﴾ لِأنَّهم فازُوا بِالجَنَّةِ. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: فازُوا مِن عَذابِ الكُفّارِ، وعَذابِ الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ أخْذَهُ بِالعَذابِ إذا أخَذَ الظَّلَمَةَ والجَبابِرَةَ لَشَدِيدٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ هو يُبْدِئُ ويُعِيدُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يُبْدِئُ الخَلْقَ ويُعِيدُهُمْ، قالَهُ الجُمْهُورُ.
والثّانِي: يُبْدِئُ العَذابَ في الدُّنْيا عَلى الكُفّارِ ثُمَّ يُعِيدُهُ عَلَيْهِمْ في الآخِرَةِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَدْ شَرَحْنا في [هُودٍ: ٩٠] مَعْنى " الوَدُودِ " .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ﴾ وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ " المَجِيدِ " بِالخَفْضِ، وقَرَأ غَيْرُهم بِالرَّفْعِ، فَمَن رَفَعَ " المَجِيدُ " جَعَلَهُ مِن صِفاتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ومَن كَسَرَ جَعَلَهُ مِن صِفَةِ العَرْشِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ﴾ أيْ: قَدْ أتاكَ حَدِيثُ ﴿الجُنُودِ﴾ وهُمُ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلى أوْلِياءِ اللَّهِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَن هُمْ، فَقالَ تَعالى: ﴿فِرْعَوْنَ وثَمُودَ﴾ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ لَكَ والقُرْآنِ، أيْ: لَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَن كانَ قَبْلَهم ﴿واللَّهُ مِن ورائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أعْمالِهِمْ ﴿بَلْ هو (p-٧٩)قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أيْ: كَرِيمٌ، لِأنَّهُ كَلامُ اللَّهِ، ولَيْسَ كَما يَقُولُونَ بِشِعْرٍ، ولا كِهانَةٍ، ولا سِحْرٍ. وقَرَأ أبُو العالِيَةِ، وأبُو الجَوْزاءِ، وأبُو عِمْرانَ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وبِخَفْضِ " مَجِيدِ " ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، مِنهُ نُسِخَ القُرْآنُ وسائِرُ الكُتُبِ، فَهو مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ، مَحْرُوسٌ بِهِ مِنَ الشَّياطِينِ، ومِنَ الزِّيادَةِ فِيهِ والنُّقْصانِ مِنهُ. وقَرَأ نافِعٌ " مَحْفُوظٌ " رَفَعًا عَلى نَعْتِ القُرْآنِ. فالمَعْنى: أنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنَ التَّحْرِيفِ والتَّبْدِيلِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ","وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ","وَشَاهِدࣲ وَمَشۡهُودࣲ","قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ","ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ","إِذۡ هُمۡ عَلَیۡهَا قُعُودࣱ","وَهُمۡ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ شُهُودࣱ","وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ","ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ فَتَنُوا۟ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمۡ یَتُوبُوا۟ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِیقِ","إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِیرُ","إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ","إِنَّهُۥ هُوَ یُبۡدِئُ وَیُعِیدُ","وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ","ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِیدُ","فَعَّالࣱ لِّمَا یُرِیدُ","هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ ٱلۡجُنُودِ","فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی تَكۡذِیبࣲ","وَٱللَّهُ مِن وَرَاۤىِٕهِم مُّحِیطُۢ","بَلۡ هُوَ قُرۡءَانࣱ مَّجِیدࣱ","فِی لَوۡحࣲ مَّحۡفُوظِۭ"],"ayah":"قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق