الباحث القرآني
قالَ مَكِّيٌّ: هَذِهِ الآياتُ الثَّلاثُ عِنْدَ أهْلِ المَعانِي مِن أشْكَلِ ما في القُرْآنِ إعْرابًا ومَعْنًى وحُكْمًا. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذا كَلامُ مَن لَمْ يَقَعْ لَهُ النِّتاجُ في تَفْسِيرِها، وذَلِكَ بَيِّنٌ مِن كِتابِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعْنِي مِن كِتابِ مَكِّيٍّ. قالَ القُرْطُبِيُّ: ما ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ ذَكَرَهُ أبُو جَعْفَرٍ النَّحّاسُ قَبْلَهُ أيْضًا. قالَ السَّعْدُ في حاشِيَتِهِ عَلى الكَشّافِ: واتَّفَقُوا عَلى أنَّها أصْعَبُ ما في القُرْآنِ إعْرابًا ونَظْمًا وحُكْمًا.
قَوْلُهُ: ﴿شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ أضافَ الشَّهادَةَ إلى البَيْنِ تَوَسُّعًا؛ لِأنَّها جارِيَةٌ بَيْنَهم، وقِيلَ أصْلُهُ شَهادَةُ ما بَيْنَكم فَحُذِفَتْ ما وأُضِيفَتْ إلى الظَّرْفِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [سبأ: ٣٣] ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎تُصافِحُ مَن لاقَيْتَ لِي ذا عَداوَةٍ صِفاحًا وعَنِّي بَيْنَ عَيْنَيْكَ مُنْزَوِي
أرادَ ما بَيْنَ عَيْنَيْكَ، ومِثْلَهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ويَوْمًا شَهِدْناهُ سُلَيْمًا وعامِرًا
أيْ شَهْدِنا فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ﴾ [الكهف: ٧٨] قِيلَ: والشَّهادَةُ هُنا بِمَعْنى الوَصِيَّةِ، وقِيلَ: بِمَعْنى الحُضُورِ لِلْوَصِيَّةِ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: هي هُنا بِمَعْنى اليَمِينِ، فَيَكُونُ المَعْنى: يَمِينُ ما بَيْنَكم أنْ يَحْلِفَ اثْنانِ. واسْتَدَلَّ عَلى ما قالَهُ بِأنَّهُ لا يَعْلَمُ لِلَّهِ حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ عَلى الشّاهِدِ يَمِينٌ. واخْتارَ هَذا القَوْلَ القَفّالُ، وضَعَّفَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ واخْتارَ أنَّ الشَّهادَةَ هُنا هي الشَّهادَةُ الَّتِي تُؤَدّى مِنَ الشُّهُودِ.
قَوْلُهُ: ﴿إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ ظَرْفٌ لِلشَّهادَةِ، والمُرادُ إذا حَضَرَتْ عَلاماتُهُ؛ لِأنَّ مَن ماتَ لا يُمْكِنُهُ الإشْهادُ، وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِلِاهْتِمامِ ولِكَمالِ تَمَكُّنِ الفاعِلِ عِنْدَ النَّفْسِ. وقَوْلُهُ: ﴿حِينَ الوَصِيَّةِ﴾ ظَرْفٌ لِحَضَرَ أوْ لِلْمَوْتِ، أوْ بَدَلٌ مِنَ الظَّرْفِ الأوَّلِ.
وقَوْلُهُ: اثْنانِ خَبَرُ شَهادَةٍ عَلى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: شَهادَةُ اثْنَيْنِ أوْ فاعِلٌ لِلشَّهادَةِ عَلى أنَّ خَبَرَها مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فِيما فُرِضَ عَلَيْكم شَهادَةُ بَيْنِكُمُ اثْنانِ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يَشْهَدَ اثْنانِ، ذَكَرَ الوَجْهَيْنِ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ. قَوْلُهُ: ﴿ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ صِفَةٌ لِلِاثْنانِ وكَذا مِنكُمْ؛ أيْ: كائِنانِ مِنكُمْ؛ أيْ: مِن أقارِبِكم أوْ آخَرانِ مَعْطُوفٌ عَلى اثْنانِ، و﴿مِن غَيْرِكُمْ﴾ صِفَةٌ لَهُ؛ أيْ: كائِنانِ مِنَ الأجانِبِ، وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ في مِنكم لِلْمُسْلِمِينَ، وفي غَيْرِكم لِلْكُفّارِ وهو الأنْسَبُ لِسِياقِ الآيَةِ، وبِهِ قالَ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُما، فَيَكُونُ في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ شَهادَةِ أهْلِ الذِّمَّةِ عَلى المُسْلِمِينَ في السَّفَرِ في خُصُوصِ الوَصايا كَما يُفِيدُهُ النَّظْمُ القُرْآنِيُّ، ويَشْهَدُ لَهُ السَّبَبُ لِلنُّزُولِ وسَيَأْتِي، فَإذا لَمْ يَكُنْ مَعَ المُوصِي مَن يَشْهَدُ عَلى وصِيَّتِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلْيَشْهَدْ رَجُلانِ مِن أهْلِ الكُفْرِ، فَإذا قَدِما وأدَّيا الشَّهادَةَ عَلى وصِيَّتِهِ حَلَفا بَعْدَ الصَّلاةِ أنَّهُما ما كَذِبا ولا بَدَّلا، وأنَّ ما شَهِدا بِهِ حَقٌّ، فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِشَهادَتِهِمْ.
فَإنْ عُثِرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿عَلى أنَّهُما﴾ كَذِبا أوْ خانا حَلَفَ رَجُلانِ مِن أوْلِياءِ المُوصِي وغَرَمَ الشّاهِدانِ الكافِرانِ ما ظَهَرَ عَلَيْهِما مِن خِيانَةٍ أوْ نَحْوِها، هَذا مَعْنى الآيَةِ عِنْدَ مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ ويَحْيى بْنُ يَعْمَرَ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وأبُو مِجْلَزٍ والنَّخَعِيُّ وشُرَيْحٌ وعُبَيْدَةُ السَّلْمانِيُّ وابْنُ سِيرِينَ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ والثَّوْرِيُّ وأبُو عُبَيْدٍ وأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وذَهَبَ إلى الأوَّلِ: أعْنِي تَفْسِيرَ ضَمِيرِ مِنكم بِالقَرابَةِ أوِ العَشِيرَةِ، وتَفْسِيرَ ﴿مِن غَيْرِكُمْ﴾ بِالأجانِبِ الزُّهْرِيُّ والحَسَنُ وعِكْرِمَةُ.
وذَهَبَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ وغَيْرُهم مِنَ الفُقَهاءِ أنَّ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ، واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] . وقَوْلِهِ: ﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكم﴾ [الطلاق: ٢] فَهُما عامّانِ في الأشْخاصِ والأزْمانِ والأحْوالِ، وهَذِهِ الآيَةُ خاصَّةٌ بِحالَةِ الضَّرْبِ في الأرْضِ وبِالوَصِيَّةِ وبِحالَةِ عَدَمِ الشُّهُودِ المُسْلِمِينَ، ولا تَعارُضَ بَيْنَ عامٍّ وخاصٍّ. قَوْلُهُ: إنْ أنْتُمْ هو فاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ ضَرَبْتُمْ، أوْ مُبْتَدَأٌ وما بَعْدَهُ خَبَرُهُ، والأوَّلُ مَذْهَبُ الجُمْهُورِ مِنَ النُّحاةِ، والثّانِي مَذْهَبُ الأخْفَشِ والكُوفِيِّينَ. والضَّرْبُ في الأرْضِ هو السَّفَرُ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَأصابَتْكم مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ وجَوابُهُ مَحْذُوفٌ، أيْ إنْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَنَزَلَ بِكُمُ المَوْتُ وأرَدْتُمُ الوَصِيَّةَ ولَمْ تَجِدُوا شُهُودًا عَلَيْها مُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَهَبا إلى ورَثَتِكم بِوَصِيَّتِكم وبِما تَرَكْتُمْ فارْتابُوا في أمْرِهِما وادَّعَوْا عَلَيْهِما خِيانَةً، فالحُكْمُ أنْ تَحْبِسُوهُما، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا لِجَوابِ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، كَأنَّهم قالُوا: فَكَيْفَ نَصْنَعُ إنِ ارْتَبْنا في الشَّهادَةِ ؟ فَقالَ: تَحْبِسُونَهُما مِن بَعْدِ الصَّلاةِ إنِ ارْتَبْتُمْ في شَهادَتِهِما. وخَصَّ بَعْدَ الصَّلاةِ؛ أيْ: صَلاةِ العَصْرِ، (p-٤٠١)قالَهُ الأكْثَرُ لِكَوْنِهِ الوَقْتُ الَّذِي يَغْضَبُ اللَّهُ عَلى مَن حَلَفَ فِيهِ فاجِرًا كَما في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وقِيلَ: لِكَوْنِهِ وقْتَ اجْتِماعِ النّاسِ وقُعُودِ الحُكّامِ لِلْحُكُومَةِ، وقِيلَ: صَلاةُ الظُّهْرِ، وقِيلَ: أيُّ صَلاةٍ كانَتْ.
قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: تَحْبِسُونَهُما صِفَةٌ لَآخَرانِ، واعْتَرَضَ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ﴾، والمُرادُ بِالحَبْسِ: تَوْقِيفُ الشّاهِدَيْنِ في ذَلِكَ الوَقْتِ لِتَحْلِيفِهِما، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ الحَبْسِ بِالمَعْنى العامِّ، وعَلى جَوازِ التَّغْلِيظِ عَلى الحالِفِ بِالزَّمانِ والمَكانِ ونَحْوِهِما. قَوْلُهُ: ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى تَحْبِسُونَهُما أيْ يُقْسِمُ بِاللَّهِ الشّاهِدانِ عَلى الوَصِيَّةِ أوِ الوَصِيّانِ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ ابْنُ أبِي لَيْلى عَلى تَحْلِيفِ الشّاهِدَيْنِ مُطْلَقًا إذا حَصَلَتِ الرِّيبَةُ في شَهادَتِهِما. وفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ تَحْلِيفَ الشّاهِدَيْنِ هُنا إنَّما هو لِوُقُوعِ الدَّعْوى عَلَيْهِما بِالخِيانَةِ أوْ نَحْوِها.
قَوْلُهُ: إنِ ارْتَبْتُمْ جَوابُ هَذا الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ كَما سَبَقَ. قَوْلُهُ: ﴿لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ جَوابُ القَسَمِ، والضَّمِيرُ في " بِهِ " راجِعٌ إلى اللَّهِ تَعالى.
والمَعْنى: لا نَبِيعُ حَظَّنا مِنَ اللَّهِ تَعالى بِهَذا العَرَضِ النَّزْرِ، فَنَحْلِفُ بِهِ كاذِبِينَ لِأجْلِ المالِ الَّذِي ادَّعَيْتُمُوهُ عَلَيْنا، وقِيلَ يَعُودُ إلى القَسَمِ؛ أيْ: لا نَسْتَبْدِلُ بِصِحَّةِ القَسَمِ بِاللَّهِ عَرَضًا مِن أعْراضِ الدُّنْيا، وقِيلَ يَعُودُ إلى الشَّهادَةِ، وإنَّما ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِأنَّها بِمَعْنى القَوْلِ؛ أيْ: لا نَسْتَبْدِلُ بِشَهادَتِنا ثَمَنًا. قالَ الكُوفِيُّونَ: المَعْنى ذا ثَمَنٍ، فَحُذِفَ المُضافُ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ العُرُوضَ لا تُسَمّى ثَمَنًا، وعِنْدَ الأكْثَرِ أنَّها تُسَمّى ثَمَنًا كَما تُسَمّى مَبِيعًا.
قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾ أيْ ولَوْ كانَ المُقْسَمُ لَهُ أوِ المَشْهُودُ لَهُ قَرِيبًا فَإنّا نُؤْثِرُ الحَقَّ والصِّدْقَ، ولا نُؤْثِرُ العَرَضَ الدُّنْيَوِيَّ ولا القَرابَةَ، وجَوابُ لَوْ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ؛ أيْ: ولَوْ كانَ ذا قُرْبى لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا. قَوْلُهُ: ﴿ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى لا نَشْتَرِي داخِلٌ مَعَهُ في حُكْمِ القَسَمِ، وأضافَ الشَّهادَةَ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ لِكَوْنِهِ الآمِرَ بِإقامَتِها والنّاهِيَ عَنْ كَتْمِها.
قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا﴾ عَثَرَ عَلى كَذا: اطَّلَعَ عَلَيْهِ، يُقالُ عَثَرْتُ مِنهُ عَلى خِيانَةٍ؛ أيِ: اطَّلَعْتُ وأعْثَرْتُ غَيْرِي عَلَيْهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] وأصْلُ العُثُورِ: الوُقُوعُ والسُّقُوطُ عَلى الشَّيْءِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎بِذاتِ لَوْثٍ عَصَرْناهُ إذْ عَثَرَتْ ∗∗∗ فالتَّعْسُ أوْلى لَها مِن أنْ أقُولَ لَعا
والمَعْنى: أنَّهُ إذا اطَّلَعَ بَعْدَ التَّحْلِيفِ عَلى أنَّ الشّاهِدَيْنِ أوِ الوَصِيَّيْنِ اسْتَحَقّا إثْمًا؛ أيِ: اسْتَوْجَبا إثْمًا إمّا بِكَذِبٍ في الشَّهادَةِ أوِ اليَمِينِ أوْ بِظُهُورِ خِيانَةٍ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: الإثْمُ هُنا اسْمُ الشَّيْءِ المَأْخُوذِ، لِأنَّ آخِذَهُ يَأْثَمُ بِأخْذِهِ، فَسُمِّيَ إثْمًا كَما سُمِّيَ ما يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَظْلَمَةً.
وقالَ سِيبَوَيْهِ: المَظْلَمَةُ اسْمُ ما أُخِذَ مِنكَ فَكَذَلِكَ سُمِّيَ هَذا المَأْخُوذُ بِاسْمِ المَصْدَرِ. قَوْلُهُ: ﴿فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما﴾ أيْ فَشاهِدانِ آخَرانِ أوْ فَحالِفانِ آخَرانِ يَقُومانِ مَقامَ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا فَيَشْهَدانِ أوْ يَحْلِفانِ عَلى ما هو الحَقُّ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُما يَقُومانِ مَقامَهُما في أداءِ الشَّهادَةِ الَّتِي شَهِدَها المُسْتَحِقّانِ لِلْإثْمِ.
قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ﴾ اسْتَحَقَّ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، في قِراءَةِ الجُمْهُورِ: وقَرَأ عَلِيٌّ وأُبَيٌ وابْنُ عَبّاسٍ وحَفْصٌ عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، والأوْلَيانِ عَلى القِراءَةِ الأُولى مُرْتَفِعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: هُما الأوْلَيانِ، كَأنَّهُ قِيلَ مَن هُما ؟ فَقِيلَ هُما الأوْلَيانِ، وقِيلَ هو بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ في يَقُومانِ أوْ مِن آخَرانِ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ وحَمْزَةُ ( الأوَّلِينَ ) . جَمْعُ أوَّلٍ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ، أوْ مِنَ الهاءِ والمِيمِ في عَلَيْهِمْ. وقَرَأ الحَسَنُ ( الأوَّلانِ ) .
والمَعْنى عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ: مَنِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الإثْمُ؛ أيْ: جَنى عَلَيْهِمْ، وهم أهْلُ المَيِّتِ وعَشِيرَتُهُ فَإنَّهم أحَقُّ بِالشَّهادَةِ أوِ اليَمِينِ مِن غَيْرِهِمْ، فالأوْلَيانِ تَثْنِيَةُ أوْلى. والمَعْنى عَلى قِراءَةِ البِناءِ لِلْفاعِلِ: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ مِن بَيْنِهِمْ بِالشَّهادَةِ أنْ يُجَرِّدُوهُما لِلْقِيامِ بِالشَّهادَةِ ويُظْهِرُوا بِهِما كَذِبَ الكاذِبِينَ لِكَوْنِهِما الأقْرَبِينَ إلى المَيِّتِ، فالأوْلَيانِ فاعِلُ اسْتَحَقَّ ومَفْعُولُهُ أنْ يُجَرِّدُوهُما لِلْقِيامِ بِالشَّهادَةِ، وقِيلَ المَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: مَنِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ بِالمَيِّتِ وصِيَّتُهُ الَّتِي أوْصى بِها.
قَوْلُهُ: ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ﴾ عَطْفٌ عَلى يَقُومانِ؛ أيْ: فَيَحْلِفانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا؛ أيْ: يَمِينُنا، فالمُرادُ بِالشَّهادَةِ هُنا اليَمِينُ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦] أيْ: يَحْلِفانِ لَشَهادَتُنا عَلى أنَّهُما كاذِبانِ خائِنانِ أحَقُّ مِن شَهادَتِهِما؛ أيْ: مِن يَمِينِهِما عَلى أنَّهُما صادِقانِ أمِينانِ وما اعْتَدَيْنا أيْ تَجاوَزْنا الحَقَّ في يَمِينِنا ﴿إنّا إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ إنْ كُنّا حَلَفْنا عَلى باطِلٍ. قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها﴾ أيْ ذَلِكَ البَيانُ الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ القِصَّةِ وعَرَفْنا كَيْفَ يَصْنَعُ مَن أرادَ الوَصِيَّةَ في السَّفَرِ ؟ ولَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أحَدٌ مِن أهْلِهِ وعَشِيرَتِهِ وعِنْدَهُ كُفّارٌ أدْنى: أيْ أقْرَبَ إلى أنْ يُؤَدِّيَ الشُّهُودُ المُتَحَمِّلُونَ لِلشَّهادَةِ عَلى الوَصِيَّةِ بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها فَلا يُحَرِّفُوا ولا يُبَدِّلُوا ولا يَخُونُوا وهَذا كَلامٌ مُبْتَدَأٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ المَنفَعَةِ والفائِدَةِ في هَذا الحُكْمِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ في هَذا المَوْضِعِ مِن كِتابِهِ، فالضَّمِيرُ في يَأْتُوا عائِدٌ إلى شُهُودِ الوَصِيَّةِ مِنَ الكُفّارِ، وقِيلَ إنَّهُ راجِعٌ إلى المُسْلِمِينَ المُخاطَبِينَ بِهَذا الحُكْمِ.
والمُرادُ تَحْذِيرُهم مِنَ الخِيانَةِ، وأمْرُهم بِأنْ يَشْهَدُوا بِالحَقِّ. قَوْلُهُ: ﴿أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾ أيْ تُرَدَّ عَلى الوَرَثَةِ فَيَحْلِفُونَ عَلى خِلافِ ما شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الوَصِيَّةِ فَيُفْتَضَحُ حِينَئِذٍ شُهُودُ الوَصِيَّةِ، وهو مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: أنْ يَأْتُوا فَتَكُونُ الفائِدَةُ في شَرْعِ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِهَذا الحُكْمِ هي أحَدُ الأمْرَيْنِ: إمّا احْتِرازُ شُهُودِ الوَصِيَّةِ عَنِ الكَذِبِ والخِيانَةِ فَيَأْتُونَ بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها.
أوْ يَخافُوا الِافْتِضاحَ إذا رُدَّتِ الأيْمانُ عَلى قَرابَةِ المَيِّتِ فَحَلَفُوا بِما يَتَضَمَّنُ كَذِبَهم أوْ خِيانَتَهم فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَأْدِيَةِ شَهادَةِ شُهُودِ الوَصِيَّةِ عَلى وجْهِها مِن غَيْرِ كَذِبٍ (p-٤٠٢)ولا خِيانَةٍ، وقِيلَ: إنَّ يَخافُوا مَعْطُوفٌ عَلى مُقَدَّرٍ بَعْدَ الجُمْلَةِ الأُولى، والتَّقْدِيرُ: ذَلِكَ أدْنى أنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها ويَخافُوا عَذابَ الآخِرَةِ بِسَبَبِ الكَذِبِ والخِيانَةِ أوْ يَخافُوا الِافْتِضاحَ بِرَدِّ اليَمِينِ، فَأيُّ الخَوْفَيْنِ وقَعَ حَصَلَ المَقْصُودُ واتَّقُوا اللَّهَ في مُخالَفَةِ أحْكامِهِ ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾ الخارِجِينَ عَنْ طاعَتِهِ بِأيِّ ذَنْبٍ، ومِنهُ الكَذِبُ في اليَمِينِ أوِ الشَّهادَةِ. وحاصِلُ ما تَضَمَّنَهُ هَذا المَقامُ مِنَ الكِتابِ العَزِيزِ أنَّ مَن حَضَرَتْهُ عَلاماتُ المَوْتِ أشْهَدَ عَلى وصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِن عُدُولِ المُسْلِمِينَ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ شُهُودًا مُسْلِمِينَ، وكانَ في سَفَرٍ، ووَجَدَ كُفّارًا جازَ لَهُ أنْ يُشْهِدَ رَجُلَيْنِ مِنهم عَلى وصِيَّتِهِ، فَإنِ ارْتابَ بِهِما ورَثَةُ المُوصِي حَلَفا بِاللَّهِ عَلى أنَّهُما شَهِدا بِالحَقِّ وما كَتَما مِنَ الشَّهادَةِ شَيْئًا ولا خانا مِمّا تَرَكَهُ المَيِّتُ شَيْئًا، فَإنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلافُ ما أقْسَما عَلَيْهِ مِن خَلَلٍ في الشَّهادَةِ أوْ ظُهُورِ شَيْءٍ مِن تَرِكَةِ المَيِّتِ زَعَما أنَّهُ قَدْ صارَ في مُلْكِهِما بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ حَلَفَ رَجُلانِ مِنَ الوَرَثَةِ وعُمِلَ بِذَلِكَ.
وقَدْ أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وضَعَّفَهُ، وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والنَّحّاسُ في تارِيخِهِ، وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ مِن طَرِيقِ أبِي النَّضْرِ وهو الكَلْبِيُّ، عَنْ باذانَ مَوْلى أُمِّ هانِئٍ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيِّ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ قالَ: بَرِئَ النّاسُ مِنها غَيْرِي وغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بَدّاءٍ وكانا نَصْرانِيَّيْنِ يَخْتَلِفانِ إلى الشّامِ قَبْلَ الإسْلامِ، فَأتَيا الشّامَ لِتِجارَتِهِما، وقَدِمَ عَلَيْهِما مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ يُقالُ لَهُ: بُدَيْلُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ بِتِجارَةٍ، ومَعَهُ جامٌ مِن فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ المَلِكَ وهو عُظْمُ تِجارَتِهِ، فَمَرِضَ فَأوْصى إلَيْهِما وأمَرَهُما أنْ يُبَلِّغا ما تَرَكَ أهْلَهُ، قالَ تَمِيمٌ: فَلَمّا ماتَ أخَذْنا ذَلِكَ الجامَ فَبِعْناهُ بِألْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اقْتَسَمْناهُ أنا وعَدِيُّ بْنُ بَدّاءٍ، فَلَمّا قَدِمْنا إلى أهْلِهِ دَفَعْنا إلَيْهِمْ ما كانَ مَعَنا، وفَقَدُوا الجامَ فَسَألُونا عَنْهُ، فَقُلْنا: ما تَرَكَ غَيْرَ هَذا، أوْ ما دَفَعَ إلَيْنا غَيْرَهُ، قالَ تَمِيمٌ: فَلَمّا أسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ المَدِينَةَ تَأثَّمْتُ مِن ذَلِكَ فَأتَيْتُ أهْلَهُ فَأخْبَرْتُهُمُ الخَبَرَ وأدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وأخْبَرْتُهم أنَّ عِنْدَ صاحِبِي مِثْلَها، فَأتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَسَألَهُمُ البَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا، فَأمَرَهم أنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِما يُعَظَّمُ بِهِ عَلى أهْلِ دِينِهِ، فَحَلَفَ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾ فَقامَ عَمْرُو بْنُ العاصِ ورَجُلٌ آخَرُ فَحَلَفا، فَنُزِعَتِ الخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِن عَدِيِّ بْنِ بَدّاءٍ» . وفي إسْنادِهِ أبُو النَّضْرِ وهو مُحَمَّدُ بْنُ السّائِبِ الكَلْبِيُّ صاحِبُ التَّفْسِيرِ، قالَ التِّرْمِذِيُّ: تَرَكَهُ أهْلُ العِلْمِ بِالحَدِيثِ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والنَّحّاسُ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدّارِيِّ وعَدِيِّ بْنِ بَدّاءٍ فَماتَ السَّهْمِيُّ بِأرْضٍ لَيْسَ فِيها مُسْلِمٌ، فَأوْصى إلَيْهِما، فَلَمّا قَدِما بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخَرَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأحْلَفَهُما رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بِاللَّهِ ما كَتَمْتُماها ولا اطَّلَعْتُما، ثُمَّ وجَدُوا الجامَ بِمَكَّةَ فَقِيلَ: اشْتَرَيْناهُ مِن تَمِيمٍ وعَدِيٍّ فَقامَ رَجُلانِ مِن أوْلِياءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفا بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِن شَهادَتِهِما وإنَّ الجامَ لِصاحِبِهِمْ، وأخَذُوا الجامَ، قالَ: وفِيهِمْ نَزَلَتْ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ الآيَةَ،» وفي إسْنادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أبِي القاسِمِ الكُوفِيُّ، قالَ التِّرْمِذِيُّ: قِيلَ: إنَّهُ صالِحُ الحَدِيثِ، وقَدْ رَوى ذَلِكَ أبُو داوُدَ مِن طَرِيقِهِ. وقَدْ رَوى جَماعَةٌ مِنَ التّابِعِينَ أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ هي السَّبَبُ في نُزُولِ الآيَةِ، وذَكَرَها المُفَسِّرُونَ في تَفاسِيرِهِمْ.
وقالَ القُرْطُبِيُّ: إنَّهُ أجْمَعَ أهْلُ التَّفْسِيرِ عَلى أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ هي سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والنَّحّاسُ مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكم﴾ الآيَةَ.
قالَ: هَذا لِمَن ماتَ وعِنْدَهُ المُسْلِمُونَ أمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُشْهِدَ عَلى وصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، ثُمَّ قالَ: ﴿أوْ آخَرانِ مِن غَيْرِكم إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ﴾ فَهَذا لِمَن ماتَ ولَيْسَ عِنْدَهُ أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ أمْرَ اللَّهُ بِشَهادَةِ رَجُلَيْنِ مِن غَيْرِ المُسْلِمِينَ، فَإنِ ارْتِيبَ بِشَهادَتِهِما اسْتَحْلَفا بِاللَّهِ بَعْدَ الصَّلاةِ ما اشْتَرَيا بِشَهادَتِهِما ثَمَنًا قَلِيلًا، فَإنِ اطَّلَعَ الأوْلِياءُ عَلى أنَّ الكافِرَيْنِ كَذَبا في شَهادَتِهِما، وثَمَّ رَجُلانِ مِنَ الأوْلِياءِ فَحَلَفا بِاللَّهِ أنَّ شَهادَةَ الكافِرَيْنِ باطِلَةٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا﴾ يَقُولُ: إنِ اطَّلَعَ عَلى أنَّ الكافِرَيْنِ كَذَبا ذَلِكَ أدْنى أنْ يَأْتِيَ الكافِرانِ ﴿بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾ فَتُتْرَكُ شَهادَةُ الكافِرَيْنِ ويُحْكَمُ بِشَهادَةِ الأوْلِياءِ، فَلَيْسَ عَلى شُهُودِ المُسْلِمِينَ أقْسامٌ، إنَّما الأقْسامُ إذا كانا كافِرَيْنِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: هَذا رَجُلٌ خَرَجَ مُسافِرًا ومَعَهُ مالٌ فَأدْرَكَهُ قَدَرُهُ، فَإنْ وجَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ دَفَعَ إلَيْهِما تَرِكَتْهُ وأشْهَدَ عَلَيْهِما عَدْلَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ عَدْلَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَرَجُلَيْنِ مِن أهْلِ الكِتابِ، فَإنْ أدّى فَسَبِيلُ ما أدّى، وإنْ جَحَدَ اسْتُحْلِفَ بِاللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو دُبُرَ صَلاةٍ إنَّ هَذا الَّذِي دُفِعَ إلَيَّ وما غَيَّبْتُ مِنهُ شَيْئًا، فَإذا حَلَفَ بَرِئَ، فَإذا أتى بَعْدَ ذَلِكَ صاحِبا الكِتابِ فَشَهِدا عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعى القَوْمُ عَلَيْهِ مِن تَسْمِيَتِهِمْ ما لَهم جُعِلَتْ أيْمانُ الوَرَثَةِ مَعَ شَهادَتِهِمْ ثُمَّ اقْتَطَعُوا حَقَّهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنكم أوْ آخَرانِ مِن غَيْرِكم﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ آخَرانِ مِن غَيْرِكُمْ﴾ قالَ: مِن غَيْرِ المُسْلِمِينَ مِن أهْلِ الكِتابِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ في الآيَةِ قالَ: كانَ ذَلِكَ في رَجُلٍ تُوُفِّيَ ولَيْسَ عِنْدَهُ أحَدٌ مِن أهْلِ الإسْلامِ، وذَلِكَ في أوَّلِ الإسْلامِ، والأرْضُ حَرْبٌ والنّاسُ كُفّارٌ إلّا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وأصْحابُهُ بِالمَدِينَةِ، وكانَ النّاسُ يَتَوارَثُونَ بِالوَصِيَّةِ، ثُمَّ نُسِخَتِ الوَصِيَّةُ وفُرِضَتِ الفَرائِضُ وعَمِلَ المُسْلِمُونَ بِها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: (p-٤٠٣)مَضَتِ السُّنَّةُ أنْ لا تَجُوزَ شَهادَةُ كافِرٍ في حَضَرٍ ولا سَفَرٍ، إنَّما هي في المُسْلِمِينَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ في قَوْلِهِ: ﴿تَحْبِسُونَهُما مِن بَعْدِ الصَّلاةِ﴾ قالَ: صَلاةُ العَصْرِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ قالَ: لا نَأْخُذُ بِهِ رَشْوَةً ﴿ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ﴾ وإنْ كانَ صاحِبُها بَعِيدًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا﴾ أيِ اطُّلِعَ مِنهُما عَلى خِيانَةٍ عَلى أنَّهُما كَذَبا أوْ كَتَما. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: الأوْلَيانِ قالَ: بِالمَيِّتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها﴾ يَقُولُ: ذَلِكَ أحْرى أنْ يَصْدُقُوا في شَهادَتِهِمْ ﴿أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾ يَقُولُ: وأنْ يَخافُوا العَتَبَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾ قالَ: فَتَبْطُلُ أيْمانُهم وتُؤْخَذُ أيْمانُ هَؤُلاءِ.
{"ayahs_start":106,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ","فَإِنۡ عُثِرَ عَلَىٰۤ أَنَّهُمَا ٱسۡتَحَقَّاۤ إِثۡمࣰا فَـَٔاخَرَانِ یَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَحَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَوۡلَیَـٰنِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَـٰدَتُنَاۤ أَحَقُّ مِن شَهَـٰدَتِهِمَا وَمَا ٱعۡتَدَیۡنَاۤ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِٱلشَّهَـٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَاۤ أَوۡ یَخَافُوۤا۟ أَن تُرَدَّ أَیۡمَـٰنُۢ بَعۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ شَهَـٰدَةُ بَیۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِینَ ٱلۡوَصِیَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَیۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَیُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِی بِهِۦ ثَمَنࣰا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَـٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّاۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡـَٔاثِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق