الباحث القرآني
ولَمّا أوْجَبَ السَّفَرَ لِلْجِهادِ؛ والهِجْرَةِ؛ وكانَ مُطْلَقُ السَّفَرِ مَظِنَّةَ المَشَقَّةِ؛ فَكَيْفَ بِسَفَرِهِما مَعَ ما يَنْضَمُّ إلى المَشَقَّةِ فِيهِما مِن خَوْفِ الأعْداءِ؟ ذَكَرَ تَخْفِيفَ الصَّلاةِ بِالقَصْرِ؛ بِقَوْلِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿وإذا ضَرَبْتُمْ﴾؛ أيْ: بِالسَّفَرِ؛ ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ أيِّ سَفَرٍ كانَ؛ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ؛ ولَمّا كانَ القَصْرُ رُخْصَةً؛ غَيْرَ عَزِيمَةٍ؛ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾؛ أيْ: إثْمٌ؛ ومَيْلٌ؛ في ﴿أنْ تَقْصُرُوا﴾؛ ولَمّا كانَ القَصْرُ خاصًّا بِبَعْضِ الصَّلَواتِ؛ أتى بِالجارِّ لِذَلِكَ؛ ولِإفادَةِ أنَّهُ في الكَمِّ؛ لا في الكَيْفِ؛ فَقالَ: ﴿مِنَ (p-٣٧٨)الصَّلاةِ﴾؛ أيْ: فاقْصُرُوا إنْ أرَدْتُمْ؛ وأتِمُّوا إنْ أرَدْتُمْ؛ وبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أعْيانَ الصَّلَواتِ المَقْصُوراتِ؛ وكَمْ يُقْصَرُ مِنها مِن رَكْعَةٍ؛ وأنَّ القَصْرَ مِنَ الكَمِّيَّةِ؛ لا مِنَ الكَيْفِيَّةِ؛ بِالإيماءِ مَثَلًا؛ «فِي صَلاةِ الخَوْفِ؛ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - لِيَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ - حِينَ قالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْصُرُ وقَدْ أمِنّا؟ -: عَجِبْتُ مِمّا عَجِبْتَ مِنهُ؛ فَسَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِها عَلَيْكُمْ؛ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ“؛» وهَذا هو حَقِيقَةُ القَصْرِ؛ والَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ ”مِن“؛ وأمّا الإيماءُ؛ ونَحْوُهُ مِن كَيْفِيّاتِ صَلاةِ الخَوْفِ؛ فَإبْدالٌ؛ لا قَصْرٌ؛ والسِّياقُ كَما تَرى مُشِيرٌ إلى شِدَّةِ الِاهْتِمامِ بِشَأْنِها؛ وأنَّهُ لا يُسْقِطُها عَنِ المُكَلَّفِ شَيْءٌ؛ وقاضٍ بِأنَّ المُخاطَرَةَ بِالنَّفْسِ والمالِ لا تُسْقِطُ الجِهادَ؛ ولا الهِجْرَةَ؛ إذِ الخَوْفُ والخَطَرُ مَبْنى أمْرِهِما؛ ومَحَطُّ قَصْدِهِما؛ فَهَذا سِرُّ قَوْلِهِ: ﴿إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمُ﴾؛ أيْ: يُخالِطَكم مُخالَطَةً مُزْعِجَةً؛ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ لا أنَّهُ شَرْطٌ في القَصْرِ؛ كَما بَيَّنَتْ نَفْيَ شَرْطِيَّتِهِ السُّنَّةُ؛ والحاصِلُ أنَّ هَذا الشَّرْطَ ذُكِرَ لِهَذا المَقْصِدِ؛ لا لِمُخالَفَةِ المَفْهُومِ لِلْمَنطُوقِ؛ بِشَهادَةِ السُّنَّةِ؛ وقَدْ كانَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ الهِجْرَةِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ؛ فَأُتِمَّتْ بَعْدَ الهِجْرَةِ؛ إشارَةً إلى أنَّ المَدِينَةَ دارُ الإقامَةِ؛ وما قَبْلَها كانَ مَحَلَّ سَفَرٍ ونُقْلَةٍ؛ (p-٣٧٩)رَوى الشَّيْخانِ؛ وأحْمَدُ - وهَذا لَفْظُهُ - عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْها - قالَتْ: «”فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ؛ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ أُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ؛ وزِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ“».
ولَمّا ذَكَرَ الخَوْفُ مِنهُمْ؛ عَلَّلَهُ؛ مُشِيرًا بِالإظْهارِ مَوْضِعَ الإضْمارِ؛ وبِاسْمِ الفاعِلِ إلى أنَّ مَن تَلَبَّسَ بِالكُفْرِ ساعَةً ما؛ أعْرَقَ فِيهِ؛ أوْ إلى أنَّ المَجْبُولَ عَلى العَداوَةِ؛ المُشارَ إلَيْهِ بِلَفْظِ الكَوْنِ؛ إنَّما هو الرّاسِخُ في الكُفْرِ؛ المَحْكُومُ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ؛ فَقالَ: ﴿إنَّ الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: الرّاسِخِينَ مِنهم في الكُفْرِ؛ ﴿كانُوا﴾؛ أيْ: جِبِلَّةً وطَبْعًا؛ ولَعَلَّهُ أشارَ إلى أنَّهم مَغْلُوبُونَ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ﴾؛ دُونَ عَلَيْكُمْ؛ ﴿عَدُوًّا﴾؛ ولَمّا كانَ العَدُوُّ مِمّا يَسْتَوِي فِيهِ الواحِدُ والجَمْعُ؛ قالَ: ﴿مُبِينًا﴾؛ أيْ: ظاهِرَ العَداوَةِ؛ يَعْدُونَ عَلَيْكم لِقَصْدِ الأذى؛ مَهْما وجَدُوا لِذَلِكَ سَبِيلًا؛ فَرُبَّما وجَدُوا الفُرْصَةَ في ذَلِكَ عِنْدَ طُولِ الصَّلاةِ؛ فَلِذَلِكَ قَصَرْتُها؛ ولَوْلا أنَّها لا رُخْصَةَ فِيها بِوَجْهٍ؛ لَوَضَعْتُها عَنْكم في مِثْلِ هَذِهِ الحالَةِ؛ أوْ جَعَلْتُ التَّخْفِيفَ في الوَقْتِ؛ فَأمَرْتُ بِالتَّأْخِيرِ؛ ولَكِنَّهُ لا زَكاءَ لِلنُّفُوسِ بِدُونِ فِعْلِها عَلى ما حَدَدْتُ مِنَ الوَقْتِ؛ وغَيْرِهِ.
{"ayah":"وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن یَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كَانُوا۟ لَكُمۡ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











