الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ شَهادَةُ: رفع بالابتداء وخبره (اثنان) ومعناه: شهادتكم فيما بينكم اثنان مسلمان عدلان إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فأراد أن يشهد على وصيته، وكان مقيماً. ولم يكن مسافراً فليُشهد على وصيته اثنين مسلمين حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يعني: إذا كنتم في السفر ولم تقدروا على مسلمين، فأشهدوا رجلين من غيركم يعني: من غير أهل دينكم. وروى مغيرة عن إبراهيم قال: إذا كان الرجل في سفر فلم يجد المسلمين يشهدهما على وصيته، فيشهد غير أهل دينه. فإن اتهما حبسا من بعد الصلاة فيغلظ عليهما في اليمين وإن شهد رجلان من الورثة أنهما خانا وكذبا صدقا بما قالا، وأخذ مّنَ الاخرين يعني: من الشاهدين ما ادعي عليهما. وروي عن مجاهد أنه قال: إذا مات المؤمن في السفر لا يحضره إلا كافران أشهدهما على ذلك. فإن رضي ورثته مما حلفا عليه من تركته فذلك. ويحلف الشاهدان أنهما لصادقان، فإن ظهر أنهما خانا، حلف اثنان من الورثة، وأبطلا أيمان الشاهدين. وروي عن شريح أنه قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني إلا في السفر، ولا تجوز في السفر إلا على الوصية، وهكذا قال إبراهيم النخعي. وبه قال ابن أبي ليلى. واحتجوا بظاهر هذه الآية. وقال علماؤنا: لا يجوز شهادة الذمي على المسلم في الوصية ولا في غيره. وروي عن عكرمة أنه قال: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قال: من غير عشيرتكم. وكذلك قال الحسن: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يعني: من غير قبيلتكم، كلهم من أهل العدالة. قال: ألا ترى إلى قوله: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ وقال زيد بن أسلم: كان ذلك في رجل توفي، وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك كان في أول الإسلام، والأرض أرض الحرب، والناس كفار، إلا رسول الله ﷺ وأصحابه بالمدينة. وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قال: هي منسوخة وقال الضحاك: نسخت هذه الآية بقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2] ورفع اليمين عن الشهود، وأبطل شهادة أهل الذمة إلا بعضهم على بعض. ويقال: لنزول هذه الآية قصة. وذلك أنه ثلاثة نفر خرجوا إلى السفر: تميم الدّاري، وعدي بن زيد، وبديل بن ورقاء مولى العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص، فحضر بديل بن ورقاء الوفاة وكان مسلماً، وأوصى إلى تميم الدّاري وإلى عدي بن زيد وكانا نصرانيين، وأمرهما أن يسلّما أمتعته إلى أهله، وكتب أسماء الأمتعة، وأدرجه في ثيابه. فلما قدما المدينة وسلما المتاع إلى أهله، فوجد أهله الكتاب وفيه أسماء الأمتعة، وفيه جام فضة لم يسلماه إليهم. فخاصمهما المطلب بن أبي وداعة وعمرو بن العاص إلى رسول الله ﷺ. فنزلت الآية: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ بموت بديل بن ورقاء تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ يعني: صلاة العصر. وكان النبيّ ﷺ يقضي بين الناس بعد صلاة العصر. فحلَّف الشاهدين، فحلفا أنهما لم يكتما شيئاً، فذلك قوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يعني: سافرتم في الأرض، فأصابتكم في السفر مصيبة الموت يعني: موت بديل بن ورقاء، تَحْبِسُونَهُما يعني: تقيمونهما من بعد الصلاة يعني: صلاة العصر عند منبر النبيّ ﷺ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ يعني: ظننتم بالشاهدين ريبة أو شككتم في أمرهما لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً يعني: باليمين. يعني: أن الشاهدين يحلفان بالله أنهما لم يشتريا بأيمانهما ثمناً قليلاً من عرض الدنيا. وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى يعني: ذا قرابة معنا في الرحم. لأن الميت كان بينه وبينهما قرابة وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إن سألنا عن ذلك. فإن كتمناها يعني: الشهادة: إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ يعني: الفاجرين. ثم وجد الجام أي الكأس بعد ذلك في أيديهما يبيعانه في السوق. وقالا: إنا كنا اشتريناه منه، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فنزل فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً يعني: خانا وكتما شيئاً من المال فَآخَرانِ من أولياء الميت يَقُومانِ مَقامَهُما يعني: مقام النصرانيين مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ يعني: يحلف أولياء الميت أن المتاع متاع صاحبنا لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما يعني: يمين المسلمين وشهادتهما أحق يعني: أولى من شهادة الكافرين. وَمَا اعْتَدَيْنا في الشهادة والدعوى إِنَّا إِذاً اعتدينا فحينئذٍ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قرأ عاصم في رواية حفص: اسْتَحَقَّ بنصب التاء. وقرأ الباقون: بضم التاء فمن قرأ بالنصب جعل الذين نعتاً للمدعين ومعناه: فآخران من المستحقين يقومان مقامهما. ومن قرأ بالضم: جعل الذين نعتاً للمدعى عليهم. وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر الاولين. وقرأ الباقون: الْأَوْلَيانِ. فمن قرأ الأولين، يجعله خفضاً لأنه بدل من الذين. فكأنه يقول: من الأولين اللذين استحق عليهم. ومن قرأ: الْأَوْلَيانِ صار رفعاً على البدل مما في يَقُومانِ المعنى: فليقم الْأَوْلَيانِ بالميت. قال القتبي: الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ وهما الوليان. يقال: هذا الأولى بفلان. ثم يحذف من الكلام بفلان فيقال: هذا الأولى وهذان الأوليان، كما يقال: هذا الأكبر وهذان الأكبران وعَلَيْهِمُ هاهنا يعني: منهم يعني: استحق منهم كما قال الله تعالى: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [المطففين: 2] يعني: من الناس يستوفون. قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ يعني: ذلك أحرى وأجدر. أن يأتوا بالشهادة. يعني: يقيموا الشهادة عَلى وَجْهِها كما كانت. يعني: يقيموا شهادة المدعي مقام شهادة المدعى عليه إذا ظهرت الخيانة، لكي لا يخونا في الشهادة، ويأتيا بالشهادة على وجهها. ثم قال: أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ يعني: إذا خافا أن ترد اليمين إلى غيرهما، امتنعا عن الكذب. وقد احتج بعض الناس بهذه الآية بأن اليمين ترد إلى المدعي، ولا حجة له فيه، لأن ردّ اليمين حادثة أخرى، وهو ظهور الخيانة منهما. لأن دعوى الثاني دعوى الشرى، ودعوى الأول دعوى الكتمان. ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تخونوا وَاسْمَعُوا ما تؤمرون به وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يعني: الخائنين. قوله تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب