الباحث القرآني
ما هي فضيلة هذه الآية؟ عن أبي موسى، عن النبي ﷺ أنه قال: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ:«إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، يعني: لأحرق سُبحات وجهه كل شيء؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء.
أعيد الحديث مرة ثانية: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»، سبحات البهاء والنور والجلال العظمة.
مرة ثالثة حتى تردوه عليّ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» من يعيده عليَّ؟
* طالب: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ».
* الشيخ: هذا الحديث حديث عظيم، فيه من صفات الله سبحانه وتعالى هذه الصفات العظيمة، الشاهد منه قوله: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ»، يعني: لا ينام اختيارًا، ولا ينبغي له أن ينام، وقد قلنا فيما سبق إن كلمة لا ينبغي في القرآن والسنة معناه الممتنع، يعني يمتنع عليه النوم، لأيش؟ لأن النوم نقص، فإن الحي من البشر وغير البشر أيضًا يحتاج إلى النوم لأجل أن يستريح من التعب السابق، ويستجد النشاط للعمل اللاحق، وهذا دليل على نقصه؛ حيث يحتاج إلى أن يستريح مما سبق ويستجد لما يلحق؛ ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم.
وقوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ هو من الصفات السلبية، وقد مر علينا قاعدة في أسماء الله وصفاته بأنه لا يوجد في صفات الله تعالى صفة سلبية محضة، بل إنما تذكر الصفات السلبية لكمال ضدها، فلكمال حياته وكمال قيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم؛ لأن حياته كاملة، وقيوميته كاملة، لو أنه الله سبحانه وتعالى نام- وحاشاه أن ينام- من يدبر الخلق في حال نومه؟! وما دام سبحانه وتعالى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، عمل كل أحد، عمل الليل يرفع إليه قبل أن يأتي عمل النهار، فيحيط به علمًا جل وعلا، وكذلك بالعكس لو أنه جل وعلا نام لكان ذلك نقصًا في قيوميته أيضًا؛ فلهذا نقول: هذه الصفة السلبية لكمال أيش؟ حياته وقيوميته.
ثم قال في الجملة الثالثة: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ الجملة هنا خبرية تقدم فيها الخبر وهو قوله: ﴿لَهُ﴾، وما اسم موصول مبتدأ مؤخر، واسم الموصول من صيغ العموم، وعبر بما ليشمل الأعيان والأحوال، ومعلوم أننا إذا نظرنا إلى الأعيان والأحوال وجدنا أن تغليب ما على من أولى؛ لأن الأعيان والأحوال أكثر من الأعيان العاقلة فقط، فالتغليب هنا لا من أجل أن غير العاقل في السماوات أكثر من العاقل؛ لأن هذا لا يمكننا أن نجزم به، فإن الملائكة قد ملؤوا السماوات، والسماوات أكبر من الأرض بكثير جدًّا: «مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا وَفِيهَا مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»[[أخرجه الترمذي (٢٣١٢)، وابن ماجه (٤١٩٠) من حديث أبي ذر.]]، «وَالبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَطُوفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آَخِرَ مَا عَلَيْهِم»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٢٠٧) من حديث مالك بن صعصة، ومسلم (١٦٢ / ٢٥٩) من حديث أنس بن مالك، وليس فيه لفظة: يطوف.]]، متى كانت الدنيا؟ من ملايين السنين، والمستقبل الله أعلم به، هؤلاء كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه، معناه: أن الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل، فلا يمكننا أن نقول: إن غير العاقل أكثر من العاقل، لكننا نقول: غُلِّبت ما على من؛ لأن ما تشمل الأعيان والأحوال، ويش معنى الأعيان والأحوال؟ الأحوال: التصرف في هذه الكائنات، فالله له ما في السماوات وما في الأرض خلقًا وملكًا وتدبيرًا؛ ولهذا جاءت ما.
وإذا قُصدت الأحوال أتي بما حتى في العاقل، قال الله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣] ولم يقل: مَنْ؛ لأن المرأة تنكح لحالها ولوصفها لا لشخصها؛ ولهذا جاء بما دون مَنْ، انتبه لهذه الفائدة.
إذن ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وهنا في الآية حصر، طريقه؟ تقديم الخبر؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، فله وحده ما في السماوات والأرض، وإذا كان له ما في السماوات والأرض خلقًا وملكًا وتدبيرًا، فإن الواجب أن نخضع له؛ لأننا عبيده، والعبد يجب أن يخضع لسيده ومالكه سبحانه وتعالى.
وكذلك أيضًا يجب أن نصبر لقضائه؛ لأنه ملكه، وما كان ملكًا لله عز وجل، فله أن يتصرف فيه كما شاء، سواء كان هذا القضاء مما يتعلق بالإنسان بشخصه، أو يتعلق بأهله، أو يتعلق بماله، أو يتعلق بأصحابه، أو يتعلق ببلده، أو بسائر الناس، المهم ما دام الملك ليس لنا لله، فله أن يفعل ما يشاء.
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ السماوات جُمعت والأرض أُفردت، لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها أيش؟
* الطلبة: الجنس.
* الشيخ: الجنس.
الجملة الرابعة ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ ﴿مَنْ﴾ اسم استفهام، و﴿ذَا﴾ زائدة ملغاة، و﴿الَّذِي﴾ اسم موصول خبر من، يعني ﴿مَنْ﴾ اسم استفهام مبتدأ، و﴿الَّذِي﴾ خبره، والمراد بالاستفهام هنا النفي، بدليل الإثبات بعده، حيث قال: ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾.
و﴿يَشْفَعُ﴾ الشفاعة هي -في اللغة- جعل الفرد أيش؟ شِفْعًا، يعني: واحد تحط عليه واحد تقول: شفعته، وفي الاصطلاح: التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة، فإذا جاء واحد وقال: سَكِّر المكيف، فهذا شفاعة أيش؟
* طالب: دفع مضرة.
* الشيخ: لدفع مضرة. وإذا جاء واحد في الحر وقال: افتح المكيف، هذا جلب منفعة، وكل هذا يسمى: شفاعة.
شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في أهل الموقف أن يقضى بينهم بعد أن يلحقهم من الهم والغم ما لا يطيقون، هذا لأيش؟
* الطلبة: لدفع مضرة.
* الشيخ: لدفع مضرة، وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؟
* الطلبة: لجلب منفعة.
* الشيخ: لجلب منفعة.
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ أي: عند الرب عز وجل، ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ إلا بإذنه الكوني، يعني: إلا إذا أذن في هذه الشفاعة، حتى أعظم الناس جاهًا عند الله لا يشفع إلا بإذن الله، النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة لا يشفع هكذا يذهب إلى الله ويشفع أبدًا، «حتى يسجد ويحمد الله عز وجل بمحامد عظيمة تُفتح عليه في ذلك الوقت، ثم يقال له:«ارفع رأسك، وقل تُسمع، واشفع تشفع»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٤٤٠)، ومسلم (١٩٣ / ٣٢٢) من حديث أنس بن مالك واللفظ للبخاري.]]، ولا أحد أعظم جاهًا عند الله من الرسول ﷺ، ومع ذلك لا يشفع إلا بإذن الله، لأيش؟ لكمال سلطانه جل وعلا، لكمال سلطانه وهيبته لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، وكلما كمل السلطان صار أهيب للملك وأعظم، حتى إن الناس لا يتكلمون في مجلسه إلا إذا تكلم.
وانظر وصف رسول قريش النبي ﷺ مع أصحابه حيث وصفهم بأنه إذا تكلم سكتوا، كل ذلك من باب التعظيم، وتجد الملك إذا كان ذا هيبة بين رعيته لا أحد يستطيع يتقدم أو يتكلم في مجلسه وهو حاضر؛ لقوة سلطانه.
وتجد الإنسان اللي ما له هيبة الناس يتكلمون ويضحكون ويخبطون بأيديهم، وربما يتضاربون وهو عندهم لا يكلمونه، وهذا واقع، تجد بعض الناس الآن يدخل مدرسًا على الفصل ويسلم: السلام عليكم، وتجد كل طالب يتكلم مع صاحبه وزميله ما يهمه سلّم ولا ما سلم، باسم الله نبدأ نكتب بالسبورة، وهذا يلعب وهذا يخبط الدفتر وهذا يضرب صاحبه، لكن إذا دخل المهيب؟
* طالب: سكتوا.
* الشيخ: يسكتون، وإذا سلّم ردوا عليه السلام، وما من أحد يخرج بدون استئذان، إي نعم.
فالله عز وجل لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لماذا؟
* الطلبة: لكمال سلطانه.
* الشيخ: لكمال سلطانه، وقد بين الله عز وجل أنه لا يأذن بالشفاعة إلا لمن رضي له قولًا، وإلا لمن ارتضى أن يشفع له، فلا بد من رضا الله عنه: الشافع وعن المشفوع له؛ ولذلك آلهة المشركين لا تشفع لهم عند الله؛ لأن الله تعالى لا يرتضيها، والمشركون لا يشفع لهم الرسل والأنبياء والصالحون؛ لأن هؤلاء المشركين غير مرضيين عند الله.
ثم قال الله عز وجل -وهي الجملة السادسة-: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ﴿يَعْلَمُ﴾ يعني: الله عز وجل، والعلم عند الأصوليين هو: إدراك الشيء إدراكًا جازمًا مطابقًا، فعدم الإدراك: جهل، والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك، والإدراك على وجه جازم غير مطابق؟
* طالب: وهم.
* الشيخ: لا، جهل مركب، جهل مركب، فالعلم إذن ما هو؟ ما هو العلم؟
* طالب: العلم.. عن أي شيء؟
* الشيخ: العلم هو إدراك الشيء إدراكًا جازمًا مطابقًا، كذا؟
لو سألني سائل: متى كانت غزوة بدر؟ قلت: لا أدري، علم ولا جهل؟
* طالب: جهل بسيط.
* الشيخ: هذا جهل، وسألني آخر فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: إما في الثانية أو في الثالثة، لا أدري؟
* طالب: شك.
* الشيخ: شك، وسألني ثالث فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: في السنة الخامسة جازمًا، هذا أيضًا غير علم، لكن جهل مُركب.
الله عز وجل يعلم الأشياء علما تامًّا، ليس فيه جهل بوجه من الوجه، بل إن علمه ليس كعلم العباد؛ ولذلك اسمع: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ المستقبل، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الماضي، ولا يخفى علينا كلمة ما في قوله: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ وأنها من صيغ العموم، فهي شاملة لكل شيء، سواء كان دقيقًا أم جليلًا، وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ علمه ما بين أيديهم يقتضي أنه لا يجهل المستقبل، وعلمه لما خلفهم يقتضي أنه لا ينسى الماضي؛ ولهذا لما قال فرعون لموسى: ﴿مَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه ٥٢] ﴿لَا يَضِلُّ﴾ في المستقبل ولا يجهله عز وجل، ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ الماضي، فهو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، وسيأتي إن شاء الله فوائد الآية؛ لأن الآية فيها فوائد عظيمة جدًّا، يتبين أنها أعظم آية في كتاب الله إذا عرفنا فوائدها إن شاء الله تعالى.
قال: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ﴾ هذه سابعة أظن؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ ﴿لَا يُحِيطُونَ﴾ الضمير يعود على ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، أو على الهاء في: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: لا يحيط هؤلاء الذين علم الله ما بين أيديهم وما خلفهم بالنسبة لهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، فبيّن كمال علمه ونقص علمهم، انتبه.
وهكذا يقرن الله أحيانًا بين صفته وصفة العباد، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن ٢٦، ٢٧] ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ فهو عالم بأحوالهم الماضية والمستقبلة، أما هم أيش؟
* الطلبة: لا يحيطون.
* الشيخ: فإنهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.
قال: ﴿بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ علم هنا مصدر، فهل هو على بابه، أو هو بمعنى معلوم؟ أي: من معلومه، أي: لا يحيطون بشيء مما يعلمه الله إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، هذا احتمال.
احتمال ثاني: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ أي: من علمهم نفسه وصفاته، علمهم هم إياه، يعني: أنهم لا يحيطون بشيء يعلمونه في نفس الله أو في صفاته إلا بما شاء، كما قال تعالى في سورة طه: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ به هو ﴿عِلْمًا﴾ [طه ١١٠]، فالآية هنا محتملة للمعنيين جميعًا، وكلاهما صحيح باعتبار الآية، فنحن لا نعلم شيئًا من ذات الله أو صفاته إلا بما شاء، بما علّمنا به، ما الذي يدرينا أنه استوى على العرش؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله، ما الذي يدرينا أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام، وهكذا بقية صفاته لا نعلمها إلا بما شاء من عنده هو، كذلك أيضًا معلوماته التي يعلمها في السماوات وفي الأرض، ما نعلمها إلا بما شاء، ما الذي يُعلمنا أن هناك ملائكة؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: الله عز وجل، وما الذي يعلمنا أن هناك سبع سماوات؟ الله.
وهكذا بقية المعلومات ما نحيط بها علمًا إلا بما شاء، حتى المعلومات التي بين أيدينا يجهلنا كثير منا، إلا إذا شاء أن نصل إلى علمها، في الإنسان أشياء في جسمه لم يصلوا إليها حتى الآن، ما وصلوا إليها، وكانوا يصلون إليها شيئًا فشيئًا، يعني: تقدم الناس الآن في العلم في تكوين خلقة الإنسان وما في جسمه وجسده لا يزال يترقى شيئًا فشيئًا إلى يومنا هذا وسيترقى، مع أن هناك أشياء ما وصلوا إليها حتى الآن في جسم الإنسان، خلايا في جسمه ما وصلوا إليها الآن، ولا عرفوا كيف تركيبها، وهناك أيضًا آفات وعاهات يتصف بها هذا البدن إلى الآن لم يصلوا إليها، فصارت الآية شاملة للمعنيين جميعًا: فنحن لا نحيط بشيء مما يعلمه الله حتى فيما يتعلق بنا أنفسنا إلا بما شاء، كما أننا لا نحيط بشيء مما يتعلق بذاته وصفاته إلا بما شاء (...).
قوله تعالى: ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ هو استثناء، بدلٌ من قوله: ﴿شَيْء﴾، لكنه بإعادة العامل، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ﴾ ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾، فهو إذن بدل لكن بإعادة العامل وهي الباء.
وقوله: ﴿بِمَا شَاءَ﴾ ما يحتمل أن تكون مصدرية، أي: إلا بمشيئته، ويحتمل أن تكون اسمًا موصولًا، أي: بالذي شاءه، وعلى التقدير الثاني يكون العائد محذوفًا، تقديره: إلا بما شاءه، فما شاء الله عز وجل أن يعلمه الخلق أعلمهم إياه سواء كان ذلك فيما يتعلق بذاته أو بأسمائه أو صفاته أو أفعاله، أو مخلوقاته التي هي المفعولات، أو مشروعاته التي أوحاها الله تعالى إلى رسله.
ثم قال: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ﴿وَسِعَ﴾ بمعنى شمل وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان، أي: شملني وأحاط بي، والكرسي هو موضع قدمي الله عز وجل وهو بين يدي العرش كالمقدَّمة له، وقد صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا[[أخرجه الحاكم في المستدرك (٣١٥٣) من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.]]، وهل له حكم الرفع؟ لولا أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن قيل عنه: إنه يأخذ عن الإسرائيليات لقلنا: إن له حكم الرفع؛ لأن هذا من علم الغيب، وعلم الغيب لا مجال للاجتهاد فيه، والصحابي إذا قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه، أو فعل فعلًا لا مجال للاجتهاد فيه، فإن له حكم الرفع إلا أنه إذا كان من باب الإخبار، أو بالأحرى إلا أنه إذا كان من باب الأخبار، فإن الصحابي إذا عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فإنه لا يحكم له بالرفع، لماذا؟ لاحتمال أن يكون مما تلقاه عن بني إسرائيل، والعلماء يتحرون غاية التحري فيما يُنسب إلى النبي ﷺ، فلا يحكمون بالشيء إلا مع انتفاء جميع الاحتمالات، أي: لا يحكمون بالرفع، إلا مع انتفاء جميع الاحتمالات التي يمكن أن تحول بينهم وبين الحكم بالرفع.
على كلٍّ: أهل السُّنة والجماعة -عامتهم- على أن الكرسي موضع قدمي الله عز وجل، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل العلم وأئمة التحقيق.
وقد قيل: إن الكرسي هو العرش، ولكن ليس بصحيح، فإن العرش أعظم وأوسع وأبلغ إحاطة من الكرسي. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما «أَنَّ كُرْسِيَهُ عِلْمُهُ »[[أخرجه الطبري في التفسير (٥٧٨٧) من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.]]، ولكن هذه الرواية لا أظنها تصح عن ابن عباس؛ لأن ذلك ليس معنى لهذه الكلمة في اللغة العربية ولا في اللغة العرفية، فهو بعيد جدًّا من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الكرسي موضع القدمين، وقد جاء الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ»[[أخرجه ابن حبان في صحيحه (٣٦١) من حديث أبي ذر.]]، وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب؛ ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ [ق ٦]، ولم يقل: أفلم يروا إلى الكرسي أو إلى العرش؛ لأن ذلك ليس مرئيًّا لنا، ولولا أن الله أخبرنا به ما علمنا به.
وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ هذا يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين من أن السماوات والأرَضين كلها كروية الشكل؛ لأن هذا أمر معلوم بالحس، وكذلك معلوم بالخبر، وإن كان علمه بالخبر قد خفي على كثير من الناس السابقين، لكنه في الواقع واضح، أن هذه المخلوقات كروية الشكل، ودليل ذلك في القرآن قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [الانشقاق ١ - ٣] وهذا متى؟
* الطلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة، فقوله: ﴿إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ يقتضي أنها الآن غير ممدودة، وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنَّهَا تُمَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَدَّ الْأَدِيمِ»[[أخرجه ابن ماجه في سننه (٤٠٨١) من حديث ابن مسعود.]]، وهذا من باب التأكيد، الأديم يعني: الجلد، يعني، كما يمد الجلد فتكون سطحًا واحدًا، ومن الدليل أيضًا قوله تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر ٥]، والتكوير بمعنى التدوير، ومنه قولنا: أكوار العمامة؛ لأنها تدور.
ونحن نعلم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا يتعاقبان على الأرض لزم من ذلك أن تكون الأرض كروية؛ لأنه لا يُكوّر الشيء على كورة، وهذا أمر مشاهَد أنها كروية الآن.
إذا كان الكرسي قد وسع السماوات والأرض، فهذا دليل على أنه مكور، أما العرش فقد جاء عن النبي عليه الصلاة السلام: «أَنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ»[[أخرجه أبو داود في سننه (٤٧٢٦) من حديث جبير بن مطعم.]]، والقبة غير مُكوَّرة، لكنها غير مسطحة أيضًا، فإنها كقبة الخيمة تكون وسطها مرتفعًا.
ثم قال: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ ﴿لَا يَئُودُهُ﴾ أي: يثقله ويشق عليه، ﴿حِفْظُهُمَا﴾ أي: حفظ السماوات والأرض، وهذه الصفة كما ترون صفة أيش؟ سلبية منفية ﴿لَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾، ما الذي يتطلبه الحفظ حتى نعرف أن هذا النفي لكمال ذلك الشيء الذي يستلزمه الحفظ؟ العلم؟ نعم، الحياة والعلم والقدرة والقوة والرحمة، ويمكن صفات أخرى أيضًا، المهم أن هذا النفي يتضمن كمال علم الله وقدرته وقوته ورحمته، وما إلى ذلك من الصفات التي يستلزمها حفظه سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ مثل هذه الجملة التي طرفاها معرفتان تفيد الحصر، هو وحده العلي، أي: ذو العُلو المطلق، وأما العلو المقيد فإنه يثبت للآدميين، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٣٩]، الأعلون عُلوًّا مطلقًا ولا على الكفار؟
* الطلبة: على الكفار.
* الشيخ: على الكفار، لكن العلو المطلق لله عز وجل وحده، فهو سبحانه وتعالى فوق كل شيء، ثم إن علو الله -عند أهل السنة والجماعة- ينقسم إلى: علو ذات وعلو صفة، فأما علو الذات فهو أنه عالٍ بذاته فوق كل شيء، كل الأشياء تحت الله عز وجل، والله تعالى فوقها بذاته، فإن قلت: لماذا قسمت هذا التقسيم؟ هل عندك فيه دليل من كتاب أو سنة؟ وهل رأيت ذلك في كلام الصحابة؟ فالجواب: لا، لكنني اضطررت إليه حين حصر النفاة -أهل التعطيل- العلو بعلو الصفة فقط، وقالوا: إنه عالٍ علوًّا وصفيًّا لا علوًّا ذاتيًّا، ثم انقسم هؤلاء المعطِّلة الذين نفوا علو الذات إلى ما يأتي.
المهم أن أئمة السلف رحمهم الله ومن جاء من بعدهم اضطروا إلى هذه التقاسيم التي قد تُشكل على بعض الناس؛ لأنهم قد ابتلوا بقوم كانوا ينفونها، فاضطروا إلى أن يثبتوها بمثل هذه الطرق، فنحن لو قلنا: وهو العلي فقط، ثم جاء معطل نافٍ جاحد وقال: العلو بصفاته، ماذا يفهم العامة؟ لا يفهم العامة من ذلك إلا أنه علو الصفات، فإذا قلنا: إنه عالٍ بذاته وبصفاته فهم العامة هذا المعنى، بل إن العامي أول ما يتبادر إلى الذهن هو علو الذات لا شك في هذا، والعجيب أن هؤلاء النفاة المعطلة ينكرون ما يتبادر إلى الذهن، ويقرون أمرًا لا شك أنه داخل في معناه، لكنه لا يتبادر إلى ذهن كثير من الناس، المهم أننا اضطررنا إلى هذا التقسيم في مقابلة هؤلاء المعطلة النفاة، هؤلاء المعطلة النفاة لما نفوا علو الله في ذاته انقسموا إلى قسمين:
قسم قالوا: إنه بذاته في كل مكان، كل مكان فالله فيه بذاته، وإذا كان الله فيه بذاته، فإما أن يشغل حيزًا -على قولهم- أو لا يشغل؟ إن شغل حيزًا لزم أن يملأ الأمكنة، ولا يكون فيها مكان لأحد، وإن لم يشغل حيزًا فهو معدوم، ولا يمكن أن يقولوا: إنه مثل الهواء وشبهه؛ لأن ذلك لا يستقيم لهم.
والقسم الثاني -الذين أنكروا علوه بذاته- قالوا: إنه سبحانه وتعالى ليس في علو ولا سفل، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، وهذا تعطيل محض؛ لأن هذا هو وصف العدم.
قال بعض أهل العلم: لو قيل لنا: صفوا العدم، ما وجدنا أشد إحاطة من هذا الوصف، فانظر كيف أدى بهم التعطيل: تعطيل ما ثبت بالمعقول والمنقول، كيف أدى بهم إلى أن يقولوا ما لا يقبله حس ولا عقل ولا نقل، لكن هكذا الباطل- والعياذ بالله- يعصف بأهله إلى الهاوية.
إذن نحن نؤمن بأن الله تعالى عالم بذاته، وعالم بصفاته، وقد قررنا فيما سبق أن علو الله بذاته دل عليه الكتاب والسنة الإجماع والعقل والفطرة، وأن أدلة الكتاب والسنة في ذلك متنوعة، متنوعة من عدة أوجه، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية، وتارة بذكر صعود الأشياء إليه، وتارة بذكر نزولها منه، إلى غير ذلك مما هو معروف.
وكذلك السنة جاءت قولًا وفعلًا وإقرارًا، كلها تثبت علو الله بذاته، فالقول مثل قوله ﷺ: «رَبُّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ»[[أخرجه مسلم (١٤٣٦ / ١٢١) من حديث أبي هريرة، وأبو داود في سننه (٣٨٩٢) من حديث أبي الدرداء واللفظ له.]]، والفعل كإشارته إلى السماء يوم عرفة في أكبر مجمع إسلامي، «يَرْفَعُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٧٤١) من حديث أبي بكرة، ومسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله.]]، وأما الإقرار فقد قَالَ لِلْجَارِيَّةِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم السلمي. ]].
وأما الإجماع، فالسلف كلهم مجمعون على أن الله تعالى فوق العرش، ولم يقل أحد منهم أبدًا: إنه بذاته في كل مكان، ولا قال أحد منهم: إنه لا فوق العالم ولا تحته، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، أبدًا.
وأما العقل، فدلالته عليه من وجهين؛ الوجه الأول: أن العلو صفة كمال، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فإذا كان صفة كمال لزم أن يكون ثابتًا لله؛ لأن الله تعالى قد ثبت له صفات الكمال من كل وجه.
والوجه الثاني أن نقول: هب أننا تركنا هذا الوجه، فنقول: إن الله عز وجل إما أن يكون فوق العالم أو تحته، أو يمين أو شمال، فأيها الذي يدل على الكمال؟
* الطلبة: فوق.
* الشيخ: فوق؛ لأنه إن كان تحت كان أنقص من المخلوق، وإن كان محايثًا له كان مساويًا له في الكمال، فلزم أن يكون فوق كل شيء.
وأما الفطرة، فكل إنسان مفطور على أن الله تعالى فوق السماوات؛ ولهذا عندما يدعو الإنسان ربه تجده يفزع إلى السماء، ولما كان الجويني أبو المعالي رحمه الله وهو ينكر الاستواء على العرش والعلو الذاتي، كان يقرر أن الله سبحانه وتعالى كان قبل العرش، وهو الآن على ما كان عليه، يريد أن ينكر الاستواء على العرش، يقول: إن الله كان ولا شيء، وهو الآن على ما كان عليه، إذن لم يستوِ على العرش، فقال له أبو العلاء الهمذاني رحمه الله: يا أستاذ دعنا من ذكر العرش- يعني: والاستواء عليه- لأن دليل استواء الله على العرش سمعي ثبت بالسمع، ولولا السمع ما عرفنا ذلك، ولكن أخبرنا عن هذه الضرورة، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، صحيح هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ضرورة، أخبرنا عن هذه الضرورة، فجعل يضرب على رأسه وصرخ بأعلى صوته: حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاني! وعجز أن يجيب؛ لأن الأمر الفطري لا يمكن إنكاره، فخصم الرجل وعجز عن أن يجب عن هذه الضرورة التي أوردها عليه أبو العلاء رحمه الله.
والحاصل: أن العلو -علو الله عز وجل الذاتي- ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، والعجيب أن هؤلاء الذين ينكرون علو الله هم بأنفسهم إذا دعوا الله ماذا يقولون؟
* طالب: يرفعون أيديهم إلى السماء.
* الشيخ: يرفعون أيديهم إلى السماء، ما تجد واحدًا منهم يقول: يا الله، ويحط يديه هنا أبدًا، كلهم يرفعون أيديهم إلى السماء؛ لأن فطرتهم تأبى عليهم إلا أن يكون كذلك، ومع هذا ينكرونها، نسأل الله العافية.
ولا أدري عن هذا الرجل كيف يواجه ربه يوم القيامة؟! كيف يواجهه وهو يعتقد أنه في كل مكان بذاته، أو أنه ليس موجودًا في داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، وقف رجل مع آخر يقول هذا الآخر -وهو أخِر: آخَر أَخِر- يقول: إن الله بذاته في كل مكان، قال له: افتح مخباتك ننظر فيها، ما أجد في مخباتك إلا القلم، فبهت الذي عطَّل، بهت.
ولا شك أن من يعتقد بقلبه أن الله بذاته في كل مكان، لا أشك أنه كافر إلا إن شككتُ في وجود الشمس في رابعة النهار، نعوذ بالله؛ لأنه لا شك إنه بيجعل ربه في المراحيض، في الأماكن القذرة، في بطون الحمير، في بطون الكلاب، في كل مكان، هذا لا يمكن أن يقوله عاقل يدري ما يقول، نسأل الله العافية والسلامة، اللهم اهدنا الصراط المستقيم.
* * *
(...) الكرسي؛ لأنها آية هي أعظم آية في كتاب الله، كما صح ذلك عن رسول الله ﷺ[[أخرجه الطبراني في الكبير (٨٦٥٩) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
* طالب: العظيم.
* الشيخ: نعم، فأولًا الأسماء، الأسماء التي في هذه الآية خمسة: الله، والإله، والحي، والقيوم، العلي، العظيم، ستة إن جعلنا الإله معها، وإلا فخمسة.
* فيستفاد منها إذن: إثبات هذه الأسماء الخمسة أو الستة لله عز وجل، وكل اسم من أسماء الله تعالى، فإنه متضمن لصفة ولا عكس، ليس كل صفة يؤخذ منها الاسم، لكن كل اسم يؤخذ منه صفة، فمثلًا: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة ٥] ما نأخذ منها اسم: المدبّر لله، ﴿يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال ٣٠] ما نأخذ منها اسم: الماكر لله عز وجل، و﴿يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم ٢٧] ما نأخذ منها اسم: الفاعل، ولا نأخذ منها اسم: الشائي، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء ١٦٤] لا نأخذ منها اسم: المتكلم، إلى آخره، لكن كل اسم فإنه متضمِّن لصفة، فنأخذ من الله أيش؟ الألوهية، ومن الحي: الحياة، ومن القيوم: القيومية، ومن العلي: العلو، ومن العظيم: العظمة.
المهم إذا وصفوه بهذا الوصف فمعناه العدم وأنه معدوم.
ما حجة القائلين بأنه بذاته في كل مكان؟ هل دليلهم دليل لهم أو عليهم؟
* طالب: عليهم.
* الشيخ: عليهم كيف ذلك؟ من يعرف؟
* طالب: (...)
* الشيخ: إذن، لا، أنا أقول: كيف يكون على الأرض بذاته؟ فنحن الآن نرد عليهم، نقول الله قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤] إذن فهو فوق، فيكون حينئذٍ دليلًا عليهم.
لكن هكذا المبطلون ينظرون إلى النصوص نظر الأعور الذي لا يرى إلا بعين واحدة والثاني مغمّض، لكن من نظر إلى النصوص من كل وجه عرف بطلان قولهم.
أما الذين يقولون: إننا لا نصفه بعلو ولا سفل، ولا يمين ولا شمال، ولا اتصال ولا انفصال، فهؤلاء لا حاجة إلى الجدال معهم؛ لأنهم وصفوه بالعدم، هؤلاء كأنهم يقولون: ليس لهم رب.
﴿الْعَظِيم﴾ معناها: ذو العظمة، والعظمة عبارة عن الجلال، ويعني: كيفية الصفات، كل صفاته عظيمة، والعظيم من كل شيء هو الجليل البالغ في الصفات غايتها، كما قال تعالى: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل ٢٣]، ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل ٢٢]، فالعظمة من كل شيء هو الشيء الذي يكون بالغ الأهمية وبالغ الصفات، يعني: عبارة عن الكمال، كمال بعظمة.
فهذا منتهى الآية الكريمة، ونعود إلى بيان الأسماء والصفات منها، في هذه الآية قلنا: خمسة أسماء أو ستة؛ لأني أشك في أن أجعل إله من الأسماء؛ لأنه قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الصافات ٣٥] إله نكرة هنا، على كل حال الخمسة مُتيقنة، وكل اسم منها دال على صفة، القاعدة عندنا في هذا: أن كل اسم يدل على صفة، وليس كل صفة يشتق منها اسم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية؛ لقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُو﴾.
* ومن فوائدها: الرد على المشركين الذين أثبتوا مع الله إلهًا آخر، بل آلهة، أكثر من واحد، وهم يقولون: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ٥] نقول: أجعلتم الآلهة متعددة، إن هذا لشيء عجاب، هذا العجاب، أما الإله الواحد فليس بعجاب، بل هذا هو الحق والصواب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات صفة الحياة لله عز وجل، وأنها حياة كاملة لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: حياتنا نحن مسبوقة بعدم، ملحوقة بزوال، مصحوبة بنقص، كل حياتنا ناقصة؛ ولهذا وصفها الله بأنها الدنيا، لكن حياة الله تعالى كاملة من كل الوجوه، من أين يستفاد ذلك؟ من قوله: ﴿الْحَيُّ﴾؛ لأن الحي للاستغراق، أي: الجامع لمعاني صفات الحياة الكاملة، عرفتم؟ كأنه يقول: لا حي إلا هو، وهو كذلك: لا حي حياة كاملة إلا الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات القيومية لله؛ لقوله: ﴿الْقَيُّومُ﴾، ومعنى القيوم: القائم بنفسه وعلى غيره.
* طالب: الذي تتجه إليه (...).
* الشيخ: القائم بنفسه وعلى غيره، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد ٣٣]
* طالب: (...)
* الشيخ: لا، شرحناها ما حاجة إلى (...)، شرحناها وبيننا الدليل على القائم بنفسه والقائم بغيره.
هل هذا الوصف يكون للآدمي؟ لا أبدًا، ما هنا إنسان قائم بنفسه أبدًا، ولا هنا الإنسان قائم على غيره، صح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ليس إنسان قائم بنفسه؛ لأنه ما من إنسان إلا وهو محتاج لغيره، ولَّا لا؟ نحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا، نحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا، نحن محتاجون للأولاد، والأولاد محتاجون إلينا، نحن نحتاج المال، والمال يحتاج إلينا، ولَّا لا؟
* الطلبة: لا (...) لا يحتاج المال إلينا.
* الشيخ: يحتاج إلينا كيف؟! أما سمعتم صياح الدرهم والدينار؟! هو عند الصرف، الصرف أنا باصرف دراهم ودنانير تسمعون لها صوت، يمكن أن الدينار اللي أنا أبدله يصيح على فراقي، وذاك يصيح على فراق صاحبه، لكن هو محتاج إلينا من جهة أخرى وهو حفظه وتنميته، أليس كذلك؟
فيه أحد قائم على غيره القيام المطلق؟ لا، قد أقوم على غيري، لكن القيام محدود ولَّا لا؟ قيام محدود؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ من هو؟
* الطلبة: الله.
* الشيخ: هو الله، ما من أحد قائم على كل نفس بما كسبت إلا الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تضمنها لاسم الله الأعظم الثابت في قوله: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في الزهراوين، وفي سورة ثالثة؟
* الطلبة: طه.
* الشيخ: طه، في الزهراوين وفي طه، ما هما الزهراوان؟
* الطلبة: البقرة وآل عمران.
* الشيخ: البقرة وآل عمران، فالبقرة هنا، وفي آل عمران: ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران ١، ٢]، وفي سورة طه: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه ١١١]، قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى، فصفة الكمال في الحي، وصفة الإحسان في القيوم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال صفات الله، كمال حياته وقيوميته، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: أيضًا كمال حياته وقيوميته بحيث لا يعتريهما أدنى نقص، من قوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، لماذا؟ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه، لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق ولَّا لا؟ كمال مطلق، لا يرد عليه نقص أبدًا.
وتوضيحًا لهذا المعنى قد يطلق على الشيء الكمال المطلق؛ لأن ذلك أغلب أوصافه، مع أنه قد يعتريه بعض الشيء من النقص، فإذا نفي النقص المحتمل في هذا الكمال، صار معناه: أنه كمال مُطلق لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وهنا النفي حصل بقوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الصفات السلبية؛ لقوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: عموم مُلك الله؛ لقوله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: اختصاص الله تعالى بهذا الملك؛ من قوله؟
* طالب: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِِ﴾.
* الشيخ: لا ما هو من قوله: ﴿لَهُ﴾، من تقديم الخبر، ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ لأيش؟ لأن الخبر حقه التأخير، فإذا قدم أفاد الحصر؛ لأن عندنا قاعدة أنه إذا قدم ما حقه التأخير كان في ذلك دليل على الحصر.
* ومن فوائدها: إثبات السماوات والأرض؛ لقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، وأن السماوات عدد، من أين يؤخذ أنها عدد؟
* الطلبة: من الجمع.
* الشيخ: من الجمع: السماوات، أما كونها سبعًا أو أقل أو أكثر، فمن دليل آخر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال سلطان الله، من قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وهذا غير عموم الملك، يعني: قوة السلطان وتمامه أشد من عموم الملك.
ومنها: إثبات الشفاعة بإذن الله؛ لقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وإلا لما صح الاستثناء، لولا أن الشفاعة ثابتة بإذنه ما صح الاستثناء، معلوم ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لولا أن الشفاعة ثابتة بإذن الله ما صح الاستثناء، لقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ بس، لكن لما قال: ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ علم بأنها ثابتة بإذن الله سبحانه وتعالى.
ومنها: إثبات الإذن وهو الأمر؛ لقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وقد مر علينا في التفسير أن الإذن نوعان: كوني، وشرعي، وضربنا مثلًا لكل نوع، فالشرعي مثل؟ الإذن الشرعي مثاله؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩]، ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١]، أي: ما لم يشرعه، أما إذنًا قدريًّا فقد أذن فيه؛ ولهذا شرع ووقع، الإذن الكوني مثل؟
* طالب: (...)
* الشيخ: مثل هذه الآية، هذا إذن كوني: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علم الله، من قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾، وأنه عام في الماضي والحاضر والمستقبل؛ لقوله: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ وهذا للمستقبل، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ وهذا للماضي، واضح؟
* ومن فوائدها: الرد على القدرية الغلاة؛ ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ إثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه، وقالوا: إن الله لا يعلم أفعال الخلق إلا إذا وقعت، أما قبل ما يدري عنها، إذا وقعت علمها.
وفيها أيضًا: الرد على الخوارج والمعتزلة في إثبات الشفاعة؛ لأن الخوارج والمعتزلة ينكرون الشفاعة العامة، العامة التي تكون للرسول ولغيره، وهي الشفاعة في أهل المعاصي، يقولون: ما فيها شفاعة؛ لأن مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، ونحن الآن نتكلم عن المعتزلة والخوارج، مذهب الطائفتين: أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، الزاني إذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار ولو كان يصلي ويصوم، لكن اختلفوا: هل هو كافر، أو لا مؤمن ولا كافر، الخوارج صار عندهم من الشجاعة -وهي شجاعة على الحق لا بالحق- صار عندهم من الشجاعة أن قالوا: إن فاعل الكبيرة كافر خارج من الإسلام.
وهؤلاء تذبذبوا –المعتزلة- جبنوا عن مخالفة أهل السنة وعن مخالفة الخوارج، وقالوا: سنجلس في أثناء الطريق، فنقول: إن فاعل الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا نقول: مؤمن، ولا نقول: كافر، سافر من بلد إلى بلد، لكن وقف في عرض الطريق، خرج من الإسلام، لكن ما وصل إلى الكفر، صار في منزلة بين المنزلتين، هذا مذهب من؟
* الطلبة: المعتزلة.
* الشيخ: المعتزلة، لكن الكل اتفقوا بأنه في الآخرة مخلد في النار؛ ولهذا بناء على هذا الرأي نفوا الشفاعة، وقالوا: إنه محال أن يأذن الله لأحد أن يشفع في أهل الكبائر أبدًا؛ لأنهم مخلدون، الآية في عمومها ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ ترد عليهم ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ترد عليهم، في عمومها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل لا يحاط به علمًا، كما لا يحاط به سمعًا ولا بصرًا، ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام ١٠٣]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه ١١٠] كما في سورة طه، وهنا قال: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.
فإذن نحن لا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء، ما شاء أن نحيط به أحطنا به، مثلًا نحن نحيط الآن بأن الله موصوف بالصفات التي أعلمنا إياها في كتابه، لولا أنه أعلمنا ما أحطنا بها، ولكن أعلمنا بها فعلمناها، وإن كان بعض هذه الصفات يعلم بالعقل، لكن التفصيل لا يعلم إلا بالشرع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أننا لا نعلم شيئًا عن مخلوقاته -ما عن ذاته- عن مخلوقاته إلا ما علمنا به، من أين نأخذ؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: من قوله: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾، على أحد الوجهين في تفسيرها حسب ما مر علينا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم تكييف صفات الله، تحريم التكييف، وجهه؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: أننا لا نعلم ما أعلمنا الله بكيفية صفاته، لم يعلمنا الله تعالى بكيفية صفاته، فإذا لم يعلمنا بها، فإذا ادعينا علمها فنحن كاذبون؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.
وفيها أيضًا: الرد على المعطلة، كيف؟
* طالب: ﴿مِنْ عِلْمِهِ﴾.
* الشيخ: الذين يقولون: ﴿مِنْ عِلْمِهِ﴾ لا يثبت عشان نناقشه كيف يستدل بذلك؟
* طالب: المُعطلة؟
* الشيخ: إيه.
* الطالب: العليم.
* الشيخ: لا ﴿مِنْ عِلْمِهِ﴾.
* الطالب: ﴿مِنْ عِلْمِهِ﴾؟
* الشيخ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ فيها رد على المعطلة، نفس الآية هذه، ما هو كل الآية، هذه الجملة فيها رد على المعطلة.
* طالب: (...) هم ينفون العلم.
* الشيخ: لأنهم يقولون -مثلًا-: إن الله ليس له يد حقيقية، فمعنى ذلك: أنهم أحاطوا بنفي شيء من أيش؟ من صفاته، ولكنهم كذبوا في ذلك؛ لأن الله أثبت هذا لنفسه، فادعاؤهم أن هذا لا يليق بالله -مثلًا- أن اليد الحقيقية لا تليق بالله، أو الوجه الحقيقي لا يليق بالله، أو العين لا تليق بالله، وما أشبه ذلك، هذه دعوى باطلة؛ لأننا نقول: إن العلم نوعان: إثبات ونفي، فلا يمكن أن تنفي شيئًا عن شيء إلا بعلم، كما لا يمكن أن تثبت شيئًا لشيء إلا بعلم، فأنتم إذا نفيتم حقائق هذه الصفات فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ما عندهم برهان، لم ينفِ الله تعالى عن نفسه اليد ولا في آية من القرآن، ولم ينفها رسوله في حديث من الأحاديث، ولم ينفها السلف الصالح، وهم يقولون: ننفيها، أين علمهم؟! فيها رد على المعطلة أيضًا؟
هل فيها رد على الممثلة؟ نعم من باب أولى، ما دام فيها رد على المكيف فيها رد على الممثل من باب أولى، والتمثيل محرم في آيات أخرى أيضًا مرت علينا.
* ومن فوائد الآية: إثبات مشيئة الله؛ ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.
هل نأخذ منها الرد على القدرية المعتدلة؟ لأن ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ فهمنا منها كيفية الرد على القدرية الغلاة، لكن هل نأخذ من الآية: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ الرد على القدرية المعتدلة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: هم ينفون (...)
* الشيخ: لا هم ينفون أفعال العبد.
* الطالب: ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ (...)
* الشيخ: لا، ما هو ظاهر.
* طالب: (...)
* الشيخ: إحاطة الإنسان بالشيء من صفاته، من صفات الإنسان، وهم يقولون: إن الله تعالى لا يشاء شيئًا مما يتعلق بالإنسان لا إرادة ولا مشيئة ولا شيء أبدًا، ففيها أيضًا رد على القدرية المعتدلة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عظم الكرسي ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾.
ومنها: عظمة خالقه؛ لأن عظمة المخلوق يدل على عظمة الخالق؛ ولهذا لو رأينا -مثلًا- مصنوعًا من المصنوعات قويًّا -قوي الصنعة- أو جيد التركيب وما أشبه ذلك استدللنا به على؟ على مهارة صانعه، إذن هذا الكرسي العظيم نستدل به على عظمة خالقه؛ لأن الكرسي عظيم، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: * ومن فوائدها: إثبات السماوات وإثبات الأرض، كذا؟ من أين تؤخذ؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: لا، مرت علينا بالمناقشة، ويش هو (...)
* الطلبة: (...).
* ومن فوائدها: كفر من أنكر السماوات، كيف ذلك؟ لأنه يستلزم تكذيب خبر الله، أما الأرض فلا أظن أحدًا ينكرها، لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فيه سماوات، ما فوقنا فضاء لا نهاية له ولا حدود، وإنما هي سُدوم ونجوم وما أشبه ذلك، وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم، سواء اعتقده الإنسان بنفسه ووهمه، أو بتقليد من يقلده ممن يعظمهم، فإن هذا كفر.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: إثبات قوة الله ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾.
ومنها * -من فوائدها-: انتفاء المشقة عنه عز وجل؛ لقوله: ﴿وَلَا يَئُودُهُ﴾، وهذه صفة سلبية، فهي كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨].
* ومن فوائدها: إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ وهي؟
* طالب: العلم.
* الشيخ: العلم؟ ويش بعد؟ اللي ما يشق عليه حفظ الشيء، ويش يدل عليه؟ ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ هذه الجملة تدل على أيش؟ كون الله يعني: ما يشق عليه حفظ السماوات والأرض؟
* طالب: العلم والقدرة.
* الشيخ: العلم والقدرة، صح، وغير؟
* طالب: الرحمة.
* الشيخ: والرحمة.
* طالب: والعظمة.
* الشيخ: والحكمة.
* طالب: والقوة.
* الشيخ: والقوة.
* ومن فوائدها: أن السماوات والأرض تحتاج إلى حفظ.
* طالب: (...)
* الشيخ: إذن لا بد لهما من حفظ، وهذا الحفظ لا يثقل الله عز وجل ولا (...)، ولَّا لا؟ وهل تحتاج إلى حفظ فعلًا؟ نعم، لولا حفظ الله عز وجل لفسدتا، ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة ٢٥١]، ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج ٤٠].
* طالب: (...)
* الشيخ: كلها، نعم، ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج ٦٥]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر ٤١].
* ومن فوائدها: إثبات علو الله، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ الذاتي والصفاتي أو والصفتي؟
وفيها: الرد على الحلولية وعلى المعطلة النفاة، الحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ، بل هو في كل مكان، والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو ولا سفل، ولا يمين ولا يسار، ولا اتصال ولا انفصال، وهنا قال: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾.
* ومن فوائدها: التحذير من الطغيان على الغير، من أين؟
* طالب: من ﴿الْعَظِيمُ﴾.
طالب آخر: من ﴿الْعَلِيُّ﴾.
* الشيخ: من ﴿الْعَلِيُّ﴾ ومن ﴿الْعَظِيمُ﴾ أيضًا، منهما جميعًا؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء ٣٤]، فإذا كنت متعاليًا في نفسك فاذكر علو الله عز وجل، إذا كنت عظيمًا في نفسك فاذكر عظمة الله، إذا كنت كبيرًا في نفسك فاذكر كبرياء الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العظمة لله؛ لقوله: ﴿الْعَظِيمُ﴾.
ومنها: إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين، وهما: العلو والعظمة، فإن هذا أيضًا باجتماعهما يكون فيهما صفة أكمل، وإن كانت كل صفات الله كاملة لكن هذا أبلغ.
* طالب: قوله تعالى (...) يدل على عدم (...) الإنسان بما (...)
* الشيخ: يستفاد من قول الله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أن الملك لله عز وجل، ذكرناها هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فيتفرع على ذلك: أن لا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وعليه، فيكون في هذه الآية إشارة إلى أن الحكم الشرعي بين الناس والفصل بين الناس يجب أن يكون مستندًا على أيش؟ على حكم الله، وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
* ويستفاد منها أيضًا: أن الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره؛ لأنك إذا علمت أن الشيء لله سبحانه وتعالى قلت: هذا تصرف مالك في ملكه فله أن يفعل ما يشاء، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٣]؛ ولهذا كان في تعزية الرسول عليه الصلاة والسلم لابنته حيث قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَبْقَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بَأَجَلٍ مُسَمًّى»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٢٨٤)، ومسلم (٩٢٣ / ١١) من حديث أسامة بن زيد.]]، فيكون في هذا أيضًا تسلية الإنسان على المصائب ورضاه بقضاء الله وقدره.
* طالب: (...) الرد على المعطلة فهو يستلزم الرد على الممثلة؛ لأن بتمثيلهم عطلوا الصفات؟
* الشيخ: بلى، شوف؛ لأن كل ممثل معطل، وبالعكس: كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل، سبحان الله جمع بين النقيضين هذا، إي نعم، كذا: كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.
* طالب: (...)
* الشيخ: (...)
* الطالب: كل معطل ممثل؛ لأنه ما عطل إلا بعد (...)
* الشيخ: يمكن غيرك يقول: الثاني أوضح، وهو كل ممثل معطل.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: الواقع أن كل معطل ممثل؛ لأن المعطل إنما عطَّل بناء على وهمه أن النصوص تستلزم التمثيل، فهو ظن أن قوله تعالى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] ظن أنها تفيد التمثيل، فبناء على هذا الوهم الباطل عطّل، وقال: ليس له يد حقيقية؛ لأن إثبات يد حقيقية يقتضي التمثيل أن يكون مماثلًا للخلق، كذلك أيضًا هو ممثل؛ لأنه إذا عطل الله من كماله مثله بالناقص ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأنه إذا لم يكن له يد صار مماثلًا لمن ليس له يد، فهو إذن ممثل.
كل ممثل معطل، وكل معطل ممثل؛ لأنه مثل أولًا وعطل ثانيًا، ثم هذا التعطيل فيه، هذا التعطيل نفسه فيه تمثيل؛ لأنه مثله بالناقص؛ لأنه –لاحظْ- كل صفة أثبتها الله لنفسه فهي كمال، فقد هذا الكمال نقص، فإذا نفينا هذه الصفة عن الله، معناه وصفناه بالنقص.
كل ممثل معطل، صح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أولًا: هذا الممثل عطل الله من كماله الواجب له، كيف ذلك؟ لأنه إذا مثل الكامل بالناقص صار الكامل ناقصًا، صح ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: بل إذا قارن بينهما أوهم النقص، كما قيل:
؎أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ: إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا
قال: والله عندي سيف ورثته عن أبي عن جدي عن جد أبي عن جد جدي وهكذا سيف عظيم، ويش هو ما شاء الله؟ قال: أمضى من العصا، ويش يكون قدره في نفسك؟ ما هو بينقص، ينزل إلى الأرض ما يزيد شيئًا أبدًا، إذن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، هذه واحدة.
ثانيًا: أنه عطل نفس النص الذي أثبت به الصفة، فمثلًا إذا قال: يد الله كيد الإنسان؛ لقوله تعالى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وأنا لا أفهم من هذا الخطاب إلا ما أفهمه بمقتضى اللسان العربي، واليد معلومة لنا، مثلًا، نقول له: عطّلت النص؛ لأن النص لا يمكن أن يدل على صفة تُماثل، كمِّل.
* الطلبة: صفات المخلوقين.
* الشيخ: صفات المخلوقين، فإذا جعلته دالًّا على صفة تماثل صفات المخلوقين فقد عطلت النص، عطلته عن معناه الحقيقي.
الثالث: أنه عطل كل نص يدل على نفي المماثلة، فالله يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وهو يقول: بل مثله شيء، إذن عطل كل نص يدل على نفي المماثلة، صح، حينئذٍ صار كل ممثل معطلًا، والله أعلم.
* طالب: بقيت فائدة.
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: تفرد الله بالألوهية.
* الشيخ: إي نعم صحيح، تفرد الله بالألوهية.
* طالب: (...).
﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل ٦ - ٨] هذا التقسيم، ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ [الجن ١٤] هذه؟
* طالب: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن ١٥]
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: الآية ١٥.
* الشيخ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾، ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن ١٤، ١٥] هذا تقسيم، شرط؛ لأن فيها فعل الشرط وجوابه ﴿الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا﴾ توكيد؛ لأن قول الإنسان: أما زيد فقائم، وأما عمرو فقاعد، أوكد من قوله: زيد قائم، وعمرو قاعد، أعرفت؟ كم صار، حرف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) صح، ما كان صفة عند التأخر يكون حالًا عند التقدم، هذه القاعدة؛ لأن الصفة ما تقدم الموصوف، لكن ما كان صفة عند التأخر يكون حالًا عند التقدم، وعليه فتكون متعلقة بمحذوف حالًا من ﴿حَطَبًا﴾، حطبًا كائنًا، كائنًا لجهنم، فكانوا حطبًا كائنًا لجهنم، هذا الأصل.
* طالب: (...).
* الشيخ: أيهم؟ العجمة، لا المعروف العجمة، هذا اللي يعربونه، ضمير مذكر مفرد للغائب، أو يقدر ضمير بحسب السياق.
* طالب: (...).
* الشيخ: أسألك الآن هل ما بعدها فعلها وشرطها موجودان أو معدومان؟
* الطالب: موجودان؟
* الشيخ: موجودان، هل هما موجودان أو معدومان؟ شرطها وجوابها؟ بالنسبة للآية التي معنا، هل شرطها وجوابها موجودان أم لا؟
* الطالب: الظاهر موجودان.
* الشيخ: الظاهر موجودان، يعني: إذن الظاهر أنهم استقاموا على الطريقة وأسقاهم الله الماء الغدق كذا؟ كذا ولَّا لا؟ هذا المعنى عندك؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: أيش المعنى؟
* الطالب: يعني: لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم.
* الشيخ: يعني: الآن ما استقاموا، إذن حرف امتناع لوجود.
(...) القسم الثالث هذه.
* الطالب: حرف امتناع لوجود.
* الشيخ: صحيح، كنا ذكرنا لكم: إن فيه الحروف التي للوجود والعدم أو الامتناع تقاسمت الوجود والامتناع، منها حرف وجود لوجود، حرف امتناع لامتناع، حرف امتناع لوجود، فهمتم؟
* طالب: لو حرف امتناع لامتناع، و﴿اسْتَقَامُوا﴾ فعل ماض؟
* الشيخ: لا ﴿اسْتَقَامُوا﴾ فعل ماضٍ، ما سمعنا أن فعلًا ماضيًا يكون ﴿اسْتَقَامُوا﴾
* طالب: استقام.
* الشيخ: نعم.
* طالب: فعل ماض مبني على الضم.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لاتصاله بضمير الرفع المتحرك وهو الواو.
* الشيخ: سبحان الله، لاتصاله بضمير الرفع المتحرك وهو الواو.
* الطالب: ما هو متحرك، لاتصاله بالواو.
* الشيخ: بواو الجماعة، صح.
* الطالب: والواو فاعل مبني على السكون في محل رفع، وعلى حرف جر، الطريقة اسم مجرور بعلى وعلامة جره الكسرة الظاهرة، واللام للتعليل.
* الشيخ: أين خبر أن؟
* طالب: يقول: اللام للتعليل.
* الشيخ: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ﴾؟ لا ما وصلناها ما وصل، ﴿عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ وقف هذا حدك الآن، أين خبر أن؟
* طالب: الجملة ﴿أَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾.
* الشيخ: من أين الجملة؟
* الطالب: لو.
* الشيخ: من لو؟ وشرطها وجوابها؟
* الطالب: يعني: خبر أن المخففة.
* الشيخ: خبر أن المخففة، صح.
* طالب: (...)
* الشيخ: (...) ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ﴾؟
* طالب: أسقينا فعل ماضٍ.
* الشيخ: ما سمعنا أن أسقينا فعل ماضٍ؟
* الطالب: أسقى.
* الشيخ: أسقى فعل ماضٍ.
* الطالب: مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع.
* الشيخ: المتحرك نعم.
* الطالب: نا ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
* الشيخ: مفعول به ثان؟
* الطالب: أول.
* الشيخ: إذن مفعول به أول، مفعول أول لأسقينا، والميم؟
* الطالب: علامة الجمع. ﴿مَاءً﴾ المفعول الثاني.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: المفعول الثاني لأسقينا.
* الشيخ: لأسقى.
* الطالب: لأسقى.
* الشيخ: الجملة ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ﴾؟
* الطالب: جملة الجواب.
* الشيخ: ويش محلها من الإعراب؟
بل مثله شيء، إذن عطَّل كل نص يدل على نفي المماثلة، حينئذٍ صار كل ممثلٍ معطلًا، والله أعلم.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سبق أن ناقشنا في آية الكرسي وأخذنا فوائدها، كلها؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: طيب، وفيها فوائد أيضًا تظهر للمتأمل غير الذي أخذناه من قبل، وينبغي أن يتأمل الإنسان فيها أكثر؛ لأن فيها فوائد سنحت على البال أكثر مما أخذناه.
{"ayah":"ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَیُّ ٱلۡقَیُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةࣱ وَلَا نَوۡمࣱۚ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِی یَشۡفَعُ عِندَهُۥۤ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیۡءࣲ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَاۤءَۚ وَسِعَ كُرۡسِیُّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا یَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق