الباحث القرآني

﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والمُرادُ هو المُسْتَحِقُّ لِلْعُبُودِيَّةِ لا غَيْرَ، قِيلَ: ولِلنّاسِ في رَفْعِ الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ وكَذا في الِاسْمِ الكَرِيمِ إذا حَلَّ مَحَلَّهُ أقْوالٌ خَمْسَةٌ: قَوْلانِ مُعْتَبِرانِ، وثَلاثَةٌ لا مُعَوَّلَ عَلَيْها، فالقَوْلانِ المُعْتَبِرانِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلى البَدَلِيَّةِ، وثانِيهُما: أنْ يَكُونَ عَلى الخَبَرِيَّةِ والأوَّلُ هو الجارِي عَلى ألْسِنَةِ المُعْرِبِينَ وهو رَأْيُ اِبْنِ مالِكٍ، وعَلَيْهِ إمّا أنْ يُقَدَّرَ لِلْأخِيرِ أوْ لا، والقائِلُونَ بِالتَّقْدِيرِ اِخْتَلَفُوا؛ فَمِن مُقَدِّرٍ أمْرًا عامًّا كالوُجُودِ والإمْكانِ؛ ومِن مُقَدِّرٍ أمْرًا خاصًّا كَلَنا ولِلْخَلْقِ، واعْتُرِضَ تَقْدِيرُ العامِّ بِأنَّهُ يَلْزَمُ مِنهُ أحَدُ المَحْذُورَيْنِ إمّا عَدَمُ إثْباتِ الوُجُودِ بِالفِعْلِ لِلَّهِ تَعالى شَأْنَهُ وإمّا عَدَمُ تَنَزُّهِهِ سُبْحانَهُ عَنْ إمْكانِ الشَّرِكَةِ، وكَذا تَقْدِيرُ الخاصِّ يُرَدُّ عَلَيْهِ أنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ أوْ فِيهِ خَفاءٌ، ويُمْكِنُ الجَوابُ بِاخْتِيارِ تَقْدِيرِهِ عامًّا ولا مَحْذُورَ، أمّا عَلى تَقْدِيرِ الوُجُودِ فَلِأنَّ نَفْيَ الوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الإمْكانِ إذْ لَوِ اِتَّصَفَ فَرْدٌ آخَرُ بِوُجُوبِ الوُجُودِ لَوَجَدَ ضَرُورَةً فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عُلِمَ عَدَمُ اِتِّصافِهِ بِهِ وما لَمْ يَتَّصِفْ بِوُجُوبِ الوُجُودِ لَمْ يُمْكِنْ أنْ يَتَّصِفَ بِهِ لِاسْتِحالَةِ الِانْقِلابِ، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ الإمْكانِ فَلِأنّا نَقُولُ قَدْ ظَهَرَ أنَّ إمْكانَ اِتِّصافِ شَيْءٍ بِوُجُوبِ الوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ اِتِّصافَهُ بِالفِعْلِ بِالضَّرُورَةِ فَإذا اُسْتُفِيدَ إمْكانُهُ يُسْتَفادُ وجُودُهُ أيْضًا إذْ كُلَّما لَمْ يُوجَدْ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ واجِبَ الوُجُودِ عَلى أنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرَ واحِدٍ أنَّ نَفْيَ وُجُودِ إلَهٍ غَيْرِهِ تَعالى يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَرْتَبَةً مِنَ التَّوْحِيدِ يُناطُ بِها الإسْلامُ ويُكْتَفى بِها مِن أكْثَرِ العَوامِّ، وإنْ لَمْ يَعْلَمُوا نَفْيَ إمْكانِهِ سِيَّما مَعَ الغَفْلَةِ وعَدَمِ الشُّعُورِ بِهِ فَلا يَضُرُّ عَدَمُ دَلالَةِ الكَلِمَةِ عَلَيْهِ بَلْ قالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ إيجابَ النَّفْيِ جاءَ والآلِهَةُ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى مَوْجُودَةٌ، وقَدْ قامَتْ عِبادَتُها عَلى ساقٍ، وعَكَفَ عَلَيْها المُشْرِكُونَ في سائِرِ الآفاقِ، فَأمُرِ النّاسُ بِنَفْيِ وجُودِها مِن حَيْثُ إنَّها آلِهَةً حَقَّةً، ولَوْ كانَ إذْ ذاكَ قَوْمٌ يَقُولُونَ بِإمْكانِ وُجُودِ إلَهٍ حَقٍّ غَيْرِهِ تَعالى لَكِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ أصْلًا لَأمَرُوا بِنَفْيِ ذَلِكَ الإمْكانِ ولا يَخْفى أنَّ هَذا لَيْسَ مِنَ المَتانَةِ بِمَكانٍ، ويُمْكِنُ الجَوابُ بِاخْتِيارِ تَقْدِيرِهِ خاصًّا بِأنْ يَكُونَ ذَلِكَ الخاصُّ مُسْتَحِقًّا لِلْعِبادَةِ والمُقامُ قَرِينَةً واضِحَةً عَلَيْهِ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى نَفْيِ التَّعَدُّدِ لا بِالإمْكانِ ولا بِالفِعْلِ لِجَوازِ وُجُودِ إلَهٍ غَيْرِهِ سُبْحانَهُ لا يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ وبِأنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ المُرادَ إمّا نَفْيُ المُسْتَحِقِّ غَيْرَهُ تَعالى بِالفِعْلِ أوِ الإمْكانِ، والأوَّلُ: لا يَنْفِي الإمْكانَ، والثّانِي: لا يَدُلُّ عَلى اِسْتِحْقاقِهِ تَعالى بِالفِعْلِ، وأُجِيبَ بِأنَّ مِنَ المَعْلُومِ بِأنَّ وُجُوبَ الوُجُودِ مَبْدَأُ جَمِيعِ الكِمالاتِ فَلا رَيْبَ أنَّهُ يُوجِبُ اِسْتِحْقاقَ التَّعْظِيمِ والتَّبْجِيلِ ولا مَعْنى لِاسْتِحْقاقِ العِبادَةِ سِواهُ فَإذا لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ تَعالى لِلْعِبادَةِ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ تَعالى وإلّا لاسْتَحَقَّ العِبادَةَ قَطْعًا وإذا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أيْضًا عَلى ما أُشِيرَ إلَيْهِ فَثَبَتَ أنَّ نَفْيَ الِاسْتِحْقاقِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا، والقائِلُونَ بِعَدَمِ (p-6)تَقْدِيرِ الخَبَرِ ذَهَبَ الأكْثَرُ مِنهم إلى أنَّ (لا) هَذِهِ لا خَبَرَ لَها، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ اِنْتِفاءُ الحُكْمِ والعَقْدِ وهو باطِلٌ قَطْعًا ضَرُورَةَ اِقْتِضاءِ التَّوْحِيدِ ذَلِكَ، وأُجِيبَ بِأنَّ القَوْلَ بِعَدَمِ الِاحْتِياجِ لا يُخْرِجُ المُرَكَّبَ مِن لا واسْمِها عَنِ العَقْدِ لِأنَّ مَعْناهُ اِنْتَفى هَذا الجِنْسَ مِن غَيْرِ هَذا الفَرْدِ وإلّا عِنْدَ هَؤُلاءِ بِمَعْنى غَيْرِ تابِعَةٌ لِمَحَلِّ اِسْمِ (لا) وظَهَرَ إعْرابُها فِيما بَعْدَها ولا مَجالَ لِجَعْلِها لِلِاسْتِثْناءِ إذْ لَوْ كانَتْ لَهُ لَما أفادَ الكَلامُ التَّوْحِيدَ لَأنَّ حاصِلَهُ حِينَئِذٍ أنَّ هَذا الجِنْسَ عَلى تَقْدِيرِ عَدَمِ دُخُولِ هَذا الفَرْدِ فِيهِ مُنْتَفٍ فَيُفْهَمُ مِنهُ عَدَمُ اِنْتِفاءِ أفْرادِ غَيْرِ خارِجٍ عَنْها ذَلِكَ وهو بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّوْحِيدِ كَما لا يَخْفى. واسْتُشْكِلَ الإبْدالُ مِن جِهَتَيْنِ، الأوَّلِ: أنَّهُ بَدَلٌ بَعْضٌ ولا ضَمِيرَ لِلْمُبْدَلِ مِنهُ وهو شَرْطٌ فِيهِ، الثّانِي: أنَّ بَيْنَهُما مُخالَفَةً فَإنَّ البَدَلَ مُوجَبٌ والمُبْدَلَ مِنهُ مَنفِيٌّ، وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ: بِأنَّ (إلّا) تُغْنِي عَنِ الضَّمِيرِ لِإفْهامِها البَعْضِيَّةَ، وعَنِ الثّانِي: بِأنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الأوَّلِ في عَمَلِ العامِلِ، وتَخالُفُهُما في الإيجابِ والنَّفْيِ لا يَمْنَعُ البَدَلِيَّةَ عَلى أنَّهُ لَوْ قِيلَ: إنَّ البَدَلَ في الِاسْتِثْناءِ عَلى حِدَةٍ لَمْ يَبْعُدْ. والثّانِي: مِنَ القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ وهو القَوْلُ بِخَبَرِيَّةِ ما بَعْدَ (إلّا) ذَهَبَ إلَيْهِ جَماعَةٌ وضُعِّفَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ عَمَلُ (لا) في المَعارِفِ وهي لا تَعْمَلُ فِيها وبِأنَّ اِسْمَها عامٌّ وما بَعْدَ (إلّا) خاصٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ خَبَرًا، وقَدْ قالُوا: بِامْتِناعِ الحَيَوانِ إنْسانًا، وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ: بِأنَّ (لا) لا عَمَلَ لَها في الخَبَرِ عَلى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وأنَّهُ حِينَ دُخُولِها مَرْفُوعٌ بِما كانَ مَرْفُوعًا بِهِ قَبْلُ فَلَمْ يَلْزَمْ عَمَلُها في المَعْرِفَةِ وهو كَما تَرى، وعَنِ الثّانِي: بِأنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ في التَّرْكِيبِ قَدْ أخْبَرَ بِالخاصِّ عَنِ العامِّ إذِ العُمُومُ مَنفِيٌّ والكَلامُ مَسُوقُ العُمُومِ، والتَّخْصِيصُ بِواحِدٍ مِن أفْرادِ ما دَلَّ عَلَيْهِ العامُّ وفِيهِ ما فِيهِ. وأمّا الأقْوالُ الثَّلاثَةُ الَّتِي لا يُعَوَّلُ عَلَيْها فَأوَّلُها: أنَّ (إلّا) لَيْسَتْ أداةَ اِسْتِثْناءٍ وإنَّما هي بِمَعْنى غَيْرٍ وهي مَعَ اِسْمِهِ تَعالى شَأْنُهُ صِفَةٌ لا اِسْمُ لا بِاعْتِبارِ المَحَلِّ، والتَّقْدِيرُ لا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى في الوُجُودِ، وثانِيها: وقَدْ نُسِبَ لِلزَّمَخْشَرِيِّ أنْ لا إلَهَ في مَوْضِعِ الخَبَرِ و(إلّا) وما بَعْدَها في مَوْضِعِ المُبْتَدَأِ، والأصْلُ هو أوِ اللَّهُ إلَهٌ، فَلَمّا أُرِيدَ قَصْرُ الصِّفَةِ عَلى المَوْصُوفِ قُدِّمَ الخَبَرُ وقُرِنَ المُبْتَدَأُ بِإلّا إذِ المَقْصُورُ عَلَيْهِ هو الَّذِي يَلِي (إلّا) والمَقْصُورُ هو الواقِعُ في سِياقِ النَّفْيِ، والمُبْتَدَأُ إذا اِقْتُرِنَ بِإلّا وجَبَ تَقْدِيمُ الخَبَرِ عَلَيْهِ كَما قُرِّرَ في مَوْضِعِهِ، وثالِثُها: أنَّ ما بَعْدَ (إلّا) مَرْفُوعٌ بِإلَهٍ كَما هو حالُ المُبْتَدَأِ إذا كانَ وصْفًا لِأنَّ إلَهًا بِمَعْنى مَأْلُوهٍ فَيَكُونُ قائِمًا مَقامَ الفاعِلِ وِسادًّا مَسَدَّ الخَبَرِ كَما في ما مَضْرُوبِ العُمْرانِ، ويُرَدُّ عَلى الأوَّلِ: أنَّ فِيهِ خَلَلًا مِن جِهَةِ المَعْنى لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الكَلِمَةِ أمْرانِ نَفْيُ الإلَهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعالى وإثْباتُها لَهُ سُبْحانَهُ وهَذا إنَّما يَتِمُّ إذا كانَ (إلّا) فِيها لِلِاسْتِثْناءِ إذْ يُسْتَفادُ النَّفْيُ والإثْباتُ حِينَئِذٍ بِالمَنطُوقِ، وأمّا إذا كانَتْ بِمَعْنى غَيْرٍ فَلا يُفِيدُ الكَلامُ بِمَنطُوقِهِ إلّا نَفْيَ الإلَهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ تَعالى، وأمّا إثْباتُها لَهُ عَزَّ اِسْمُهُ فَلا يُسْتَفادُ مِنَ التَّرْكِيبِ واسْتِفادَتُهُ مِنَ المَفْهُومِ لا تَكادُ تُقْبَلُ لِأنَّهُ إنْ كانَ مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلا عِبْرَةَ بِهِ ولَوْ عِنْدَ القائِلِينَ بِالمَفْهُومِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ إلّا الدَّقّاقُ وبَعْضُ الحَنابِلَةِ، وإنْ كانَ مَفْهُومُ صِفَةٍ فَمِنَ البَيِّنِ أنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، ويُرَدُّ عَلى الثّانِي: أنَّهُ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّمَحُّلِ يَلْزَمُ مِنهُ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ مَبْنِيًّا مَعَ (لا) وهي لا يُبْنى مَعَها إلّا المُبْتَدَأُ، وأيْضًا لَوْ كانَ الأمْرُ كَما ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ لِنَصْبِ الِاسْمِ الواقِعِ بَعْدَ (إلّا) في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ وجْهٌ، وقَدْ جَوَّزَهُ فِيهِ جَماعَةٌ، وعَلى الثّالِثِ: أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إلَهًا وصْفٌ وإلّا لَوَجَبَ إعْرابُهُ وتَنْوِينُهُ ولا قائِلَ بِهِ. هَذا ولِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى عَوْدَةٌ بَعْدَ عَوْدَةٍ إلى ما في هَذِهِ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ مِنَ الكَلامِ. وفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الحَيُّ﴾ سَبْعَةُ أوْجُهٍ مِن وُجُوهِ الإعْرابِ: الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ خَبَرًا ثانِيًا لِلَفْظِ الجَلالَةِ، الثّانِي: أنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو الحَيُّ، الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾، الرّابِعُ: أنْ يَكُونَ (p-7)بَدَلًا مِن (هُوَ) وحْدَهُ، الخامِسُ: أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ ﴿لا تَأْخُذُهُ﴾، السّادِسُ: أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ (اَللَّهِ)، السّابِعُ أنَّهُ صِفَةٌ لَهُ ويُعَضِّدُهُ القِراءَةُ بِالنَّصْبِ عَلى المَدْحِ لِاخْتِصاصِهِ بِالنَّعْتِ، وفي أصْلِهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّ أصْلَهُ حَيِّي بِ يائَيْنِ مِن حَيَّ يَحَيُّ، والثّانِي: أنَّهُ حَيِوَ فَقُلِبَتِ الواوُ المُتَطَرِّفَةُ المُنْكَسِرُ ما قَبْلَها ياءً، ولِذَلِكَ كَتَبُوا الحَياةَ بِواوٍ في رَسْمِ المُصْحَفِ تَنْبِيهًا عَلى هَذا الأصْلِ، ويُؤَيِّدُهُ الحَيَوانُ لِظُهُورِ هَذا الأصْلِ فِيهِ، ووَزْنُهُ قِيلَ: فَعِلَ وقِيلَ: فَيْعِلَ فَخُفِّفَ كَمَيْتٍ في مَيِّتٍ. والحَياةُ عِنْدَ الطَّبِيعِيِّ القُوَّةُ التّابِعَةُ لِلِاعْتِدالِ النَّوْعِيِّ الَّتِي تَفِيضُ عَنْها سائِرُ القُوى الحَيَوانِيَّةِ أوْ قُوَّةُ التَّغْذِيَةِ أوْ قُوَّةُ الحِسِّ أوْ قُوَّةٌ تَقْتَضِي الحِسَّ والحَرَكَةَ، والكُلُّ مِمّا يَمْتَنِعُ اِتِّصافُ اللَّهِ تَعالى بِهِ لِأنَّهُ مِن صِفاتِ الجُسْمانِيّاتِ فَهي فِيهِ سُبْحانَهُ صِفَةٌ مَوْجُودَةٌ حَقِيقِيَّةٌ قائِمَةٌ بِذاتِهِ لا يَكْتَنِهُ كُنْهَها ولا تُعْلَمُ حَقِيقَتُها كَسائِرِ صِفاتِهِ جَلَّ شَأْنُهُ زائِدَةٌ عَلى مَجْمُوعِ العِلْمِ والقُدْرَةِ ولَيْسَتْ نَفْسَ الذّاتِ حَقِيقَةً ولا ثابِتَةً لا مَوْجُودَةً ولا مَعْدُومَةً كَما قِيلَ بِكُلٍّ فالحَيُّ ذاتٌ قامَتْ بِهِ تِلْكَ الصِّفَةُ، وفَسَّرَهُ بَعْضُ المُتَكَلِّمِينَ ((بِأنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ أنْ يَعْلَمَ ويَقْدِرَ، واعْتَرَضَهُ الإمامُ بِأنَّ هَذا القَدْرَ حاصِلٌ لِجَمِيعِ الحَيَواناتِ فَكَيْفَ يَحْسُنُ أنْ يَمْدَحَ اللَّهُ تَعالى نَفْسَهُ بِصِفَةٍ يُشارِكُهُ بِها أخَسُّ الحَيَواناتِ؟ ثُمَّ قالَ واَلَّذِي عِنْدِي في هَذا البابِ أنَّ الحَيَّ في أصْلِ اللُّغَةِ لَيْسَ عِبارَةً عَنْ نَفْسِ هَذِهِ الصِّحَّةِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ كانَ كامِلًا في جِنْسِهِ يُسَمّى حَيًّا ألا يُرى أنَّ عِمارَةَ الأرْضِ الخَرِبَةِ تُسَمّى إحْياءَ المَواتِ، والصِّفَةُ المُسَمّاةُ في عُرْفِ المُتَكَلِّمِينَ حَياةً إنَّما سُمِّيَتْ بِها لِأنَّها كَمالُ الجِسْمِ أنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلا جَرَمَ سُمِّيَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ حَياةً، وكَمالُ حالِ الأشْجارِ أنَّ تَكُونَ مُورِقَةً خَضِرَةً فَلا جَرَمَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الحالُ حَياةً فالمَفْهُومُ الأصْلِيُّ مِنَ الحَيِّ كَوْنُهُ واقِعًا عَلى أكْمَلِ أحْوالِهِ وصِفاتِهِ وإذا كانَ كَذَلِكَ زالَ الإشْكالُ لِأنَّ المَفْهُومَ مِنَ الحَيِّ هو الكامِلُ ولَمّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقَيَّدًا دَلَّ عَلى أنَّهُ كامِلٌ عَلى الإطْلاقِ، والكامِلُ كَذَلِكَ مَن لا يَكُونُ قابِلًا لِلْعَدَمِ لا في ذاتِهِ ولا في صِفاتِهِ الحَقِيقِيَّةِ ولا في صِفاتِهِ السَّلْبِيَّةِ والإضافِيَّةِ)) اِنْتَهى. ولا يَخْفى أنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَوارِيرَ، أمّا أوَّلًا: فَلِأنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الحَيَّ بِمَعْنى الَّذِي يَصِحُّ أنْ يَعْلَمَ ويَقْدِرَ مِمّا يَشْتَرِكُ بِهِ سائِرُ الحَيَواناتِ فَلا يَحْسُنُ أنْ يَمْدَحَ اللَّهُ تَعالى بِهِ نَفْسَهُ في غايَةِ السُّقُوطِ لِأنَّهُ إنْ أرادَ الِاشْتِراكَ في إطْلاقِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ الحَيُّ وحْدَهُ كَذَلِكَ بَلِ السَّمِيعُ والبَصِيرُ أيْضًا مِثْلُهُ في الإطْلاقِ عَلى أخَسِّ الحَيَواناتِ، وقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعالى بِهِما نَفْسَهُ ولَمْ يَسْتَشْكِلْ ذَلِكَ أهْلُ السُّنَّةِ، وإنْ أرادَ الِاشْتِراكَ في الحَقِيقَةِ فَمَعاذَ اللَّهِ تَعالى مِن ذَلِكَ إذِ الِاشْتِراكُ فِيها مُسْتَحِيلٌ بَيْنَ التُّرابِ ورَبِّ الأرْبابِ، وبَيْنَ الأزَلِيِّ والزّائِلِ، ومَتى قُلْتَ إنَّ الِاشْتِراكَ في إطْلاقِ اللَّفْظِ يُوجِبُ ذَلِكَ الِاشْتِراكَ حَقِيقَةً، ولا مَناصَ عَنْهُ إلّا بِالحَمْلِ عَلى المَجازِ لَزِمَكَ مِثْلُ ذَلِكَ في سائِرِ الصِّفاتِ ولا قائِلَ بِهِ مِن أهْلِ السُّنَّةِ، وأما ثانِيًا: فَلِأنَّ كَوْنَ الحَياةِ في اللُّغَةِ بِمَعْنى الكَمالِ مِمّا لَمْ يَثْبُتْ في شَيْءٍ مِن كُتُبِ اللُّغَةِ أصْلًا وإنَّما الثّابِتُ فِيها غَيْرُ ذَلِكَ ووَصْفُ الجَماداتِ بِها إنَّما هو عَلى سَبِيلِ المَجازِ دُونَ الحَقِيقَةِ كَما وهَمَ، فَإنْ قالَ: إنَّها مَجازٌ في اللَّهِ تَعالى أيْضًا بِذَلِكَ المَعْنى عادَ الإشْكالُ بِحُصُولِ الِاشْتِراكِ في الكَمالِ مَعَ الجَماداتِ فَضْلًا عَنِ الحَيَوانِ، فَإنْ قالَ: كَمالُ كُلِّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَلِيقُ بِهِ قُلْنا: فَحَياةُ كُلِّ حَيٍّ حَقِيقَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلى ما يَلِيقُ بِهِ، ولَيْسَ كَمِثْلِ اللَّهِ تَعالى شَيْءٌ، وكَأنِّي بِكَ تَفْهَمُ مِن كَلامِي المَيْلَ إلى مَذْهَبِ السَّلَفِ في مِثْلِ هَذِهِ المَواطِنِ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ فَهْمَ القَوْمِ كُلَّ القَوْمِ. ؎ويا حَبَّذا هِنْدٌ وأرْضٌ بِها هِنْدُ واَلزَّمَخْشَرِيُّ فَسَّرَ الحَيَّ بِالباقِي الَّذِي لا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِلْمَوْتِ والفَناءِ وجَعَلُوا ذَلِكَ مِنهُ تَفْسِيرًا بِما هو المُتَعارَفُ مِن كَلامِ العَرَبِ وأرى أنَّ في القَلْبِ مِنهُ شَيْءٌ، ولَعَلِّي مِن وراءِ المَنعِ لِذَلِكَ، نَعَمْ رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ الَّذِي لا يَمُوتُ وهو لَيْسَ بِنَصٍّ في المُدَّعى. ﴿القَيُّومُ﴾ صِيغَةُ مُبالَغَةٍ لِلْقِيامِ وأصْلُهُ قَيْوُومٌ عَلى فَيْعُولٍ فاجْتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسُبِقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً (p-8)وأُدْغِمَتْ؛ ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فَعُولًا وإلّا لَكانَ قَوُومًا لِأنَّهُ واوِيٌّ، ويَجُوزُ فِيهِ قَيّامُ وقَيِّمٌ وبِهِما قُرِئَ، ورُوِيَ أوَّلُهُما عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وقُرِئَ (اَلْقائِمَ) و(اَلْقَيُّومَ) بِالنَّصْبِ ومَعْناهُ كَما قالَ الضَّحّاكُ وابْنُ جُبَيْرٍ: الدّائِمُ الوُجُودِ، وقِيلَ: القائِمُ بِذاتِهِ، وقِيلَ: القائِمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ مِن إنْشائِهِمُ اِبْتِداءً وإيصالِ أرْزاقِهِمْ إلَيْهِمْ وهو المَرْوِيُّ عَنْ قَتادَةَ وقِيلَ: هو العالِمُ بِالأُمُورِ مِن قَوْلِهِمْ فُلانٌ يَقُومُ بِالكِتابِ أيْ يَعْلَمُ ما فِيهِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هو الدّائِمُ القَيّامُ بِتَدْبِيرِ الخَلْقِ وحِفْظِهِ، وذَكَرَ الرّاغِبُ أنَّهُ يُقالُ: قامَ كَذا أيْ دامَ وقامَ بِكَذا أيْ حَفِظَهُ، والقَيُّومُ القائِمُ الحافِظُ لِكُلِّ شَيْءٍ والمُعْطِي لَهُ ما بِهِ قِوامُهُ، والظّاهِرُ مِنهُ أنَّ القِيامَ بِمَعْنى الدَّوامِ ثُمَّ يَصِيرُ بِالتَّعْدِيَةِ بِمَعْنى الإدامَةِ وهو الحِفْظُ فَأوْرَدَ عَلَيْهِ أنَّ المُبالَغَةَ لَيْسَتْ مِن أسْبابِ التَّعْدِيَةِ فَإذا عُرِّيَ القَيُّومُ عَنْ أداتِها كانَ بِمَعْنى اللّازِمِ فَلا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِالحافِظِ ثُمَّ إنَّ المُبالِغَةَ في الحِفْظِ كَيْفَ تُفِيدُ إعْطاءَ ما بِهِ القِوامُ، ولَعَلَّهُ مِن حَيْثُ إنَّ الِاسْتِقْلالَ بِالحِفْظِ إنَّما يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ كَما لا يَخْفى، وأوْرَدَ عَلى تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِ القائِمِ بِذاتِهِ أنْ يَكُونَ مَعْنى قَيُّومِ السَّماواتِ والأرْضِ الوارِدِ في الأدْعِيَةِ المَأْثُورَةِ واجِبُ السَّماواتِ والأرْضِ وهو كَما تَرى، فالظّاهِرُ أنَّهُ فِيهِ بِمَعْنًى آخَرَ مِمّا يَلِيقُ إذْ لا يَصِحُّ ذَلِكَ إلّا بِنَوْعِ تَمَحُّلٍ. وذَهَبَ جَمْعٌ إلى أنَّ القَيُّومَ هو اِسْمُ اللَّهِ تَعالى الأعْظَمُ، وفَسَّرَهُ هَؤُلاءِ بِأنَّهُ القائِمُ بِذاتِهِ والمُقَوِّمُ لِغَيْرِهِ، وفَسَّرُوا القِيامَ بِالذّاتِ بِوُجُوبِ الوُجُودِ المُسْتَلْزِمِ لِجَمِيعِ الكِمالاتِ والتَّنَزُّهِ عَنْ سائِرِ وُجُوهِ النَّقْصِ وجَعَلُوا التَّقْوِيمَ لِلْغَيْرِ مُتَضَمِّنًا جَمِيعَ الصِّفاتِ الفِعْلِيَّةِ فَصَحَّ لَهُمُ القَوْلُ بِذَلِكَ وأغْرَبُ الأقْوالِ أنَّهُ لَفْظٌ سُرْيانِيٌّ ومَعْناهُ بِالسُّرْيانِيَّةِ الَّذِي لا يَنامُ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ لِأنَّهُ يَتَكَرَّرُ حِينَئِذٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ﴾ السِّنَةُ بِكَسْرِ أوَّلِهِ فُتُورٌ يَتَقَدَّمُ النَّوْمَ ولَيْسَ بِنَوْمٍ لِقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ الرِّقاعِ: ؎وسِنانُ أقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ∗∗∗ في عَيْنِهِ (سِنَةٌ) ولَيْسَ بِنائِمِ والنَّوْمُ بَدِيهِيُّ التَّصَوُّرِ يَعْرِضُ لِلْحَيَوانِ مِنَ اِسْتِرْخاءِ أعْصابِ الدِّماغِ مِن رُطُوباتِ الأبْخِرَةِ المُتَصاعِدَةِ بِحَيْثُ تَقِفُ الحَواسُّ الظّاهِرَةُ عَنِ الإحْساسِ رَأْسًا، وزَعَمَ السُّيُوطِيُّ في بَعْضِ «رَسائِلِهِ» أنَّ سَبَبَهُ شَمَّ هَواءٍ يَهُبُّ مِن تَحْتِ العَرْشِ، ولَعَلَّهُ أرادَ تَصاعُدَ الأبْخِرَةِ مِنَ المَعِدَةِ تَحْتَ القَلْبِ الَّذِي هو عَرْشُ الرُّوحِ وإلّا فَلا أعْقِلُهُ، وتَقْدِيمُ السِّنَةِ عَلَيْهِ وقِياسُ المُبالَغَةِ يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ مُراعاةً لِلتَّرْتِيبِ الوُجُودِيِّ فَلِتَقَدُّمِها عَلى النَّوْمِ في الخارِجِ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ في اللَّفْظِ، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى طَرِيقِ التَّتْمِيمِ وهو أبْلَغُ لِما فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ إذْ نَفِيُ السِّنَةِ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّوْمِ ضِمْنًا فَإذا نُفِيَ ثانِيًا كانَ أبْلَغَ، ورُدَّ بِأنَّهُ إنَّما هو عَلى أُسْلُوبِ الإحاطَةِ والإحْصاءِ وهو مُتَعَيَّنٌ فِيهِ مُراعاةُ التَّرْتِيبِ الوُجُودِيِّ والِابْتِداءِ مِنَ الأخَفِّ فالأخَفِّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً﴾ ولِهَذا تَوَسَّطَتْ كَلِمَةُ (لا) تَنْصِيصًا عَلى الإحاطَةِ وشُمُولِ النَّفْيِ لِكُلٍّ مِنهُما، وقِيلَ: إنَّ تَأْخِيرَ النَّوْمِ رِعايَةً لِلْفَواصِلِ ولا يَخْفى أنَّهُ مِن ضِيقِ العَطَنِ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: هَذا كُلُّهُ إنَّما يُحْتاجُ إلَيْهِ إذا أُخِذَ الأخْذُ بِمَعْنى العُرُوضِ والِاعْتِراءِ، وأمّا لَوْ أخَذَ بِمَعْنى القَهْرِ والغَلَبَةِ كَما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ وغَيْرُهُ مِن أئِمَّةِ اللُّغَةِ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ فالتَّرْتِيبُ عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ إذْ يَكُونُ المَعْنى لا تَغْلِبُهُ السِّنَةُ ولا النَّوْمُ الَّذِي هو أكْثَرُ غَلَبَةً مِنها. والجُمْلَةُ نَفْيٌ لِلتَّشْبِيهِ وتَنْزِيهٌ لَهُ تَعالى أنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ مِنَ الأحْياءِ لِأنَّها لا تَخْلُو مِن ذَلِكَ فَكَيْفَ تُشابِهُهُ، وفِيها تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ تَعالى حَيًّا قَيُّومًا لِأنَّ النَّوْمَ آفَةٌ تُنافِي دَوامَ الحَياةِ وبَقاءَها وصِفاتُهُ تَعالى قَدِيمَةٌ لا زَوالَ لَها ولِأنَّ مَن يَعْتَرِيهِ النَّوْمُ والغَلَبَةُ لا يَكُونُ واجِبَ الوُجُودِ دائِمَهُ ولا عالِمًا مُسْتَمِرَّ العِلْمِ ولا حافِظًا قَوِيَّ الحِفْظِ، وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ (p-9)رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما «أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قالُوا: يا مُوسى هَلْ يَنامُ رَبُّكَ؟ قالَ: اِتَّقَوُا اللَّهَ تَعالى فَناداهُ رَبُّهُ يا مُوسى سَألُوكَ هَلْ يَنامُ رَبُّكَ فَخُذْ زُجاجَتَيْنِ في يَدَيْكَ فَقُمِ اللَّيْلَ فَفَعَلَ مُوسى فَلَمّا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلْثٌ نَعَسَ فَوَقَعَ لِرُكْبَتَيْهِ ثُمَّ اِنْتَعَشَ فَضَبَطَهُما حَتّى إذا كانَ آخِرَ اللَّيْلِ نَعَسَ فَسَقَطَتْ الزُّجاجَتانِ فانْكَسَرَتا فَقالَ: يا مُوسى لَوْ كُنْتُ أنامُ لَسَقَطَتِ السَّماواتُ والأرْضُ فَهَلَكْنَ كَما هَلَكَتِ الزُّجاجَتانِ في يَدَيْكَ» ولِما فِيها مِنَ التَّأْكِيدِ كاَلَّذِي بَعْدَها تُرِكَ العاطِفُ فِيها وهي إمّا اِسْتِئْنافِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ وإمّا حالٌ مُؤَكَّدَةٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في ﴿القَيُّومُ﴾، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنِ الحَيِّ أوْ عَنِ الِاسْمِ الجَلِيلِ. ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ تَقْرِيرٌ لِقَيُّومِيَّتِهِ تَعالى واحْتِجاجٌ عَلى تَفَرُّدِهِ في الإلَهِيَّةِ، والمُرادُ بِما فِيهِما ما هو أعَمُّ مِن أجْزائِهِما الدّاخِلَةِ فِيهِما ومِنَ الأُمُورِ الخارِجَةِ عَنْهُما المُتَمَكِّنَةِ فِيهِما مِنَ العُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ فَيُعْلَمُ مِنَ الآيَةِ نَفْيُ كَوْنِ الشَّمْسِ والقَمَرِ وسائِرِ النُّجُومِ والمَلائِكَةِ والأصْنامِ والطَّواغِيتِ آلِهَةً مُسْتَحِقَّةً لِلْعِبادَةِ. ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ﴾ اِسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ ولِذا دَخَلَتْ (إلّا) والمَقْصُودُ مِنهُ بَيانُ كِبْرِياءِ شَأْنِهِ تَعالى وأنَّهُ لا أحَدَ يُساوِيهِ أوْ يُدانِيهِ بِحَيْثُ يَسْتَقِلُّ أنْ يَدْفَعَ ما يُرِيدُهُ دَفْعًا عَلى وجْهِ الشَّفاعَةِ والِاسْتِكانَةِ والخُضُوعِ فَضْلًا عَنْ أنْ يَسْتَقِلَّ بِدَفْعِهِ عِنادًا أوْ مُناصَبَةً وعَداوَةً وفي ذَلِكَ تَأْيِيسٌ لِلْكُفّارِ حَيْثُ زَعَمُوا أنَّ آلِهَتَهم شُفَعاءُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ أيْ أمْرَ الدُّنْيا ﴿وما خَلْفَهُمْ﴾ أيْ أمْرَ الآخِرَةِ قالَهُ مُجاهِدٌ وابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُما، ورُوِيَ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وقَتادَةُ عَكْسُ ذَلِكَ، وقِيلَ: يَعْلَمُ ما كانَ قَبْلَهم وما كانَ بَعْدَهُمْ، وقِيلَ: ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ وما خَلْفَهم مِمّا فَعَلُوهُ كَذَلِكَ، وقِيلَ: ما يُدْرِكُونَهُ وما لا يُدْرِكُونَهُ أوْ ما يُحِسُّونَهُ ويَعْقِلُونَهُ والكُلُّ مُحْتَمَلٌ، ووَجْهُ الإطْلاقِ فِيهِ ظاهِرٌ، وضَمِيرُ الجَمْعِ يَعُودُ عَلى ما في ﴿ما في السَّماواتِ﴾ الخ إلّا أنَّهُ غَلَّبَ مَن يَعْقِلُ عَلى غَيْرِهِ، وقِيلَ: لِلْعُقَلاءِ في ضِمْنِهِ فَلا تَغْلِيبَ، وجُوِّزَ أنْ يَعُودَ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ ﴿مَن ذا﴾ مِنَ المَلائِكَةِ والأنْبِياءِ، وقِيلَ: الأنْبِياءُ خاصَّةً، والعِلْمُ بِما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم كِنايَةٌ عَنْ إحاطَةِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ، والجُمْلَةُ إمّا اِسْتِئْنافٌ أوْ خَبَرٌ عَمّا قَبْلُ أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ (يَشْفَعُ) أوْ مِنَ المَجْرُورِ في (بِإذْنِهِ). ﴿ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ﴾ أيْ مَعْلُومِهِ كَقَوْلِهِمُ: اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنا عِلْمَكَ فِينا، والإحاطَةُ بِالشَّيْءِ عِلْمًا عِلْمُهُ كَما هو عَلى الحَقِيقَةِ، والمَعْنى لا يَعْلَمُ أحَدٌ مِن هَؤُلاءِ كُنْهَ شَيْءٍ ما مِن مَعْلُوماتِهِ تَعالى ﴿إلا بِما شاءَ﴾ أنْ يَعْلَمَ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ (مِن عِلْمِهِ) مَعْلُومُهُ الخاصُّ وهو كُلُّ ما في الغَيْبِ ﴿فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أحَدًا﴾ ﴿إلا مَنِ ارْتَضى مَنِ رَسُولٍ﴾ وعُطِفَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ عَلى ما قَبْلَها لِمُغايَرَتِها لَهُ لِأنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ وهَذِهِ تُفِيدُ أنَّهُ لا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ومَجْمُوعُهُما دالٌّ عَلى تَفَرُّدِهِ تَعالى بِالعِلْمِ الذّاتِيِّ الَّذِي هو مِن أُصُولِ صِفاتِ الكَمالِ الَّتِي يَجِبُ أنْ يَتَّصِفَ الإلَهُ تَعالى شَأْنُهُ بِها بِالفِعْلِ. ﴿وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ الكُرْسِيُّ جِسْمٌ بَيْنَ يَدَيِ العَرْشِ مُحِيطٌ بِالسَّماواتِ السَّبْعِ، وقَدْ أخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ: لَوْ أنَّ السَّماواتَ السَّبْعَ والأرْضِينَ السَّبْعَ بُسِطْنَ ثُمَّ وُصِلْنَ بَعْضُهُنَّ إلى بَعْضِ ما كُنَّ في سِعَتِهِ أيِ الكُرْسِيِّ إلّا بِمَنزِلَةِ الحَلْقَةِ في المَفازَةِ وهو غَيْرُ العَرْشِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ اِبْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي ذَرٍّ «أنَّهُ سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الكُرْسِيِّ فَقالَ: ”يا أبا ذَرٍّ ما السَّماواتُ السَّبْعُ والأرْضُونَ السَّبْعُ عِنْدَ الكُرْسِيِّ إلّا كَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ بِأرْضِ فَلاةٍ وأنَّ فَضْلَ العَرْشِ عَلى الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ عَلى تِلْكَ الحَلْقَةِ“» وفي رِوايَةِ الدّارَقُطْنِيِّ والخَطِيبِ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما (p-10)قالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ الخ «قالَ: كُرْسِيُّهُ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ والعَرْشُ لا يُقَدَّرُ قَدْرُهُ» وقِيلَ: هو العَرْشُ نَفْسُهُ، ونُسِبَ ذَلِكَ إلى الحَسَنِ، وقِيلَ: قُدْرَةُ اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ: تَدْبِيرُهُ، وقِيلَ: مَلَكٌ مِن مَلائِكَتِهِ، وقِيلَ: مَجازٌ عَنِ العِلْمِ مِن تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَكانِهِ لِأنَّ الكُرْسِيَّ مَكانُ العالَمِ الَّذِي فِيهِ العِلْمُ فَيَكُونُ مَكانًا لِلْعِلْمِ بِتَبَعِيَّتِهِ لِأنَّ العَرْضَ يَتْبَعُ المَحَلَّ في التَّحَيُّزِ حَتّى ذَهَبُوا إلى أنَّهُ مَعْنى قِيامِ العَرْضِ بِالمَحَلِّ، وحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وقِيلَ: عَنِ المُلْكِ أخْذًا مِن كُرْسِيِّ المُلْكِ، وقِيلَ: أصْلُ الكُرْسِيِّ ما يُجْلَسُ عَلَيْهِ ولا يُفَضَّلُ عَنْ مَقْعَدِ القاعِدِ. والكَلامُ مَساقٌ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لِعَظَمَتِهِ تَعالى شَأْنُهُ وسِعَةِ سُلْطانِهِ وإحاطَةِ عِلْمِهِ بِالأشْياءِ قاطِبَةً، فَفي الكَلامِ اِسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ ولَيْسَ ثَمَّةَ كُرْسِيٍّ ولا قاعِدٌ ولا قُعُودٌ وهَذا الَّذِي اِخْتارَهُ الجَمُّ الغَفِيرُ مِنَ الخَلَفِ فِرارًا مِن تَوَهُّمِ التَّجْسِيمِ، وحَمَلُوا الأحادِيثَ الَّتِي ظاهِرُها حَمْلُ الكُرْسِيِّ عَلى الجِسْمِ المُحِيطِ عَلى مَثَلِ ذَلِكَ لا سِيَّما الأحادِيثِ الَّتِي فِيها ذِكْرُ القِدَمِ كَما قَدَّمْنا، وكالحَدِيثِ الَّذِي أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، الكُرْسِيُّ: مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ ولَهُ أطِيطٌ كَأطِيطِ الرَّحْلِ؛ وفي رِوايَةٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَهُ أطِيطٌ كَأطِيطِ الرَّحْلِ الجَدِيدِ إذا رَكِبَ عَلَيْهِ مَن يَثْقُلُهُ ما يَفْضُلُ مِنهُ أرْبَعُ أصابِعَ ”،» وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ وأمْثالَهُ لَيْسَ بِالدّاعِي القَوِيِّ لِنَفْيِ الكُرْسِيِّ بِالكُلِّيَّةِ فالحَقُّ أنَّهُ ثابِتٌ كَما نَطَقَتْ بِهِ الأخْبارُ الصَّحِيحَةُ وتَوَهُّمُ التَّجْسِيمِ لا يُعْبَأُ بِهِ وإلّا لَلَزِمَ نَفْيُ الكَثِيرِ مِنَ الصِّفاتِ وهو بِمَعْزِلٍ عَنِ اِتِّباعِ الشّارِعِ والتَّسْلِيمِ لَهُ، وأكْثَرُ السَّلَفِ الصّالِحِ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنَ المُتَشابِهِ الَّذِي لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وفَوَّضُوا عِلْمَهُ إلى اللَّهِ تَعالى مَعَ القَوْلِ بِغايَةِ التَّنْزِيهِ والتَّقْدِيسِ لَهُ تَعالى شَأْنُهُ. والقائِلُونَ بِالمَظاهِرِ مِن ساداتِنا الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعالى أسْرارَهم لَمْ يُشْكِلْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِن أمْثالِ ذَلِكَ، وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ العارِفِينَ مِنهم أنَّ الكُرْسِيَّ عِبارَةٌ عَنْ تَجَلِّي جُمْلَةُ الصِّفاتِ الفِعْلِيَّةِ فَهو مَظْهَرٌ إلَهِيٌّ ومَحَلُّ نُفُوذِ الأمْرِ والنَّهْيِ والإيجادِ والإعْدامِ المُعَبَّرِ عَنْهُما بِالقَدَمَيْنِ، وقَدْ وسِعَ السَّماواتِ والأرْضَ وُسْعَ وُجُودِ عَيْنِي ووُسْعَ حُكْمِي لِأنَّ وجُودِهِما المُقَيَّدَ مِن آثارِ الصِّفاتِ الفِعْلِيَّةِ الَّتِي هو مَظْهَرٌ لَها ولَيْسَتِ القَدَمانِ في الأحادِيثِ عِبارَةً عَنْ قَدَمَيِ الرِّجْلَيْنِ ومَحَلِّ النَّعْلَيْنِ تَعالى اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، ولا «اَلْأطِيطُ» عِبارَةً عَمّا تَسْمَعُهُ وتَفْهَمُهُ في الشّاهِدِ بَلْ هو -إنْ لَمْ تُفَوِّضْ عِلْمَهُ إلى العَلِيمِ الخَبِيرِ- إشارَةٌ إلى بُرُوزِ الأشْياءِ المُتَضادَّةِ أوِ اِجْتِماعِها في ذَلِكَ المَظْهَرِ الَّذِي هو مَنشَأُ التَّفْصِيلِ والإبْهامِ ومَحَلُّ الإيجادِ والإعْدامِ ومَرْكَزُ الضُّرِّ والنَّفْعِ والتَّفْرِيقِ والجَمْعِ، ومَعْنى ما يَفْضُلُ مِنهُ إلّا أرْبَعَ أصابِعَ إنْ كانَ الضَّمِيرُ راجِعًا إلى الرَّحْلِ ظاهِرٌ وإنْ كانَ راجِعًا إلى الكُرْسِيِّ فَهو إشارَةٌ إلى وُجُودِ حَضَراتٍ هي مَظاهِرُ لِبَعْضِ الأسْماءِ لَمْ تَبْرُزْ إلى عالَمِ الحِسِّ ولا يُمْكِنْ أنْ يَراها إلّا مَن وُلِدَ مَرَّتَيْنِ، ولَيْسَ المُرادُ مِنَ الأصابِعِ الأرْبَعِ ما تَعْرِفُهُ مِن نَفْسِكَ، ولِلْعارِفِينَ في هَذا المَقامِ كَلامٌ غَيْرُ هَذا، ولَعَلَّنا نُشِيرُ إلى بَعْضٍ مِنهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. ثُمَّ المَشْهُورُ أنَّ الياءَ في الكُرْسِيِّ لِغَيْرِ النَّسَبِ، واشْتِقاقُهُ مِنَ الكِرْسِ وهو الجَمْعُ ومِنهُ الكُرّاسَةُ لِلصَّحائِفِ الجامِعَةِ لِلْعِلْمِ، وقِيلَ: كَأنَّهُ مَنسُوبٌ إلى الكَرِسِ بِالكَسْرِ وهو المُلَبَّدُ وجَمْعُهُ كَراسِيُّ كَبُخْتِيُّ وبَخاتِيُّ وفِيهِ لُغَتانِ ضَمُّ كافِهِ وهي المَشْهُورَةُ وكَسْرُها لِلْإتْباعِ والجُمْهُورُ عَلى فَتْحِ الواوِ والعَيْنِ، وكَسْرِ السِّينِ في ﴿وسِعَ﴾ عَلى أنَّهُ فَعِلَ والكُرْسِيُّ فاعِلُهُ، وقُرِئَ بِسُكُونِ السِّينِ مَعَ كَسْرِ الواوِ كَعِلْمٍ في عَلِمَ، وبِفَتْحِ الواوِ وسُكُونِ السِّينِ ورَفْعِ العَيْنِ مَعَ جَرِّ كُرْسِيِّهِ ورَفْعِ السَّماواتِ فَهو حِينَئِذٍ مُبْتَدَأٌ مُضافٌ إلى ما بَعْدَهُ و(اَلسَّماواتُ والأرْضُ) خَبَرُهُ. ﴿ولا يَئُودُهُ﴾ أيْ لا يُثْقِلُهُ كَما قالَ اِبْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وهو مَأْخُوذٌ مِنَ الأوْدِ بِمَعْنى الِاعْوِجاجِ لِأنَّ الثَّقِيلَ يَمِيلُ لَهُ ما تَحْتَهُ، وماضِيهُ آدَ؛ والضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعالى. وقِيلَ: الكُرْسِيُّ. ﴿حِفْظُهُما﴾ (p-11)أيِ السَّماواتِ والأرْضِ وإنَّما لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ ما فِيهِما لِما أنَّ حِفْظَهُما مُسْتَتْبِعٌ لِحِفْظِهِ، وخَصَّهُما بِالذِّكْرِ دُونَ الكُرْسِيِّ لِأنَّ حِفْظَهُما هو المُشاهَدُ المَحْسُوسُ، والقَوْلُ بِالِاسْتِخْدامِ لِيَدْخُلَ هو والعَرْشُ وغَيْرُهُما مِمّا لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ تَعالى بِعِيدٌ ﴿وهُوَ العَلِيُّ﴾ أيِ المُتَعالِي عَنِ الأشْباهِ والأنْدادِ والأمْثالِ والأضْدادِ وعَنْ أماراتِ النَّقْصِ ودَلالاتِ الحُدُوثِ، وقِيلَ: هو مِنَ العُلُوِّ الَّذِي هو بِمَعْنى القُدْرَةِ والسُّلْطانُ والمُلْكِ وعُلُوِّ الشَّأْنِ والقَهْرِ والِاعْتِلاءِ والجَلالِ والكِبْرِياءِ ﴿العَظِيمُ﴾ [ 255 ] ذُو العَظَمَةِ، وكُلُّ شَيْءٍ بِالإضافَةِ إلَيْهِ حَقِيرٌ. ولَمّا جُلِّيَتْ عَلى مِنَصَّةِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَرائِسُ المَسائِلِ الإلَهِيَّةِ وأشْرَقَتْ عَلى صَفَحاتِها أنْوارُ الصِّفاتِ العَلِيَّةِ حَيْثُ جَمَعَتْ أُصُولَ الصِّفاتِ مِنَ الأُلُوهِيَّةِ والوَحْدانِيَّةِ والحَياةِ والعِلْمِ والمُلْكِ والقُدْرَةِ والإرادَةِ، واشْتَمَلَتْ عَلى سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِيها اِسْمُ اللَّهِ تَعالى ظاهِرٌ في بَعْضِها ومُسْتَتِرٌ في البَعْضِ ونَطَقَتْ بِأنَّهُ سُبْحانَهُ مَوْجُودٌ مُنْفَرِدٌ في أُلُوهِيَّتِهِ حَيٌّ واجِبُ الوُجُودِ لِذاتِهِ مُوجِدٌ لِغَيْرِهِ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّحَيُّزِ والحُلُولِ مُبَرَّأٌ عَنِ التَّغَيُّرِ والفُتُورِ لا مُناسَبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الأشْباحِ ولا يَحِلُّ بِساحَةِ جَلالِهِ ما يَعْرِضُ لِلنُّفُوسِ والأرْواحِ، مالِكُ المُلْكِ والمَلَكُوتَ ومُبْدِعُ الأُصُولِ والفُرُوعِ ذُو البَطْشِ الشَّدِيدِ العالِمُ وحْدَهُ بِجَلِيِّ الأشْياءِ وخَفِيِّها وكُلِّيِّها وجُزْئِيِّها واسِعُ المُلْكِ والقُدْرَةِ لِكُلِّ ما مِن شَأْنِهِ أنْ يُمْلَكَ ويُقْدَرَ عَلَيْهِ لا يَشُقُّ عَلَيْهِ شاقٌّ ولا يَثْقُلُ شَيْءٌ لَدَيْهِ مُتَعالٍ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِجَنابِهِ عَظِيمٌ لا يَسْتَطِيعُ طَيْرُ الفِكْرِ أنْ يَحُومَ في بَيْداءَ صِفاتٌ قامَتْ بِهِ تَفَرَّدَتْ بِقَلائِدِ فَضْلٍ خَلَتْ عَنْها أجْيادٌ أخَواتُها الجِيادُ وجَواهِرُ خَواصٍّ تَتَهادى بِها بَيْنَ أتْرابِها ولا كَما تَتَهادى لُبْنى وسُعادُ. أخْرَجَ مُسْلِمٌ وأحْمَدُ وغَيْرُهُما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «“ إنَّ أعْظَمَ آيَةٍ في القُرْآنِ آيَةُ الكُرْسِيِّ» وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ مِن حَدِيثِ أنَسٍ مَرْفُوعًا «مَن قَرَأ آيَةَ الكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ حُفِظَ إلى الصَّلاةِ الأُخْرى ولا يُحافِظُ عَلَيْها إلّا نَبِيٌّ أوْ صِدِّيقٌ أوْ شَهِيدٌ» وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهَ أنَّهُ قالَ: ««لَوْ تَعْلَمُونَ ما فِيها لَما تَرَكْتُمُوها عَلى حالٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ”أُعْطِيتُ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ لَمْ يُؤْتِها نَبِيٌّ قَبْلِي“» والأخْبارُ في فَضْلِها كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ إلّا أنَّ بَعْضَها مِمّا لا أصْلَ لَهُ كَخَبَرِ ««مَن قَرَأها بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكًا يَكْتُبُ مِن حَسَناتِهِ ويَمْحُو مِن سَيِّئاتِهِ إلى الغَدِ مِن تِلْكَ السّاعَةِ»،» وبَعْضَها مُنْكَرٌ جِدًّا كَخَبَرِ ««إنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحى إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنِ اِقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَإنَّهُ مَن يَقْرَؤُها في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ أجْعَلُ لَهُ قَلْبَ الشّاكِرِينَ ولِسانَ الذّاكِرِينَ وثَوابَ المُنِيبِينَ وأعْمالَ الصِّدِّيقِينَ»». ولا يَخْفى أنَّ أكْثَرَ الأحادِيثِ في هَذا البابِ حُجَّةٌ لِمَن قالَ: إنَّ بَعْضَ القُرْآنِ قَدْ يُفَضَّلُ عَلى غَيْرِهِ وفِيهِ خِلافٌ فَمَنَعَهُ بَعْضُهم كالأشْعَرِيِّ والباقِلّانِيِّ وغَيْرِهِما لِاقْتِضائِهِ نَقْصَ المَفْضُولِ وكَلامُ اللَّهِ تَعالى لا نَقْصَ فِيهِ، وأوَّلُوا أعْظَمَ بِعَظِيمٍ وأفْضَلَ بِفاضِلٍ، وأجازَهُإسْحَقُ بْنُ راهَوَيْهِ وكَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ والمُتَكَلِّمِينَ وهو المُخْتارُ ويَرْجِعُ إلى عِظَمِ أجْرِ قارِئِهِ ولِلَّهِ تَعالى أنْ يَخُصَّ ما شاءَ بِما شاءَ لِما شاءَ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّ الكافِرِينَ هُمُ الظّالِمُونَ ناسَبَ أنْ يُنَبِّهَهم جَلَّ شَأْنُهُ عَلى العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هي مَحْضُ التَّوْحِيدِ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ المُرْسَلُونَ عَلى اِخْتِلافِ دَرَجاتِهِمْ وتَفاوُتِ مَراتِبِهِمْ بِما أيْنَعَتْ مِن ذَلِكَ رِياضُهُ وتَدَفَّقَتْ حِياضُهُ وصَدَحَ عَنْدَلِيبُهُ وصَدَعَ عَلى مَنابِرِ البَيانِ خَطِيبُهُ فَلِلَّهِ الحَمْدُ عَلى ما أوْضَحَ الحُجَّةَ وأزالَ الغُبارَ عَنْ وجْهِ المَحَجَّةِ. * * * هَذا ومِن بابِ الإشارَةِ في الآياتِ: ﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ﴾ أيْ أسْرارُهُ وأنْوارُهُ ورُمُوزُهُ وإشاراتُهُ ﴿نَتْلُوها﴾ بِلِسانِ الوَحْيِ ﴿عَلَيْكَ﴾ مُلابَسَةً لِلْحَقِّ الثّابِتِ الَّذِي لا يَعْتَرِيهِ تَغْيِيرٌ ﴿وإنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ الَّذِينَ عَبَرُوا هَذِهِ المَقاماتِ (p-12)وصَحَّ لَهم صَفاءُ الأوْقاتِ ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ بِمُقْتَضى اِسْتِعْلاءِ أنْوارِ اِسْتِعْداداتِهِمْ ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾ عِنْدَ تَجَلِّيهِ عَلى طَوْرِ قَلْبِهِ وفي وادِي سِرِّهِ ﴿ورَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾ بِفَنائِهِ عَنْ ظُلْمَةِ الوُجُودِ بِالكُلِّيَّةِ وبَقائِهِ في حَضْرَةِ الأنْوارِ الإلَهِيَّةِ وبُلُوغِهِ مَقامَ قابِ قَوْسَيْنِ وظَفْرِهِ بِكَنْزٍ فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى مِن أسْرارِهِمُ النَّشْأتَيْنِ حَتّى عادَ وهو نُورُ الأنْوارِ والمَظْهَرُ الأعْظَمُ عِنْدَ ذَوِي الأبْصارِ ﴿وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ والآياتِ الباهِراتِ مِن إحْياءِ أمْواتِ القُلُوبِ والأخْبارِ عَمّا يُدَّخَرُ في خَزائِنِ الأسْرارِ مِنَ الغُيُوبِ ﴿وأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ الَّذِي هو رُوحُ الأرْواحِ المُنَزَّهُ عَنِ النَّقائِصِ الكَوْنِيَّةِ والمُقَدَّسُ عَنِ الصِّفاتِ الطَّبِيعِيَّةِ ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلَ الَّذِينَ﴾ جاءُوا ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ بِسُيُوفِ الهَوى ونِبالِ الضَّلالِ ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ﴾ مِن أنْوارِ الفِطْرَةِ وإرْشادِ الرُّسُلِ الآياتُ الواضِحاتُ ﴿ولَكِنِ اخْتَلَفُوا﴾ حَسْبَما اِقْتَضاهُ اِسْتِعْدادُهُمُ الأزَلِيُّ ﴿فَمِنهم مَن آمَنَ﴾ بِما جاءَ بِهِ الوَحْيُ ﴿ومِنهم مَن كَفَرَ ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلُوا﴾ عَنِ اِخْتِلافٍ بِأنْ يَتَّحِدَ اِسْتِعْدادُهم ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ ولا يُرِيدُ إلّا ما في العِلْمِ وما كانَ فِيهِ سِوى هَذا الِاخْتِلافِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ﴾ بِبَذْلِ الأرْواحِ وإرْشادِ العِبادِ ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ القِيامَةِ الكُبْرى ﴿لا بَيْعٌ فِيهِ﴾ ولا تُبَدَّلُ صِفَةٌ بِصِفَةٍ فَلا يَحْصُلُ تَكْمِيلُ النَّشْأةِ ﴿ولا خُلَّةٌ﴾ لِظُهُورِ الحَقائِقِ ﴿ولا شَفاعَةٌ﴾ لِلتَّجَلِّي الجَلالِيِّ. ﴿والكافِرُونَ هُمُ﴾ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِنَقْصِ حُظُوظِها وما ظَلَمْناهم إذْ لَمْ نَقْضِ عَلَيْهِمْ سِوى ما اِقْتَضاهُ اِسْتِعْدادُهُمُ غَيْرُ المَجْعُولِ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ﴾ في الوُجُودِ العِلْمِيِّ ﴿إلا هو الحَيُّ﴾ الَّذِي حَياتُهُ عَيْنُ ذاتِهِ وكُلُّ ما هو حَيٌّ لَمْ يَحْيَ إلّا بِحَياتِهِ ﴿القَيُّومُ﴾ الَّذِي يَقُومُ بِنَفْسِهِ ويُقَوِّمُ كُلَّ ما يَقُومُ بِهِ، وقِيلَ: الحَيُّ الَّذِي ألْبَسَ حَياتَهُ أسْرارَ المُوَحِّدِينَ فَوَحَّدُوا بِهِ، والقَيُّومُ الَّذِي رَبّى بِتَجَلِّي الصِّفاتِ وكَشْفِ الذّاتِ أرْواحَ العارِفِينَ فَفَنُوا في ذاتِهِ واحْتَرَقُوا بِنُورِ كِبْرِيائِهِ. ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ﴾ بَيانٌ لِقَيُّومِيَّتِهِ وإشارَةٌ إلى أنَّ حَياتَهُ عَيْنُ ذاتِهِ لَهُ ما في سَماواتِ الأرْواحِ وأرْضِ الأشْباحِ فَلا يَتَحَرَّكُ مُتَحَرِّكٌ ولا يَسْكُنُ ساكِنٌ ولا يَخْطُرُ خاطِرٌ في بَرٍّ أوْ بَحْرٍ وسِرٍّ أوْ جَهْرٍ إلّا بِقُدْرَتِهِ وإرادَتِهِ وعِلْمِهِ ومَشِيئَتِهِ ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ﴾ إذْ كُلُّهم لَهُ ومِنهُ وإلَيْهِ وبِهِ ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ مِنَ الخَطَراتِ ﴿وما خَلْفَهُمْ﴾ مِنَ العَثَراتِ، أوْ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ مِنَ المَقاماتِ وما خَلْفَهم مِنَ الحالاتِ، أوْ يَعْلَمُ مِنهم ما قَبْلَ إيجادِهِمْ مِن كَمِّيَّةِ اِسْتِعْدادِهِمْ وما بَعْدَ إنْشائِهِمْ مِنَ العَمَلِ بِمُقْتَضى ذَلِكَ ﴿ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن﴾ مَعْلُوماتِهِ الَّتِي هي مَظاهِرُ أسْمائِهِ ﴿إلا بِما شاءَ﴾ كَما يَحْصُلُ لِأهْلِ القُلُوبِ مِن مُعايَناتِ أسْرارِ الغُيُوبِ وإذا تَقاصَرَتِ الفُهُومُ عَنِ الإحاطَةِ بِشَيْءٍ مِن مَعْلُوماتِهِ فَأيُّ طَمَعٍ لَها في الإحاطَةِ بِذاتِهِ هَيْهاتَ هَيْهاتَ أنّى لِخُفّاشٍ الفَهْمُ أنْ يَفْتَحَ عَيْنَهُ في شَمْسِ هاتِيكَ الذّاتِ؟ ﴿وسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ الَّذِي هو قَلْبُ العارِفِ ﴿السَّماواتِ والأرْضَ﴾ لِأنَّهُ مَعْدِنُ العُلُومِ الإلَهِيَّةِ والعِلْمِ اللَّدُنِيِّ الَّذِي لا نِهايَةَ لَهُ ولا حَدَّ، ومِن هُنا قالَ أبُو يَزِيدٍ البَسْطامِيُّ: لَوْ وقَعَ العالَمُ ومِقْدارُ ما فِيهِ ألْفُ ألْفِ مَرَّةٍ في زاوِيَةٍ مِن زَوايا قَلْبِ العارِفِ ما أحَسَّ بِهِ، وقِيلَ: كُرْسِيُّهُ عالَمُ المَلَكُوتِ وهو مَطافُ أرْواحِ العارِفِينَ لِجَلالِ الجَبَرُوتِ ﴿ولا يَئُودُهُ﴾ ولا يُثْقِلُهُ ﴿حِفْظُهُما﴾ في ذَلِكَ الكُرْسِيِّ لِأنَّهُما غَيْرُ مَوْجُودِينَ بِدُونِهِ ﴿وهُوَ العَلِيُّ﴾ الشَّأْنِ الَّذِي لا تُقَيِّدُهُ الأكْوانُ ﴿العَظِيمُ﴾ الَّذِي لا مُنْتَهى لِعَظَمَتِهِ ولا يُتَصَوَّرُ كُنْهَ ذاتِهِ لِإطْلاقِهِ حَتّى عَنْ قَيْدِ الإطْلاقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب