الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ رَوى مُسْلِمٌ في "صَحِيحِهِ" «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَهُ: "يا أبا المُنْذِرِ! أتَدْرِي أيَّ آَيَةٍ مِن كِتابِ اللَّهِ أعْظَمَ؟ " قالَ: قُلْتُ: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: "لِيَهْنِكَ العِلْمُ يا أبا المُنْذِرِ"» قالَ: أبُو عُبَيْدَةَ، القَيُّومُ: الَّذِي لا يَزُولُ، لِاسْتِقامَةِ وصْفِهِ بِالوُجُودِ، حَتّى لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ. وقالَ الزَّجّاجُ: القَيُّومُ: القائِمُ بِتَدْبِيرِ أمْرِ الخَلْقِ. وقالَ الخَطّابِيُّ: القَيُّومُ: هو القائِمُ الدّائِمُ بِلا زَوالٍ، وزْنُهُ: "فَيْعُولٌ" مِنَ القِيامِ، وهو نَعْتٌ لِلْمُبالِغَةِ لِلْقِيامِ عَلى الشَّيْءِ، ويُقالُ: هو القائِمُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِالرِّعايَةِ، يُقالُ: قُمْتُ بِالشَّيْءِ: إذا ولَيْتُهُ بِالرِّعايَةِ والمَصْلَحَةِ. وفي "القَيُّومِ" ثَلاثُ لُغاتٍ القَيُّومُ، وبِهِ قَرَأ الجُمْهُورُ، والقِيامُ، وبِهِ قَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وابْنُ (p-٣٠٣)مَسْعُودٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، والأعْمَشُ. والقَيِّمُ، وبِهِ قَرَأ أبُو رَزِينٍ، وعَلْقَمَةُ. وذَكَرَ ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّهُ كَذَلِكَ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: وأصْلُ القَيُّومِ: القَيْوُومُ: فَلَمّا اجْتَمَعَتِ الياءُ والواوُ والسّابِقُ ساكِنٌ، جُعِلَتا ياءً مُشَدَّدَةً. وأصْلُ القِيامِ: القَوّامُ، قالَ الفَرّاءُ: وأهْلُ الحِجازِ يُصَرِّفُونَ الفِعالَ [إلى ] الفَيْعالِ، فَيَقُولُونَ لِلصَّوّاغِ: صَيّاغٌ. فَأمّا "السَّنَةُ" فَهِيَ: النُّعاسُ مِن غَيْرِ نَوْمٍ، ومِنهُ: الوَسَنانِ. قالَ ابْنُ الرِّقاعِ: ؎ وكَأنَّها بَيْنَ النِّساءِ أعارَها عَيْنَيْهِ أحْوَرَ مِن جَآذِرٍ جاسِمِ ؎ وسْنانُ أقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ∗∗∗ في عَيْنِهِ سِنَةٌ، ولَيْسَ بِنائِمٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّما لَمْ يَقُلْ: والأرْضِينَ. لِأنَّهُ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الجَمْعِ في السَّماواتِ، فاسْتَغْنى بِذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ، ومِثْلُهُ ﴿وَجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ ولَمْ يَقُلِ: الأنْوارُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ﴾ فِيهِ رَدٌّ عَلى مَن قالَ: ﴿ما نَعْبُدُهم إلا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [ الزُّمَرِ: ٣ ] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ ظاهِرُ الكَلامِ يَقْتَضِي الإشارَةَ إلى جَمِيعِ الخَلْقِ، وقالَ مُقاتِلٌ: المُرادُ بِهِمُ المَلائِكَةُ. وفي المُرادِ بِـ ﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُهُما: أنَّ الَّذِي بَيْنَ أيْدِيهِمْ أمْرُ الآَخِرَةِ، والَّذِي خَلْفَهم أمْرُ الدُّنْيا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ. والثّانِي: أنَّ الَّذِي بَيْنَ أيْدِيهِمُ الدُّنْيا، والَّذِي خَلْفَهُمُ الآَخِرَةُ، قالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ جُرَيْجٍ، والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ: ما قَبْلَ خَلْقِهِمْ، وما خَلْفَهم، ما بَعْدَ خَلْقِهِمْ، قالَهُ مُقاتِلٌ. (p-٣٠٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ﴾ قالَ اللَّيْثُ: يُقالُ: لِكُلِّ مَن أحْرَزَ شَيْئًا، أوْ بَلَغَ عِلْمُهُ أقْصاهُ: قَدْ أحاطَ بِهِ. والمُرادُ بِالعِلْمِ هاهُنا: المَعْلُومُ، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ أيِ: احْتَمَلَ وأطاقَ. وفي المُرادِ بِالكُرْسِيِّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ كُرْسِيٌّ فَوْقَ السَّماءِ السّابِعَةِ دُونَ العَرْشِ، قالَ النَّبِيُّ ﷺ: « "ما السَّماواتُ السَّبْعُ في الكُرْسِيِّ إلّا كَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ في أرْضْ فَلاةٍ"» وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ. والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالكُرْسِيِّ عِلْمُ اللَّهِ تَعالى، رَواهُ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّ الكُرْسِيَّ هو العَرْشُ، قالَهُ الحَسَنُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَئُودُهُ﴾ أيْ: لا يُثْقِلُهُ، يُقالُ: آَدَهُ الشَّيْءُ يَؤُودُهُ أوْدًا وإيادًا. والأوْدُ: الثِّقَلُ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، والجَماعَةِ. والعَلِيُّ: العالِي القاهِرُ، "فَعِيلٌ" بِمَعْنى "فاعِلٍ" . وقالَ الخَطّابِيُّ: وقَدْ يَكُونُ مِنَ العُلُوِّ الَّذِي هو مَصْدَرُ: عَلا يَعْلُوا، فَهو عالٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى﴾ [ طه: ٥ ] . ويَكُونُ ذَلِكَ مِن عَلاءِ المَجْدِ والشَّرَفِ، يُقالُ مِنهُ: عَلى يَعْلى عَلاءً. ومَعْنى العَظِيمِ: ذُو العَظَمَةِ والجَلالِ، والعِظَمُ في حَقِّهِ تَعالى، مُنْصَرِفٌ إلى عِظَمِ الشَّأْنِ، وجَلالِ القَدْرِ، دُونَ العِظِمِ الَّذِي هو مِن نُعُوتِ الأجْسامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب