* اللغة:
(الْقَيُّومُ) فيعول: من قام بالأمر إذا دبّره أحسن تدبير، وأصله «قيووم» اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فيها فصار «قيوما» . قال أميّة ابن أبي الصلت:
لم تخلق السماء والنجوم ... والشمس معها قمر يعوم
قدّره المهيمن القيوم ... والحشر والجنة والجحيم
إلّا لأمر شأنه عظيم (السنة) بكسر السين: ما يتقدم النوم من الفتور والاسترخاء مع بقاء الشعور. وهو المسمى بالنعاس، قال عدي بن الرقاع وأبدع:
وسنان أقصده النعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم
فلذلك نفى النوم لأنه سلب للحواس وأثبت السّنة في البيت.
(الكرسي) معروف. والياء ليست للنسبة ولو كانت للنسبة لخرج إلى حيز الصفة وأصله من تركب الشيء بعضه على بعض ومنه الكرّاسة. سميت بذلك لتركب بعض أوراقها على بعض.
وفي العرف الدارج ما يجلس عليه. وتكرس فلان الحطب وغيره إذا جمعه. وكرّس البناء إذا أسسه.
(يَؤُدُهُ) يثقله ويشق عليه.
* الإعراب:
(اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) كلام مستأنف فخم مسوق لجمع أحكام الألوهية وصفات الإله الثبوتية والسلبية. والله مبتدأ ولا نافية للجنس وإله اسمها المبني على الفتح وإلا أداة حصر و «هو» بدل من محل لا واسمها. وقد تقدم إعراب الشهادة مفصلا. والجملة الاسمية «لا إله إلا هو» خبر الله والحي خبر ثان والقيوم خبر ثالث.
ولك أن تعربهما صفتين لله (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) الجملة خبر رابع للمبتدأ ولا نافية وتأخذه فعل مضارع ومفعول به وسنة فاعل تأخذه ولا نوم عطف على سنة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) الجملة خبر خامس وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وما اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر وفي السموات الجار والمجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول، وما في الأرض: معطوف على ما في السموات (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على المشركين الذين زعموا أن الأصنام تشفع لهم.
ومن اسم استفهام معناه النفي في محل رفع مبتدأ وذا اسم إشارة في محل رفع خبر «من» . والذي اسم موصول بدل أو «من ذا» كلها اسم استفهام مبتدأ «والذي» هو الخبر. واعلم أن «ذا» الواقعة بعد «ما» الاستفهامية يجوز جعلها اسم موصول اتفاقا، وأما الواقعة بعد «ما» الاستفهامية يجوز جعلها اسم موصول اتفاقا، وأما الواقعة بعد «ما» الاستفهامية يجوز يجعلها اسم موصول اتفاقا، وأما الواقعة بعد «من» فالأكثر أنها اسم إشارة. ويشفع فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو، والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول (عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الظرف متعلق بيشفع أو بمحذوف حال من الضمير في يشفع، وإلا أداة حصر وبإذنه الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) الجملة خبر سادس ويعلم فعل مضارع وفاعله مستتر يعود على الله تعالى وما اسم موصول مفعول به وبين ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، وأيديهم مضاف إليه والواو حرف عطف وما عطف على «ما» الأولى والظرف متعلق بالصلة المحذوفة (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) الجملة معطوفة على ما تقدم ولا نافية ويحيطون فعل مضارع والواو فاعل وبشيء جار ومجرور متعلقان بيحيطون، من علمه: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لشيء (إِلَّا بِما شاءَ) إلا أداة حصر، بما: الجار والمجرور متعلقان بمحذوف بدل من شيء بإعادة الجار، وجملة شاء لا محل لها لأنها صلة ما ومفعول المشيئة محذوف تقديره: أن يعلمهم به (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الجملة خبر سابع ولك أن تنصبها على الحال ووسع كرسيه فعل ماض وفاعل والسموات مفعول به، والأرض عطف على السموات (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) الواو عاطفة ولا نافية ويئوده فعل مضارع ومفعول به حفظهما: فاعل والهاء مضاف إليه، والميم والألف حرفان دالّان على التثنية (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) الواو عاطفة وهو مبتدأ والعليّ خبره والعظيم خبر ثان.
* البلاغة:
انطوت هذه الآية على أهم المسائل المتعلقة بالذات الإلهية.
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لكل شيء سنام وإن سنام القرآن البقرة. وفيها آية هي سيدة آي القرآن وهي آية الكرسي.
ونلخص فيما يلي فنون البلاغة المنطوية فيها:
1- الاستعارة التصريحية في قوله: «وسع كرسيه السموات والأرض» فالكلمة مجاز عن علمه تعالى أو ملكه وتصوير صحيح لعظمته، حذف المشبه وهو العلم والقدرة والعظمة وما يترتب على الجلوس فوق كرسي الملك من معاني الأبهة والإحاطة الجامعة.
ملاحظة ابن قتيبة:
على أن ابن قتيبة لاحظ في كتابه «مشكل القرآن» أن هذا يخالف نصوص اللغة. ورد على المعتزلة في آرائهم، قال ما نصه:
«وفسروا القرآن بأعجب تفسير يريدون أن يردّوه إلى مذاهبهم، ويحملوا التأويل على نحلهم، فقال فريق منهم في «وسع كرسيه السموات والأرض» أي علمه. وجاءوا على ذلك بشاهد لا يعرف وهو قول الشاعر: «ولا يكرسىء علم الله مخلوق» كأنه عندهم:
ولا يعلم علم الله مخلوق. والكرسي غير مهموز، ويكرسىء مهموز، يستوحشون أن يجعلوا لله كرسيا» ولكننا لا نوافق ابن قتيبة على رأيه فإن كثيرين من أهل السنة ذهبوا إلى ذلك.
رأي التّفتازانيّ:
قال التفتازاني: إنه من باب إطلاق المركّب الحسيّ المتوهم على المعنى العقلي المحقق.
رأي القرطبيّ:
وفي تفسير القرطبي: «وقال ابن عباس: كرسيّه: علمه، ورجحه الطبري. وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، كما تقول: اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي ما يعمده» .
وهذا قريب من قول ابن عباس. وهذا بحث طويل يتشعب فيه الجدال، بين أهل السنة والاعتزال، فليرجع فيه إلى المطولات.
2- الإيجاز: فقد تضمنت آية الكرسي من الإيجاز ما لا مطمح فيه لتقليد أو محاكاة ويمكن القول: إن البيان اتحد بالمبين في تصوير الملك الحقيقي الذي لا ينازع فيه بأرشق عبارة وأدق وصف، وفيها ما يسمى بالفصل في علم المعاني، وهو حذف العاطف للدلالة على أن كل صفة من صفات هذا الملك العظيم مستقلة بنفسها، وذلك على النحو التالي:
آ- الجملة الأولى: «الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم» وقد بيّن فيها قيامه سبحانه بتدبير الخلق وتنسيق شئونهم، وإحكام معايشتهم وهمينته عليه دون أن يكون ساهيا عنه طرفة عين.
ب- الجملة الثانية: «له ما في السموات وما في الأرض» وقد بيّن فيها أنه مالك لما يدبره غير منازع في ملكه.
ج- الجملة الثالثة: «من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه» وقد بين فيها كبرياء شأنه وتضاؤل الجميع أمام قدرته التي لا تحدّ.
د- الجملة الرابعة: «ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء» وقد صور فيها إحاطته بأمور الخلق وأحوالهم بحيث لا يغرب عنه شيء.
هـ- الجملة الخامسة: «وسع كرسيه السموات والأرض» إلى آخر الآية، وقد نوّه فيها بتعلقه بالمعلومات كلها وكل شيء عنده بمقدار.
3- إيجاز الإيجاز: فقد اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من آيات الله سبحانه، وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنّا في بعضها الآخر، وذلك على الترتيب التالي:
1- الله، 2- هو، 3- الحي، 4- القيوم، 5- ضمير لا تأخذه، 6- ضمير له، 7- ضمير عنده، 8- ضمير بإذنه، 9- ضمير يعلم، 10- ضمير علمه، 11- ضمير شاء، 12- ضمير كرسيه، 13- ضمير يئوده، 14- وهو، 15- العلي، 16- العظيم، 17- الضمير المستكنّ الذي اشتمل عليه المصدر وهو «حفظهما» فإنه مصدر مضاف إلى المفعول وهو الضمير البارز ولا بد له من فاعل وهو الله، ويظهر ذلك عند فكّ المصدر فيقول:
ولا يئوده أن يحفظهما هو. وقد حاول أحد الأعلام أن يوصلها إلى واحد وعشرين موضعا، ويعتبر الأسماء المشتقة الواردة فيها تحتاج إلى ضمير كالحي والقيوم والعلي والعظيم، فيكون كل واحد باثنين وبذلك تضاف أربعة مواضع إلى المواضع السبعة عشر، فيكون المجموع واحدا وعشرين موضعا. وقد نازعه علم آخر فقال: هذا لطيف جدا ولكن المشتق لا يقع على موصوفه إلا باعتباره محتملا لضمير، فلا يمكن أن يتميز بحكم الانفراد عن الضمير، ولهذا فالاسم المشتق لا يحتمّل الضمير بعد صيرورته بالتسمية علما، ألا تراك إذا قلت:
زيد كريم فإن «كريم» لم يقع على زيد إلا لأنه يتحمل ضميره، حتى إذا جرّدت النظر اليه لم تجده مختصا بزيد بل لك أن توقعه على كل موصوف بالكرم من الناس. وهذا من أدق مباحث علم المعاني، فتدبره والله يعصمك.
{"ayah":"ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَیُّ ٱلۡقَیُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةࣱ وَلَا نَوۡمࣱۚ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِی یَشۡفَعُ عِندَهُۥۤ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیۡءࣲ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَاۤءَۚ وَسِعَ كُرۡسِیُّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا یَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ"}