الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض﴾ أَي: سافرتم ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا﴾ . قصر الصَّلَاة فِي السّفر لَا خلاف فِي جَوَازه فِي حَال الْخَوْف، وَأما فِي حَال الْأَمْن: قَالَ سعد بن أبي وَقاص: إِنَّه لَا يجوز، وَبِه قَالَ دَاوُد، وَأهل الظَّاهِر؛ تمسكا بِظَاهِر الْقُرْآن، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء وَهُوَ قَول أَكثر الْأمة -: إِنَّه يجوز الْقصر فِي حَال الْأَمْن؛ لما روى عَن يعلي بن أُميَّة أَنه قَالَ لعمر - رَضِي الله عَنهُ -: " مَا بالنا نقصر، وَقد أمنا، وَالله - تَعَالَى - يَقُول فِي كِتَابه: ﴿أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ﴾ قَالَ عمر: عجبت مِمَّا تعجبت أَنْت، فَسَأَلت النَّبِي، فَقَالَ: صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم، فاقبلوا صدقته " وروى " أَن رَسُول الله سَافر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة - لَا يخَاف إِلَّا الله - وَقصر الصَّلَاة " وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَام - يقصر الصَّلَاة فِي جَمِيع أَسْفَاره، وَلم ينْقل أَنه أتم فِي سفر مَا؛ وَلذَلِك قَالَ الشَّافِعِي: الْقصر أولى؛ وَإِن جَازَ الْإِتْمَام. وروى عَن جَابر، وَالْحسن - وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس -: أَن صَلَاة الْحَضَر أَربع رَكْعَات، وَصَلَاة السّفر رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الْخَوْف رَكْعَة، وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " فرض الله - تَعَالَى - الصَّلَاة على لِسَان نبيه فِي الْحَضَر أَربع رَكْعَات، وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْف رَكْعَة " وَأكْثر الْأمة على أَن الْقصر فِي الْخَوْف رَكْعَتَانِ، مثل قصر السّفر، ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْقصر على قَوْلَيْنِ: أَنه إِبَاحَة، أم وَاجِب، قَالَ بَعضهم: هُوَ إِبَاحَة، وَهُوَ اخْتِيَار الشَّافِعِي، وَهُوَ أصح؛ لقَوْله عز ذكره: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح﴾ وَهُوَ مثل قَوْله: ﴿فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا﴾ . وَقَالَ بَعضهم: هُوَ وَاجِب. وَالْخلاف بَين السّلف مَشْهُور فِيهِ. وَقَوله: ﴿إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا﴾ أَي: يقتلكم، والفتنة بِمَعْنى: الْقَتْل هَاهُنَا، وَقَرَأَ أَبى بن كَعْب: " أَن تقصرُوا من الصَّلَاة أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا " - من غير قَوْله: ﴿إِن خِفْتُمْ﴾ - ويروى عَن أَبى أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: نزل قَوْله: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة﴾ هَذَا الْقدر فَحسب، ثمَّ مضى حول، وَلم ينزل شئ؛ فَسئلَ رَسُول الله عَن صَلَاة الْخَوْف، ثمَّ نزل قَوْله: ( ﴿إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا إِن الْكَافرين كَانُوا لكم عدوا مُبينًا﴾ وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة) فَأَشَارَ إِلَى أَنه رَاجع إِلَى صَلَاة الْخَوْف، لَا إِلَى صَلَاة السّفر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب