الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ إلى آخره، هذه الآية في قصة، سافر كافران مع رجل مسلم، ثم حضرته الوفاة، وليس معهم مسلم، فأشهدهما على وصيته، فهل تقبل شهادة هذين الرجلين أو لا تقبل؟ الحكم يعرف من هذه الآية، والمسألة مسألة ضرورة؛ لأنه لا يوجد مسلم، فإذا لم يوجد مسلم اضطررنا إلى قبول شهادة الكافر، وللحديث سبب مذكور، فلنفسر الآية ونقرأ السبب إن شاء الله.
﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ يعني إذا مرضتم مرض الموت، وليس المراد حضور الأجل بالفعل؛ لأنه إذا حضر الأجل بالفعل فقد لا يُعتبر قول الإنسان.
﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾ قوله: ﴿حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ متعلق بـ﴿شَهَادَةُ﴾؛ لأن (شهادة) مصدر تعمل عمل الفعل، فيصح أن يتعلق بها الظرف والجار والمجرور، يعني شهادتكم حين الوصية إذا حضر أحدكم الوصية اثنان.
﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أي: صاحبا عدل ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها المؤمنون، فالخطاب هنا (منكم) للمؤمنين عمومًا، وهذا لا إشكال فيه أن يشهد الإنسان على وصيته كم؟
* طلبة: اثنان.
* الشيخ: أن يشهد اثنان ذوا عدل ما فيه إشكال.
﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ ثم ذكر الله تعالى الصورة التي دعت الضرورة إلى إشهاد من ليس بمسلم ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، كلمة ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ تشمل كل ملل الكفر، وإن كانت القضية وردت في اثنين من أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ.
﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ يعني: سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم.
﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: سافرتم ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ نعم قبل أن نتجاوز.
قوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ هل هي للتخيير أو للتنويع؟
اثنان من أهل الكتاب، لكن العبرة بعموم اللفظ؛ ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة ١٠٦] يعني سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم.
قوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ هل هي للتخيير أو للتنويع؟
الثاني؛ للتنويع؛ يعني: أو آخران من غيركم إن لم يوجد ذوا عدلٍ منكم.
﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: سافرتم.
﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ هي كقوله: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة ١٠٦]؛ يعني: أيقنتم أنكم ميِّتون لكون المرض مرضًا مخوفًا لا يُرجَى بُرؤُه.
﴿تَحْبِسُونَهُمَا﴾ هذا كالتفصيل لقوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾؛ يعني: عند أداء الشهادة تحبسونهما؛ أي: الآخرَيْنِ من غيرنا، والمراد بالحبس: الإيقاف؛ توقفونهما.
﴿مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ أي: من بعد صلاة العصر؛ لأن الصلاةَ صلاةَ العصر هي أفضل الصلوات، وهي الصلاة الوسطى، وآخر النهار أقرب في إجابة الدعاء من أول النهار، لا سيَّما إذا كان ذلك في يوم الجمعة.
﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ أي: صلاة العصر. فإذا قال قائل: لماذا جعلتم (أل) للعهد الذهني ولم تجعلوها للجنس فتقولوا: ﴿مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ أي: أيِّ صلاة؟
قلنا: «لأن النبي ﷺ حبس الرجلين الشهيدين من بعد صلاة العصر»[[أخرجه الطبري في التفسير (٩ / ٨٩) عن عكرمة.]]، فتكون السُّنَّة هي التي عيَّنت هذه الصلاة.
﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ أي: يحلفان به.
﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ يعني: شكَكْتم في شهادتهما.
﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ أي: لا نشتري بهذا اليمين ثمنًا ولو كان المشهود له ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ أي: صاحبَ قَرابة.
وحاصل هذا القَسَم أنهما يُقسمان بأننا على حقٍّ، وشهادتنا حقٌّ، ولا يمكن أن نشهد بباطلٍ لأجل شيء من الدنيا ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾.
﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ معطوفة على ﴿فَيُقْسِمَانِ﴾؛ أي: ونحن لا نكتم شهادةَ الله؛ أي: الشهادةَ التي حمَّلنا الله إياها على ما حصلت به الوصية.
﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ يعني: إنا إن كتمنا شهادة الله لَمِن الآثمين، والجملة هنا مؤكدة باثنين وهما: (إنَّ) واللام، ومعنى ﴿مِنَ الْآثِمِينَ﴾ أي: من الواقعين في الإثم، وإنما يقولان ذلك زيادةً في التوكيد أنهما شَهِدا بحقٍّ.
﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة ١٠٧] ﴿إِنْ عُثِرَ﴾ يعني: تبيَّن أنهما استحقَّا إثمًا، وذلك بشهادة الزور؛ أي: تبيَّن أن شهادتهما زور وكذب.
﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ يعني في الشهادة ليرُدَّا شهادتهما، من أين هذان الآخران؟ يقول: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾ لأن الشهادة بالوصية تستلزم أن يؤخذ من نصيب الورثة لمن؟ لمن أُوصِيَ له، فيكون ما شَهِد به الأوَّلان مستحَقًّا على هؤلاء الورثة.
وقوله: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ يعني هما الأوليان؛ يعني: أَوْلى الناس بإرث هذا الذي شُهِد على وصيَّته.
﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ من هما؟ الشاهدان اللذان هما من ورثة الموصي.
﴿يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ اللام هنا في قوله: ﴿لَشَهَادَتُنَا﴾ واقعة في جواب القسم. ما هي شهادتهما؟ شهادتهما نفي هذه الوصية، وشهادة الأوَّليْنِ إثبات الوصية، ﴿يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾، وإذا كانت الحقَّ لزِم أن تبطل شهادة الشاهدَيْنِ الأوَّلَيْنِ، وهما كما قرَّرنا أولًا ليسا مسلمَيْنِ، بل هما من غير المسلمين.
﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا﴾ يعني: ما اعتدينا بالاعتراض وإبطال الشهادة.
﴿إِنَّا إِذًا﴾ يعني: إن اعتدينا ﴿لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾؛ لأن شهادتهما استلزمت شيئين؛ الشيء الأول: القدح في شهادة الشاهدَيْنِ الأوَّلَيْنِ، والثاني: الظلم، ظلم من؟ ظلم الموصَى له، فلذلك قال: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾ [المائدة ١٠٨] أي: ذلك المذكور أقربُ أن يأتوا بالشهادة على وجهها؛ يعني: على الوجه الصحيح.
﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ يعني أن الذين شهدوا أولًا إذا علموا أنه لا بد أن يتعقَّبهم مِن الورثة مَن يتعقَّبهم فإنهم سوف يحرصون غاية الحرص أن يأتوا بالشهادة على وجهها، أو إن لم يأتوا بالشهادة على وجهها ﴿يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾، ﴿أَيْمَانٌ﴾ أيمانُ مَنْ؟ الورثة، ﴿بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي: أَيْمان الشهداء.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾ أمر الله تعالى بأن نتقيه بالتزام أحكامه، وأكَّد هذا بقوله: ﴿وَاسْمَعُوا﴾؛ أي: اسمعوا ما أقول لكم وآمركم به وهو تقوى الله عز وجل.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته، وهذا سيأتي إن شاء الله في الفوائد أنه وعيدٌ شديدٌ أن الفاسق عُرضة لأنْ لا يهديه الله عز وجل، هذا معنى الآية الكريمة.
ويحسن أن نقرأ القصة حتى يتبيَّن أكثر، من معه تفسير، ابن كثير.
* طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال ابن كثير: (اشتملت هذه الآية الكريمة على حكمٍ عزيزٍ، قيل: إنه منسوخ، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم: إنها منسوخة. وقال آخرون..).
* الشيخ: أتدرون ما هي؟ يعني شهادة الكافر، وهذه سنذكرها إن شاء الله في الفوائد؛ أن بعض العلماء قال: إنها منسوخة. ولكن ليس بصحيح؛ (المائدة) يقولون: ليس فيها شيء منسوخ لأنها مِن آخر ما نزل.
* الطالب: (وقال آخرون -وهم الأكثرون فيما قاله ابن جرير-: بل هو محكَم، ومن ادَّعى النسخ فعليه البيان؛ فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾ هذا هو الخبر لقوله: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾؛ فقيل: تقديره: شهادةُ اثنين؛ حُذِف المضافُ وأُقيمَ المضاف إليه مقامه. وقيل: دلَّ الكلام على تقدير: أن يشهد اثنان.
وقوله: ﴿ذَوَا عَدْلٍ﴾ وصف الاثنين بأن يكونا عدلين.
وقوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ أي: من المسلمين، قاله الجمهور؛ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿ذَوَا عَدْلٍ منكم﴾ قال: من المسلمين. رواه ابن أبي حاتم[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٢٩) ( ٦٩٣٣).]] ثم قال: ورُوي عن عبيدة، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، ويحيى بن يعمر، والسدي، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوُ ذلك. وقال ابن جرير(...)).
* * *
* الشيخ: نقرأ.
* الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* الشيخ: استمعوا إلى الحديث لأنه يعين على فهم الآية.
* الطالب: قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (اشتملت هذه الآية الكريمة على حكمٍ عزيزٍ؛ قيل: إنه منسوخ. رواه العوفي..).
* الشيخ: (عزيز) يعني: قليل الجنس.
* الطالب: (رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم: إنها منسوخة. وقال آخرون -وهم الأكثرون فيما قاله ابن جرير[[تفسير الطبري (٣ / ٣٨٥).]] -: بل هو محكَم، ومن ادَّعى النسخ فعليه البيان).
* الشيخ: بل هي محكمةٌ الآية، وهذا هو الصواب، وقد ذكرنا لكم أنه لا نسخ فيما في سورة المائدة، كلها محكمة، على أن أيَّ إنسانٍ يدَّعي في أيِّ نصٍّ من القرآن أو السُّنة أنه منسوخ فعليه الدليل.
* الطالب: (فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾ هذا هو الخبر لقوله: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾؛ فقيل: تقديره: شهادةُ اثنين؛ حُذِف المضاف وأُقيمَ المضاف إليه مقامه. وقيل: دلَّ الكلام على تقدير: أن يشهد اثنان.
وقوله: ﴿ذَوَا عَدْلٍ﴾ وصف الاثنين بأن يكونا عدلين).
* الشيخ: يعني كأن اللي قالوا: لا بد من تقدير، قالوا: إنه لا يمكن أن تكون الجثة خبرًا للمعنى، و(الشهادة) معنى، و﴿اثْنَانِ﴾ شخصان؛ فقالوا: إنها على تقدير مضاف: شهادةُ اثنين، أو: أنْ يشهد اثنان، والصحيح أنه لا حاجة إلى هذا وأنه إذا فُهِم المعنى فهو المقصود، ولهذا يقولون: الليلةَ الهلالُ، فيخبرون بالظرف عن الجثة لأن المعنى مفهوم، ولا حاجة إلى أن نُقَدِّر: الليلةَ طلوعُ الهلال، فالصواب أنه لا تقدير في الآية وأنَّ الآية معناها واضح.
* الطالب: (وقوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ أي: من المسلمين، قاله الجمهور؛ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿ذَوَا عَدْلٍ منكم﴾ قال: من المسلمين. رواه ابن أبي حاتم[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٢٩) ( ٦٩٣٤).]] ثم قال: رُوِي عن عبيدة، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد، ويحيى بن يعمر، والسدي، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوُ ذلك.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: عنى ذلك ﴿ذَوَا عَدْلٍ منكم﴾ أي: من حيِّ الموصي، وذلك قولٌ رُوِي عن عكرمة وعبيدة وعدَّة غيرهما.
وقوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾..).
* الشيخ: لا شك أن القول الأول متعيِّن؛ لأنه يخاطب المؤمنين يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ منكم﴾ يخاطب مَن؟ المؤمنين، وليس يخاطب حيَّ الذي وقعت فيهم القضية.
* الطالب: (وقوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا سعيد بن عون قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا حبيب ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال: من غير المسلمين؛ يعني أهلَ الكتاب.
ثم قال: ورُوِي عن عبيدة، وشريح..).
* الشيخ: قوله: (يعني أهلَ الكتاب) فيه نظر، والصواب أنه شاملٌ لأهل الكتاب وغيرهم؛ لأن كل من ليس بمسلم فهو من غيرنا.
* الطالب: (ثم قال: ورُوِي عن عبيدة، وشريح، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وقتادة، وأبي مجلز، والسدي، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، نحوُ ذلك.
وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ -أي المراد: من قبيلة الموصِي- يكون المراد هاهنا ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ أي: من غير قبيلة الموصِي، وقد رُوِي عن ابن أبي حاتمٍ مثلُه عن الحسن البصري[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٣٠) ( ٦٩٣٦).]] والزهري[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٢٩) ( ٦٩٣٥).]] رحمهما الله.
وقوله: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: سافرتم ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ وهذان شرطان لجواز استشهاد الذِّمِّيِّينَ عند فقد المؤمنين: أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية؛ كما صرَّح بذلك شريح القاضي.
قال ابن جرير[[تفسير ابن جرير (٩ / ٦٤).]] : حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في الوصية.
ثم رواه عن أبي كُريب، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السَّبيعي قال: قال شريح، فذكر مثله.
وقد رُوِي مثله عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وهذه المسألة من أفراده، وخالفه الثلاثة فقالوا: لا تجوز شهادة أهل الذِّمَّة على المسلمين. وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضًا.
وقال ابن جرير[[تفسير ابن جرير (٩ / ٦٨).]] : حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود..).
* الشيخ: ولا يضر أن ينفرد الإمام أحمد بالمسألة إذا كان معه الدليل؛ لأن من معه الدليل فهو جماعة وإن كان واحدًا، وغالب ما انفرد به الإمام أحمد رحمه الله بالتتبع هو الصواب، هذا بالتتبع، وليس كل ما انفرد به، بل غالب ما انفرد به هو الصواب.
* الطالب: (وقال ابن جرير[[تفسير ابن جرير (٩ / ٦٨).]] : حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري قال: مضت السُّنَّة أنه لا تجوز شهادة كافرٍ في حَضَرٍ ولا سفرٍ، إنما هي في المسلمين.
وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية في رجل تُوُفِّي وليس عنده أحدٌ من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام والأرض حربٌ والناس كفَّارٌ، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نُسِخت الوصية وفُرِضت الفرائض وعَمِل الناس بها. رواه ابن جرير، وفي هذا نظر، والله أعلم.
وقال ابن جرير: اختُلِف في قوله: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ منكم أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ هل المراد أن يُوصِي إليهما أو يشهدهما على قولين:
أحدهما: أن يُوصِيَ إليهما؛ كما قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قال: سُئِل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية قال: هذا رجلٌ سافر ومعه مالٌ فأدركه قَدَرُه، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تَرِكَته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين. رواه ابن أبي حاتم[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٢٩) (٦٩٣١).]]، وفيه انقطاع.
والقول الثاني: أنهما يكونان شاهدَيْنِ، وهو ظاهر سياق الآية الكريمة، فإن لم يكن وَصِيٌّ ثالثٌ معهما اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة؛ كما في قصة تميمٍ الداريِّ وعديِّ بن بَدَّاء، كما سيأتي ذكرها آنفا إن شاء الله، وبه التوفيق.
وقد استشكل ابن جرير كونهما شاهدَينِ؛ قال: لأنَّا لا نعلم حُكمًا يحلف فيه الشاهد. وهذا لا يمنع الحكم الذي تضمَّنته هذه الآية الكريمة، وهو حكمٌ مستقلٌّ بنفسه لا يلزم أن يكون جاريًا على قياس جميع الأحكام، على أن هذا حكمٌ خاصٌّ بشهادةٍ خاصَّة في محلٍّ خاصٍّ، وقد اغتُفِر فيه من الأمور ما لم يُغتفَر في غيره، فإذا قامت قرائن الرِّيبة حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلَّت عليه هذه الآية الكريمة.
وقوله: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: يعني صلاة العصر. وكذا قال سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وقتادة، وعكرمة، ومحمد بن سيرين. وقال الزهري: يعني صلاة المسلمين. وقال السُّدي عن ابن عباس: يعني صلاة أهل دينهما. والمقصود أن يُقام هذان الشاهدان بعد صلاةٍ اجتمع الناس فيها بحضرتهم.
﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ أي: فيحلفان بالله ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أي: إن ظهرتْ لكم منهما رِيبة أنهما قد خانا أو غلَّا فيحلفان حينئذ بالله ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ﴾ أي: بأَيْماننا، قاله مقاتل بن حيان. ﴿ثَمَنًا﴾ أي: لا نعتاض عنه بعوضٍ قليلٍ من الدنيا الفانية..).
* الشيخ: قوله: (بأَيْماننا) فيه نظر؛ لأنه قال: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ﴾ هذا مفرد، كيف يُفسَّر بجمعٍ، لكن إذا جعلناه عائدًا على اليمين فالمعنى ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ﴾ أي: بالقَسَم الذي نُقسِم به، فهو عائد على القَسَم.
* الطالب: (﴿ثَمَنًا﴾ أي: لا نعتاض عنه بعوضٍ قليلٍ من الدنيا الفانية الزائلة.
﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ أي: ولو كان المشهود عليه قريبًا إلينا لا نحابيه.
﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ أضافها إلى الله تشريفًا لها وتعظيمًا لأمرها، وقرأ بعضهم: (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً آللَّهِ) مجرورًا على القَسَم؛ رواها ابن جرير عن عامر الشعبي، وحُكي عن بعضهم أنه قرأ: (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً اللَّهَ)[[تفسير الطبري (١١ / ١٧٧).]]، والقراءة الأولى هي المشهورة.
﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ أي: إن فعلنا شيئًا من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتْمِها بالكلِّية.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ أي: فإن اشتهر وظهر وتحقَّق من الشاهدَيْنِ الوصيَّينِ أنهما خانا أو غلَّا شيئًا من المال الموصَى به إليهما وظُهِر عليهما بذلك ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ هذه قراءة الجمهور: ﴿اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ ، ورُوي عن عليٍّ وأُبَيٍّ والحسن البصري أنهم قرؤوها: ﴿اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾. وقد روى الحاكم..).
* الشيخ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾ هذا القراءة المشهورة.
* الطالب: جعل الجمهور ﴿اسْتُحِقَّ﴾ .
* الشيخ: ﴿اسْتَحَقَّ﴾، عندك بالضم؟
* الطالب: بالضم.
* الشيخ: هي قراءة لكن بس ما أدري قراءة غير الجمهور ولَّا..
يقول في قراءة: ﴿اسْتُحِقَّ﴾ ، وفي قراءة: ﴿اسْتُحِقَّ عَلَيْهِم الْأَوَّلِينَ﴾ .
* الطالب: جعل الأولى قراءة الجمهور.
* الشيخ: إي والله غريبة.
* الطالب: (وقد روى الحاكم في المستدرك[[ (٢ / ٢٥٩).]] من طريق إسحاق بن محمد الفروي، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب أن النبي ﷺ قرأ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾. ثم قال: صحيحٌ على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقرأ بعضهم ومنهم ابن عباس: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلِينَ﴾، وقرأ الحسن: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَانِ) حكاه ابن جرير، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك أي: متى تحقَّق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما فلْيَقُم اثنان من الورثة المستحقين للتركة وليكونا من أَوْلى من يرث ذلك المال ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ أي: لقولُنا: إنهما خانا، أحقُّ وأصحُّ وأَثْبَتُ من شهادتهما المتقدمة ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا﴾ أي: فيما قُلنا من الخيانة ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: إن كنَّا قد كذبنا عليهما.
وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لَوْثٌ في جانب القاتل، فيُقسم المستحقون على القاتل فيُدفع برُمَّته إليهم، كما هو مقرَّر في باب القَسَامة من الأحكام.
وقد وردت السُّنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة؛ فقال ابن أبي حاتم[[تفسير ابن أبي حاتم (٤ / ١٢٣١) (٦٩٤١).]] : حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن زياد، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان -يعني أبا صالحٍ مولى أم هانئ بنت أبي طالب- عن ابن عباس، عن تميمٍ الداريِّ في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ قال: برئَ الناسُ منها غيري وغير عَدِيِّ بن بَدَّاء. وكانا نصرانيَّيْنِ يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام بتجارتهما، وقدم عليهما مولًى لبني سهم يُقال له بُدَيلُ بن أبي مريم بتجارة ومعه جامٌ من فضة يريد به الْمَلِك وهو عُظْمُ تجارته، فمَرِضَ، فأوصى إليهما..
* الشيخ: هو أيش؟
* الطالب: (وهو عُظْمُ تجارته).
* الشيخ: (عُظْمُ) يعني هو أعظم تجارته التي معه، الجام: الإناء.
* الطالب: (فمَرِض، فأوصى إليهما وأمرهما أن يُبلِّغا ما ترك أهلَه. قال تميمٌ: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعَدِيّ بن بَدَّاء، فلما قدِمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره. قال تميم: فلما أسلمتُ بعد قدوم النبي ﷺ المدينة تأثَّمتُ من ذلك، فأتيتُ أهلَه فأخبرتهم الخبر ودفعتُ إليهم خمس مئة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فوثبوا إليه أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحَلَف، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾، فقام عمرو بن العاص ورجلٌ آخر منهم فحلفا، فنُزِعت الخمس مئة من عَدِيِّ بن بَدَّاء.
وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي[[الترمذي (٣٠٥٩).]] وابن جرير[[تفسير ابن جرير (٩ / ٨٨).]] كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق به فذكره، وعنده: فأتوا به رسول الله ﷺ فسألهم البيِّنة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحَلَف، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ إلى قوله: ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾، فقام عمرو بن العاص ورجلٌ آخر فحلفا، فنُزِعت الخمس مئة من عَدِيِّ بن بَدَّاء.
ثم قال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي، يُكنَى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير؛ سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي يُكنَى أبا النضر.
ثم قال: ولا نعرف لسالمٍ أبي النضر روايةً عن أبي صالحٍ مولى أم هانئ، وقد رُوي عن ابن عباس شيءٌ من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه:
حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميمٍ الداري وعَدِيِّ بن بَدَّاء، فمات السهمي بأرضٍ ليس فيها مسلمٌ، فلما قدما بتركته فقدوا جامًا من فضة مخوَّصًا بالذهب، فأحلفهما رسول الله ﷺ، ووجدوا الجام بمكة..
* الشيخ: (مخوَّصًا بالذهب) يعني: مُرصَّع عليه مثل الخوص من الذهب؛ يعني مُزَركش، وهو من فضة.
* الطالب: (فأحلفهما رسول الله ﷺ، ووجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميمٍ وعَدِيٍّ. فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحقُّ من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾. وكذا رواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يحيى بن آدم به[[أخرجه أبو داود في سننه (٣٦٠٦) من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.]].
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة[[جامع الترمذي (٣٠٦٠).]].
ومحمد بن أبي القاسم كوفيٌّ قيل: إنه صالح الحديث. وقد ذكر هذه القصة مرسلةً غير واحد من التابعين منهم: عكرمة، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر؛ رواه ابن جرير[[تفسير الطبري (١١ / ١٨٧).]]، وكذا ذكرها مرسلةً مجاهد والحسن والضحاك، وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها.
ومن الشواهد بصحة هذه القصة أيضًا ما رواه أبو جعفر بن جرير قال: حدثني يعقوب قال: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبي أن رجلًَا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقُوقاءَ. قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يُشهِدُهُ على وصيَّته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال: فقدما الكوفة فأتيا الأشعريَّ -يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه- فأخبراه، وقدما بتركته ووصيَّته، فقال الأشعري: هذا أمرٌ لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي ﷺ. قال: فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدَّلا ولا كتما ولا غيَّرا، وإنها لَوصيةُ الرجل وتركتُه. قال: فأمضى شهادتهما[[تفسير الطبري (١١ / ١٧٤).]].
ثم رواه عن عمرو بن عليٍّ الفلَّاس، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقاء.
وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي عن أبي موسى الأشعري.
فقوله: هذا أمرٌ لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله ﷺ. الظاهر -والله أعلم- أنه إنما أراد بذلك قصة تميمٍ وعَدِيِّ بن بَدَّاء، وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي الله عنه كان في سنة تسع من الهجرة، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرًا يحتاج مدَّعي نَسْخِهِ إلى دليلٍ فاصلٍ في هذا المقام، والله أعلم.
وقال أسباط عن السدي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال: هذا في الوصية عند الموت؛ يوصِي ويُشهِد رجلين من المسلمين على ما له وما عليه. قال: هذا في الحضر، ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ في السفر، ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ هذا الرجل يدركه الموت في سفرِه وليس بحضرته أحدٌ من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه، فيقبلان به، فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مال صاحبهم تركوا الرجلين، وإن ارتابوا رفعوهما إلى السلطان، فذلك قوله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾.
قال عبد الله بن عباس: كأني أنظر إلى العِلْجين حين انتُهِيَ بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت وخوَّنوهما، فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت له: إنهما لا يُباليانِ صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فيوقَف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان بالله لا نشتري به ثمنًا قليلًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله، إنا إذن لمن الآثمين؛ إن صاحبهم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كتمتما أو خُنتما فضحتُكما في قومكما ولم تَجُز لكما شهادة وعاقبتُكما. فإذا قال لهما ذلك فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها. رواه ابن جرير[[تفسير الطبري (١١ / ١٧٥) من حديث السدي عن ابن عباس.]].
وقال ابن جرير: حدثنا الحسين قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ الآية، قالا: إذا حضر الرجلَ الوفاةُ في سفر فليُشهِد رجلين من المسلمين، فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب[[تفسير الطبري (١١ / ١٧١) من حديث المغيرة بن مقسم وإبراهيم النخعي.]]. فإذا قدما بتركته فإن صدَّقهما الورثة قُبِل قولهما، وإن اتهموهما أُحلِفا بعد صلاة العصر بالله ما كتمْنا ولا كذَبْنا ولا خُنَّا ولا غيَّرنا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: فإن ارْتِيبَ في شهادتهما استُحلِفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلًا، فإن اطَّلع الأولياء على أن الكافرَيْنِ كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرَيْنِ باطلة، وإنَّا لم نعتدِ. فذلك قوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ يقول: إن اطُّلِع على أن الكافرَيْنِ كذبا ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: إن شهادة الكافرَيْنِ باطلة، وإنَّا لم نعتدِ. فتُرَدُّ شهادة الكافرَيْنِ وتجوز شهادة الأولياء[[تفسير الطبري (١١ / ١٨١).]].
وهكذا رواه العوفي عن ابن عباس، رواهما ابن جرير.
وهكذا قرَّر هذا الحكمَ على مقتضى هذه الآية غيرُ واحد من أئمة التابعين والسلف رضي الله عنهم وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾ أي: شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرْضي من تحليف الشاهدَيْنِ الذِّمِّيَّين وقد استُريبَ بهما؛ أقربُ إلى إقامتهما الشهادةَ على الوجه المرْضي.
وقوله: ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي: يكون الحامل لهم على الإتيان بالشهادة على وجهها هو تعظيمُ الحلف بالله ومراعاةُ جانِبه وإجلالُه، والخوف من الفضيحة بين الناس إذا رُدَّت اليمين على الورثة فيحلفون ويستحقُّون ما يدَّعون، ولهذا قال: ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾.
ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: في جميع أموركم. ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي: وأطيعوا. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ يعني الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته).
* الشيخ: أحسنت، أطال رحمه الله على هذه الآية؛ لأن هذه الآية فيها إشكالات، لكنه حلَّ جميع هذه الإشكالات، فيها إشكال من جهة الإعراب ومن جهة السياق، ولكن الله عز وجل يتكلم بما شاء كيف شاء؛ حتى يعرف الناس أن هذا القرآن الكريم مناسبٌ لمقتضى الحال، والقضية معقدة حكمًا وإعرابًا وغير ذلك، لكن -والحمد لله- بمثل هذا التفسير الذي سمعتم يزول الإشكال.
خلاصة المعنى: أنه إذا سافر الإنسان وليس حوله مسلم، ليس حوله إلا كُفَّار، وأراد أن يوصي فليستشهد شاهدَينِ اثنين على الوصية، فإذا وصلوا إلى البلاد الإسلامية أدْلَوْا بالشهادة وقُبِلت الشهادة بدون أيِّ شيءٍ، إلا إذا حصل ارتيابٌ، فإذا حصل ارتيابٌ حينئذٍ نستعمل القَسَم، نحبسهما من بعد الصلاة ونجعلهما يُقسمان بالله إنهما صادقان وإنهما لم يشتريا بشهادتهما شيئًا من الدنيا، ويُخَوَّفان أنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بعد أَيْمانهم؛ لأن أولياء المقتول إذا أقسموا رُدَّتْ شهادة الشاهدَينِ، ومعلوم أنه إذا حُكِم بِرَدِّ شهادتهما صار ذلك عارًا عليهما وخِزْيًا، فربما إن لم يخافا من الله خافا من العار والخزي، ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ هذا مجمل معنى الآية الكريمة.
لكن فيها فوائد كثيرة نذكر منها ما نسأل الله أن ييسِّره ويوفقنا به إلى الصواب.
* من فوائد الآية الكريمة: جواز شهادة الكافر للضرورة، ولكن هل تُخصَّص الضرورة بهذه الصورة أم بكل ضرورة؟
أولًا: في أصل المسألة -وهي شهادة الكافر- فيها قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن شهادة الكافر لا تُقبل، وهذا مبني على أن هذا الحكم أيش؟ منسوخٌ، فلا تُقبل، وهذا قولٌ مردود بأن النسخ يحتاج إلى دليلٍ، وأن سورة المائدة قد قال كثيرٌ من العلماء: إنه ليس فيها نسخٌ لأنها من آخر ما نزل. فليُطرح هذا القول.
والعجب أن الذي قال بهذا القول أكثر العلماء، وأن القول بشهادة الكافر هو قول الإمام أحمد رحمه الله، وما أكثرَ ما ينفرد بالشيء فيكون قوله هو الصواب؛ كقوله في كُفر تاركِ الصلاة، انفرد بهذا القول، لكنه حقيقةً لم ينفرد لأن معه الكتاب والسُّنة والصحابة.
على القول بقبول الكافر، هل يختصُّ هذا بهذه الصورة الواقعة؛ بمعنى أنه يُشترط أن يكون الشاهدان كتابيَّينِ لأن الشاهدَينِ في هذه القصة كانا من النصارى، فهل يُشترط أن يكونا كتابيَّينِ أو لا يُشترط؟
المشهور من المذهب أنه يُشترط أن يكونا كتابيَّينِ، ولكن سيأتي أن ظاهر الآية يخالف ذلك وأن الآية عامة في كل كافر.
وهل يختصُّ ذلك بالوصية أو في كل شيء؟
هذا أيضًا محلُّ خلافٍ، وسبب القول باختصاصه بالوصية أن هذه خارجة عن قواعد الشهادة، والخارج عن القواعد قاعدته أن يُقتصَر فيه على ما أيش؟ على ما خرج فقط؛ يعني على ما ورد فقط، وسيأتي إن شاء الله أن القول الراجح أنه تجوز شهادة غير الكتابيَّينِ، وأنه تجوز الشهادة في الوصية وغيرها وفي السفر وغيره، وهذا قد يقع أحيانًا؛ عندنا الآن كثيرٌ من المستشفيات القائمون على العلاج نصارى، فإذا حضر الموتُ أحدًا من هؤلاء المرضى وأشهدَ مَن عنده من الأطباء فهذا حكمه كذلك.
* * *
* طالب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة ١٠٦ - ١٠٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه الآية والتي بعدها قرأناها أولًا وفسرناها، بقي الفوائد.
* من فوائد هذه الآية: أنه ينبغي الإشهاد على الوصية؛ لقوله: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾، وظاهر الآية الكريمة أنه لا بد من رجلين؛ لقوله: ﴿اثْنَانِ﴾، واثنان عدد للمذكر، فهل هذه الآية على ظاهرها؟
الجواب أن يقال: هذه الآية تقيَّد بآية البقرة، وهي قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة ٢٨٢]؛ لأن الأموال وما يُقصَد به الأموال إذا لم يُقِرّ المدَّعَى عليه يكفي في إثباته واحدٌ من أمورٍ ثلاثة: شهادة رجلينِ، شهادة رجلٍ وامرأتينِ، شهادة رجلٍ ويمينُ المدَّعي. هذه بيِّنات المال وما يتعلَّق به المال، وعلى هذا فيكون قوله تعالى: ﴿اثْنَانِ﴾ هذا مبنِيٌّ على الأكمل؛ يعني أن الأكمل في الإشهاد على الوصية أن يكون الشاهدان رجلين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز الوصية عند حضور الموت؛ لقوله: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾، وهذا مقيَّد بما إذا لم يتغير تمييز الموصِي، فإن تغير تمييز الموصِي فلا عبرة بقوله؛ يعني لو كان عند موته اضطرب وصار كلامه غير مرتَّب فإنه لا عبرة به بهذا الكلام، وهذا معروفٌ من قواعد الشريعة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يُشترط للإشهاد أن يكون الشاهدان ذَوَيْ عدلٍ؛ لقوله: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ﴾، وسبق لنا تعريف العدالة، ولكن إذا لم يوجد عدلٌ ووُجِد فاسقٌ مأمونٌ فهل يقوم مقام العدل؟
اختار بعض أهل العلم أن ذلك يقوم مقام العدل وأن اشتراط العدالة إنما هو عند التحمُّل؛ بمعنى أنك إذا أردتَ أن تُشهِد فلا تُشهِد إلا عدلين، أما عند أداء الشهادة فالضرورات لها أحكام؛ إذا لم نجد مَن يشهد إلا هذين الفاسقينِ لكنهما في الأمانة موثوقانِ فإننا نقبل شهادتهما، وهذا الأخير هو الصواب: أن العدالة شرط مع الإمكان، وأما إذا لم يمكن فإنه تُقبل شهادةُ الفاسق بشرط أيش؟ أن يكون ثقة، وكم من إنسان يكون فاسقًا في عبادته لكنه أمينٌ في شهادته، ونعلم أننا لو اتبعنا اشتراط العدالة في أداء الشهادة معتبرين الشروط التي ذكرها الفقهاء في العدالة؛ أن كثيرًا من الحقوق سوف تضيع؛ لأن كثيرًا من الناس ليسوا على الاستقامة التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز شهادة الكافر إذا عُدِم المسلم؛ لقوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾.
وهل يختص هذا بالكتابيين أم بكل كافر؟
ظاهر الآية: كل كافر؛ لقوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ سواء كان يهوديًّا أو نصرانيًّا أو بوذيًّا أو شيوعيًّا، أيًّا كان؛ لقوله: ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن شهادة الكافر لا تُقبل مطلقًا، وأجابوا عن هذه الآية بأنها منسوخة؛ لأن الله تعالى اشترط العدالة في الشهود، والكافر ليس بعدلٍ.
والقول الثاني: أن شهادة الكافر جائزة بشرط أن يكون كتابيًّا وأن يكون عند الضرورة، فاشترطوا شرطين؛ الأول: الضرورة بأن لا يوجد مسلم، والثاني: أن يكون الشاهدان كتابيَّينِ، وهؤلاء احتجوا لاشتراط الضرورة بقوله تعالى: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى آخره، وقيَّدوا ذلك بالكتابيَّيْنِ أو بالكتابيِّينَ، قيَّدوا ذلك لأن القضية التي وردت فيها الآية كان الشاهدان من أهل الكتاب، وقالوا في تقرير الاستدلال: إن عدم اشتراط الإسلام في هذه الصورة خرج عن الأصل، وما خرج عن الأصل وجب اختصاصه بما ورد فيه فقط.
ولا شكَّ أن الجواب على هؤلاء سهل؛ نقول: الآية الكريمة عامة، والعبرة بعموم اللفظ، ولذلك إذا أراد الله تعالى تخصيص الحكم بأهل الكتاب قيَّده؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وقال: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة ٥]، فأمَّا أن نقيِّد ما أطلقه الله هذا ليس بصواب، وهذه قاعدة يجب على طالب العلم أن يسلكها: كل شيء ورد مطلقًا في القرآن والسُّنة فلا يجوز إضافة قيدٍ إليه أبدًا؛ لأنه إذا فعل ضيَّق ما وسَّعه الله واتخذ نفسَه مشرِّعًا ومستدرِكًا على الحكم الشرعي، وهذا خطير، فالقاعدة إذن أن كلَّ ما أطلقه الله ورسوله فالواجب أيش؟ إبقاؤه على الإطلاق، ولا يحلُّ أن نُضيف إليه قيدًا إلا بدليل لا بد من اتباعه، وحينئذٍ نقول: الصواب أنه يجوز أن يشهد اثنان على الوصية عند عدم المسلم سواء كانا كتابيَّينِ أو من غير الكتابيِّينَ.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: علوُّ مرتبة المسلم على الكافر، وهذا لا إشكال فيه؛ وجه ذلك: أن شهادة الكافر لا تُقبل إلا إذا لم يوجد مسلم، وهذا يدل على أن المسلم أعلى مرتبةً ومنزلةً من غير المسلم.
فإن قال قائل: فهمنا أن شهادة الكافر فيما يتعلق بأمور المسلمين لا تجوز إلا عند الضرورة، فهل تقبلون شهادة الكفار بعضهم على بعض؟
الجواب: نعم، سواء كان للضرورة أو غير ضرورة، شهادة الكفار بعضهم على بعض مقبولة، لكن بشرط أن يكون عدلًا في دينه، كما اشترطنا في شهادة المسلم أن يكون عدلًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن السفر يطلق عليه: الضرب في الأرض؛ لقوله: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. والقرآن الكريم تارةً يذكر السفر بلفظه وتارةً يذكر عنه الضرب في الأرض؛ فقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [المائدة ٦] هذا ذكر السفر ولم يقُل: أو ضربتم في الأرض، وقال تعالى في الصيام: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة ١٨٤].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إطلاق الضرب في الأرض، ولم يقيده بمسافة القصر أو أكثر أو أقل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه إذا أراد الشاهدان من غير المسلمين أداء الشهادة فإنهما يُحبسان من بعد الصلاة؛ يعني: يوقَفان من بعد الصلاة، وذلك لانتفاء التهمة؛ لأن الصلاة معظَّمة، والإنسان يخاف أن يشهد بباطل بعد هذه الصلاة التي ذكرها الله عز وجل.
ولكن هل هذا مشروطٌ بالارتياب في شهادتهما، أو نقول: إنهما يُحبسان على كل حالٍ ليظهر الفرق بين أداء الشهادة من المسلم وأداء الشهادة من غير المسلم؟
الآية فيها احتمال؛ لأن قوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ يحتمل أن تكون ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ قيدًا في قوله: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ وقولِه: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾، ويحتمل أن تكون قيدًا لقوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾؛ فعلى الاحتمال الثاني يكون حبْسهما واجبًا، وعلى الأول لا يكون حبْسهما واجبًا إلا إذا ارتبْنا منهما.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يُحلَف بغير الله؛ لقوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾، فلو أقسم بغير الله حتى بمن يُعَظَّم عندهم كالمسيح مثلًا فإنه لا تُقبل يمينُه ولا يُعتَدُّ بها؛ لقوله تعالى: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن إقسامهما لا يلزم إلا عند الارتياب في شهادتهما، تؤخذ منين؟ من قوله: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾.
فهل يؤخذ من هذا أن للقاضي أن يُحلِّف الشاهدَينِ عند الارتياب في شهادتهما؟
نقول: نعم، له ذلك، ولا يقول قائل: إن هذا إنما ورد في ارتيابنا في الكفار، لا، لو قال قائل: إن هذا إنما ورد في ارتيابنا في شهادة الكفار فالجواب: الحكم يدور مع عِلَّته؛ لأننا لم نُحَلِّفهما بالله إلا عند الارتياب لا لكونهما من الكفار، إذن للقاضي أن يُحلِّف الشهودَ إذا ارتاب في شهادتهما.
هل له -أي: للقاضي- أن يفرق الشهود أيضًا عند الارتياب بأن يخلو بكل واحدٍ منهما ويسأله سؤالًا تفصيليًّا؛ حتى إذا اختلفا عرف أن شهادتهما غير صحيحة؟
الجواب: نعم، له ذلك.
وهل له أن يُوَرِّي فيُظهِر لهما خلافَ ما يريد لاستظهار الحق؟
الجواب: نعم، ويدلُّ لذلك قصة سليمان مع المرأتين اللتين خرجتا بحاجة لهما، ثم أكل الذئب ولد إحداهما، فتخاصمتا إلى داود فقضى به للكبرى، ثم تخاصمتا إلى سليمان فطلب السكِّين، دعا بالسكِّين؛ قال يريد أن يشُقَّ الولد نصفين ويعطي الكبرى نصفًا والصغرى نصفًا، الكبرى وافقت على هذا، ليش؟ ما في قلبها رحمة له، وولدها قد مات؛ أكله الذئب، فلْيكنْ هذا تبعًا له، الصغرى قالت: يا نبيَّ الله، هو لها، هو لها. فتنازلت عن دعواها ليش؟ لشفقتها ورحمتها، تنازلت، وليس معنى قولها: (هو لها) أنه عبدٌ لها، لا؛ (هو لها) يعني أنها قد تنازلت عن الدعوى، فقضى به سليمان عليه الصلاة والسلام لمن؟ للصغرى[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٢٦) ومسلم (١٧٢٠ / ٢٠) من حديث أبي هريرة.]].
فإذا ارتاب القاضي في شهادة الشهود فلا بأس أن يُوَرِّي في الحكم من أجل استظهار الحق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن يكون صفة الإقسام على هذا: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ [المائدة ١٠٦]، فهل يُكتفى بالمعنى أو لا بد من هذا اللفظ بعينه؟
الصواب أنه يكفي المعنى؛ لأن هذا اللفظ لا يُتعبَّد به حتى نقول لا يمكن أن يُغيَّر، بل عبَّر الله عز وجل عن المعنى بهذا اللفظ، إذن فالمرجع يا إخواننا إلى أيش؟ المرجع إلى المعنى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أن للقرابة تأثيرًا في الميل والعاطفة؛ لقولهما: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾، وهذا شيء فطريٌّ معروفٌ، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى هذا في قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة ١١٣]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [النساء ١٣٥].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كتمان الشهادة إثمٌ؛ لقوله: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾، وقد قرر الله تعالى هذا بقوله: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة ٢٨٣]، ولا شك أن الشهادة إذا كتمها الإنسان لزِم من ذلك إخفاء حقٍّ واجبٍ لشخصٍ وإضافةُ باطلٍ للشخصِ الآخرِ؛ فمثلًا: إذا استشهده شخصٌ بأن في ذِمَّة فلانٍ له كذا وكذا فكتمه، ما الذي يحصل؟ إخفاء الحق وإضافة الباطل إلى من لم يشهد عليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: ردُّ اليمين على المدَّعِي؛ لقوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ إلى آخره، كيف يُرَدُّ اليمين على المدَّعِي؟
ادَّعى زيدٌ على عمرٍو مئة ريالٍ، فطلبنا البيِّنة من زيدٍ، فقال: لا بينة عندي، ولكن أطلب يمين المدَّعَى عليه، أفهمتم؟ إذا حلف المدَّعَى عليه انتهت الخصومة، لا ما هو بريء، انتهت الخصومة؛ بمعنى لو أن المدعِي فيما بعد علم ببيِّنة له لم يعلمها من قبل فإنه على دعواه، لكن انتهت الخصومة.
لو قال المدعي إذا نَكَل عن اليمين: احكم عليه؛ لأن الخصومة انتهت وإنه لا يطالبني بشيء. فرأى القاضي أن يرد اليمين على المدعِي، فهنا لا بأس، لماذا؟ لأنه قد يكون المنكِر صادقًا، ولكن يحتاج إلى إثبات زيادة، فيرده عليه، وهذا القول هو الصحيح: أنه يجوز أن تُردَّ اليمين على المدعِي كما في هذه الآية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز تنقيب من عليه الحق عن القضية والتدقيق فيها حتى يعثر على حقٍّ فيها؛ لقوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا﴾ والعِثار لا يكون إلا بعد التحرِّي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الشاهدَينِ إذا غيَّرا في الشهادة بزيادة أو نقص أو تبديل فهُما آثمان؛ لقوله: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ وذلك بكون الشهادة غير صحيحة؛ لأن هذا إثمٌ.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يُقام عند العثور على أن الشاهدَينِ كاذبانِ يُقام اثنان ممن استحقَّ عليهم، والقضية كما تعرفون كانت في وصية، فيقوم اثنان ممن استحقَّ عليهم، ويكون الاثنان هما الأوليانِ؛ يعني الأحقَّانِ بإرثِ الميت، والكلام في الآيتين عن الوصية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الإرث يكون للأَوْلى فالأَوْلى؛ يؤخذ من قوله: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ وقد جاء الحديث مقرِّرًا ذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٧٣٢) ومسلم (١٦١٥ / ٢) من حديث ابن عباس.]]. أليس كذلك؟ اقرأ الحديث.
* طالب: (...).
* الشيخ: عن ابن عباس رضي الله عنه: قال ﷺ. إي، لا بد أن تكون هكذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة كما ذكرنا أولًا: أن تُرَدَّ اليمين على المدَّعِي؛ لقوله: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها من فوائد الآية الكريمة: أن المدَّعَى عليه لا يجزم ببُطلان شهادة الشاهد التي تبيَّن أن فيها شيئًا من الخلل؛ لقوله: ﴿لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ بهذا اللفظ، ولم يقُل: باطلة. لكن قوله: ﴿أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ يستلزم أن تكون مردودة وأن القول قول المدَّعَى عليه.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه إذا احتيج في الشهادة أو في القَسَم إلى إثباتٍ ونفيٍ فلا بد من ذكر الإثبات والنفي؛ فقولهما -يعني الأَوْليينِ- ﴿لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ هذا أيش؟ إثبات، ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا﴾ هذا نفيٌ، فإذا احتيج إلى ذلك فلا بد من ذكر النفي والإثبات حتى تكون الشهادة خالصة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ردَّ الأَوْليينِ لشهادة الشاهدَينِ أعظمُ اعتداءً من تغيير الشهادة من الشاهدين؛ ووجه ذلك أنه بتغيُّر الشهادة من الشاهدين قال: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾، وهنا قال: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾، وسبق في التفسير بيان وجه الفرق بينهما.
* ومن فوائد الآية الثالثة: أنه كلما كان الشيء أقرب إلى استنتاج الصواب والحق بالشهادة فهو أَوْلى أن يُتَّبع؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾؛ لأن الإنسان إذا فهِم أن من ورائه أُناسًا سيقومون برد شهادته والإقسام على بُطلانها فلا بد أن يتحرَّى الصدق فيما شهد به.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب تقوى الله والسمع والطاعة له؛ لقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾، ومعنى ﴿اسْمَعُوا﴾ هنا: استجيبوا، كما سبق أيضًا في الشرح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه أخبر بأنه لا يهدي القوم الفاسقين؛ أي: الخارجين عن طاعته، وخبر اللهِ صِدقٌ.
لكن يُشكل على هذا أن الواقع أن الله أيش؟ قد يهدي الفاسقين ويهدي الكافرين، فكيف نجمع بين الواقع وهذا الخبر الصادق؟
الجمع أن نقول: إن الله لا يهدي القوم الفاسقين؛ أي الذين كتب الله تعالى عليهم الفسق، وأما مَن كتب أن يؤمن فيؤمنُ ولا بد، ولكن الفائدة من هذا -إطلاق قوله: ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ - الإشارةُ إلى أن عدم هداية الله للفاسقين لأنهم اختاروا الفسق؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف ٥]. نسأل الله لنا ولكم الهداية وأن يُعيذنا من أنفسنا والشيطانِ.
* طالب: أحسن الله إليكم، شهادة الكفار قلنا: يجوز بعضهم على بعض ولو كان لغير ضرورة، هل لا يفرق بين أهل الكتاب وغيرهم؟
* الشيخ: إي، لا فرق، إي نعم، لكن لا بد أن يكون عدلًا في دينه كما يُشترط في المسلم أن يكون عدلًا.
* طالب: شيخ، ما ذكرنا يا شيخ أن الشهادة بعد العصر أن لأهل الكتاب لا يعتبرون هذه الصلاة عندهم يعني معظمة كما في حديث ابن عباس وكما قال أبو موسى الأشعري؟
* الشيخ: لا، الصواب أن المراد صلاة العصر وإن لم يعظِّموها؛ لأنها عظيمة عند الله، ولأن العقوبة أسرع إلى من شهِد كاذبًا أو حلف كاذبًا بعد صلاة العصر.
* طالب: وابن عباس يا شيخ؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: يعني اجتهاد ابن عباس يخالف هذا.
* الشيخ: ويش قال؟
* الطالب: حديث أبي موسى الأشعري عندما قرأناه في التفسير؛ عندما قال له: اجعلها بعد صلاتهم في دينهم.
* الشيخ: إي نعم، اختياره.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا اشترك رجلان في جريمة ما، وعند التحقيق وجدت قرائن كثيرة تدل على أنهما هما الفاعلان حقيقة، هما الفاعلان لهذه الجريمة، ثم أرادوا بالحق يقول أن يسحبوا منهم اعترافات، هل يجوز مثلًا للمحقق يعنى مثلًا يخلو بأحدهم ويقول إن صاحبك قد اعترف بهذه الجريمة؟
* الشيخ: وكان أنكرها من قبل؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لا، ما يجوز، إن هذا كذب.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة ١٠٩، ١١٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
سبق لنا قواعد في التفسير ينبغي أن نراجعها الآن.
أولًا: ما الذي ينبغي لمن أراد أن يفسِّر كتاب الله عز وجل؟
* طالب: (...) أن يبدأ بـ (...).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، أول ما يبدأ هل نقول: تدبَّرْ القرآن أنت بنفسك، ثم انظر ماذا يكون لك، وبعدين راجع عليه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، الدليل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: فقال؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء ٨٢] وقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص ٢٩].
وهل يكون عند الإنسان ثقةٌ أنه أصاب ما أراد الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذن كيف يعمل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب، بعد ذلك يرجع إلى كتب التفسير.
وهل يرجع إلى كتب التفسير بالأثر أو بالنظر؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بالأثر أولًا، وبالنظر ثانيًا.
يشترط لهذا إذا أراد أن يفسِّر القرآن بعدما يتدبره بنفسه أن يرجع إلى..؟
* طالب: كتب التفسير.
* الشيخ: كتب التفسير انتهينا منها، لكن هل يَرجع في تفسير القرآن إلى آراء المتأخرين؟ يعني المراتب التي يسلكها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يفسر القرآن بأيش؟ بالقرآن، ثم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما فيه مرتبة ثانية؟
* الطالب: تفسير الصحابة.
* الشيخ: تفسير الصحابة، ثم تفسير كبار التابعين الذين يعتنون بتفسير القرآن.
مثال لتفسير القرآن بالقرآن؟
* طالب: قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار ١٧] ثم قال: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار ١٩].
* الشيخ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ﴾ [الانفطار ١٧ - ١٩] ومثلها: ﴿الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ﴾ [القارعة ١ - ٤]. وبعد ذلك نرجع إلى..؟
* طالب: السُّنة.
* الشيخ: السُّنة، تعليل؟
* الطالب: النبي ﷺ فسر القرآن.
* الشيخ: لكن التعليل؟
* الطالب: (...) المرتبة الثانية (...).
* الشيخ: (...) حكم يعني كونه يرجع إلى تفسير الله تعليله واضح؛ لأن الله أعلم بمراده في كتابه.
* الطالب: لا أحد أعلم بعد الله من رسول الله.
* الشيخ: ولا أحد أعلم بكتاب الله من البشر من رسول الله ﷺ. المثال؟
* طالب: قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال ٦٠] (...) أي أن القوة في الرمي.
* الشيخ: فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القوة بالرمي. تمام.
تفسير الصحابة؟ تفسير الصحابة كثير.
* طالب: مثال ذلك في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة ٣٥] فقالوا يا شيخ: الحاجة.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: قالوا الوسيلة: الحاجة.
* الشيخ: حاجة؟
* الطالب: نعم، (...) من قول الشاعر:
؎إِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ ∗∗∗ أَنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي
* الشيخ: لا، على كل حال هذا يحتاج إلى إثبات، لكن غالِبَ التفسير بالأثر عن الصحابة؛ مثل: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة ٢] أي: لا شكَّ، هذا موجود.
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ [البقرة ١٦٦] يعني: المودة.
* طالب: (...).
* الشيخ: أحسنتَ، تمام، الأمثلة كثيرة في الواقع.
إذا لم نجِد لكلام الصحابة نرجع إلى كلام كبار التابعين المعتنين بالتفسير مثل مَنْ؟ مجاهد بن جبر.
كيف عرفنا أن مجاهدًا من الذين لهم عناية بالتفسير؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، تمام، لأنه أخذ التفسير عن ابن عباس، وابنُ عباس هو من أعلم الصحابة بالتفسير.
إذا احتملت الآية معنيينِ فهل نحملها عليهما أو ماذا؟
* طالب: (...) ليس بينهما تعارض (...).
* الشيخ: ليس بينهما تعارض. على السواء ولَّا؟ على السواء؛ إذا احتملتْ معنيينِ على السواء وليس بينهما تعارضٌ وجب أن تُحمَل على المعنيينِ جميعًا؛ لأنها إذا احتملت هذا صار المعنيانِ من معانيها. مَثِّلْ؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: طيب هذه واحدة هذا رأي، الرأي الثاني.
* الطالب: (...).
* الشيخ: كلمة واحدة أوضح من هذا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: صح، يعني إما أن نُقدِّر: (فِي) أو (عَنْ).
فيه أيضًا: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير ١٧] فسَّره بعضهم بأن المعنى: إذا أَقْبَل، والآخَر: إذا أَدْبَر، لكن هذا المثال قد يؤاخَذ، قد يكون عليه مآخذ؛ وهو أن تفسيره بـ(أَدْبَر) يُغنِي عنه قوله: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير ١٨]؛ لأنه إذا تنفَّس الصبحُ أدبر الليلُ، فيكون الراجح الأول.
إذا وردتْ آيةٌ عامَّةٌ وآيةٌ خاصَّةٌ فهل يكون بينهما تعارض أو يجب العمل بهما جميعًا؟
* طالب: (...) العام على الخاص.
* الشيخ: يعني يجب العمل بهما جميعًا، مثل؟
* الطالب: قوله تعالى في سورة المجادلة: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة ٣] وفي آية أخرى: ﴿رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء ٩٢]
* الشيخ: ويش الآية الأخرى؟
* الطالب: في آية ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [المائدة ٨٩]
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: آية؟ آية القتل، نحمل؟
* الطالب: على الاشتراط أن تكون مؤمنة.
* الشيخ: نحملها على الاشتراط أن تكون مؤمنة؛ لأن هذا الإطلاق قُيِّد بكلمة ﴿مُؤْمِنَةٍ﴾ في هذه الآية.
لو قال قائل: إن الحمل غير صحيح؛ لأن هذه كفَّارة الظِّهار ثلاثة أنواع، كفَّارة القتلِ نوعان.
* طالب: لكن الكلام ليس في عدد الكفارة الكلام في الرقبة، والرقبة مشتركة بين الكفارة في (...).
* الشيخ: ويؤيد هذا حديث معاويةَ بنِ الْحَكَم أن الرسول ﷺ قال: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم السلمي.]]، يؤيد هذا.
هل مِن ذلك قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة ١٨٠] ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: منسوخة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: المائدة؟ النساء.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، توافقون على هذا أن آية البقرة منسوخة بآية النساء؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا، الحديث هذا ما هو ناسخ، الحديث مبيِّن للناسخ؛ أن الله نسخ بآية المواريث، لكن هذه منسوخة بآية المواريث؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم بَيِّنْ.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما هو الجمع؟
* طالب: نقول تكون الوصية لغير الأقربين وغير الوارثين.
* الشيخ: صحيح، هذا هو الصواب، الآية غير منسوخة؛ لأن الله قال: ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾؛ أخرج من كان وارثًا فيبقى من ليس بوارث، فلا يُعارض آيةَ المواريث.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أحيانًا يكون الوالد غيرَ وارثٍ؛ كما لو كان الوالد رقيقًا مثلًا فإنه لا يرث من ابنه، لكن لا بأس أن يوصِي له أو يؤمَر أن يوصِي له، خصوصًا إذا قلنا بأن العبد يَمْلِك بالتمليك؛ لأن العلماء اختلفوا: هل العبد يَمْلِك بالتمليك أو أنه إذا مُلِّكَ يكون الملْك لسيده، أو يُفَرَّق بين أن يكون الْمُمَلِّك السيدَ فيَمْلِك أو غيرَه فلا يَمْلِك.
الصحيح أنها غير منسوخة، وما وردَ عن السلف بأنها منسوخة فإن السلف يُطْلِقون النَّسْخ على التخصيص؛ لأن التخصيص في الواقع نسخٌ للعموم فيُطْلِقون عليه النَّسخ.
مر علينا قريبًا في سورة المائدة قصة إشهاد الكافر على الوصية، هي ذاتُ سببٍ ولفظها عامٌّ، فهل نقول: إن هذا العام خُصِّص بالسبب، أو لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يقول: السبب لا يخصِّص العموم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ما هو السبب الذي وردت فيه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ إلى آخره [المائدة: ١٠٦]؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أشْهَدَ على وصيَّته رجُلَينِ من أهل الكتاب، فأنزل الله هذه الآية، لكن لو أنه لم يجد رجُلَينِ من أهل الكتاب ولا من المسلمين وأشهد الرجُلَينِ من الشيوعيِّينَ، فهل نأخذ بذلك، أو نقول: إنه خاصٌّ بالكتابيِّينَ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) نريد الآن اللفظ العام؛ الآية: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، فقوله: ﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ يعُمُّ الكتابيِّينَ وغيرَ الكتابيِّينَ.
هل يُخَصُّ هذا الحكم بشهادتهما بالوصية أو حتى على غير الوصية لو شَهِد على أن الميت أقرَّ بدَينٍ في ذِمَّته لفلان؟
* طالب: (...).
* الشيخ: هل (...) الوصية؟ بَس الواقع وصية.
* الطالب: نأخذ بالعموم.
* الشيخ: نأخذ بالعموم، وين العموم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: وين العموم؟ أَرِنا إيَّاه.
* الطالب: (...).
﴿مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة ١٠٦] يَعُم الكتابيين وغير الكتابيين، هل يُخص هذا الحكم بشهادتهما بالوصية، أو حتى على غير الوصية لو شهد على أن الميت أقر بدين في ذمته لفلان؟
* طالب: حتى غير الوصية.
* الشيخ: حتى غير الوصية؟ بس الواقع وصية؟
* الطالب: نأخذ بالعموم.
* الشيخ: نأخذ بالعموم، وين العموم؟ أرنا إياه؟
* الطالب: ما خرج منه قيد، ويبني على القصة الوصية؛ يعني غير الوصية كذلك.
* الشيخ: إي، بس يأتيك الخصم، ويقول: لا نُسَلِّم، أعطنا عمومًا من الآية.
* الطالب: إي نعم، قال: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة ١٠٦]، وهذا ليس فيه نص على الوصية فقط، وإن كان (...) مصيبة.
* الشيخ: يعني قوله: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ يشمل ما لو شهد بالوصية، أو شهد بإقرار الميت بدَيْن أو غير ذلك، توافقون على هذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: الدليل في قوله: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ شهادة مضاف (...).
* الشيخ: بس نُقيد ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، والعموم يُؤخذ من قوله: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ يعني وأشهدتم على هذا حين الموت.
لو قال قائل: هل نُلحِق كل ضرورة بهذه الحال؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: إي نعم! كل ضرورة؟!
* الطالب: كل ضرورة.
* الشيخ: يعني لو مثلًا إنسان في البلد حضره الموت، وليس عنده إلا كُفّار، وهذا قد يقع في العمال الآن عندنا معهم عمال كفار.
* الطالب: إي نعم، نقول به يا شيخ.
* الشيخ: نقول به في الضرورة؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: كيف نخرج هذا؟ أو كيف نقول بهذا، والآية فيها: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؟
* الطالب: إذا ليس بقيد.
* الشيخ: بس (إن) شرطية.
* الطالب: لهذا البيان.
* الشيخ: بيان أيش؟
* الطالب: بيان (...).
* الشيخ: يعني الآية سيقت ببيان القصة الواقعة، فيقاس عليها من حيث المعنى كل ضرورة، توافقون على هذا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، وهذا هو الصحيح، وقد عرفتم أن المسألة فيها ثلاثة أقوال، أتذكرونها؟
قول: إن هذه الآية منسوخة، وأن الكفار لا تُقبل شهادتهم مطلقًا فيما يتعلق بحقوق المسلمين.
والقول الثاني: أنها خاصة في الوصية في السفر إذا لم يوجد مسلم، وعلّلوا هذا؛ قالوا: لأن قبول شهادة الكافر خارج عن الأصل، الأصل أن الكافر لا تُقبل شهادته، فإذا كان خارجًا عن الأصل وجب أن يقتصر على ما جاء به النص في القضية الواقعة، وهؤلاء يخصصون بالسفر، وفي الوصية، وبأهل الكتاب، ثلاث مخصصات عندهم.
القول الثالث: أنها تُقبل شهادة الكافر في كل ضرورة، وهذا أقرب إلى قواعد الشريعة، ولكن ذكر الله عز وجل أنه في حال الارتياب يحبسون من بعد الصلاة كما في الآية.
لدينا آيتان بينهما عموم وخصوص من وجه، فأيهما نقدم؟
* طالب: يحمل أما الخاص اللذان تقابلا فيه إما يرجع (...).
* الشيخ: هذا ما فيه إشكال.
* الطالب: وأما العامل الخاص (...) يحمل عليهما.
* الشيخ: التعارض، إذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني يُطلب مُرجِّح، فإن لم يوجد؟ مَثِّل؟
* الطالب: ما يحتاج لمثال.
* الشيخ: مَثِّل لما فيه الترجيح؟
* الطالب: مثلًا قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء ٢٤] فإنه يتعارض مع قوله تعالى..
* طالب آخر: قوله تبارك وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة ٢٣٤].
وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ٤]، هاتان الآيتان بينهما خصوص وعموم من وجه.
* الشيخ: فَسِّر، يعني بَيِّن ذلك؟
* الطالب: تعتد بأطول الأجلين.
* الشيخ: كيف؟! ما أريد الحكم الآن، لكن كيف التعارض؟
* الطالب: في الآية الأولى بين الله عز وجل أنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام.
* الشيخ: سواء كانت حاملًا.
* الطالب: أو غير حامل.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: وفي الآية الثانية عند الحمل تعتد بوضع الحمل.
* الشيخ: سواء متوفى عنها أو لا. كيف الجمع، إذا وجدنا امرأة حامل توفي عنها زوجها، فبماذا تعتد؟
* الطالب: بأطول الأجلين.
* الشيخ: بأطول الأجلين نعم.
* طالب: تعتد الحامل بحديث..
* الشيخ: بوضع الحمل، بناءً على القاعدة الآن، هل تعتد بأطول الأجلين؟
إي نعم، بناءً على القاعدة تعتد بأطول الأجلين، مثلًا إذا وضعت لشهرين، نقول: كمِّلي أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن وضعت لست شهور نقول: انتظري حتى تضعي.
وبهذا نعمل بالآيتين، لكن السنة دلت على أن الحامل عدتها وضع الحمل، ولو أقل من أربعة أشهر وعشرة أيام، ما هي السنة الواردة في هذا؟
* طالب: الحديث عن سبيعة الأسلمية، أن (...) دخل عليها.
* الشيخ: أبو السنابل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: فقال لها: إنكِ لست بناكح، حتى..
* الطالب: حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرًا. قالت: فلما قال لي ذلك: جمعت عليَّ ثيابي، وذهبت إلى النبي ﷺ فسألته.
* الشيخ: فأخبرته بما قال لها أبو السنابل، نعم، فقال لها؟
* الطالب: أنها حلّت للأزواج.
* الشيخ: أخبرها أنها حلت للأزواج حين وضعت، فدل هذا على أن عموم ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ﴾ مقدّم على عموم ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾.
من القواعد إذا جاء لفظ عام، ثم فُرّع عليه من يقتضي التخصيص، هل يؤخذ بالعموم أو بالتخصيص؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مثاله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [البقرة ٢٢٨] كلمة ﴿الْمُطَلَّقَاتُ﴾ إذا نظرنا لعمومها صارت تشمل أيش؟ الرجعيات وغير الرجعيات؛ يعني مَن طلقت سواء كان طلاقها بائنًا أم رجعيًّا. وقوله: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ يقتضي أيش؟
يقتضي أن هذا خاص بالرجعيات، فهل نقول: إن العموم هنا لما فُرّع عليه حكم يختص ببعض أفراده يُحمل على الخاص أو لا؟
نعم، هذه أيضًا مما اختلف فيها العلماء، فمنهم من يقول: إن المطلقة البائن التي لا رجعة لزوجها عليها تعتد بحيضة واحدة؛ لأنه لا فائدة من إطالة المدة عليها، الرجعية فيه فائدة من إطالة المدة؛ وهو أن الزوج ربما يرجع، لكن هذه لا فائدة، وإذا لم يكن فائدة فليُفسح لها المجال، ويقال: انقضت عدتها بحيضة واحدة، وتحل للأزواج.
ومنهم من قال: نأخذ بالعموم، والتفريع على بعض أفراده كذكر بعض أفراد العموم بحكم يطابق العموم فإنه لا يقتضي التخصيص، وهذا رأي الجمهور، والأول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن المطلقة التي يلزمها ثلاثة قروء، إنما هي المطلقة الرجعية.
ونظير هذا في السنة: «قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»[[أخرجه البخاري (٢٢٥٧) من حديث جابر بن عبد الله.]]. إذا نظرنا إلى عموم صدر الحديث قلنا: الشفعة في كل شيء حتى في المنقولات، وإذا نظرنا إلى التفريع قلنا: لا شفعة إلا في الأرَضين التي تقع فيها الحدود، وتُصرّف فيها الطرق، وهذا أيضًا مما اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من يقول: إن الشفعة لا تثبت إلا في الأراضي، وأنه لو كان سيارة بين شخصين فباع أحدهما نصيبه على ثالث فليس لشريكه أن يأخذ بالشفعة؛ لأن النبي ﷺ قال: «فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ» والسيارة ما فيها حدود ولا طرق.
ومنهم من قال: يؤخذ بالعموم، وتثبت الشفعة في كل ما لم يقسم من أراضي ومنقولات وغيرها، ويقول: فإذا وقعت الحدود تفريع على بعض أفراد العام، ولا يخالف العموم فلا يقتضي التخصيص، وهذا أيضًا فيه خلاف، ولكن قد وردت الأحاديث تدل على العموم، وأن الشفعة واجبة حتى في غير الأراضي؛ يعني حتى لو كانت بين رجلين سيارة وباع أحدهما نصيبه على آخر فإنه لا شفعة لشريكه؛ لأن العلة التي من أجلها أُثبتت الشفعة للشريك موجودة في الأراضي وغير الأراضي، بل ربما تكون في غير الأراضي أشد نزاعًا، فإنه قد يحدث من الشريك الجديد من النزاع والخصوم مع الشريك الأول ما يُنكد عليه الحياة.
إذا ورد عن السلف أقوال في تفسير الآية والأقوال تحتمل، فهل نقول: إن هذا الاختلاف يعتبر اختلافًا حقيقيًّا أو هو اختلاف تنوُّع؟
فيه تفصيل؛ بعضه اختلاف تنوّع، وبعضه اختلاف تضاد؛ فإذا كان اختلاف تضاد وجب أن نفرض المرجِّح بين القولين، وإذا كان اختلاف تنوع فلا اختلاف في الواقع، مثاله قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر ٣٢] بعضهم قال: الظالم لنفسه الذي يؤخّر الصلاة عن وقتها، وبعضهم قال: الظالم لنفسه الذي لا يزكِّي، هذا واحد.
﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ قالوا: المقتصد الذي يؤدي الزكاة، ولا يؤدي الصدقة، والذي يأتي بالصلاة في وقتها، لكن لا يحرص على إقامتها.
والسابق بالخيرات: هو الذي يؤدي الزكاة والصدقة، ويحرص على إقامة الصلاة على ما ينبغي، هل هذا الاختلاف يعتبر اختلافًا حقيقيًّا بحيث نقول: في تفسير الآية قولان؟
لا؛ لأن هذا الاختلاف اختلاف تنوع؛ أي: أن كل واحد منهم ذكر نوعًا مما يدخل في الآية، وهذه قد يعدها بعض الناس اختلافًا، وليس كذلك، هذا يسمونه اختلاف تنوع، وليس اختلاف تضاد، وعليه فلا يجوز أن نقول: إن السلف اختلفوا في معنى هذه الآية؛ لأن الكل اتفقوا على أنه الظالم مَن فرط في واجب، والمقتصد مَن قام بالواجب، والسابق بالخيرات مَن زاد عن الواجب، متفقين على هذا، لكن كل واحد منهم مثّل بمثال.
نريد آية فيها تخصيص متصل بغير الاستثناء؟ الاستثناء كثير: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى آخره [العصر: ٢، ٣] كثير.
* طالب: قوله: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء ٢٥].
* الشيخ: إي، ﴿فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ يعني هذا خُصّص بالوصف.
ومثله قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٧] فلما ذكر العموم أولًا قيد بقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ فهل نأخذ بالعموم أو بالقيد؟
نأخذ بالقيد بلا شك؛ لأن القيد يخصص الْمُقَيَّد، وعلى هذا فلا يجب الحج إلا على مَن؟ مَن استطاع.
فلو قال قائل: جميع العبادات مقيدة بالاستطاعة؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦]، فما الحكمة من كونه يذكر هذا الشرط في الحج، ولم يذكره في الصلاة مثلًا ما قال: أقيموا الصلاة إن استطعتم؟
الجواب سهل؛ لأن المشقة في الحج أظهر وأبين من المشقة في غيره؛ فلهذا نص على هذا الشرط، فالصيام لما كان فيه نوع من المشقة قال فيه عز وجل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة ١٨٥]، وأما ما لا مشقة فيه فتُذكر فيه الأوامر مطلقة، ولكنها تُحمل على القاعدة العامة، وهو أنه لا واجب مع العجز؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦] وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ [الشعراء ١٧٦، ١٧٧]، وفي آية أخرى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ [الأعراف ٨٥]، فلماذا ذكر الأخوة في الآية الثانية دون الأولى؟
* طالب: لأنه نسبهم إلى الشجرة التي يعبدونها، فلما نسبهم إلى الشجرة خلع عليهم أخوة الدين، ولما نسبهم إلى الأرض أثبت لهم أخوة النسب.
* الشيخ: هذا وجه، وجه آخر يعني يقول: إنه لما قال: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾ لم يقل: أخوهم؛ لأنهم يعبدون الشجر.
وبعضهم قال: إن هؤلاء ليسوا من قومه، ليسوا من قومه، فليس أخًا لهم في النسب، وأما الآية الأولى فهو أخوهم بالنسب، وكلاهما صحيح.
ما رأيكم في طريقة التفسير؛ أننا نعرب الآيات المشكل وغير المشكل تمرينًا للطلاب، يذكرنا بالنحو؛ لأن الحقيقة النحو ما حصل لنا أن نوفر فيه وقتًا لدراسته إما في الألفية أو غيرها، أقول: لعل الإعراب يُعوِّض.
{"ayahs_start":106,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ","فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰۤ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّاۤ إِثۡمࣰا فَـَٔاخَرَانِ یَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَیَـٰنِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَـٰدَتُنَاۤ أَحَقُّ مِن شَهَـٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَیۡنَاۤ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِٱلشَّهَـٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَاۤ أَوۡ یَخَافُوۤا۟ أَن تُرَدَّ أَیۡمَـٰنُۢ بَعۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق