الباحث القرآني
ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ أنْ أمَرَ بِالجِهادِ ورَغَّبَ في الهِجْرَةِ أرْدَفَ ذَلِكَ بِبَيانِ كَيْفِيَّةِ الصَّلاةِ عِنْدَ الضَّرُوراتِ مِن تَخْفِيفِ المُؤْنَةِ ما يُؤَكِّدُ العَزِيمَةَ عَلى ذَلِكَ، فَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ﴾ أيْ: سافَرْتُمْ أيَّ سَفَرٍ كانَ، ولِذا لَمْ يُقَيَّدْ بِما قُيِّدَ بِهِ المُهاجِرَةُ، والشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - يَخُصُّ السَّفَرَ بِالمُباحِ كَسَفَرِ التِّجارَةِ، والطّاعَةِ كَسَفَرِ الحَجِّ، ويُخْرِجُ سَفَرَ المَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ والإباقِ، فَلا يَثْبُتُ فِيهِ الحُكْمُ الآتِي؛ لِأنَّهُ رُخْصَةٌ، وهي إنَّما تَثْبُتُ تَخْفِيفًا، وما كانَ كَذَلِكَ لا يَتَعَلَّقُ بِما يُوجِبُ التَّغْلِيظَ؛ لِأنَّ إضافَةَ الحُكْمِ إلى وصْفٍ يَقْتَضِي خِلافُهُ فَسادٌ في الوَضْعِ، ولَنا إطْلاقُ النُّصُوصِ مَعَ وُجُودِ قَرِينَةٍ في بَعْضِها تُشْعِرُ بِإرادَةِ المُطْلَقِ، وزِيادَةُ قَيْدِ عَدَمِ المَعْصِيَةِ نُسِخَ عَلى ما عُرِفَ في مَوْضِعِهِ، ولِأنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ إذْ هو عِبارَةٌ عَنْ خُرُوجٍ مَدِيدٍ ولَيْسَ في هَذا شَيْءٌ مِنَ المَعْصِيَةِ، وإنَّما المَعْصِيَةُ ما يَكُونُ بَعْدَهُ كَما في السَّرِقَةِ، أوْ مُجاوِرَهُ كَما في الإباقِ فَيَصْلُحُ مِن حَيْثُ ذاتُهُ مُتَعَلِّقُ الرُّخْصَةِ لا مَكانُ الِانْفِكاكِ عَمّا يُجاوِرُهُ، كَما إذا غَصِبَ خُفًّا ولَبِسَهُ فَإنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ المُوجَبَ سَتْرُ قَدَمِهِ ولا مَحْظُورَ فِيهِ، وإنَّما هو في مُجاوَرِهِ وهو صِفَةُ كَوْنِهِ مَغْضُوبًا، وتَمامُهُ في الأُصُولِ.
والمُرادُ مِنَ الأرْضِ ما يَشْمَلُ البَرَّ والبَحْرَ، والمَقْصُودُ التَّعْمِيمُ، أيْ: إذا سافَرْتُمْ في أيِّ مَكانٍ يُسافَرُ فِيهِ مِن بَرٍّ أوْ بَحْرٍ ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾ أيْ: حَرَجٌ وإثْمٌ ﴿أنْ تَقْصُرُوا﴾ أيْ: في أنْ تَقْصُرُوا، والقَصْرُ خِلافُ المَدِّ، يُقالُ: قَصَّرْتُ الشَّيْءَ إذا جَعَلْتَهُ قَصِيرًا بِحَذْفِ بَعْضِ أجْزائِهِ أوْ أوْصافِهِ، فَمُتَعَلِّقُ القَصْرِ إنَّما هو ذَلِكَ الشَّيْءُ لا بَعْضُهُ فَإنَّهُ مُتَعَلِّقُ الحَذْفِ دُونَ القَصْرِ، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الصَّلاةِ﴾ يَنْبَغِي عَلى هَذا أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لـ(تَقْصُرُوا) و(مِن) زائِدَةٌ حَسْبَما نَقَلَهُ أبُو البَقاءِ، عَنِ الأخْفَشِ القائِلِ بِزِيادَتِها في الإثْباتِ، وأمّا عَلى تَقْدِيرِ أنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً ويَكُونَ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ - عَلى ما نَقَلَهُ الفاضِلُ المَذْكُورُ عَنْ سِيبَوَيْهِ - أيْ: شَيْئًا مِنَ الصَّلاةِ فَيَنْبَغِي أنْ يُصارَ إلى وصْفِ الجُزْءِ بِوَصْفِ الكُلِّ، أوْ يُرادَ بِالقَصْرِ الحَبْسُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ﴾ أوْ يُرادَ بِالصَّلاةِ الجِنْسُ؛ لِيَكُونَ المَقْصُودُ بَعْضًا مِنها، وهي الرُّباعِيَّةُ أيْ: فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ في أنْ تَقْصُرُوا بَعْضَ الصَّلاةِ بِتَنْصِيفِها، وقُرِئَ (تُقْصِرُوا) مِن أقْصَرَ، ومَصْدَرُهُ الإقْصارُ.
وقَرَأ الزُّهْرِيُّ (تُقَصِّرُوا) بِالتَّشْدِيدِ، ومَصْدَرُهُ التَّقْصِيرُ، والكُلُّ بِمَعْنًى.
وأدْنى مُدَّةِ السَّفَرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ القَصْرُ في المَشْهُورِ عَنِ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيّامِ ولَيالِيها بِسَيْرِ الإبِلِ، ومَشْيِ الأقْدامِ بِالِاقْتِصادِ في البَرِّ، وجَرْيِ السَّفِينَةِ - والرِّيحُ مُعْتَدِلَةٌ - في البَحْرِ، ويُعْتَبَرُ في الجَبَلِ كَوْنُ هَذِهِ المَسافَةِ مِن طَرِيقِ الجَبَلِ بِالسَّيْرِ الوَسَطِ أيْضًا، وفي رِوايَةٍ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - التَّقْدِيرُ بِالمَراحِلِ، وهو قَرِيبٌ مِنَ المَشْهُورِ.
(p-132)وقَدَّرَ أبُو يُوسُفَ بِيَوْمَيْنِ وأكْثَرِ الثّالِثِ، والشّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - في قَوْلٍ: بِيَوْمٍ ولَيْلَةٍ، وقَدَّرَ عامَّةُ المَشايِخِ ذَلِكَ بِالفَراسِخِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا.
فَقالَ بَعْضُهُمْ: أحَدٌ وعِشْرُونَ فَرْسَخًا، وقالَ آخَرُونَ: ثَمانِيَةَ عَشَرَ، وآخَرُونَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، والصَّحِيحُ عَدَمُ تَقْدِيرِ ذَلِكَ، ولَعَلَّ كُلَّ مَن قَدَّرَ بِقَدْرٍ مِمّا ذُكِرَ اعْتَقَدَ أنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيّامٍ ولَيالِيها، والدَّلِيلُ عَلى هَذِهِ المُدَّةِ ما صَحَّ مِن قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««يَمْسَحُ المُقِيمُ كَمالَ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، والمُسافِرُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ولَيالِيَها»» لِأنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَمَّمَ الرُّخْصَةَ الجِنْسَ، ومِن ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ، والقَوْلُ بِكَوْنِ ثَلاثَةِ أيّامٍ ظَرْفًا لِلْمُسافِرِ لا لِـ(يَمْسَحُ) يَأْباهُ أنَّ السَّوْقَ لَيْسَ إلّا لِبَيانِ كَمِّيَّةِ مَسْحِ المُسافِرِ لا لِإطْلاقِهِ، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ ظَرْفًا لِلْمُسافِرِ يَكُونُ (يُمْسَحُ) مُطْلَقًا ولَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وأيْضًا يَبْطُلُ كَوْنُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ أنَّ المُقِيمَ يَمْسَحُ يَوْمًا ولَيْلَةً إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحادُ حُكْمِ السَّفَرِ والإقامَةِ في بَعْضِ الصُّوَرِ، وهي صُورَةُ مُسافِرٍ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ؛ لِأنَّهُ إنَّما يَمْسَحُ يَوْمًا ولَيْلَةً وهو مَعْلُومُ البُطْلانِ لِلْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ بَيْنَ المُسافِرِ والمُقِيمِ عَلى أنَّ ظَرْفِيَّةَ (ثَلاثَةَ) لِلْمُسافِرِ تَسْتَدْعِي ظَرْفِيَّةَ اليَوْمِ لِلْمُقِيمِ لِيَتَّفِقَ طَرَفا الحَدِيثِ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ لا يَكادُ يُنْسَبُ إلى أفْصَحِ مَن نَطَقَ بِالضّادِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ورُبَّما يُسْتَدَلُّ لِلْقَصْرِ في أقَلَّ مِن ثَلاثَةٍ بِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ قالَ: «يا أهْلَ مَكَّةَ لا تَقْصُرُوا في أدْنى مِن أرْبَعَةِ بُرُدٍ مِن مَكَّةَ إلى عُسْفانَ» فَإنَّهُ يُفِيدُ القَصْرَ في الأرْبَعَةِ بُرُدٍ، وهي تُقْطَعُ في أقَلَّ مِن ثَلاثَةٍ، وأُجِيبَ بِأنَّ راوِيَ الحَدِيثِ عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ مُجاهِدٍ، وهو ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ جِدًّا، حَتّى كانَ سُفْيانُ يُزْرِيهِ بِالكَذِبِ فَلْيُفْهَمْ.
واحْتَجَّ الإمامُ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - بِظاهِرِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَلى عَدَمِ وُجُوبِ القَصْرِ وأفْضَلِيَّةِ الإتْمامِ، وأُيِّدَ ذَلِكَ بِما أخْرَجَهُابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبَزّارُ، والدّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كانَ يَقْصُرُ في السَّفَرِ ويُتِمُّ»» وما أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ، والدّارَقُطْنِيُّ وحَسَّنَهُ، والبَيْهَقِيُّ وصَحَّحَهُ، أنَّ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - ««لَمّا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتُ وأتْمَمْتُ، وصُمْتُ وأفْطَرْتُ فَقالَ: أحْسَنْتِ يا عائِشَةُ»» وبِما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - «أنَّهُ كانَ يُتِمُّ ويَقْصُرُ».
وعِنْدَنا يَجِبُ القَصْرُ لا مَحالَةَ خَلا أنَّ بَعْضَ مَشايِخِنا سَمّاهُ عَزِيمَةً، وبَعْضَهم رُخْصَةَ إسْقاطٍ، بِحَيْثُ لا مَساغَ لِلْإتْمامِ لا رُخْصَةَ تَوْفِيَّةٍ؛ إذْ لا مَعْنى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الأخَفِّ والأثْقَلِ، وهو قَوْلُ عُمَرَ، وعَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ جابِرٍ، وجَمِيعِ أهْلِ البَيْتِ - رِضْوانُ اللَّهِ تَعالى عَنْهم أجْمَعِينَ - وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وقَتادَةُ، وهو قَوْلُ مالِكٍ.
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: ««صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتانِ تَمامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلى لِسانِ نَبِيِّكُمْ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ»».
ورَوى الشَّيْخانِ، عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - أنَّها قالَتْ: «أوَّلَ ما فَرَضَ اللَّهُ تَعالى الصَّلاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ في السَّفَرِ، وزِيدَتْ في الحَضَرِ» وأمّا ما رُوِيَ عَنْها مِنَ الإتْمامِ فَقَدِ اعْتَذَرَتْ عَنْهُ، وقالَتْ: أنا أُمُّ المُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ حَلَلْتُ فَهي دارِي، كَما اعْتَذَرَ عُثْمانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - عَنِ إتْمامِهِ بِأنَّهُ تَأهَّلَ بِمَكَّةَ وأزْمَعَ الإقامَةَ بِها، كَما رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَلا يَرِدُ أنَّها رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها خالَفَ رَأْيُها رِوايَتَها، وإذا خالَفَ الرّاوِي رِوايَتَهُ في أمْرٍ لا يُعْمَلُ بِرِوايَتِهِ فِيهِ، والقَوْلُ أنَّ حَدِيثَها غَيْرُ مَرْفُوعٍ؛ لِأنَّها لَمْ تَشْهَدْ فَرْضَ الصَّلاةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِجَوازِ أنَّها سَمِعَتْهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ – نَعَمْ، ذَكَرَ بَعْضُ الشّافِعِيَّةِ أنَّ الخَبَرَ مُؤَوَّلٍ بِأنَّ الفَرْضَ في قَوْلِها: «فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ» بِمَعْنى البَيانِ، وقَدْ ورَدَ بِهَذا المَعْنى كَـ ﴿فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾ .
وقالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْناهُ: فُرِضَتْ لِمَنِ اخْتارَ ذَلِكَ مِنَ المُسافِرِينَ، وهَذا كَما قِيلَ في الحاجِّ: إنَّهُ مُخَيَّرٌ في النَّفْرِ (p-133)فِي اليَوْمِ الثّانِي والثّالِثِ، وأيًّا فَعَلَ فَقَدْ قامَ بِالفَرْضِ وكانَ صَوابًا.
وقالَ النَّوَوِيُّ: المَعْنى فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَن أرادَ الِاقْتِصارَ عَلَيْهِما، فَزِيدَ في الحَضَرِ رَكْعَتانِ عَلى سَبِيلِ التَّحَتُّمِ، وأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ عَلى جَوازِ الإتْمامِ، وحَيْثُ ثَبَتَتْ دَلائِلُ الإتْمامِ وجَبَ المَصِيرُ إلى ذَلِكَ جَمَعًا بَيْنَ الأدِلَّةِ.
وقالَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: والَّذِي يَظْهَرُ لِي في جَمْعِ الأدِلَّةِ أنَّ الصَّلاةَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإسْراءِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلّا المَغْرِبَ، ثُمَّ زِيدَتْ عَقِبَ الهِجْرَةِ إلّا الصُّبْحَ، كَما رَواهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ حِبّانَ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ عائِشَةَ، وفِيهِ: «وتُرِكَتِ الفَجْرُ لِطُولِ القِراءَةِ، والمَغْرِبُ؛ لِأنَّها وِتْرُ النَّهارِ» ثُمَّ بَعْدَما اسْتَقَرَّ فَرْضُ الرُّباعِيَّةِ خُفِّفَ مِنها في السَّفَرِ عِنْدَ نُزُولِ الآيَةِ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الأثِيرِ: إنَّ القَصْرَ كانَ في السَّنَةِ الرّابِعَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وهو مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِ غَيْرِهِ: إنَّ نُزُولَ آيَةِ الخَوْفِ فِيها، وقِيلَ: القَصْرُ كانَ في رَبِيعٍ الآخِرِ مِنَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ، كَما ذَكَرَهُ الدُّولابِيِّ، وقالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّهُ بَعْدَ الهِجْرَةِ بِعامٍ أوْ نَحْوِهِ، وقِيلَ: بَعْدَ الهِجْرَةِ بِأرْبَعِينَ يَوْمًا، فَعَلى هَذا قَوْلُ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، أيْ: بِاعْتِبارِ ما آلَ إلَيْهِ الأمْرُ مِنَ التَّخْفِيفِ لا أنَّها اسْتَمَرَّتْ مُنْذُ فُرِضَتْ، فَلا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أنَّ القَصْرَ عَزِيمَةٌ، انْتَهى.
واسْتُبْعِدَ هَذا الجَمْعُ بِأنَّها لَوْ كانَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ رَكْعَتَيْنِ لاشْتُهِرَ ذَلِكَ، وقالَ آخَرُونَ مِنهُمْ: إنَّ الآيَةَ صَرِيحَةٌ في عَدَمِ وُجُوبِ الإتْمامِ، وما ذُكِرَ خَبَرٌ واحِدٌ، فَلا يُعارِضُ النَّصَّ الصَّرِيحَ عَلى أنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الصُّبْحِ والمَغْرِبِ، وحُجِّيَّةُ العامِّ المَخْصُوصِ مُخْتَلَفٌ فِيها، وذَكَرَ أصْحابُنا أنَّ كَثْرَةَ الأخْبارِ وعَمَلَ الجَمِّ الغَفِيرِ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ وجَمِيعِ العِتْرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أجْمَعِينَ - بِها يُقَوِّي القَوْلَ بِالوُجُوبِ، ووُرُودُهُ بِنَفْيِ الجُناحِ؛ لِأنَّهم ألِفُوا الإتْمامَ، فَكانُوا مَظِنَّةَ أنْ يَخْطُرَ بِبالِهِمْ أنَّ عَلَيْهِمْ نُقْصانًا في القَصْرِ، فَصَرَّحَ بِنَفْيِ الجُناحِ عَلَيْهِمْ؛ لِتَطِيبَ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وتَطْمَئِنَّ إلَيْهِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾ مَعَ أنَّ ذَلِكَ الطَّوافَ واجِبٌ عِنْدَنا، رُكْنٌ عِنْدَ الشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - أنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ لِمَنِ اسْتَبْعَدَ الوُجُوبَ بِنَفْيِ الجُناحِ.
﴿إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جَوابُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلُ عَلَيْهِ أيْ: إنْ خِفْتُمْ أنْ يَعْتَرِضُوا لَكم بِما تَكْرَهُونَهُ مِنَ القِتالِ أوْ غَيْرِهِ (فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ) إلَخْ، وقَدْ أخَذَ بَعْضُهم بِظاهِرِ هَذا الشَّرْطِ فَقَصَرَ القَصْرَ عَلى الخَوْفِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - والَّذِي عَلَيْهِ الأئِمَّةُ أنَّ القَصْرَ مَشْرُوعٌ في الأمْنِ أيْضًا، وقَدْ تَظاهَرَتِ الأخْبارُ عَلى ذَلِكَ، فَقَدْ أخْرَجَ النَّسائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - قالَ: ««صَلَّيْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ ونَحْنُ آمِنُونَ لا نَخافُ شَيْئًا رَكْعَتَيْنِ»».
وأخْرَجَ الشَّيْخانِ وغَيْرُهُما مِن أصْحابِ السُّنَنِ، عَنْ حارِثَةَ بْنِ وهْبٍ الخُزاعِيِّ أنَّهُ قالَ: ««صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الظُّهْرَ والعَصْرَ بِمِنًى أكْثَرَ ما كانَ النّاسُ وآمَنَهُ رَكْعَتَيْنِ»» إلى غَيْرِ ذَلِكَ.
ولا يُتَوَهَّمَنَّ أنَّهُ مُخالِفٌ لِلْكِتابِ؛ لِأنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ عِنْدَنا إنَّما يَدُلُّ عَلى ثُبُوتِ الحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وأمّا عَدَمُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَساكِتٌ عَنْهُ، فَإنْ وُجِدَ لَهُ دَلِيلٌ ثَبَتَ عِنْدَهُ أيْضًا، وإلّا يَبْقى عَلى حالِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ دَلِيلِهِ لا لِتَحَقُّقِ دَلِيلِ عَدَمِهِ.
وناهِيكَ ما سَمِعْتَ مِنَ الأدِلَّةِ الواضِحَةِ، وأمّا عِنْدَ القائِلِينَ بِالمَفْهُومِ؛ فَلِأنَّهُ إنَّما يَدُلُّ عَلى نَفْيِ الحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فائِدَةٌ أُخْرى، وقَدْ خَرَجَ الشَّرْطُ ها هُنا مَخْرَجَ الأغْلَبِ كَما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ بَلْ يُقالُ: إنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ مُجْمَلَةٌ (p-134)فِي حَقِّ مِقْدارِ النَّصْرِ وكَيْفِيَّتِهِ، وفي حَقِّ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الصَّلَواتِ، وفي مِقْدارِ مُدَّةِ الضَّرْبِ الَّذِي نِيطَ بِهِ القَصْرُ، فَكُلُّ ما ورَدَ مِنهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ القَصْرِ في حالِ الأمْنِ وتَخْصِيصِهِ بِالرُّباعِيّاتِ عَلى وجْهِ التَّنْصِيفِ وبِالضَّرْبِ في المُدَّةِ المُعَيَّنَةِ بَيانٌ لِإجْمالِ الكِتابِ، كَما قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ.
وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ القَصْرَ في الآيَةِ مَحْمُولٌ عَلى قَصْرِ الأحْوالِ مِنَ الإيماءِ وتَخْفِيفِ التَّسْبِيحِ والتَّوَجُّهِ إلى أيِّ وجْهٍ، وحِينَئِذٍ يَبْقى الشَّرْطُ عَلى ظاهِرِ مُقْتَضاهُ المُتَبادَرِ إلى الأذْهانِ، ونُسِبَ ذَلِكَ إلى طاوُسٍ والضَّحّاكِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: قَصْرُ الصَّلاةِ إنْ لَقِيتَ العَدُوَّ وقَدْ حانَتْ أنْ تُكَبِّرَ اللَّهَ تَعالى وتَخْفِضَ رَأْسَكَ إيماءً راكِبًا كُنْتَ أوْ ماشِيًا، وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (إنْ خِفْتُمْ) إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ مِن صَلاةِ الخَوْفِ، مُنْفَصِلٌ عَمّا قَبْلَهُ.
فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - قالَ: ««سَألَ قَوْمٌ مِنَ التُّجّارِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَضْرِبُ في الأرْضِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿وإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ ثُمَّ انْقَطَعَ الوَحْيُ، فَلَمّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ غَزا النَّبِيُّ ﷺ فَصَلّى الظُّهْرَ، فَقالَ المُشْرِكُونَ: لَقَدْ أمْكَنَكم مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ مِن ظُهُورِهِمْ، هَلّا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ فَقالَ قائِلٌ مِنهُمْ: إنَّ لَهم أُخْرى مِثْلَها في إثْرِها، فَأنَزَلَ اللَّهُ تَعالى بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ ﴿إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ أعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا﴾ فَنَزَلَتْ صَلاةُ الخَوْفِ»».
ولَعَلَّ جَوابَ الشَّرْطِ عَلى هَذا مَحْذُوفٌ أيْضًا عَلى طِرْزِ ما تَقَدَّمَ، ونَقَلَ الطَّبَرْسِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّ القَصْرَ في الآيَةِ بِمَعْنى الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا، وقَرَأ أُبَيٌّ - كَما قالَ ابْنُ المُنْذِرِ -: (فَأقْصِرُوا مِنَ الصَّلاةِ أنْ يَفْتِنَكُمْ) والمَشْهُورُ أنَّهُ كَعَبْدِ اللَّهِ أسْقَطَ (إنْ خِفْتُمْ) فَقَطْ.
وأيّا ما كانَ فَإنَّ (أنْ يَفْتِنَكُمْ) في مَوْضِعِ المَفْعُولِ لَهُ لِما دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: شُرِعَ لَكم ذَلِكَ كَراهَةَ أنْ يَفْتِنَكم إلَخْ، فَإنَّ اسْتِمْرارَ الِاشْتِغالِ بِالصَّلاةِ مَظِنَّةٌ لِاقْتِدارِ الكافِرِينَ عَلى إيقاعِ الفِتْنَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الكافِرِينَ كانُوا لَكم عَدُوًّا مُبِينًا﴾ إمّا تَعْلِيلٌ لِذَلِكَ بِاعْتِبارِ تَعَلُّلِهِ بِما ذُكِرَ، أوْ تَعْلِيلٌ لِما يُفْهَمُ مِنَ الكَلامِ مِن كَوْنِ فِتْنَتِهِمْ مُتَوَقَّعَةً، فَإنَّ كَمالَ العَداوَةِ مِن مُوجِباتِ التَّعَرُّضِ بِالسُّوءِ و(عَدُوًّا) كَما قالَ أبُو البَقاءِ: في مَوْضِعِ أعْداءٍ، وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ عَلى فَعُولٍ مِثْلُ الوَلُوعِ والقَبُولِ، و(لَكُمْ) حالٌ مِنهُ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِـ(كانَ).
{"ayah":"وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُوا۟ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن یَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ كَانُوا۟ لَكُمۡ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











