الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ الآياتُ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَجِّيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: كانَ نَبِيُّ أصْحابِ الأُخْدُودِ حَبَشِيًّا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ الحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ قالَ: هُمُ الحَبَشَةُ. (p-٣٣٤)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ قالَ: كانُوا مِنَ النَّبَطِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ قالَ: هم ناسٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ خَدُّوا أُخْدُودًا في الأرْضِ ثُمَّ أوْقَدُوا فِيهِ نارًا ثُمَّ أقامُوا عَلى ذَلِكَ الأُخْدُودِ رِجالًا ونِساءً فَعُرِضُوا عَلَيْها. وأخْرَجَ الفَرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: الأُخْدُودُ شَقٌّ بِنَجْرانَ كانُوا يُعَذِّبُونَ النّاسَ فِيهِ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ قالَ: كانَتِ الأُخْدُودُ زَمانَ تُبَّعٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ قالَ: هم قَوْمٌ خَدُّوا أُخْدُودًا في الأرْضِ ثُمَّ أوْقَدُوا فِيهِ نارًا ثُمَّ جاؤُوا بِأهْلِ الإسْلامِ فَقالُوا: اكْفُرُوا بِاللَّهِ واتَّبِعُوا دِينَنا وإلّا ألْقَيْناكم في هَذِهِ النّارِ فاخْتارُوا النّارَ عَلى الكُفْرِ فَأُلْقُوا فِيها. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ قالَ: حُدِّثْنا أنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ كانَ يَقُولُ: هم أُناسٌ بِمَذارِعِ (p-٣٣٥)اليَمَنِ اقْتَتَلَ مُؤْمِنُوهم وكُفّارُهم فَظَهَرَ مُؤْمِنُوهم عَلى كُفّارِهِمْ ثُمَّ أخَذَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ عُهُودًا ومَواثِيقَ لا يَغْدِرُ بَعْضُهم بِبَعْضٍ فَغَدَرَ بِهِمُ الكَفّارُ فَأخَذُوهم ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنَ المُؤْمِنِينَ قالَ: هَلْ لَكَمَ إلى خَيْرٍ تُوقِدُونَ نارًا ثُمَّ تُعْرِضُونَنا عَلَيْها فَمَن تابَعَكم عَلى دِينِكم فَذَلِكَ الَّذِي تَشْتَهُونَ ومَن لا اَقْتَحَمَ فاسْتَرَحْتُمْ مِنهُ فَأجَّجُوا لَهم نارًا وعَرَضُوهم عَلَيْها فَجَعَلُوا يَقْتَحِمُونَها حَتّى بَقِيَتْ عَجُوزٌ فَكَأنَّها تَلَكَّأتْ فَقالَ طِفْلٌ في حِجْرِها: امْضِي ولا تُنافِقِي فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْكم نَبَأهم وحَدِيثَهم فَقالَ: ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ ﴿إذْ هم عَلَيْها قُعُودٌ﴾ قالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ المُؤْمِنِينَ ﴿وهم عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ الكُفّارِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ قالَ: حُرِقُوا. وأخْرَجَ الفَرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ قالَ: عَذَّبُوا. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: كانَ بَعْضُ الجَبابِرَةِ خَدَّ أُخْدُودًا في (p-٣٣٦)الأرْضِ وجَعَلَ فِيها النِّيرانَ وعَرَضَ المُؤْمِنِينَ عَلى ذَلِكَ فَمَن تابَعَهُ عَلى كُفْرِهِ خَلّى عَنْهُ ومَن أبى ألْقاهُ في تِلْكَ النّارِ فَجَعَلَ يُلْقِي حَتّى أتى عَلى امْرَأةٍ ومَعَها بُنَيٌّ لَها صَغِيرٌ وكَأنَّها اتَّقَتِ النّارَ فَكَلَّمَها الصَّبِيُّ فَقالَ: يا أُمَّهْ قَعِي ولا تُنافِقِي فَأُلْقِيَتْ في النّارِ واللَّهِ ما كانَتْ إلّا نُقْطَةً مِن نارٍ حَتّى أفْضَوْا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى، قالَ: الحَسَنُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَما ذُكِرَتْ أصْحابُ الأُخْدُودِ إلّا تَعَوَّذْتُ بِاللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ قالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وأتاهُ أُسْقُفُ نَجْرانَ فَسَألَهُ عَنْ أصْحابِ الأُخْدُودِ فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ فَقالَ عَلِيٌّ: أنا أعْلَمُ بِهِمْ مِنكَ بُعِثَ نَبِيٌّ مِنَ الحَبَشَةِ إلى قَوْمِهِ ثُمَّ قَرَأ عَلِيٌّ ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلا مِن قَبْلِكَ مِنهم مَن قَصَصْنا عَلَيْكَ ومِنهم مَن لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: ٧٨] فَدَعاهم فَتابَعَهُ النّاسُ فَقاتَلَهم فَقَتَلَ أصْحابَهُ وأخَذَ فَأوْثَقَ فانْفَلَتَ فَأنِسَ إلَيْهِ رِجالٌ يَقُولُ: اجْتَمَعَ إلَيْهِ رِجالٌ فَقاتَلَهم فَقُتِلُوا وأخَذَ فَأوْثَقَ فَخَدُّوا أُخْدُودًا في الأرْضِ وجَعَلُوا فِيهِ النِّيرانَ فَجَعَلُوا يَعْرِضُونَ النّاسَ فَمَن (p-٣٣٧)تَبِعَ النَّبِيَّ رُمِيَ بِهِ فِيها ومَن تابَعَهم تُرِكَ وجاءَتِ امْرَأةٌ في آخِرِ مَن جاءَ مَعَها صَبِيٌّ لَها فَجَزِعَتْ فَقالَ الصَّبِيُّ: يا أُمَّهِ اطْمِرِي ولا تُمارِي فَوَقَعَتْ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قالَ: ذَكَرُوا أصْحابَ الأُخْدُودِ عِنْدَ عَلِيٍّ فَقالَ: أمّا إنَّ فِيكم مِثْلَهم فَلا تَكُونَنَّ أعْجَزَ مِن قَوْمٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: كانَ المَجُوسُ أهْلُ كِتابٍ وكانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِكِتابِهِمْ وكانَتِ الخَمْرُ قَدْ أُحِلَّتْ لَهم فَتَناوَلَ مِنها مَلَكٌ مِن مُلُوكِهِمْ فَغَلَبَتْهُ عَلى عَقْلِهِ فَتَناوَلَ أُخْتَهُ أوِ ابْنَتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْها فَلَمّا ذَهَبَ عَنْهُ السُّكْرُ نَدِمَ وقالَ لَها: ويَحَكِ ما هَذا الَّذِي أتَيْتُ وما المَخْرَجُ مِنهُ قالَتِ: المَخْرَجُ مِنهُ أنْ تَخْطُبَ النّاسَ فَتَقُولُ يَأيُّها النّاسُ إنَّ اللَّهَ أحَلَّ لَكم نِكاحَ الأخَواتِ أوِ البَناتِ فَإذا ذَهَبَ ذا في النّاسِ وتَناسَوْهُ خَطَبْتَهم فَحَرَّمْتَهُ فَقامَ خَطِيبًا فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ إنَّ اللَّهَ أحَلَّ لَكم نِكاحَ الأخَواتِ أوِ البَناتِ فَقالَ النّاسُ جَماعَتُهم: مَعاذَ اللَّهِ أنْ نُؤْمِنَ بِهَذا أوْ نُقِرَّ بِهِ أوْ جاءَنا بِهِ نَبِيٌّ أوْ نَزَلَ عَلَيْنا في كِتابٍ فَرَجَعَ إلى صاحِبَتِهِ فَقالَ: ويَحَكِ إنَّ النّاسَ قَدْ أبَوْا عَلَيَّ ذَلِكَ، قالَتْ: إنْ أبَوْا عَلَيْكَ ذَلِكَ فابْسُطْ فِيهِمُ السَّوْطَ فَبَسَطَ فِيهِمِ السَّوْطَ فَأبى النّاسُ أنْ يُقِرُّوا فَرَجَعَ إلَيْها فَقالَ: قَدْ بَسَطْتُ فِيهِمُ السَّوْطَ فَأبَوْا أنْ يُقِرُّوا، قالَتْ: فَجَرِّدْ فِيهِمُ السَّيْفَ فَجَرَّدَ فِيهِمُ السَّيْفَ فَأبَوْا أنْ يُقِرُّوا، قالَتْ: خُدَّ (p-٣٣٨)لَهُمُ الأُخْدُودَ ثُمَّ أوْقِدْ فِيهِ النِّيرانَ فَمَن تابَعَكَ فَخَلِّ عَنْهُ، فَخَدَّ لَهم أُخْدُودًا وأوْقَدَ فِيهِ النِّيرانَ وعَرَضَ أهْلَ مَمْلَكَتِهِ عَلى ذَلِكَ فَمَن أبى قَذَفَهُ في النّارِ ومَن لَمْ يَأْبَ خَلّى عَنْهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَهم عَذابُ الحَرِيقِ﴾ . أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَوْفٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا ذَكَرَ أصْحابُ الأُخْدُودِ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ والطَّبَرانِيُّ عَنْ صُهَيْبٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا صَلّى العَصْرَ هَمَسَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّكَ يا رَسُولَ اللهِ إذا صَلَّيْتَ العَصْرَ هَمَسْتَ فَقالَ: إنَّ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِياءِ كانَ أعْجَبُ بِأُمَّتِهِ فَقالَ: مَن يَقُومُ لِهَؤُلاءِ فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أنْ خَيِّرْهم بَيْنَ أنْ أنْتَقِمَ مِنهم وبَيْنَ أنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهم فاخْتارُوا النِّقْمَةَ فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ المَوْتَ فَماتَ مِنهم في يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفًا» قالَ: وكانَ إذا حَدَّثَ بِهَذا الحَدِيثِ الآخَرِ «كانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وكانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ فَقالَ لَهُ ذَلِكَ الكاهِنُ: انْظُرُوا لِي غُلامًا فَهِمًا أوْ قالَ: فَطِنًا لِقِنًا فَأُعَلِّمُهُ عِلْمِي هَذا فَإنِّي أخافُ أنْ أمُوتَ فَيَنْقَطِعُ مِنكم هَذا العِلْمُ ولا يَكُونُ فِيكم مَن يَعْلَمُهُ قالَ: فَنَظَرُوا لَهُ عَلى ما وصَفَ فَأمَرُوهُ أنْ (p-٣٣٩)يَحْضُرَ ذَلِكَ الكاهِنَ وأنْ يَخْتَلِفَ إلَيْهِ فَجَعَلَ الغُلامُ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وكانَ عَلى طَرِيقِ الغُلامِ راهِبٌ في صَوْمَعَةٍ فَجَعَلَ الغُلامُ يَسْألُ ذَلِكَ الرّاهِبَ كُلَّما مَرَّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أخْبَرَهُ فَقالَ: إنَّما أعْبُدُ اللَّهَ فَجَعَلَ الغُلامَ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ ويُبْطِئُ عَلى الكاهِنِ فَأرْسَلَ الكاهِنُ إلى أهْلِ الغُلامِ إنَّهُ لا يَكادُ يَحْضُرُنِي فَأخْبَرَ الغُلامُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ فَقالَ لَهُ الرّاهِبُ: إذا قالَ لَكَ: أيْنَ كُنْتَ فَقُلْ: عِنْدَ أهْلِي وإذا قالَ لَكَ أهْلُكَ أيْنَ كُنْتَ فَأخْبِرْهم أنَّكَ كُنْتَ عِنْدَ الكاهِنِ، فَبَيْنَما الغُلامُ عَلى ذَلِكَ إذْ مَرَّ بِجَماعَةٍ مِنَ النّاسِ كَثِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهم دابَّةٌ يُقالُ كانَتْ أسَدًا فَأخَذَ الغُلامُ حَجَرًا فَقالَ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ ما يَقُولُ الرّاهِبُ حَقًّا فَأسْألُكَ أنْ أقْتُلَ هَذِهِ الدّابَّةَ وإنْ كانَ ما يَقُولُ الكاهِنُ حَقًّا فَأسْألُكَ ألّا أقْتُلُها ثُمَّ رَمى فَقَتَلَ الدّابَّةَ فَقالَ النّاسُ: مَن قَتَلَها فَقالُوا: الغُلامُ، فَفَزِعَ النّاسُ وقالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذا الغُلامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أحَدٌ فَسَمِعَ أعْمى فَجاءَهُ فَقالَ لَهُ: إنْ أنْتَ رَدَدْتَ بَصَرِي فَلَكَ كَذا وكَذا فَقالَ الغُلامُ: لا أُرِيدُ مِنكَ هَذا ولَكِنْ أرَأيْتَ إنْ رَجَعَ عَلَيْكَ بَصَرُكَ أتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ قالَ: نَعَمْ فَدَعا اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الأعْمى فَبَلَغَ المَلِكَ أمْرُهم فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فَأتى بِهِمْ فَقالَ: لِأقْتُلَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنكم قَتْلَةً لا أقْتُلُ بِها صاحِبَهُ فَأمَرَ بِالرّاهِبِ والرَّجُلِ الَّذِي كانَ أعْمى فَوَضَعَ المِنشارَ عَلى مَفْرِقِ أحَدِهِما فَقَتَلَهُ وقَتَلَ الآخَرَ بِقَتْلَةٍ (p-٣٤٠)أُخْرى ثُمَّ أمَرَ بِالغُلامِ فَقالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلى جَبَلِ كَذا وكَذا فَألْقُوهُ مِن رَأْسِهِ، فانْطَلَقُوا بِهِ إلى ذَلِكَ الجَبَلِ فَلَمّا انْتَهَوْا بِهِ إلى ذَلِكَ المَكانِ الَّذِي أرادُوا أنْ يُلْقُوهُ مِنهُ جَعَلُوا يَتَهافَتُونَ مِن ذَلِكَ الجَبَلِ ويَتَرَدَّوْنَ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنهم إلا الغُلامُ ثُمَّ رَجَعَ الغُلامُ فَأمَرَ بِهِ المَلِكُ أنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلى البَحْرِ فَيُلْقُوهُ فِيهِ فانْطَلَقَ بِهِ إلى البَحْرِ فَغَرَّقَ اللَّهُ الَّذِينَ كانُوا مَعَهُ وأنْجاهُ اللَّهُ، فَقالَ الغُلامُ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلِبَنِي وتَرْمِيَنِي وتَقُولَ إذا رَمَيْتَنِي: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ فَأمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمَّ رَماهُ وقالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ فَوَضَعَ الغُلامُ يَدَهُ عَلى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمَّ ماتَ، فَقالَ النّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذا الغُلامُ عِلْمًا ما عَلِمَهُ أحَدٌ فَإنّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذا الغُلامِ فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أجَزِعْتَ أنْ خالَفَكَ ثَلاثَةٌ فَهَذا العالَمُ كُلُّهم قَدْ خالَفُوكَ قالَ: فَخَدَّ أُخْدُودًا ثُمَّ ألْقى فِيها الحَطَبَ والنّارَ ثُمَّ جَمَعَ النّاسَ فَقالَ: مَن رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْناهُ ومَن لَمْ يَرْجِعْ ألْقَيْناهُ في هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ في تِلْكَ الأُخْدُودِ فَقالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿قُتِلَ أصْحابُ الأُخْدُودِ﴾ ﴿النّارِ ذاتِ الوَقُودِ﴾ حَتّى بَلَغَ ﴿العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ فَأمّا الغُلامُ فَإنَّهُ دُفِنَ ثُمَّ أُخْرِجَ فَيُذْكَرُ أنَّهُ أُخْرِجَ في زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وإصْبَعُهُ عَلى صُدْغِهِ كَما وضَعَها حِينَ قُتِلَ» . (p-٣٤١)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وابْنُ مَرْدُويَهَ عَنْ صُهَيْبٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «كانَ مَلِكٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكم وكانَ لَهُ ساحِرٌ فَلَمّا كَبُرَ السّاحِرُ قالَ لِلْمَلِكِ: إنِّي قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وحَضَرَ أجَلِي فادْفَعْ إلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، فَدُفِعَ إلَيْهِ غُلامًا فَكانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، وكانَ بَيْنَ السّاحِرِ وبَيْنَ المَلِكِ راهِبٌ فَأتى الغُلامُ عَلى الرّاهِبِ فَسَمِعَ مِن كَلامِهِ فَأعْجَبَهُ نَحْوَهُ وكَلامُهُ فَكانَ إذا أتى عَلى السّاحِرِ ضَرَبَهُ وقالَ: ما حَبَسَكَ فَإذا أتى أهْلَهُ جَلَسَ عِنْدَ الرّاهِبِ فَيُبْطِئُ فَإذا أتى أهْلَهُ ضَرَبُوهُ وقالُوا: ما حَبَسَكَ؟ فَشَكا ذَلِكَ إلى الرّاهِبِ فَقالَ: إذا أرادَ السّاحِرُ أنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أهْلِي وإذا أرادَ أهْلُكَ أنْ يَضْرِبُوكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السّاحِرُ، فَبَيْنَما هو كَذَلِكَ إذْ أتى ذاتَ يَوْمٍ عَلى دابَّةٍ فَظِيعَةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النّاسَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ أنْ يُجَوِّزُوا فَقالَ الغُلامُ: اليَوْمَ أعْلَمُ أمْرَ الرّاهِبِ أحَبُّ إلى اللَّهِ أمْ أمْرُ السّاحِرِ، فَأخَذَ حَجَرًا فَقالَ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ أمْرُ الرّاهِبِ أحَبُّ إلَيْكَ وأرْضى لَكَ مِن أمْرِ السّاحِرِ فاقْتُلْ هَذِهِ الدّابَّةَ حَتّى يَجُوزَ النّاسُ، فَرَماها فَقَتَلَها ومَضى النّاسُ فَأخْبَرَ الرّاهِبَ بِذَلِكَ فَقالَ: أيْ بُنَيَّ أنْتَ أفْضَلُ مِنِّي وإنَّكَ سَتُبْتَلى فَإنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وكانَ الغُلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وسائِرَ الأدْواءِ ويَشْفِيهِمْ وكانَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ فَعَمِيَ فَسَمِعَ بِهِ فَأتاهُ بِهَدايا كَثِيرَةٍ فَقالَ لَهُ: اشْفِنِي ولَكَ ما هَهُنا أجْمَعُ فَقالَ: ما أُشْفِي أنا أحَدًا إنَّما يَشْفِي اللَّهُ فَإنْ آمَنتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفاكَ فَآمَنَ فَدَعا لَهُ فَشَفاهُ، ثُمَّ أتى المَلِكَ فَجَلَسَ مِنهُ نَحْوَ ما كانَ يَجْلِسُ فَقالَ لَهُ المَلِكُ: يا فُلانُ مَن رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قالَ: رَبِّي قالَ: أنا؟، قالَ: لا، قالَ: أوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قالَ: نَعَمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ (p-٣٤٢)يُعَذِّبُهُ حَتّى دَلَّ عَلى الغُلامِ فَبَعَثَ إلَيْهِ المَلِكُ فَقالَ: أيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِن سِحْرِكَ أنْ تُبْرِئَ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وهَذِهِ الأدْواءَ قالَ: ما أُشْفِي أنا أحَدًا ما يُشْفِي غَيْرُ اللَّهِ، قالَ: أنا؟ قالَ: لا، قالَ: وإنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِي قالَ: نَعَمْ رَبِّي ورَبُّكَ اللَّهُ، فَأخَذَهُ أيْضًا بِالعَذابِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى دَلَّ عَلى الرّاهِبِ، فَأُتِيَ بِالرّاهِبِ فَقالَ لَهُ: اِرْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأبى فَوَضَعَ المِنشارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتّى وقَعَ شِقّاهُ إلى الأرْضِ وقالَ لِلْأعْمى: اِرْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأبى فَوَضَعَ المِنشارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتّى وقَعَ شِقّاهُ إلى الأرْضِ وقالَ لِلْغُلامِ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأبى فَبُعِثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ إلى جَبَلِ كَذا وكَذا وقالَ: إذا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وإلّا فَدَهْدَهُوهُ مِن فَوْقِهِ، فَذَهَبُوا بِهِ فَلَمّا عَلَوْا بِهِ الجَبَلَ قالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِما شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الجَبَلُ فَتَدَهْدَهُوا أجْمَعِينَ، وجاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلى المَلِكِ فَقالَ: ما فَعَلَ أصْحابُكَ قالَ: كَفانِيهِمُ اللَّهُ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ في قُرْقُورٍ فَقالَ: إذا لَجَجْتُمْ بِهِ البَحْرَ فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وإلّا فَغَرِّقُوهُ، فَلَجَّجُوا بِهِ البَحْرَ فَقالَ الغُلامُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِما شِئْتَ، فَغَرِقُوا أجْمَعِينَ، وجاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلى المَلِكِ، فَقالَ: ما فَعَلَ أصْحابُكَ قالَ: (p-٣٤٣)كَفانِيهِمُ اللَّهُ، ثُمَّ قالَ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بِقاتِلِي حَتّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ بِهِ فَإنْ أنْتَ فَعَلْتَ ما آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي وإلّا فَإنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلِي، قالَ: وما هو قالَ: تَجْمَعُ النّاسَ في صَعِيدٍ ثُمَّ تَصْلِبُنِي عَلى جِذْعٍ وتَأْخُذُ سَهْمًا مِن كِنانَتِي ثُمَّ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ فَإنَّكَ إذا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلَتْنِي، فَفَعَلَ ووَضَعَ السَّهْمَ في كَبَدٍ القَوْسِ ثُمَّ رَماهُ وقالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ الغُلامُ يَدَهُ عَلى مَوْضِعِ السَّهْمِ وماتَ، فَقالَ النّاسُ: آمَنّا بِرَبِّ الغُلامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أرَأيْتَ ما كُنْتَ تَحْذُرُ فَقَدَ واللَّهِ نَزَلَ بِكَ هَذا مِنَ النّاسِ كُلِّهِمْ، فَأمَرَ بِأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ فِيها الأُخْدُودُ وأُضْرِمَتْ فِيها النِّيرانُ وقالَ: مَن رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعَوْهُ وإلّا فاقْحِمُوهُ فِيها، فَكانُوا يَتَقارَعُونَ فِيها ويَتَدافَعُونَ فَجاءَتِ امْرَأةٌ بِابْنٍ لَها صَغِيرٍ فَكَأنَّها تَقاعَسَتْ أنْ تَقَعَ في النّارِ فَقالَ الصَّبِيُّ: يا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإنَّكَ عَلى الحَقِّ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب