﴿وإذا ضَرَبتُمْ في الأرْضِ﴾ سافرتم ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾ حرج ﴿أن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ هذه العبارة تدل على جواز القصر لا على وجوبه، لكن أكثر السلف على وجوبه، وقال كثير منهم: هذه الآية في صلاة الخوف، فالمراد: أن تقصروا من جميع الصلوات بأن تجعلوها ركعة واحدة أو من كيفيتها لا من كميتها، والآية التي بعدها تبيين وتفصيل لها كما سنذكر، سئل ابن عمر رضى الله عنهما أنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ولا تجد قصر صلاة المسافر؟ فقال ابن عمر: إنا وجدنا نبينا يعمل فعملنا به وما يدل على ذلك كثير ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بهذه الآية وعلى هذا قوله ﴿إنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الذِينَ كَفَرُوا﴾ شرط له لا باعتبار الغالب في ذلك الوقت ويعتبر ولا يعتبر مفهومه فإن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف ﴿إنَّ الكافِرِينَ كانُوا لَكم عَدُوًّا مُبِينًا وإذا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ أيها الرسول، علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي الأئمة بعده به عليه الصلاة والسلام ﴿فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ منْهُم مَّعَكَ﴾ أي: اجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصلِّ بهم ﴿ولْيَأْخُذُوا أسْلِحَتَهُمْ﴾ أي: الباقون وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم أو المصلون حزمًا ﴿فَإذا سَجَدُوا﴾ المصلون ﴿فَلْيَكُونُوا﴾ أي: غير المصلين ﴿مِن ورائِكُمْ﴾ يحرسونكم ﴿ولْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا﴾ أي الذين كانوا من ورائهم يحرسونهم ﴿فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا﴾ أي: الذين صلوا قبل أو الذين أتوا ﴿حِذْرَهم وأسْلِحَتَهُمْ﴾ جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ روي في طريق صلاة الخوف ستة أوجه أو سبعة، وأنا أذكر بعضها.
أحدها: أن يجعلهم صفين ويصلي بهما إلى أن يرفعا رأسهما من الركوع سجد وسجد الصف الأول والصف الأخير قيام يحرسونهم فلما قام الصف الأول إلى الركعة الثانية سجد الصف الثاني، ثم يقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلي مصاف هؤلاء ثم ركع وركعوا جميعًا ورفعوا من الركوع ثم سجد وسجد الصف الذي يليه والآخر قيام يحرس فلما جلسوا سجد الصف الثاني وتشهد الكل وسلموا.
والثانية: أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة وينتظر قائمًا حتى يتموا صلاتهم منفردين ويذهبوا إلى المصاف، وتأتي الأخرى فيتم به الركعة الثانية وينتظرهم قاعدًا حتى يتموا صلاتهم ويسلم بهم.
والثالثة: قال جابر عن عبد الله الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال، وهو أنه قام رسول الله ﷺ فقام صف قبله وصف خلفه فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك حتى قاموا خلفه مقام هؤلاء، فصلى بهم ركعة وسجدتين، ثم سلم وسلموا فكانت للنبي ﷺ ركعتين ولهم ركعة ركعة، وهذا الطريق مروي عن كثير من الصحابة بروايات متعددة صحيحة.
والرابعة: أن يصلي بكل من الطائفتين ركعتين فيكون للإمام أربع ركعات وللمأمومين ركعتان ﴿ودَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكم فَيَمِيلُونَ عَلَيْكم مَيْلَةً واحِدَةً﴾ بالقتال فلا تغفلوا عنها ﴿ولاَ جُناحَ﴾ لا وزر ﴿عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ أوْ كُنْتُمْ مَرْضى أنْ تَضَعُوا أسْلِحَتَكُمْ﴾ هذا يدل على أن الأمر بأخذ السلاح للوجوب، وهو قول بعض العلماء، وأكثرهم على أنه سنة مؤكدة ﴿وخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ أي: لا بد من التيقظ وعدم الغفلة في أي صفة وحال كنتم ﴿إنَّ اللهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ وعد للمؤمنين بالنصر وإشارة على أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ﴾ فرغتم من صلاة الخوف ﴿فاذْكُرُوا الله قِيامًا وقُعودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾ أي: في سائر أحوالكم وكثرة الذكر عقب صلاة الخوف آكد لما فيها من التخفيف ومن الرخصة في الذهاب والإياب، وغيرها قيل: معناه إذا أردتم الصلاة واشتد الخوف فصلوها كيف ما أمكن ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ سكنت جآشكم من الخوف ﴿فَأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ عدلوا أركانها واحفظوا شرائطها ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ مفروضًا محدودًا أو منجما كلما مضى وقت جاء وقت (ولا تَهِنُوا في ابْتِغاءِ القَوْمِ) في طلب قتال الكفار ﴿إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ﴾ من الحرج ﴿فَإنَّهم يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ﴾ فضرر القتال لا يختص بكم ﴿وتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ﴾ ولكم هذا المزيد رجاء المثوبة والنصر والتأييد، فينبغي أن تكونوا أصبر على الحرب وأرغب ﴿وكانَ اللهُ عَلِيمًا﴾ بضمائركم ﴿حَكِيمًا﴾ فيما حكم.
{"ayahs_start":101,"ayahs":["وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن یَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كَانُوا۟ لَكُمۡ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا","وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَیَمِیلُونَ عَلَیۡكُم مَّیۡلَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَن تَضَعُوۤا۟ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا","فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا","وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا"],"ayah":"وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن یَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كَانُوا۟ لَكُمۡ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا"}