الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنكم أو آخَرانِ مِن غَيْرِكم إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَأصابَتْكم مُصِيبَةُ المَوْتُ تَحْبِسُونَهُما مِن بَعْدِ الصَلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ولَوْ كانَ ذا قُرْبى ولا نَكْتُمُ شَهادَةُ اللهِ إنّا إذا لَمِنَ الآثِمِينَ﴾ ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأولَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِنَ شَهادَتِهِما وما اعْتَدَيْنا إنّا إذًا لَمِنَ الظالِمِينَ﴾
قالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: هَذِهِ الآياتُ عِنْدَ أهْلِ المَعانِي مِن أشْكَلِ ما في القُرْآنِ؛ إعْرابًا؛ ومَعْنًى؛ وحُكْمًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا كَلامُ مَن لَمْ يَقَعْ لَهُ الثَلَجُ في تَفْسِيرِها؛ وذَلِكَ بَيِّنٌ مِن كِتابِهِ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ وبِهِ نَسْتَعِينُ.
لا نَعْلَمُ خِلافًا أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ «أنَّ تَمِيمًا الدارِيَّ ؛ وعَدِيَّ بْنَ بِدّاءٍ؛ كانا نَصْرانِيَّيْنِ؛ سافَرا إلى المَدِينَةِ يُرِيدانِ الشامَ لِتِجارَتِهِما؛ قالَ الواقِدِيُّ: وهُما أخَوانِ؛ وقَدِمَ المَدِينَةَ أيْضًا ابْنُ أبِي مارِيَةَ؛ مَوْلى عَمْرِو بْنِ العاصِ ؛ يُرِيدُ الشامَ تاجِرًا؛ فَخَرَجُوا رَفاقَةً؛ فَمَرِضَ (p-٢٨٢)ابْنُ أبِي مارِيَةَ في الطَرِيقِ؛ قالَ الواقِدِيُّ: فَكَتَبَ وصِيَّةً بِيَدِهِ؛ ودَسَّها في مَتاعِهِ؛ وأوصى إلى تَمِيمٍ وعَدِيٍّ أنْ يُودِيا رَحْلَهُ؛ فَأتَيا بَعْدَ مُدَّةٍ المَدِينَةَ بِرَحْلِهِ فَدَفَعاهُ؛ ووَجَدَ أولِياؤُهُ مِن بَنِي سَهْمٍ وصِيَّتَهُ مَكْتُوبَةً؛ فَفَقَدُوا أشْياءَ قَدْ كَتَبَها؛ فَسَألُوهُما عنها؛ فَقالا: ما نَدْرِي؛ هَذا الَّذِي قَبَضْناهُ لَهُ؛ فَرَفَعُوهُما إلى رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الأُولى؛ فاسْتَحْلَفَهُما رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بَعْدَ العَصْرِ؛ فَبَقِيَ الأمْرُ مُدَّةً؛ ثُمَّ عُثِرَ بِمَكَّةَ مِن مَتاعِهِ عَلى إناءٍ عَظِيمٍ مِن فِضَّةٍ؛ مُخَوَّصٍ بِالذَهَبِ؛ فَقِيلَ لِمَن وُجِدَ عِنْدَهُ: مِن أيْنَ صارَ لَكم هَذا الإناءُ؟ فَقالُوا: اِبْتَعْناهُ مِن تَمِيمٍ الدارِيِّ ؛ وعَدِيِّ بْنِ بِدّاءٍ؛ فارْتُفِعَ في الأمْرِ إلى النَبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ الأُخْرى؛ فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مِن أولِياءِ المَيِّتِ أنْ يَحْلِفا؛ قالَ الواقِدِيُّ: فَحَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العاصِ ؛ والمُطَّلِبُ بْنُ أبِي وداعَةَ؛ واسْتَحَقّا.»
ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ «عن تَمِيمٍ الدارِيِّ أنَّهُ قالَ: بَرِئَ الناسُ مِن هَذِهِ الآياتِ؛ غَيْرِي وغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بِدّاءٍ؛ وذَكَرَ القِصَّةَ؛ إلّا أنَّهُ قالَ: وكانَ مَعَهُ جامُ فِضَّةٍ - يُرِيدُ بِهِ المَلِكَ - فَأخَذْتُهُ أنا وعَدِيٌّ؛ فَبِعْناهُ بِألْفٍ؛ وقَسَمْنا ثَمَنَهُ؛ فَلَمّا أسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - المَدِينَةَ تَأثَّمْتُ مِن ذَلِكَ؛ فَأتَيْتُ أهْلَهُ فَأخْبَرْتُهُمُ الخَبَرَ؛ وأدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةٍ؛ فَوَثَبُوا إلى عَدِيٍّ ؛ فَأتَوْا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وحَلَفَ عَمْرُو بْنُ العاصِ ؛ ورَجُلٌ آخَرُ مَعَهُ؛ ونُزِعَتْ مِن عَدِيٍّ خَمْسُمِائَةٍ.»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: تَخْتَلِفُ ألْفاظُ هَذِهِ القِصَّةِ في الدَواوِينِ؛ وما ذَكَرْتُهُ هو عَمُودُ الأمْرِ؛ ولَمْ يَصِحَّ لِعَدِيٍّ صُحْبَةٌ - فِيما عَلِمْتُ - ولا ثَبَتَ إسْلامُهُ؛ وقَدْ صَنَّفَهُ في الصَحابَةِ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ؛ وضَعَّفَ أمْرَهُ؛ ولا وجْهَ عِنْدِي لِذِكْرِهِ في الصَحابَةِ.
وأمّا مَعْنى الآيَةِ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها فَهو أنَّ اللهَ تَعالى أخْبَرَ المُؤْمِنِينَ أنَّ حُكْمَهُ في الشَهادَةِ عَلى المُوصِي إذا حَضَرَهُ المَوْتُ أنْ تَكُونَ شَهادَةَ عَدْلَيْنِ؛ فَإنْ كانَ في سَفَرٍ - وهو الضَرْبُ في الأرْضِ - ولَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ أحَدٌ؛ فَلْيُشْهِدْ شاهِدَيْنِ مِمَّنْ حَضَرَهُ مِن أهْلِ الكُفْرِ؛ فَإذا قَدِما وأدَّيا الشَهادَةَ عَلى وصِيَّتِهِ حَلَفا بَعْدَ الصَلاةِ أنَّهُما ما كَذَبا؛ ولا (p-٢٨٣)بَدَّلا؛ وأنَّ ما شَهِدا بِهِ حَقٌّ؛ ما كَتَما فِيهِ شَهادَةَ اللهِ ؛ وحُكِمُ بِشَهادَتِهِما؛ فَإنْ عُثِرَ - بَعْدَ ذَلِكَ - عَلى أنَّهُما كَذَبا؛ أو خانا؛ ونَحْوَ هَذا مِمّا هو إثْمٌ؛ حَلَفَ رَجُلانِ مِن أولِياءِ المُوصِي في السَفَرِ؛ وغُرِّمَ الشاهِدانِ ما ظَهَرَ عَلَيْهِما؛ هَذا مَعْنى الآيَةِ عَلى مَذْهَبِ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ ؛ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ؛ ويَحْيى بْنِ يَعْمُرَ ؛ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ وأبِي مِجْلَزٍ؛ وإبْراهِيمَ؛ وشُرَيْحٍ ؛ وعُبَيْدَةَ السَلْمانِيِّ ؛ وابْنِ سِيرِينَ ؛ ومُجاهِدٍ ؛ وابْنِ عَبّاسٍ ؛ وغَيْرِهِمْ؛ يَقُولُونَ: مَعْنى قَوْلِهِ: "مِنكُمْ": مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ ومَعْنى: "مِن غَيْرِكُمْ": مِنَ الكُفّارِ؛ قالَ بَعْضُهُمْ: وذَلِكَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ ولا مُؤْمِنَ إلّا بِالمَدِينَةِ؛ وكانُوا يُسافِرُونَ في التِجارَةِ صُحْبَةَ أهْلِ الكِتابِ؛ وعَبَدَةِ الأوثانِ؛ وأنْواعِ الكَفَرَةِ.
واخْتَلَفَتْ هَذِهِ الجَماعَةُ المَذْكُورَةُ؛ فَمَذْهَبُ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ ؛ وشُرَيْحٍ ؛ وغَيْرِهِما أنَّ الآيَةَ مُحْكَمَةٌ؛ وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ إلى الشَعْبِيِّ أنَّ رَجُلًا حَضَرَتْهُ المَنِيَّةُ بِدَقُوقا؛ ولَمْ يَجِدْ أحَدًا مِنَ المُؤْمِنِينَ يُشْهِدُهُ عَلى وصِيَّتِهِ؛ فَأشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَقَدِما الكُوفَةَ؛ فَأتَيا أبا مُوسى الأشْعَرِيَّ فَأخْبَراهُ؛ وقَدِما بِتَرِكَتِهِ؛ فَقالَ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ: هَذا أمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كانَ في مُدَّةِ النَبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ ثُمَّ أحْلَفَهُما بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ؛ وأمْضى شَهادَتَهُما.
وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ عن شُرَيْحٍ أنَّهُ كانَ لا يُجِيزُ شَهادَةَ النَصْرانِيِّ؛ واليَهُودِيِّ؛ عَلى مُسْلِمٍ ؛ إلّا في الوَصِيَّةِ؛ ولا تَجُوزُ أيْضًا في الوَصِيَّةِ إلّا إذا كانُوا في سَفَرٍ.
ومَذْهَبُ جَماعَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ؛ أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] ؛ وبِما اسْتَنَدَ إلَيْهِ إجْماعُ جُمْهُورِ الناسِ عَلى أنَّ شَهادَةَ الكافِرِ لا تَجُوزُ.
وتَأوَّلَ الآيَةَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ عَلى غَيْرِ هَذا كُلِّهِ؛ قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: وقَوْلُهُ تَعالى: "مِنكُمْ"؛ يُرِيدُ مِن عَشِيرَتِكُمْ؛ وقَرابَتِكُمْ؛ وقَوْلُهُ: ﴿أو آخَرانِ مِن غَيْرِكُمْ﴾ ؛ يُرِيدُ مِن غَيْرِ القَرابَةِ؛ والعَشِيرَةِ؛ وقالَ بِهَذا عِكْرِمَةُ؛ مَوْلى ابْنِ عَبّاسٍ ؛ وابْنُ شِهابٍ ؛ قالُوا: (p-٢٨٤)أمَرَ اللهُ بِإشْهادِ عَدْلَيْنِ مِنَ القَرابَةِ؛ إذْ هم ألْحَنُ بِحالِ الوَصِيَّةِ؛ وأدْرى بِصُورَةِ العَدْلِ فِيها؛ فَإنْ كانَ الأمْرُ في سَفَرٍ؛ ولَمْ تَحْضُرْ قَرابَةٌ؛ أُشْهِدَ أجْنَبِيّانِ؛ فَإذا شَهِدا فَإنْ لَمْ يَقَعِ ارْتِيابٌ مَضَتِ الشَهادَةُ؛ وإنِ ارْتِيبَ أنَّهُما مالا بِالوَصِيَّةِ إلى أحَدٍ؛ أو زادا أو نَقَصا؛ حَلَفا بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ؛ ومَضَتْ شَهادَتُهُما؛ فَإنْ عُثِرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلى تَبْدِيلٍ مِنهُما؛ واسْتِحْقاقِ إثْمٍ؛ حَلَفَ ولِيّانِ مِنَ القَرابَةِ؛ وبَطَلَتْ شَهادَةُ الأوَّلَيْنِ.
وقالَ بَعْضُ الناسِ: اَلْآيَةُ مَنسُوخَةٌ؛ ولا يَحْلِفُ شاهِدٌ؛ ويُذْكَرُ هَذا عن مالِكِ بْنِ أنَسٍ ؛ والشافِعِيِّ ؛ وكافَّةِ الفُقَهاءِ.
وذَكَرَ الطَبَرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّ هَذا التَحالُفَ الَّذِي في الآيَةِ إنَّما هو بِحَسَبِ التَداعِي؛ وذَلِكَ أنَّ الشاهِدَيْنِ الأوَّلَيْنِ إنَّما يَحْلِفانِ إذا ارْتِيبَ؛ وإذا ارْتِيبَ فَقَدْ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِما دَعْوى؛ فَتَلْزَمُهُما اليَمِينُ؛ لَكِنَّ هَذا الِارْتِيابَ إنَّما يَكُونُ في خِيانَةٍ مِنهُما؛ فَإنْ عُثِرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا نُظِرَ؛ فَإنْ كانَ الأمْرُ بَيِّنًا غُرِّما دُونَ يَمِينِ ولِيَّيْنِ؛ وإنْ كانَ بِشاهِدٍ واحِدٍ؛ أو بِدَلائِلَ تَقْتَضِي خِيانَتَهُما؛ أو ما أشْبَهَ ذَلِكَ؛ مِمّا هو كالشاهِدِ؛ حُمِلَ عَلى الظالِمِ؛ وحَلَفَ المُدَّعِيانِ مَعَ ما قامَ لَهُما مِن شاهِدٍ؛ أو دَلِيلٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَهَذا هو الِاخْتِلافُ في مَعْنى الآيَةِ؛ وصُورَةِ حُكْمِها؛ ولْنَرْجِعِ الآنَ إلى الإعْرابِ؛ والكَلامِ عَلى لَفْظَةٍ لَفْظَةٍ مِنَ الآيَةِ؛ ولْنَقْصِدِ القَوْلَ المُفِيدَ؛ لِأنَّ الناسَ خَلَطُوا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ تَخْلِيطًا شَدِيدًا؛ وذِكْرُ ذَلِكَ والرَدُّ عَلَيْهِ (p-٣٨٥)يَطُولُ؛ وفي تَبْيِينِ الحَقِّ الَّذِي تَتَلَقّاهُ الأذْهانُ بِالقَبُولِ مُقْنِعٌ؛ واللهُ المُسْتَعانُ.
قَوْلُهُ: ﴿ "شَهادَةُ بَيْنِكُمْ"؛﴾ قالَ قَوْمٌ: اَلشَّهادَةُ هُنا بِمَعْنى: "اَلْحُضُورُ"؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: اَلشَّهادَةُ بِمَعْنى: "اَلْيَمِينُ"؛ ولَيْسَتْ بِالَّتِي تُؤَدّى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا كُلُّهُ ضَعِيفٌ؛ والصَوابُ أنَّها الشَهادَةُ الَّتِي تُحْفَظُ لِتُؤَدّى؛ ورَفْعُهُما بِالِابْتِداءِ؛ والخَبَرُ في قَوْلِهِ: "اِثْنانِ"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: اَلتَّقْدِيرُ: "شَهادَةُ بَيْنِكم في وصاياكم شَهادَةُ اثْنَيْنِ"؛ فَحُذِفَ المُضافُ؛ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ؛ وقَدَّرَهُ غَيْرُهُ أوَّلًا؛ كَأنَّهُ قالَ: "مُقِيمُ شَهادَةِ بَيْنِكُمُ اثْنانِ".
وأُضِيفَتِ الشَهادَةُ إلى "بَيْنِ"؛ اِتِّساعًا في الظَرْفِ؛ بِأنْ يُعامَلَ مُعامَلَةَ الأسْماءِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤].
وقَرَأ الأعْرَجُ ؛ والشَعْبِيُّ ؛ والحَسَنُ: "شَهادَةٌ" بِالتَنْوِينِ؛ "بَيْنَكُمْ"؛ بِالنَصْبِ؛ وإعْرابُ هَذِهِ القِراءَةِ عَلى نَحْوِ إعْرابِ قِراءَةِ السَبْعَةِ؛ ورُوِيَ عَنِ الأعْرَجِ ؛ وأبِي حَيْوَةَ: "شَهادَةً"؛ بِالنَصْبِ؛ والتَنْوِينِ؛ "بَيْنَكُمْ"؛ نَصْبًا؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: اَلتَّقْدِيرُ: "لِيُقِمْ شَهادَةً بَيْنَكُمُ اثْنانِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ ؛ مَعْناهُ: إذا قَرُبَ الحُضُورُ؛ وإلّا فَإذا حَضَرَ المَوْتُ لَمْ يَشْهَدْ مَيِّتٌ؛ وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللهِ﴾ [النحل: ٩٨] ؛ وكَقَوْلِهِ: ﴿إذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ [الطلاق: ١] ؛ وهَذا كَثِيرٌ؛ والعامِلُ في "إذا": اَلْمَصْدَرُ الَّذِي هو "شَهادَةُ"؛ وهَذا عَلى أنْ تَجْعَلَ "إذا" بِمَنزِلَةِ "حِينَ"؛ لا تَحْتاجُ إلى جَوابٍ؛ ولَكَ أنْ (p-٢٨٦)تَجْعَلَ "إذا" - في هَذِهِ الآيَةِ - المُحْتاجَةَ إلى الجَوابِ؛ لَكِنِ اسْتُغْنِيَ عن جَوابِها بِما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ "شَهادَةُ بَيْنِكُمْ"؛﴾ إذِ المَعْنى: "إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَنْبَغِي أنْ يَشْهَدَ".
وقَوْلُهُ: ﴿ "حِينَ الوَصِيَّةِ"﴾ ظَرْفُ زَمانٍ والعامِلُ في "حَضَرَ"؛ وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِن "إذا"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: ولَكَ أنْ تُعَلِّقَهُ بِـ "اَلْمَوْتُ"؛ لا يَجُوزُ أنْ تَعْمَلَ فِيهِ "شَهادَةُ" لِأنَّها إذا عَمِلَتْ في ظَرْفٍ مِنَ الزَمانِ لَمْ تَعْمَلْ في ظَرْفٍ آخَرَ مِنهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "ذَوا عَدْلٍ"؛﴾ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ "اِثْنانِ"؛ و"مِنكُمْ": صِفَةٌ أيْضًا؛ بَعْدَ صِفَةٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "مِن غَيْرِكُمْ"؛﴾ صِفَةٌ لِـ "آخَرانِ"؛ و﴿ "ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ"؛﴾ مَعْناهُ: "سافَرْتُمْ لِلتِّجارَةِ"؛ تَقُولُ: "ضَرَبْتُ في الأرْضِ" أيْ: سافَرْتُ لِلتِّجارَةِ؛ و"ضَرَبْتُ الأرْضَ": ذَهَبْتُ فِيها لِقَضاءِ حاجَةِ الإنْسانِ؛ وهَذا السَفَرُ كانَ الَّذِي يُمْكِنُ أنْ يَعْدِمَ فِيهِ المُؤْمِنُ مُؤْمِنَيْنِ؛ فَلِذَلِكَ خُصَّ بِالذِكْرِ؛ لِأنَّ سَفَرَ الجِهادِ لا يَكادُ يَعْدِمُ فِيهِ مُؤْمِنَيْنِ.
قالَ أبُو عَلِيٍّ: قَوْلُهُ: ﴿ "تَحْبِسُونَهُما"؛﴾ صِفَةٌ لِـ "آخَرانِ"؛ واعْتُرِضَ بَيْنَ المَوْصُوفِ والصِفَةِ بِقَوْلِهِ: "إنْ أنْتُمْ"؛ إلى "اَلْمَوْتِ"؛ وأفادَ الِاعْتِراضُ أنَّ العُدُولَ إلى آخَرانِ مِن غَيْرِ المِلَّةِ؛ أوِ القَرابَةِ؛ حَسَبَ اخْتِلافِ العُلَماءِ في ذَلِكَ؛ إنَّما يَكُونُ مَعَ ضَرُورَةِ السَفَرِ؛ وحُلُولِ المَوْتِ فِيهِ؛ واسْتُغْنِيَ عن جَوابِ "إنْ"؛ لِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿أو آخَرانِ مِن غَيْرِكُمْ﴾.
وقالَ جُمْهُورُ العُلَماءِ: الصَلاةُ هُنا: صَلاةُ العَصْرِ؛ لِأنَّهُ وقْتَ اجْتِماعِ الناسِ؛ وقَدْ ذَكَرَهُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فِيمَن حَلَفَ عَلى سِلْعَتِهِ؛ وأمَرَ بِاللِعانِ فِيهِ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: إنَّما هي بَعْدَ صَلاةِ الذِمِّيِّينَ؛ وأمّا العَصْرُ فَلا حُرْمَةَ لَها عِنْدَهُما.
والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿ "فَيُقْسِمانِ"؛﴾ عاطِفَةُ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ؛ لِأنَّ المَعْنى تَمَّ في قَوْلِهِ: ﴿مِن بَعْدِ الصَلاةِ﴾ ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: وإنْ شِئْتَ لَمْ تُقَدِّرِ الفاءَ عاطِفَةَ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ؛ ولَكِنْ تَجْعَلُهُ جَزاءً؛ كَقَوْلِ ذِي الرُمَّةِ:
؎ وإنْسانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الماءُ تارَةً ∗∗∗ فَيَبْدُو وتاراتٍ يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمْ: إذا حَسِرَ بَدا؛ فَكَذَلِكَ إذا حَبَسْتُمُوهُما أقْسَما.
(p-٢٨٧)وَقَوْلُهُ: ﴿ "إنِ ارْتَبْتُمْ"؛﴾ شَرْطٌ لا يُتَوَجَّهُ تَحْلِيفُ الشاهِدَيْنِ إلّا بِهِ؛ ومَتى لَمْ يَقَعِ ارْتِيابٌ ولا اخْتِلافٌ فَلا يَمِينٌ؛ أما إنَّهُ يَظْهَرُ مِن حُكْمِ أبِي مُوسى تَحْلِيفُ الذِمِّيِّينَ أنَّهُ بِاليَمِينِ تَكْمُلُ شَهادَتُهُما وتُنَفَّذُ الوَصِيَّةُ لِأهْلِها؛ وإنْ لَمْ يُرْتَبْ؛ وهَذِهِ الرِيبَةُ - عِنْدَ مَن لا يَرى الآيَةَ مَنسُوخَةً - تَتَرَتَّبُ في الخِيانَةِ؛ وفي الِاتِّهامِ بِالمَيْلِ إلى بَعْضِ المُوصى لَهُما دُونَ بَعْضٍ؛ وتَقَعُ مَعَ ذَلِكَ اليَمِينُ عِنْدَهُ؛ وأمّا مَن يَرى الآيَةَ مَنسُوخَةً فَلا يَقَعُ تَحْلِيفٌ إلّا بِأنْ يَكُونَ الِارْتِيابُ في خِيانَةٍ؛ أو تَعَدٍّ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ التَعَدِّي؛ فَيَكُونَ التَحْلِيفُ عِنْدَهُ بِحَسَبِ الدَعْوى عَلى مُنْكِرٍ؛ لا عَلى أنَّهُ تَكْمِيلٌ لِلشَّهادَةِ.
والضَمِيرُ في قَوْلِ الحالِفَيْنِ: ﴿لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ ؛ عائِدٌ عَلى القَسَمِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى اسْمِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: يَعُودُ عَلى تَحْرِيفِ الشَهادَةِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿ "لا نَشْتَرِي"؛﴾ جَوابُ ما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: ﴿ "فَيُقْسِمانِ بِاللهِ"؛﴾ لِأنَّ القَسَمَ ونَحْوَهُ يُتَلَقّى بِما تُتَلَقّى بِهِ الأيْمانُ؛ وتَقْدِيرُ "بِهِ ثَمَنًا"؛ أيْ: ذا ثَمَنٍ؛ لِأنَّ الثَمَنَ لا يُشْتَرى؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ [التوبة: ٩] ؛ مَعْناهُ: ذا ثَمَنٍ؛ ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "نَشْتَرِي"؛ في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى "نَبِيعُ"؛ لِأنَّ المَعْنى يُبْطِلُهُ؛ وإنْ كانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا في اللُغَةِ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
وخَصَّ ذا القُرْبى بِالذِكْرِ لِأنَّ العُرْفَ مَيْلُ الناسِ إلى قَراباتِهِمْ؛ واسْتِسْهالُهم في جَنْبِ نَفْعِهِمْ ما لا يُسْتَسْهَلُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ﴾ ؛ أضافَ "شَهادَةَ"؛ إلَيْهِ تَعالى؛ مِن حَيْثُ هو الآمِرُ بِإقامَتِها؛ الناهِي عن كِتْمانِها.
وقَرَأ الحَسَنُ والشَعْبِيُّ: "وَلا نَكْتُمْ"؛ بِجَزْمِ المِيمِ؛ وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ؛ ونَعِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ؛ والشَعْبِيُّ - بِخِلافٍ عنهُ -: "شَهادَةً"؛ بِالتَنْوِينِ؛ "اَللَّهَ"؛ نُصِبَ بِـ "نَكْتُمُ"؛ كَأنَّ الكَلامَ: "وَلا نَكْتُمُ اللهَ شَهادَةً"؛ قالَ الزَهْراوِيُّ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: "وَلا نَكْتُمُ شَهادَةً واللهِ"؛ ثُمَّ حُذِفَتِ الواوُ؛ ونُصِبَ الفِعْلُ إيجازًا؛ ورَوى يَحْيى بْنُ آدَمَ عن أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ: "شَهادَةً"؛ "أللَّهِ"؛ بِقَطْعِ الألِفِ؛ دُونَ مَدٍّ؛ وخَفْضِ الهاءِ؛ (p-٢٨٨)وَرُوِيَتْ أيْضًا عَنِ الشَعْبِيِّ ؛ وغَيْرِهِ؛ أنَّهُ كانَ يَقِفُ عَلى الهاءِ مِنَ الشَهادَةِ؛ بِالسُكُونِ؛ ثُمَّ يَقْطَعُ الألِفَ المَكْتُوبَةَ مِن غَيْرِ مَدٍّ؛ كَما تَقَدَّمَ؛ ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ "آللَّهِ"؛ بِمَدِّ ألِفِ الِاسْتِفْهامِ في الوَجْهَيْنِ؛ أعْنِي بِسُكُونِ الهاءِ مِنَ الشَهادَةِ؛ وتَحْرِيكِها مُنَوَّنَةً مَنصُوبَةً؛ ورُوِيَتْ هَذِهِ الَّتِي هي تَنْوِينُ الشَهادَةِ؛ ومَدِّ ألِفِ الِاسْتِفْهامِ بَعْدُ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: أمّا تَسْكِينُ هاءِ "شَهادَةْ"؛ والوَقْفُ عَلَيْها؛ واسْتِئْنافُ القَسَمِ؛ فَوَجْهٌ حَسَنٌ؛ لِأنَّ اسْتِئْنافَ القَسَمِ في أوَّلِ الكَلامِ أوقَرُ لَهُ وأشَدُّ هَيْبَةً أنْ يُدْرَجَ في عَرْضِ القَوْلِ؛ وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ حَبِيبٍ؛ والحَسَنُ البَصْرِيُّ - فِيما ذَكَرَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ -: "شَهادَةً"؛ بِالنَصْبِ والتَنْوِينِ؛ "آللَّهِ"؛ بِالمَدِّ في هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ الَّتِي هي عِوَضٌ مِن حَرْفِ القَسَمِ "آنّا"؛ بِمَدِّ ألِفِ الِاسْتِفْهامِ أيْضًا؛ دَخَلَتْ لِتَوْقِيفٍ أو تَقْرِيرٍ لِنُفُوسِ المُقْسِمَيْنِ؛ أو لِمَن خاطَباهُ؛ وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "لَمِلّاثِمِينَ"؛ بِالإدْغامِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فَإنْ عُثِرَ"؛﴾ اِسْتِعارَةٌ لِما يُوقَعُ عَلى عِلْمِهِ بَعْدَ خَفائِهِ؛ اتِّفاقًا؛ وبَعْدَ أنْ لَمْ يُرْجَ؛ ولَمْ يُقْصَدْ؛ وهَذا كَما يُقالُ: "عَلى الخَبِيرِ سَقَطْتَ"؛ و"وَقَعْتَ عَلى كَذا؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: والإثْمُ هُنا: اسْمُ الشَيْءِ المَأْخُوذِ؛ لِأنَّ آخِذَهُ بِأخْذِهِ آثِمٌ؛ فَسُمِّيَ آثِمًا؛ كَما سُمِّيَ ما يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ "مَظْلَمَةً"؛ قالَ سِيبَوَيْهِ: اَلْمَظْلَمَةُ اسْمُ ما أُخِذَ مِنكَ؛ وكَذَلِكَ سُمِّيَ هَذا المَأْخُوذُ بِاسْمِ المَصْدَرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والَّذِي يَظْهَرُ هُنا أنَّ الإثْمَ عَلى بابِهِ؛ وهو الحُكْمُ اللاحِقُ لَهُما؛ والنِسْبَةُ الَّتِي يَتَحَصَّلانِ فِيها بَعْدَ مُواقَعَتِهِما لِتَحْرِيفِ الشَهادَةِ؛ أو لِأخْذِ ما لَيْسَ لَهُما؛ أو نَحْوِ ذَلِكَ.
و"اِسْتَحَقّا"؛ مَعْناهُ: اِسْتَوْجَباهُ مِنَ اللهِ؛ وكانا أهْلًا لَهُ؛ فَهَذا اسْتِحْقاقٌ عَلى بابِهِ؛ إنَّهُ اسْتِيجابُ حَقِيقَةٍ؛ ولَوْ كانَ الإثْمُ الشَيْءَ المَأْخُوذَ لَمْ يُقَلْ فِيهِ "اِسْتَحَقّا"؛ لِأنَّهُما ظَلَما؛ وخانا فِيهِ؛ فَإنَّما اسْتَحَقّا مَنزِلَةَ السُوءِ وحُكْمَ العِصْيانِ؛ وذَلِكَ هو الإثْمُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فَآخَرانِ"؛﴾ أيْ: فَإذا عُثِرَ عَلى فَسادِهِما؛ فالأولَيانِ بِاليَمِينِ وإقامَةِ القَضِيَّةِ آخَرانِ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ هم وُلاةُ المَيِّتِ؛ واسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ حَظُّهُمْ؛ أو ظُهُورُهُمْ؛ أو مالُهُمْ؛ أو ما شِئْتَ مِن هَذِهِ التَقْدِيراتِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ والكِسائِيُّ: "اِسْتُحِقَّ" مَضْمُومَةَ التاءِ؛ (p-٢٨٩)وَ"اَلْأولَيانِ"؛ عَلى التَثْنِيَةِ لِـ "أولى"؛ ورَوى قُرَّةُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: "اِسْتَحَقَّ"؛ بِفَتْحِ التاءِ؛ "اَلْأولَيانِ"؛ عَلى التَثْنِيَةِ؛ وكَذَلِكَ رَوى حَفْصٌ عن عاصِمٍ ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ وعاصِمٌ - في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ -: "اِسْتُحِقَّ"؛ بِضَمِّ التاءِ؛ "اَلْأوَّلِينَ"؛ عَلى جَمْعِ "أوَّلُ"؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "اِسْتَحَقَّ"؛ بِفَتْحِ التاءِ؛ "اَلْأوَّلانِ"؛ عَلى تَثْنِيَةِ "أوَّلُ"؛ وقَرَأ ابْنُ سِيرِينَ: "اَلْأوَّلَيْنِ"؛ عَلى تَثْنِيَةِ "أوَّلُ"؛ ونَصْبُهُما عَلى تَقْدِيرِ: اَلْأوَّلَيْنِ فالأوَّلَيْنِ؛ في الرُتْبَةِ والقُرْبى.
قالَ أبُو عَلِيٍّ - في قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ ؛ ومَن مَعَهُ -: لا يَخْلُو ارْتِفاعُ "اَلْأولَيانِ"؛ مِن أنْ يَكُونَ عَلى الِابْتِداءِ؛ وقَدْ أُخِّرَ؛ فَكَأنَّهُ في التَقْدِيرِ: "واَلْأولَيانِ بِأمْرِ المَيِّتِ آخَرانِ يَقُومانِ"؛ فَيَجِيءُ الكَلامُ كَقَوْلِهِمْ: "تَمِيمِيٌّ أنا"؛ أو يَكُونَ خَبَرَ ابْتِداءٍ مَحْذُوفٍ؛ كَأنَّهُ: "فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما هُما اَلْأولَيانِ"؛ أو يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَمِيرِ الَّذِي في "يَقُومانِ"؛ أو يَكُونَ مُسْنَدًا إلى "اِسْتُحِقَّ"؛ وأجازَ أبُو الحَسَنِ فِيهِ شَيْئًا آخَرَ؛ وهو أنْ يَكُونَ "اَلْأولَيانِ" صِفَةً لِـ "فَآخَرانِ"؛ لِأنَّهُ لَمّا وُصِفَ خُصِّصَ؛ فَوُصِفَ مِن أجْلِ الِاخْتِصاصِ الَّذِي صارَ لَهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ثُمَّ قالَ أبُو عَلِيٍّ - بَعْدَ كَلامِهِ هَذا -: فَأمّا ما يُسْنَدُ إلَيْهِ "اِسْتُحِقَّ"؛ فَلا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ الأنْصِباءَ؛ أوِ الوَصِيَّةَ؛ أوِ الإثْمَ؛ وسُمِّيَ المَأْخُوذُ "إثْمًا"؛ كَما يُقالُ لِما يُؤْخَذُ مِنَ المَظْلُومِ: "مَظْلَمَةٌ"؛ ولِذَلِكَ جازَ أنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ "اِسْتُحِقَّ"؛ ثُمَّ قالَ - بَعْدَ كَلامٍ -: فَإنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ أنْ يُسْنَدَ "اِسْتُحِقَّ" إلى "اَلْأولَيانِ"؟ فالقَوْلُ: إنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ؛ لِأنَّ المُسْتَحَقَّ إنَّما يَكُونُ الوَصِيَّةَ؛ أو شَيْئًا مِنها؛ وأمّا اَلْأولَيانِ بِالمَيِّتِ فَلا يَجُوزُ أنْ يُسْتَحَقّا؛ فَيُسْنَدَ "اِسْتُحِقَّ"؛ إلَيْهِما.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذا الكَلامِ نَظَرٌ؛ ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يُسْنَدَ "اِسْتُحِقَّ"؛ إلى "اَلْأولَيانِ"؛ وذَلِكَ أنَّ (p-٢٩٠)أبا عَلِيٍّ حَمَلَ لَفْظَةَ الِاسْتِحْقاقِ عَلى أنَّهُ حَقِيقِيٌّ؛ فَلَمْ يُجَوِّزْهُ؛ إلّا حَيْثُ يَصِحُّ الِاسْتِحْقاقُ الحَقِيقِيُّ في النازِلَةِ؛ وإنَّما يُسْتَحَقُّ حَقِيقَةً النَصِيبُ ونَحْوُهُ؛ ولَفْظَةُ الِاسْتِحْقاقِ في الآيَةِ إنَّما هي اسْتِعارَةٌ؛ ولَيْسَتْ بِمَعْنى "اِسْتَحَقّا إثْمًا"؛ فَإنَّ الِاسْتِحْقاقَ هُنا حَقِيقَةٌ؛ وفي قَوْلِهِ: "اِسْتُحِقَّ"؛ مُسْتَعارٌ؛ لِأنَّهُ لا وجْهَ لِهَذا الِاسْتِحْقاقِ إلّا الغَلَبَةُ عَلى الحالِ؛ بِحُكْمِ انْفِرادِ هَذا المَيِّتِ؛ وعَدَمِهِ لِقَرابَتِهِ؛ أو لِأهْلِ دِينِهِ؛ فَـ "اِسْتُحِقَّ"؛ هُنا؛ كَما تَقُولُ لِظالِمٍ يَظْلِمُكَ: "هَذا قَدِ اسْتُحِقَّ عَلَيَّ مالِي؛ أو مَنزِلِي؛ بِظُلْمِهِ"؛ فَتُشَبِّهُهُ؛ بِالمُسْتَحَقِّ حَقِيقَةً؛ إذْ قَدْ تَسَوَّرَ تَسَوُّرَهُ؛ وتَمَلَّكَ تَمَلُّكَهُ؛ وكَذَلِكَ يُقالُ: "فُلانٌ قَدِ اسْتَحَقَّ مِنهُ زَمَنُهُ شُغْلَ كَذا"؛ إذا كانَ ذَلِكَ الأمْرُ قَدْ غَلَبَهُ عَلى أوقاتِهِ؛ وهَكَذا هي "اِسْتُحِقَّ"؛ في الآيَةِ عَلى كُلِّ حالٍ؛ وإنْ أُسْنِدَتْ إلى الأنْصِباءِ ونَحْوِهِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: "اِسْتُحِقَّ"؛ صِلَةٌ لِـ "اَلَّذِينَ"؛ و"اَلَّذِينَ"؛ واقِعٌ عَلى الصِنْفِ المُناقِضِ لِلشّاهِدَيْنِ الجائِرَيْنِ؛ فالشاهِدانِ ما اسْتَحَقّا قَطُّ في هَذِهِ النازِلَةِ شَيْئًا حَقِيقَةَ اسْتِحْقاقٍ؛ وإنَّما تَسَوَّرا تَسَوُّرَ المُسْتَحِقِّ؛ فَلَنا أنْ نُقَدِّرَ "اَلْأولَيانِ" اِبْتِداءً؛ وقَدْ أُخِّرَ؛ فَيُسْنَدَ "اِسْتُحِقَّ" - عَلى هَذا - إلى المالِ؛ أوِ النَصِيبِ؛ ونَحْوِهِ؛ عَلى جِهَةِ الِاسْتِعارَةِ؛ وكَذَلِكَ إذا كانَ "اَلْأولَيانِ" خَبَرَ ابْتِداءٍ؛ وكَذَلِكَ عَلى البَدَلِ مِنَ الضَمِيرِ في "يَقُومانِ"؛ وعَلى الصِفَةِ؛ عَلى مَذْهَبِ أبِي الحَسَنِ؛ ولَنا أنْ نُقَدِّرَ الكَلامَ بِمَعْنى: مِنَ الجَماعَةِ الَّتِي غابَتْ؛ وكانَ حَقُّهُما؛ والمُبْتَغى أنْ يَحْضُرَ ولِيُّها؛ فَلَمّا غابَتْ وانْفَرَدَ هَذا المُوصِي؛ اسْتَحَقَّتْ هَذِهِ الحالُ - وهَذانِ الشاهِدانِ مِن غَيْرِ أهْلِ الدِينِ - الوِلايَةَ؛ وأمْرَ الأولَيَيْنِ عَلى هَذِهِ الجَماعَةِ؛ ثُمَّ بُنِيَ الفِعْلُ لِلْمَفْعُولِ عَلى هَذا المَعْنى إيجازًا؛ ويُقَوِّي هَذا الغَرَضَ أنْ تَعَدّى الفِعْلُ بِـ "عَلى"؛ لَمّا كانَ بِاقْتِدارٍ؛ وحَمْلُ هَيْئَتِهِ عَلى الحالِ؛ ولا يُقالُ: "اِسْتُحِقَّ مِنهُ؛ أو فِيهِ"؛ إلّا في الِاسْتِحْقاقِ الحَقِيقِيِّ عَلى وجْهِهِ؛ وأمّا "اِسْتُحِقَّ عَلَيْهِ"؛ فَيُقالُ في الحَمْلِ؛ والغَلَبَةِ؛ والِاسْتِحْقاقِ المُسْتَعارِ؛ والضَمِيرُ في "عَلَيْهِمُ"؛ عائِدٌ - عَلى كُلِّ حالٍ في هَذِهِ القِراءَةِ - عَلى الجَماعَةِ الَّتِي تُناقِضُ شاهِدَيِ الزُورِ الآثِمَيْنِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الصِنْفِ الَّذِينَ مِنهم شاهِدُ الزُورِ؛ عَلى ما نُبَيِّنُهُ الآنَ - إنْ شاءَ اللهُ - في غَيْرِ هَذِهِ القِراءَةِ.
وأمّا رِوايَةُ قُرَّةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: "اِسْتَحَقَّ"؛ بِفَتْحِ التاءِ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "اَلْأولَيانِ" اِبْتِداءً؛ أو خَبَرَ ابْتِداءٍ؛ ويَكُونَ المَعْنى: "فِي الجَمْعِ أوِ القَبِيلِ الَّذِي اسْتَحَقَّ القَضِيَّةَ عَلى هَذا الصِنْفِ الشاهِدِ بِالزُورِ"؛ والضَمِيرُ في "عَلَيْهِمْ"؛ عائِدٌ عَلى صِنْفِ شاهِدَيِ الزُورِ.
(p-٢٩١)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذا التَأْوِيلِ تَحْوِيلٌ؛ وتَحْلِيقٌ؛ وصَنْعَةٌ في "اَلَّذِينَ"؛ وعَلَيْهِ يَنْبَنِي كَلامُ أبِي عَلِيٍّ - في كِتابِ "اَلْحُجَّةُ" -؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: "مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ القِيامُ"؛ والصَوابَ مِنَ التَأْوِيلَيْنِ أنَّ الضَمِيرَ في "عَلَيْهِمُ"؛ عائِدٌ عَلى "اَلَّذِينَ"؛ "اَلْأولَيانِ"؛ رُفِعَ بِـ "اِسْتَحَقَّ"؛ وذَلِكَ مُتَخَرَّجٌ عَلى ثَلاثَةِ مَعانٍ:
أحَدُها أنْ يَكُونَ المُرادَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ مالُهُمْ؛ وتَرِكَتُهُمْ: شاهِدا الزُورِ؛ فَسَمّى شاهِدَيِ الزُورِ "أولَيَيْنِ"؛ مِن حَيْثُ جَعَلَتْهُما الحالُ الأُولى كَذَلِكَ؛ أيْ صَيَّرَهم عَدَمُ الناسِ أولى بِهَذا المَيِّتِ؛ وتَرِكَتِهِ؛ فَجارا فِيها.
والمَعْنى الثانِي أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الجَماعَةِ: اَلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَكُونَ مِنهُمُ الأولَيانِ؛ فَـ "اِسْتَحَقَّ"؛ بِمَعْنى: "حَقَّ"؛ و"وَجَبَ"؛ كَما تَقُولُ: "هَذا بِناءٌ قَدِ اسْتَحَقَّ"؛ بِمَعْنى: "حَقَّ"؛ كَـ "عَجِبَ"؛ و"اِسْتَعْجَبَ"؛ ونَحْوِهِ.
والمَعْنى الثالِثُ أنْ يُجْعَلَ "اِسْتَحَقَّ"؛ بِمَعْنى "سَعى"؛ و"اِسْتَوْجَبَ"؛ فَكَأنَّ الكَلامَ: "فَآخَرانِ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ حَضَرَ أولَيانِ مِنهُمْ؛ فاسْتَحَقّا عَلَيْهِمْ حَقَّهُمْ"؛ أيْ: اِسْتَحَقّا لَهُمْ؛ وسَعَيا فِيهِ؛ واسْتَوْجَباهُ بِأيْمانِهِما؛ وقُرْباهُما؛ ونَحْوُ هَذا المَعْنى الَّذِي يُعْطِيهِ التَعَدِّي بِـ "عَلى"؛ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ أسْعى عَلى حَيِّ بَنِي مالِكٍ ∗∗∗ ∗∗∗ كُلُّ امْرِئٍ في شَأْنِهِ ساعِي
وكَذَلِكَ في الحَدِيثِ: « "كُنْتُ أرْعى عَلَيْهِمُ الغَنَمَ"؛» في بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الثَلاثَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ أحَدُهم بِرَّهُ بِأبَوَيْهِ؛ حِينَ انْحَطَّتْ عَلَيْهِمُ الصَخْرَةُ.
(p-٢٩٢)وَأمّا قِراءَةُ حَمْزَةَ فَمَعْناها: "مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ أمْرُهُمْ"؛ أيْ: غُلِبُوا عَلَيْهِ؛ ثُمَّ وصَفَهم بِأنَّهم أوَّلُونَ؛ أيْ: في الذِكْرِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ ؛ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قالَ: ﴿أو آخَرانِ مِن غَيْرِكُمْ﴾.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللهِ﴾ ؛ يَعْنِي الآخَرَيْنِ اللَذَيْنِ يَقُومانِ مَقامَ شاهِدَيِ التَحْرِيفِ؛ وقَوْلُهُما: ﴿لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِن شَهادَتِهِما﴾ ؛ أيْ: "لَما أخْبَرْنا نَحْنُ بِهِ؛ وذَكَرْناهُ مِن نَصِّ القَضِيَّةِ؛ أحَقُّ مِمّا ذَكَراهُ أوَّلًا؛ وحَرَّفا فِيهِ؛ ﴿ "وَما اعْتَدَيْنا"؛﴾ نَحْنُ في قَوْلِنا هَذا؛ ولا زِدْنا عَلى الحَدِّ". وقَوْلُهُما: ﴿إنّا إذًا لَمِنَ الظالِمِينَ﴾ ؛ تَبَرٍّ في صِيغَةِ الِاسْتِعْظامِ والِاسْتِقْباحِ لِلظُّلْمِ؛ والظُلْمُ: وضْعُ الشَيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
{"ayahs_start":106,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ","فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰۤ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّاۤ إِثۡمࣰا فَـَٔاخَرَانِ یَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَیَـٰنِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَـٰدَتُنَاۤ أَحَقُّ مِن شَهَـٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَیۡنَاۤ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق