الباحث القرآني

﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ والمَعْنى أنَّهُ المُسْتَحِقُّ لِلْعِبادَةِ لا غَيْرَهُ. ولِلنُّحاةِ خِلافٌ في أنَّهُ هَلْ يُضْمَرُ لِلْأخِيرِ لا مِثْلَ في الوُجُودِ أوْ يَصِحُّ أنْ يُوجَدَ. ﴿الحَيُّ﴾ الَّذِي يَصِحُّ أنْ يَعْلَمَ ويُقَدِّرَ وكُلُّ ما يَصِحُّ لَهُ فَهو واجِبٌ لا يَزُولُ لِامْتِناعِهِ عَنِ القُوَّةِ والإمْكانِ. ﴿القَيُّومُ﴾ الدّائِمُ القِيامِ بِتَدْبِيرِ الخَلْقِ وحِفْظِهِ فَيْعُولٌ مِن قامَ بِالأمْرِ إذا حَفِظَهُ، وقُرِئَ « القَيّامُ» و « القَيِّمُ» . ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ﴾ السِّنَةُ فُتُورٌ يَتَقَدَّمُ النُّوَّمَ قالَ ابْنُ الرَّقّاعِ: ؎ وسْنانُ أقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ... في عَيْنِهِ سِنَةٌ ولَيْسَ بِنائِمِ والنَّوْمُ حالٌ تَعْرِضُ لِلْحَيَوانِ مِنِ اسْتِرْخاءِ أعْصابِ الدِّماغِ مِن رُطُوباتِ الأبْخِرَةِ المُتَصاعِدَةِ، بِحَيْثُ تَقِفُ الحَواسُّ الظّاهِرَةُ عَنِ الإحْساسِ رَأْسًا، وتَقْدِيمُ السِّنَةِ عَلَيْهِ وقِياسُ المُبالَغَةِ عَكْسُهُ عَلى تَرْتِيبِ الوُجُودِ، والجُمْلَةُ (p-154)نَفْيٌ لِلتَّشْبِيهِ وتَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ حَيًّا قَيُّومًا، فَإنَّ مَن أخَذَهُ نُعاسٌ أوْ نَوْمٌ كانَ مَؤُوفَ الحَياةِ قاصِرًا في الحِفْظِ والتَّدْبِيرِ، ولِذَلِكَ تُرِكَ العاطِفُ فِيهِ وفي الجُمَلِ الَّتِي بَعْدَهُ. ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ تَقْرِيرٌ لِقَيُّومِيَّتِهِ واحْتِجاجٌ بِهِ عَلى تَفَرُّدِهِ في الأُلُوهِيَّةِ، والمُرادُ بِما فِيهِما داخِلًا في حَقِيقَتِهِما أوْ خارِجًا عَنْهُما مُتَمَكِّنًا فِيهِما فَهو أبْلَغُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما فِيهِنَّ﴾، ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ﴾ بَيانٌ لِكِبْرِياءِ شَأْنِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وأنَّهُ لا أحَدَ يُساوِيهِ أوْ يُدانِيهِ يَسْتَقِلُّ بِأنْ يَدْفَعَ ما يُرِيدُهُ شَفاعَةً واسْتِكانَةً فَضْلًا عَنْ أنْ يُعاوِقَهُ عِنادًا أوْ مُناصَبَةً أيْ مُخاصَمَةً. ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ ما قَبْلَهم وما بَعْدَهُمْ، أوْ بِالعَكْسِ لِأنَّكَ مُسْتَقْبِلٌ المُسْتَقْبَلَ ومُسْتَدْبِرٌ الماضِيَ، أوْ أُمُورُ الدُّنْيا وأُمُورُ الآخِرَةِ، أوْ عَكْسُهُ، أوْ ما يُحِسُّونَهُ وما يَعْقِلُونَهُ، أوْ ما يُدْرِكُونَهُ وما لا يُدْرِكُونَهُ، والضَّمِيرُ لِما في السَّماواتِ والأرْضِ، لِأنَّ فِيهِما العُقَلاءَ، أوْ لِما دَلَّ عَلَيْهِ ﴿مَن ذا﴾ مِنَ المَلائِكَةِ والأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ﴾ مِن مَعْلُوماتِهِ. ﴿إلا بِما شاءَ﴾ أنْ يَعْلَمُوهُ، وعَطَفَهُ عَلى ما قَبْلَهُ لِأنَّ مَجْمُوعَهُما يَدُلُّ عَلى تَفَرُّدِهِ بِالعِلْمِ الذّاتِيِّ التّامِّ الدّالِّ عَلى وحْدانِيَّتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى. ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ تَصْوِيرٌ لِعَظَمَتِهِ وتَمْثِيلٌ مُجَرَّدٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ ولا كُرْسِيَّ في الحَقِيقَةِ، ولا قاعِدَ. وقِيلَ كُرْسِيُّهُ مَجازٌ عَنْ عِلْمِهِ أوْ مُلْكِهِ، مَأْخُوذٌ مِن كُرْسِيِّ العالِمِ والمَلِكِ. وقِيلَ جِسْمٌ بَيْنَ يَدَيِ العَرْشِ ولِذَلِكَ سُمِّيَ كُرْسِيًّا مُحِيطٌ بِالسَّماواتِ السَّبْعِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «ما السَّمَواتُ السَّبْعُ والأرْضُونَ السَّبْعُ مِنَ الكُرْسِيِّ، إلّا كَحَلْقَةٍ في فَلاةٍ، وفَضْلُ العَرْشِ عَلى الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الفَلاةِ عَلى تِلْكَ الحَلْقَةِ» وَلَعَلَّهُ الفَلَكُ المَشْهُورُ بِفَلَكِ البُرُوجِ، وهو في الأصْلِ اسْمٌ لِما يُقْعَدُ عَلَيْهِ ولا يَفْضُلُ عَنْ مَقْعَدِ القاعِدِ، وكَأنَّهُ مَنسُوبٌ إلى الكُرْسِيِّ وهو المُلَبَّدُ. ﴿وَلا يَئُودُهُ﴾ أيْ ولا يُثْقِلُهُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الأوْدِ وهو الِاعْوِجاجُ. ﴿حِفْظُهُما﴾ أيْ حِفْظُهُ السَّماواتِ والأرْضَ، فَحَذَفَ الفاعِلَ وأضافَ المَصْدَرَ إلى المَفْعُولِ. وهو العَلِيُّ المُتَعالِي عَنِ الأنْدادِ والأشْباهِ. ﴿العَظِيمُ﴾ المُسْتَحْقَرُ بِالإضافَةِ إلَيْهِ كُلُّ ما سِواهُ. وَهَذِهِ الآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلى أُمَّهاتِ المَسائِلِ الإلَهِيَّةِ، فَإنَّها دالَّةٌ عَلى أنَّهُ تَعالى مَوْجُودٌ واحِدٌ في الأُلُوهِيَّةِ، مُتَّصِفٌ بِالحَياةِ، واجِبُ الوُجُودِ لِذاتِهِ مُوجِدٌ لِغَيْرِهِ، إذِ القَيُّومُ هو القائِمُ بِنَفْسِهِ المُقِيمُ لِغَيْرِهِ، مُنَزَّهٌ عَنِ التَّحَيُّزِ والحُلُولِ، مُبَرَّأٌ عَنِ التَّغَيُّرِ والفُتُورِ، لا يُناسِبُ الأشْباحَ ولا يَعْتَرِيهِ ما يَعْتَرِي الأرْواحَ، مالِكُ المُلْكِ والمَلَكُوتِ، ومُبْدِعُ الأُصُولِ والفُرُوعِ، ذُو البَطْشِ الشَّدِيدِ، الَّذِي لا يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا مَن أذِنَ لَهُ عالِمُ الأشْياءِ كُلِّها، جَلِيِّها وخَفِيِّها، كُلِيِّها وجُزْئِيِّها، واسِعُ المُلْكِ والقُدْرَةِ، كُلٌّ ما يَصِحُّ أنْ يُمْلَكَ ويُقْدَرَ عَلَيْهِ، لا يَئُودُهُ شاقٌّ، ولا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، مُتَعالٍ عَمّا يُدْرِكُهُ، وهو عَظِيمٌ لا يُحِيطُ بِهِ فَهْمٌ، ولِذَلِكَ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «إنَّ أعْظَمَ آيَةٍ في القُرْآنِ آيَةُ الكُرْسِيِّ، مَن قَرَأها بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَكْتُبُ مِن حَسَناتِهِ، ويَمْحُو مِن سَيِّئاتِهِ إلى الغَدِ مِن تِلْكَ السّاعَةِ» . وَقالَ «مَن قَرَأ آيَةَ الكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِن دُخُولِ الجَنَّةِ إلّا المَوْتُ، ولا يُواظِبُ عَلَيْها إلّا صِدِّيقٌ أوْ عابِدٌ، ومَن قَرَأها إذا أخَذَ مَضْجَعَهُ آمَنَهُ اللَّهُ عَلى نَفْسِهِ وجارَهُ وجارَ جارِهِ والأبْياتَ حَوْلَهُ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب