الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي﴾ الضمير في (هو) يعود على (الله)، وتأمل هنا ترابط الآيات بعضها من بعض، لما ذكر الله عز وجل أنه هو المصور، وهو ابتداء الخلق، ذكر بعده إنزال الكتاب الذي به الهداية مثل: ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾ [الرحمن ١ - ٤] فأحيانًا يبين الله النعمة الدينية قبل، وأحيانًا يبين الله النعمة الدنيوية قبل، فالتصوير هنا بدأ الله به، ثم ذكر إنزال القرآن، لكن ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ ذكر تعليم القرآن قبل خلق الإنسان، ثم قال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، والمراد به القرآن، وسبق معنى كونه كتابًا أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، وفي الصحف التي بأيدينا، ثم قسم الله هذا الكتاب فقال: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ﴾ يعني: ومنه أُخَر، ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾. وهنا يتعين أن نقول: ومنه أخر؛ ليتم التقسيم. قوله: ﴿آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ الآيات جمع (آية)، وهي العلامة، وكل آية في القرآن فهي علامة على منزلها لما فيها من الإعجاز والتحدي. وقوله: ﴿مُحْكَمَاتٌ﴾ أي: متقنات في الدلالة والحكم والخبر؛ يعني أخبارها وأحكامها متقنة معلومة ما فيها إشكال. ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات﴾ يعني أن أحكامها غير معلومة أو أخبارها غير معلومة، فصار المحكم المتقَن في الدلالة، سواء كان خبرًا أو حكمًا، المتشابه: الذي دلالته غير واضحة، سواء كان خبرًا أو حكمًا. ثم قال: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قدم وصف هذه المحكمات وبيان حالها ليتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر أنه يرد المتشابهات إلى المحكمات؛ لأنها أم، وأم الشيء مرجعه وأصله، قال الله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]، أي: المرجع، وهو اللوح المحفوظ الذي تُرجع الكتابات كلها إليه، ومنه سُميت الفاتحة (أم الكتاب)؛ لأن مرجع القرآن إليها، فهذه المحكمات يجب أن تُرد المتشابهات إليها، إلى هذه المحكمات. قال الله تعالى: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات﴾ متشابهات في أيش؟ في الدلالة، سواء كان حكمًا أو خبرًا، ولهذا نجد أن بعض الآيات لا تدل دلالة صريحة على الحكم الذي استدل بها عليه، وبعض الآيات الخبرية أيضًا لا تدل دلالة صريحة على الخبر الذي استدُل بها عليه، فماذا نعمل؟ قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ إلى آخره، ينقسم الناس بالنسبة إلى هذه المتشابهات إلى قسمين: قسم يتبعون المتشابه، ويضعونه أمام الناس، يعرضونه على الناس يقول: كيف كذا؟ وكيف كذا؟ وقسم آخر يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، وإذا كان كل من عند ربنا فإنه لا يمكن أن يتناقض ولا يمكن أن يتخالف، بل هو متحد متفق، فيُرد المتشابه منه إلى المحكَم ويكون الجميع محكمًا، يقول الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، الزيغ بمعنى: الميل، ومنه قولهم: زاغت الشمس إذا مالت عن كبد السماء.
﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ أي: ميل عن الحق، ولا يريدون الحق، يتبعون المتشابه، فتجدهم -والعياذ بالله- يأخذون آيات القرآن التي فيها اشتباه حتى يضربوا بعضها ببعض، وما أكثر هذا عند النصارى، النصارى الآن يُدخلون تشكيكات كثيرة على المسلمين في المتشابه، مثلًا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، عندنا دليل، ألستم تقرؤون في القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا﴾ [الحجر ٩]، ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٧]؟ صيغة الضمير صيغة جمع، إذن فالله تعالى أكثر من اثنين، ثلاثة، وهكذا يأتون بأشياء يموهون بها على الناس؛ لأن في قلوبهم زيغًا، كذلك أيضًا بعض الآيات ظاهرها التعارض، مثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء ٤٢]، هنا قال: ﴿لَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، وفي آية أخرى يقول: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام ٢٣] فكتموا ولَّا لا؟
* الطلبة: كتموا.
* الشيخ: كتموا، قالوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ كتموا، أنكروا أن يكونوا مشركين، كذلك أيضًا يأتيك يقول: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران ١٠٦]، وقال في آية أخرى: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه ١٠٢]، ثم يأتيك يقول: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات ٣٦]، وفي آية أخرى: يعتذرون، يقولون: إنهم لو رُدُّوا إلى الدنيا لصلحوا واستقامت أحوالهم فيعتذرون، المهم أن الذين في قلوبهم زيغ يأتون بهذه الآيات المتشابهة ليصدوا عن سبيل الله، ويشككوا الناس في كلام الله عز وجل؛ يعني وأما الذين ليس في قلوبهم زيغ وهم الراسخون في العلم الذين عندهم من العلم ما يتمكنون به أن يجمعوا بين الآيات المتشابهة، وأن يعرفوا معناها، فهؤلاء لا يكون عندهم هذا التشابه، ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران ٧] فلا يرون في القرآن شيئًا متعارضًا متناقضًا.
* طالب: في قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ هل يؤخذ منها أحكام فعلًا معلقة بالتصوير مثل الصلاة وغيره؟
* الشيخ: من أيش؟
* الطالب: من الصلاة أي الصلاة عليه قبل أن يصوره، ومن قبل التصوير ليس بشيء، قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾.
* الشيخ: هل تؤخذ من هذا؟ يقول: إن قوله: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ هل يؤخذ منها أن الجنين في بطن أمه لو سقط قبل أن يُصوَّر فليس له حكم؟
* طالب: ما يؤخذ يا شيخ ما يؤخذ.
* الشيخ: ما يؤخذ.
* الطالب: ما يؤخذ؛ لأن الجنين أطوار تنطبق عليه اسم الصورة في بدايته.
* الشيخ: والله ما هي واضحة، ما هي واضحة.
* طالب: شيخ، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ وسمي الكتاب وهو ما زال بين الملائكة، وفي أيدينا ما بتكون إلا بعد ما يوصل إلينا.
* الشيخ: باعتبار ما يكون، ألم تقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ [يوسف ٣٦]، الخمر مو هو بيعصر، يعصر العنب فيكون خمرًا بعد ما ينزل.
* طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، لو كان مثلًا رجل في يعني خشمه ميلان قليل في أنفه، أو مثلًا في أسنانه طول بعضها وبعضها قِصر، أو مختلفة قليلًا، فهل يجوز لهذا أن يعمل عملية حتى يُعدّل هذا المائل قليلًا؟
* الشيخ: إي نعم، الميل اللي يكون عيبًا لا شك أنه يجوز.
* الطالب: سيما وإن كان منه ضرر.
* الشيخ: لا، لا، كيف يكون ضرر؟! الضرر!
* الطالب: لا لا، أقول: يجوز سِيَّما وإن كان منه ضرر.
* الشيخ: إيه، يعني لا سيما إن كان منه ضرر، إي نعم، كذلك بالنسبة للأسنان إذا كان اختلافها اختلافًا مُشوهًا فلا بأس بتعديلها، لكن إذا كان اختلافها اختلافًا يسيرًا لكن يريدون أن تكون كسن واحد، كما يفعل بعض النساء الآن، فهذا لا يجوز، هذا من جنس الوشم، هذا الوشم.
* طالب: يا شيخ، بالنسبة للحديث الذي قلته آنفًا، الرجل الذي جاء إلى الرسول ﷺ وكان أنفه مقطوعًا، فأمره بأن يأخذ أنفًا من الذهب.
* الشيخ: إي نعم من ورِق أول، ثم أنتن.
* الطالب: يعني هذا أنفه ما ولد وأنفه مقطوع؛ يعني هذا عارض يعني عليه ما كان ذلك في الأصل يعني وُلد أصلا وعنده ستة أصابع.
* الشيخ: إيه، لا فرق، أقول: لا فرق، المقصود إزالة العيب، سواء كان العيب طارئًا أو أصليًّا.
* طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، قلنا: إن الإصبع السادس يُشَال ولا بأس في ذلك، والله عز وجل قال عن الشيطان: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء ١١٩] وهذا الإصبع السادس من خلق الله.
* الشيخ: إي نعم، لكن ما هو كل شيء منهي عنه، التغيير المأمور به مأمور به، فالختان مثلًا تغيير لخلق الله وهو مأمور به، إزالة الشارب تغيير لخلق الله وهو مأمور به.
* الطالب: لكن ما أمره أن يشيل السادس.
* الشيخ: نعم، وجدنا أن الشارع لا يعني يمنع الإنسان من إزالة الشيء الذي يعتبر عيبًا عند الناس، وقصة صاحب الأنف هذه هي العُمدة في هذه المسألة.
* طالب: لكن صاحب الأنف النبي أمره أن يضع لا أن يزيل يا شيخ.
* الشيخ: هذا الذي وضع على أنفه ما هو بتكميل له؟
* طالب: لكن ما عنده أنف هذا.
* الشيخ: إي نعم، قُطع أنفه، فجعل له تكميلًا، هذا إذا أزاله يكون تكميلًا له؛ لأن الناس الآن يعتبرون اللي فيه زيادة يعتبرونه عيبًا، فهو مزيل لعيب.
* طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا يا شيخ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ تقول إن ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلقة بـ﴿يَخْفَى﴾؟
* الشيخ: لا بـ (شيء) صفة لـ (شيء).
* طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا، بالنسبة لـ، لو واحد ابتدأ مثلًا السورة أو أي كلمة بـ (بسم الله الرحيم الرحمن)؟
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: بيعكس الرحمن الرحيم، يعني إذا ابتدأ سورة فيقول: بسم الله الرحيم الرحمن، فهل في هذا نهي؟
* الشيخ: هو قصده التلاوة؛ تلاوة القرآن، ولَّا لا؟
* الطالب: إن كان قصده التلاوة وإن كان غيرها.
* الشيخ: إن كان قصده التلاوة فهو حرام؛ لأن القرآن مُرتب في كلماته، ومرتب في آياته أيضًا، نعم، السور الصحيح أن ترتيبها اجتهادي.
* الطالب: يعني البسملة تعتبر آية من القرآن؟
* الشيخ: معلوم إيه.
* الطالب: يعني البسملة اللي في أول السورة.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا، هناك من قالوا: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ أنها في الصفات (...)؟
* الشيخ: سيأتينا إن شاء الله تعالى هذا في الفوائد.
* الطالب: يا شيخ أيضًا سؤال، الذي يأتي بآيات يعني عنده (...)؟
* * *
* طالب: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران ٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ سبق لنا أن الله سبحانه وتعالى بيَّن أنه قسم القرآن إلى قسمين: آيات محكمات؛ أي: واضحات المعنى، لا يخفى معناهن على أحد، والثاني: آيات مشتبهات فيهن خفاء في الدلالة أو في التعارض بينهن وبين غيرهن، أو غير ذلك من أسباب التشابه، وهذه الآيات المتشابهات انقسم الناس فيها إلى قسمين: قسم في قلوبهم زيغ؛ أي: ميل عن الحق، فهؤلاء اتبعوا المتشابه، وصاروا يأتون بالمتشابه يُلبِّسون به على الناس وابتغاء الفتنة، وكذلك ﴿ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ أي: طلب تأويله لما يريدون هم لا لما يريد الله عز وجل، وهذا كثير، كل أهل البدع من الرافضة والخوارج والمعتزلة والجهمية وغيرهم، كلهم اتبعوا ما تشابه منه، لكن من مقل ومستكثر، فهؤلاء يتبعون ما تشابه لهذين الغرضين، أو لأحدهما، ما هما؟ ﴿ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ أي: صد الناس عن دين الله؛ لأن الفتنة بمعنى الصد عن دين الله كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج ١٠] فتنوهم يعني: صدوهم عن دين الله، ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾، ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه﴾؛ أي: طلب تأويله لما يريدون هم، يفسرونه على مرادهم لا على مراد الله سبحانه وتعالى.
وسبق لنا أيضًا أن قوله: ﴿وَأُخَرُ﴾ ليست معطوفة على قوله: ﴿آيَاتٌ﴾ ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ لفساد المعنى، وأن (أُخَر) مبتدأ خبره محذوف، يعني: ومنه أخر متشابهات، وذكرنا لها نظيرًا، وهو قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود ١٠٥]، فإن ﴿سَعِيدٌ﴾ هنا ليست معطوفة على ﴿شَقِيٌّ﴾؛ لأنها لو كانت معطوفة عليها لفسد التقسيم، ولكن التقدير: منهم شقي ومنهم سعيد، هذا أيضًا: منه آيات محكمات، ومنه أخر متشابهات.
الاشتباه قلنا: إنه يكون اشتباه في المعنى، يكون المعنى غير واضح، أو اشتباه في التعارض، يظن الظانّ أن القرآن يُعارِض بعضه بعضًا، وذكرنا من ذلك أمثلة فيما سبق.
* الطالب: ما ذكرنا؟
* الشيخ: كيف الله يهديك، ذكرنا، ذكرنا أمثلة، وأجبنا عنها، وقلنا: لا يمكن أبدًا أن يكون في القرآن شيء متعارض إطلاقًا، لا يمكن؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، يعني ولما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف، فهو يصدق بعضه بعضًا، ولكن التعارض الذي قد يفهمه من يفهمه من الناس يكون إما لقصور في العلم، أو قصور في الفهم، هذا اثنين، أو تقصير في التدبر هذه ثلاثة، أو سوء ظن، أو سوء ظن بحيث يظن أن القرآن يتعارض، فإذا ظن هذا الظن لم يُوفّق للجمع بين النصوص، يحرم الخير؛ لأنه ظن ما لا يليق بالقرآن، فهذا هو أسباب ظن التعارض ممن يظن التعارض، أسباب أربعة؛ هي: قصور العلم، أو قصور الفهم، أو التقصير في التدبر، أو سوء القصد، فإذا وجد واحد من هذه الأمور الأربعة حينئذٍ يحصل التشابه، أما من أعطاه الله علمًا وفهمًا وحسن قصد، الرابع؟
* الطلبة: حسن الظن، خمسة.
* الشيخ: وحسن ظن، فإنه لا يحصل لديه تعارض في القرآن الكريم؛ لأن عنده كمال في العلم، وكمال في الفهم، ونشاط في التدبر، وحسن نية وقصد، فهذا يُوفق، يوفقه الله تعالى فيعرف كيف يجمع بين ما ظاهره التعارض، أو كيف يعرِف هذا المتشابه.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، هذه الآية الكريمة اختلف السلف في الوقف عليها، فأكثر السلف وقف على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ وجعل الوقف هنا لازمًا، يعني يجب أن تقف تقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ ثم تبتدئ فتقول: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ وعلى هذا فيكون الواو هنا في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للاستئناف ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿يَقُولُونَ﴾ خبر المبتدأ، وهذا الذي عليه أكثر السلف، يعني أن هذا المتشابه لا يعلم تأويله، المراد به إلا الله عز وجل، والراسخون في العلم الذين لم يعلموا لا يطلبون بذلك الفتنة، وإنما يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، وليس في كلام ربنا تناقض ولا تضارب، ويسلمون الأمر إلى الله عز وجل؛ لأنه هو العالم بما أراد، فينقسم الناس إذن إلى قسمين: ﴿الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ و﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾.
ووصل بعض السلف ولم يقف، أي قرأ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ فتكون الواو للعطف، ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ معطوفة على لفظ الجلالة؛ أي: ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم بخلاف الذين في قلوبهم زيغ وليس عندهم علم فهؤلاء لا يعلمون، والحقيقة أن ظاهر القراءتين، أن ظاهرهما التعارض؛ لأن القراءة الأولى تقتضي أنه لا يعلم تأويل هذا المتشابه إلا الله، والقراءة الثانية تقتضي أن هذا المتشابه يعلم تأويله الله والراسخون في العلم، فيكون في ظاهر القولين التعارض، ولكن الصحيح أنه لا تعارض بينهما، وأن هذا الخلاف مبني على الاختلاف في معنى التأويل في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ فإن كان المراد بالتأويل التفسير فقراءة الوصل أوْلى؛ لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسير القرآن المتشابه، ولا يخفى عليهم لرسوخهم في العلم وبلوغهم عمق العلم؛ لأن الراسخ في الشيء الثابت فيه المتمكن منه، فهم لتمكنهم وثبوت أقدامهم في العلم وتعمقهم فيه يعلمون ما يخفى على غيرهم، فإذا جعلنا التأويل بمعنى التفسير فقراءة الوصل أوْلى، أما إذا جعلنا التأويل بمعنى العاقبة والغاية المجهولة فالوقف على ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ أوْلى؛ لأن عاقبة هذا المتشابه وما يؤول إليه أمر مجهول لكل الخلق، فإذا قال قائل: الآن نطلب أمرين؛ الأمر الأول: أن التأويل يكون بمعنى التفسير، والأمر الثاني: أن التأويل يكون بمعنى العاقبة المجهولة التي لا يعلمها إلا الله، الجواب على ذلك أن نقول: نعم، لا بد من هذا، وهو موجود في القرآن، أولًا: التأويل بمعنى التفسير؛ مثل قول صاحبي السجن ليوسف عليه الصلاة والسلام ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ [يوسف ٣٦] أي بتفسير هذه الرؤيا، وأيش معناها؟ ففسرها لهم. ومن ذلك قول الرسول ﷺ لابن عباس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» »[[أخرجه أحمد في المسند (٢٣٩٧) من حديث ابن عباس. وفي البخاري (١٤٣)، ومسلم (٢٤٧٧ / ١٣٨) دون قوله: «وعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».]]، أي: تفسير الكلام ومعرفة معناه، وأما التأويل بمعنى العاقبة فمنه قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف ٥٣] فقوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ يعني: عاقبته وما يؤول إليه، ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ يعني: تأتي عاقبته التي وُعِدوا بها، ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾. ومنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء ٥٩] يعني: أحسن عاقبة ومآلًا، فتبين بهذا أن كلمة (تأويل) صالحة للمعنيين جميعًا؛ التفسير والعاقبة، فإذا جعلناها بمعنى التفسير فلا ريب أن الراسخين في العلم يعلمون تفسير القرآن ولا يخفى عليهم شيء، ولا يمكن -بأي حال من الأحوال- أن ينزل الله سبحانه وتعالى على عباده كتابًا يسألهم عنه يوم القيامة وهم لا يعرفون معناه، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: لا يمكن أبدًا أن ينزل عليهم كتابًا يسألهم عنه يوم القيامة وهم لا يعرفون معناه، صحيح أنه قد لا يعرفه البعض، لكن الراسخون في العلم لا بد أن يعلموه وإلا لبطلت الحجة، فلا بد من معرفة هذا الكتاب المنزل على رسول الله ﷺ، أما إذا قلنا بأن التأويل ما آل إليه الأمر، وما كان عليه في نفس الواقع مما هو مجهول لنا فهنا يتعين الوقوف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾.
واعلم أن كثيرًا من الناس الذين تكلموا في العقائد فسروا المتشابه بآيات الصفات، قالوا: إن المتشابهات هن آيات الصفات، ولكن لا شك أن تفسير المتشابهات بآيات الصفات على الإطلاق ليس بسديد ولا بصحيح؛ لأن آيات الصفات معلومة مجهولة؛ فهي من حيث المعنى معلومة، ولا يمكن أن يخاطبنا الله عز وجل ويحدِّثنا عن نفسه بأمر مجهول لا نستفيد منه، وليس هو بالنسبة إلينا إلا كنسبة الحروف الهجائية التي ليس فيها معنى، هذا غير ممكن إطلاقًا، نعم، هي مجهولة من جهة أخرى، وهي الحقيقة والكيفية التي هي عليها، فهذا مجهول لنا، لا نعلم كيف يد الله ولا ندرك حقيقتها، لا نعلم كيف وجه الله ولا ندرك حقيقته، لا ندرك حقيقة علم الله عز وجل، ولا ندرك، كل صفاته لا ندرك حقائقها؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه ١١٠]، فمن زعم أن آيات الصفات من المتشابه -على سبيل الإطلاق- فقد أخطأ، والواجب أيش؟ الواجب: التفصيل، فنقول: إن أردت بكونها من المتشابه تشابه الحقيقة التي هي عليها فأنت مصيب، وإن أردت بالمتشابه تشابه المعنى، وأن معناها مجهول لنا فأنت مخطئ غاية الخطأ، وقد ذهب إلى هذا من ذهب من الناس، وقال: إن آيات الصفات وأحاديثها مجهولة لا نعلمها، لا يعلمها رسول الله ﷺ، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا ابن مسعود، ولا ابن عباس، ولا فقهاء الصحابة، ولا فقهاء التابعين، ولا أئمة الإسلام، كلهم لا يدرون ما معناها، تقول له: ما معنى استوى على العرش؟ فيقول: الله أعلم. ما معنى يد الله في قوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤]؟ يقول: الله أعلم، ما معنى: ﴿يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن ٢٧]؟ الله أعلم، كل شيء الله أعلم، كل ما يتعلق بصفات الله يقول: الله أعلم، والغريب أن هذا القول في غاية ما يكون من السقوط، وإن كان بعض الناس يظن أنه مذهب أهل السنة، أو أنه مذهب السلف، حتى أدى بهم الأمر إلى هذه الكلمة الكاذبة، طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعْلم وأحكم، وهذه الجملة والقضية من أكذب القضايا، أن تكون طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، لكن نقول: طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، المهم أن من الناس من يظن أن مذهب السلف هو التفويض وعدم معرفة المعنى وعدم الكلام به حتى النبي ﷺ -على زعمهم- يقول: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٨٢٦)، ومسلم (١٨٩٠ / ١٢٨) من حديث أبي هريرة.]] لو سألته وقلت: يا رسول الله، ما معنى يضحك؟ قال: ما أدري! «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨ / ١٦٨) من حديث أبي هريرة.]] لو سألته: وأيش معنى ينزل؟ قال: لا أدري، وأنا أعجب كيف يستقيم لسان شخص يدّعي أن هذا مذهب السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم القيامة؟! هذا بعيد من الصواب!
إذن نقول: آيات الصفات من المتشابه في الحقيقة والكيفية التي هي عليها؛ لأن الإنسان بشر لا يمكن يدرك هذه الصفات العظيمة، لكن في المعنى محكَمة معلومة لا تخفى على أحد، كلنا يعرف ما معنى العلم، كلنا يعرف ما معنى الاستواء، كلنا يعرف ما معنى الوجه، ما معنى اليد، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله قوله المشهور الذي روي عن شيخه قال: إن الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بِدعة.
* طالب: شيخ، متشابه في الحقيقة وغير متشابه، كيف يعني متشابه في الحقيقة، يعني بمعنى الدلالة؟
* الشيخ: كم بقي على الأسئلة.
* الطالب: لا، بس مو سؤال، عشان تعليق في نفس الآية.
* الشيخ: إيه! أنا قلت: لو فهمتم تقولوا نعم.
* طالب: نعم يا شيخ، ما نريد ها النوع لكن فيه بعض الأشياء كما ذكره.
* الشيخ: إيه، لكن إذا قلت: أفهمتم؟ وقال بعضكم: نعم، وسكت الباقون، معناه أنهم كلهم فهموا، الواجب على من لا يفهم، لا، إذا قلت: أنا فهمت، معناه أن انقطع الكلام اللي عندي، فإذا قلت: أفهمت؟ وأنت ما فهمتم لازم تبينون، أقول مثلًا: نحن نعلم معنى العين ولَّا لا؟ لكن حقيقة عين الله وكيفيتها معلومة ولَّا غير معلومة؟ غير معلومة، نحن ما ندري أعيننا معروفة مكونة من طبقات متعددة ومن عروق، ومن كذا ومن كذا ومن كذا، معروفة، لكن عين الله لا يمكن أن تقول فيها هكذا، مجهولة لك، كذا؟ إذن هي حقيقتها غير معلومة، لكن معنى العين وهي التي يحصل بها النظر والرؤية أمر معلوم، يد الله عز وجل هي معلومة لنا معلومة على الحقيقة؟ لا، اليد معروفة والأصابع معروفة، والقبض باليد معروف، والأخذ باليد معروف، كذا ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لكن حقيقة هذه اليد وكيفيتها ما تستطيع تتكلم فيها، ومن ادعى العلم بها فهو كاذب، هذا معنى الحقائق؛ فالحقائق شيء والمعاني شيء آخر، وثقوا بأننا لو نقول: إننا لا نعلم معاني آيات الصفات أنه سيفوتنا ثلاثون في المئة من معاني القرآن أو أكثر؛ لأن ما تكاد تجد آية إلا وفيها اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته.
يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ من الراسخون في العلم؟ الثابتون الذين وصلوا إلى عمقه، عمق العلم؛ لأن الرسوخ في الأصل الثبوت والاستقرار، ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ أي: صدّقنا به، بالمحكَم وبالمتشابه، أما المحكم فظاهر أنهم يؤمنون به؛ لأنهم عرفوا معناه واطمأنوا إليه، وأما المتشابه فإيمانهم به هو التسليم، ولهذا قال فيه: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ ولا يمكن أبدًا أن يكون فيه تعارض أو تناقض.
هنا قسم الله القرآن إلى قسمين، ولكنه في موضع آخر جعله قسمًا واحدًا، فقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [الزمر ٢٣]، وقال في آية أخرى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس ١]، وقال: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود ١] ولم يذكر التشابه، نقول: هذا أيضًا من المتشابه، أليس كذلك؟ لأنه كيف يوصف القرآن بأوصاف ظاهرها التعارض، فنقول: الراسخون في العلم يعلمون أن لا تعارض؟ فيقولون: المتشابه الذي وُصف به القرآن غير مقرون بالمحكم يراد به التشابه في الكمال والجودة والهداية، فهو متشابه، كل آياته متشابهة، كلها كاملة بلاغةً، كلها كاملة في الخبر، كاملة في الأمر والنهي، فهو متشابه من حيث أيش؟
الكمال والجودة والأحكام والأخبار وغير ذلك، محكم، إذا ذُكرت المحكم بدون ذكر المتشابه فالأمر واضح أنه متقن، متقن ليس فيه تناقض، ولا تعارض، ولا كذب في خبر، ولا جور في حكم، فإذا ذُكر الإحكام والتشابه حُمل الإحكام على معنى والتشابه على معنى آخر، يحمل الإحكام على أيش؟ على الوضوح، إذا ذكر الأحكام والتشابه، لما ذكر الأحكام وذكر التشابه صار كل واحد منهما قسيمًا للآخر، فإذا كان تشابه وأيش قسيمه؟ الواضح، الواضح المعنى، الواضح البيِّن، فــ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ أي: بينات واضحات، ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ قسيمتها ضدها، واضح الآن؟
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ما) نافية، ﴿يَذَّكَّرُ﴾ أصلها: يتذكر، لكن قلبت التاء ذالًا وأُدغمت في الذال الأخرى صارت ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ﴾، أي: لا يتعظ وينتفع بالقرآن إلا أولو الألباب؛ أي: إلا أصحاب العقول؛ لأن الألباب جمع (لُبّ)، واللب هو العقل، والمراد بالعقل هنا عقل الإدراك أو عقل التصرف، أو الأمران؟
* الطلبة: يشمل الأمرين.
* الشيخ: يشمل، لكن الأهم عقل التصرف، عقل الإدراك الذي ضده الجنون، وعقل التصرف الذي ضده السفه، فالذي يتذكر بالقرآن هو الإنسان الذي أعطاه الله عقلًا يدرك به الأشياء، وأعطاه الله تعالى رشدًا يحسن به التصرف، هذا هو اللي يتذكر، وأما من أعطاه الله تعالى عقلًا يدرك به الأشياء وهو العقل المضاد للجنون ولم يعطِه عقلًا يحسن به التصرف؛ وهو العقل المضاد للسفه فهذا لا ينتفع بالقرآن، لا ينتفع إلا العاقل عقل إدراك وعقل تصرف.
في هذه الآية الكريمة فوائد جليلة كثيرة؛ أولًا: أن هذا القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، فإن قال قائل: يَرِدُ عليك ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد ٢٥]، ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الأنعام ٩٩] فهل تقول: إن الحديد كلام الله؟ وإن الماء كلام الله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا؟ كلكم تقولون: لا؟
* الطلبة: إي نعم.
* الشيخ: لماذا جعلتم هذا يدل على أن القرآن كلام الله؟ نقول: لأن الكلام صفة لا تقوم بذاتها، لا تقوم إلا بمتكلم، بخلاف الماء وبخلاف الحديد فإنه عين قائمة بنفسها فتكون مخلوقة، وأما القرآن فليس بمخلوق؛ لأنه صفة الخالق عز وجل، والمخلوق شيء بائن عن الخالق، منفصل عنه، لكن الكلام صفة هي فِعْلُه، فليس بمخلوق.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله عز وجل، والإنزال لا يكون إلا من أعلى لأسفل، فإذا كان القرآن كلامه ونزل؛ إذن الله فوق، وهو كذلك، ومذهب أهل السنة والجماعة، بل مذهب الرسل كلهم أن الله تعالى فوق كل شيء، ألم تروا إلى فرعون قال: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [غافر ٣٦، ٣٧]، وهذا يدل على أن موسى قال له: إن الله فوق.
* الطلبة: في السماء.
* الشيخ: والعلو لله عز وجل ثابت بالقرآن، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، خمسة أنواع من الأدلة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، أما الكتاب فأدلته أكثر من أن تُحصى، وهي أدلة متنوعة تارة بذكر العلو، وتارة بالفوقية، وتارة بنزول الأشياء منه، وتارة بصعود الأشياء إليه، وتارة بذكر (في) مثل في السماء، والسنة كذلك متواترة بعلو الله ومتنوعة، فتارة بقول الرسول عليه الصلاة والسلام، وتارة بفعله، وتارة بإقراره، أما قوله: فكان يقول في كل صلاة: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»[[أخرجه مسلم (٧٧٢ / ٢٠٣) من حديث حذيفة.]]، وأما فعله: فقد أشار إلى السماء غير مرة، يشير إلى السماء في الدعاء، يرفع يديه إلى السماء، وأشار إلى السماء حين أشهد ربه على أمته أنهم أقروا بإبلاغه الرسالة، متى؟
* الطلبة: يوم عرفة.
* الشيخ: في حجة الوداع في يوم عرفة، في أكبر مجمع للمسلمين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما إقراره؛ فَسَأَلَ الْجَارِيَةَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم.]]، وأما الإجماع فقد أجمع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى بعدهم على أن الله تعالى فوق كل شيء، ولم يُنقل عن واحد منهم أنه قال: إن الله في كل مكان، ولا أنه قال: إن الله لا يوصف بأنه فوق العالم، ولا تحته ولا داخله ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا مباين ولا محايد، أبدًا ما أحد قال هذا، وأما العقل فإنا لو سألنا أي إنسان: ما تقول في العلو أهو صفة كمال أو نقص؟ لقال: صفة كمال، والعقل يقول: كل صفة كمال فهي ثابتة لله عز وجل، فيثبت العلو لله بدلالة العقل من هذه الناحية ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أما الفطرة فحدِّث ولا حرج، الإنسان الذي لم يتعلم ولا يدري عن كلام العلماء في هذا إذا سأل الله أين يرفع يديه؟
* الطلبة: إلى السماء.
* الشيخ: إلى السماء، ما رأينا أحدًا لما أراد أن يدعو ركز يديه على الأرض أبدًا، ولا روَّح يمين ولا يسار، يرفعها إلى السماء، ولهذا استدل أبو الأعلى الهمداني على أبي المعالي الجويني بهذا الدليل الفطري حتى إن الجويني لم يتمالك أن صرخ وضرب على رأسه وقال: حيرني؛ لأن أبا المعالي الجويني -غفر الله لنا وله- كان يحدث الناس ويقول: كان الله ولا شيء، صح؟ صحيح هذا؟
* الطلبة: نعم، صحيح.
* الشيخ: كان الله ولا شيء، صح، هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآن على ما كان عليه، شوف الكلمة هذه موهمة، ماذا يريد وهو الآن على ما كان عليه؟ يعني غير مستوٍ على العرش؛ لأن العرش لم يكن، وقد كان الله ولا شيء، وهو الآن على ما كان عليه، إذن فلم يستوِ على العرش، فقال له أبو العلاء الهمداني، قال له: يا أستاذ، دعنا من ذكر العرش؛ لأن الاستواء على العرش دليله غير عقلي، لا عقلي ولا فطري، الاستواء على العرش دليله سمعي؛ لأنه لولا أن الله أخبرنا أنه استوى على العرش ما علمنا ذلك، ولا علمنا عن العرش كل ما نعلم عنه، أخبِرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في نفوسنا، ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو، كل واحد بيسأل الله يقول: يا الله، وين يروح قلبه؟ إلى العلو، فصرخ، ضرب على رأسه، قال: حيرني؛ لأنه لا يجد جوابًا عن هذه الفطرة، فعلو الله -ولله الحمد- قد دل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، ولولا قول من اجتالتهم الشياطين ما كان يحلم الإنسان أو يفكر في أن الله تعالى في كل شيء، في كل مكان، أبدًا، ولا يطرأ على باله، ولا يفكر أننا نسلب الله عنه كل صفة، فنقول: لا فوق العالم ولا
تحته، ولا يمين العالم ولا شمال العالم، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا متصلًا بالعالم ولا منفصلًا عن العالم، وين يروح؟ عدم، أعوذ بالله، والغريب أن هؤلاء يرون أنهم نزَّهوا الله، وهم لو قيل لهم: صِفوا لنا العدم، ما وجدت أحسن من هذا الوصف، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا، إذن العلو، علو الله عز وجل ثابت بخمسة أدلة أنواع، ما هي أفراد، أفرادها لا تحصى، لكن أنواعها خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
* طالب: من المتشابهات أوائل السور (...)؟
* الشيخ: ما تقولون في هذا؟ يقول: من المتشابه أوائل السور؟
* الطالب: أقول: منها أوائل.
* طالب: ليس بصحيح.
* الشيخ: إيه أقول: هذا غير صحيح.
* طالب: ليست كل السور أوائلها من المتشابه؟
* الشيخ: لا، يقول: كل أوائل السور من المتشابه أوائل السور اللي بالحروف الهجائية.
* طالب: المقطعة.
* الشيخ: نعم، نقول: هذا غير صحيح؛ لأننا نعلم أن هذه الحروف ليس لها معنى في ذاتها، علمنا هذا من القرآن، قال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)﴾ [الشعراء ١٩٣ - ١٩٥] واللسان العربي المبين لا يجعل لهذه الحروف معنى؛ إذن فلا معنى لها فهي واضحة.
* طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، في قوله ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ قلنا: يعني الصد عن سبيل الله، ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ ما المراد؟
* الشيخ: قال العلماء: معنى ﴿تَأْوِيلِهِ﴾ أي تفسيره على غير مراد الله؛ يعني يريدون أن يفسروه على غير مراد الله، سواء افتتن به الناس أو لم يفتتنوا، فيؤدي إلى الشكوك في أنفسهم، هم أنفسهم أيضًا يتشككون في هذا.
* طالب: ما يكون هنا مراده حسب أيضًا القولين يعني إما أن يكون ابتغاء تأويله يعني الغاية أو التفسير بينهم على الخلاف من قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾.
* الشيخ: إيه، هو معلوم لا بد، هو ما يمكن يفسر إلا على هذا المعنى؛ يعني قصدي أنه ابتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله، هم يقولون: فيما لا يعلمه إلا الله: لا نقول فيه شيئًا، يُمسكون عنه، ولا نعم لو فسروه بغير ما أراد الله، كلّا، إنما هم يتبعون المتشابه لأجل أن يقولوا للناس: تفضل، شوف القرآن متناقض! أو يجيبون آيات مثلًا غير واضحة المعنى، ثم يفسرونها بما يريدون هم.
* طالب: يا شيخ أحسن الله إليك، إذا قلنا: إن ابتغاء تأويله يعني يحرفونه على غير مراد الله عز وجل، ألا يكون نأخذ من هذه الآية أن التأويل يأتي مع التحريف؟
* الشيخ: دي بيجينا إن شاء الله تعالى بالفوائد.
* طالب: يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل ٦٥] هنا الاستثناء متصل؟
* الشيخ: الاستثناء؟ ما فيه شك، هذا استثناء مفرَّغ؛ لأن ﴿اللَّهُ﴾ هو الفاعل.
* الطالب: استثناء ممن؟
* الشيخ: قال: لا يعلم إلا الله، مثل: لا إله إلا الله، هذا استثناء مفرغ؛ يعني لا أحد يعلم إلا الله عز وجل.
* طالب: (...) هل نقول: إنه استثناء (...) لا يعلم من إلا الله.
* الشيخ: الاستثناء المفرغ يكون المقصود به الحصر.
* الطالب: التأويل هنا يا شيخ.
* الشيخ: أنت كأنك يعني أشكل عليك: ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ حتى لو قلنا: ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ فالله تعالى في السماء كما قال عن نفسه، فيكون الله تعالى فوق كل شيء، هو مفرغ ما هو باستثناء متصل، يعني ليس استثناء من المستثنى منه متصل، لا يعلم الغيب إلا الله، ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النمل ٦٥] لا ما هو استثناء، أنا قلت مفرغ خطأ، هذا استثناء صحيح، استثناء من كلام تامّ منفي، فيكون المعنى: لا يعلم من في السماوات ومن في الأرض الغيب إلا الله، هذه بدل مِن (مَنْ)، والبدل كما قال النحويون: هو التابع المقصود بالحكم، فإذا كان هو التابع المقصود بالحكم صار معنى الآية: لا يعلم إلا اللهُ الغيبَ.
* طالب: يعني (الله) مستثنى من (مَنْ)؟
* الشيخ: من (مَنْ)، لكن لما كان بدلًا حيث رُفع الآن صار بدلًا، لما كان بدلًا صار هو المقصود بالحكم، فكأنه لا يعلم الغيب إلا الله، هذا يكون تحليل هذا.
* طالب: التأويل يا شيخ والتفسير هل يساوي علم الله بعلم ﴿الرَّاسِخُون فِي الْعِلْمِ﴾ في التفسير؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: التأويل والتفسير؟
* الشيخ: لا لا، لا يساوي لكنهم يعلمون من التفسير ما لا بد لهم منه.
* الطالب: فإذن لا يعلمه إلا الله.
* الشيخ: وإلا قد لا يعلمون تفسير كل شيء، يعني حتى العلماء الآن تجد بعضهم يستخرج من الآية فائدتين، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أكثر، لكن الشيء الذي لا بد لهم منه من هذا المتشابه يعلمونه.
* الطالب: يعني جاء في القرآن ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ العلم الذي يعلمه الله.
* الشيخ: الشيء الذي لا بد لهم منه لا بد أن يعلموه، لكن الحقائق ما يعلمونها.
* طالب: شيخ، الاستواء في اللغة العربية يعني معروف، لكن الإنسان لو أراد أن يترجمه بأي لغة أخرى لناس ما يعرفون اللغة العربية هل يقع يعني التشبيه؟
* الشيخ: لا، يعني للإيضاح، ما فيه مانع، يعني إذا كنا لا نعرف، إذا كنا نريد أن نُبين أن الاستواء معناه العلو، ونشير إلى واحد نقول: مثل شيء فوق شيء، مثل استواء الإنسان على البعير بالمعنى فقط لا بالكيفية ما فيه شيء.
الله عز وجل، وأن القرآن كلام الله، وأوردنا على ذلك إشكالًا وهو: أن الله تعالى قال: ﴿أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد ٢٥] وقال: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [البقرة ٢٢] وأجبنا عن ذلك، أليس كذلك؟
* من فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن ينقسم إلى محكم ومتشابه لقوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ [آل عمران ٧] ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾. وذكرنا أنه يُشكل على هذا التقسيم أن الله ذكر في آية أخرى أن القرآن كله متشابه، وفي آية ثانية أنه كله محكم، وذكرنا الجمع، كذا؟
* من فوائد الآية الكريمة: وجوب الرجوع إلى المحكم إزاء المتشابه لقوله: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يعني: مرجعه، وهذا -أعني الرجوع إلى المحكم عند وجود المتشابه- لا يختص بالقرآن بل حتى في السنة، إذا وجد أحاديث متشابهة وأحاديث محكمة فالواجب رد المتشابه إلى المحكم ليكون الجميع محكمًا، سواء كان التشابه في مدلولات الألفاظ أو كان التشابه في ثبوت الخبر، وهذا الأخير يختص بالسنة؛ لأن القرآن ليس فيه اشتباه بالنسبة إلى ثبوته، أو كان الاشتباه بأقوال أهل العلم، بمعنى أن العلماء يكون أكثرهم على قول وهو مشتبه عليك بالنسبة للأدلة، فإن الغالب أن الحق يكون مع من هو أوثق وأقرب إلى الكتاب والسنة؛ إما بالعلم أو بالأمانة أو بالكثرة.
* من فوائد الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل في جعله القرآن ينقسم إلى قسمين، وجه الحكمة: أن بهذا يحصل الابتلاء والامتحان؛ فالمؤمن لا يضل بهذا الانقسام، والذي في قلبه زيغ يضل، وهذا كما يمتحن الله العباد بالأوامر والنواهي يمتحنهم أيضًا بالأدلة فيجعل هذا محكمًا وهذا متشابهًا ليتبين المؤمن من غير المؤمن، لو كان القرآن كله محكمًا لم يحصل الابتلاء، ولو كان كله متشابهًا لم يحصل البيان والله سبحانه وتعالى جعل القرآن بيانًا، وجعله محكمًا متشابهًا للاختبار والامتحان، أفهمتم الآن؟
* من فوائد الآية الكريمة: أن من علامة الزيغ أن يتبع الإنسان المتشابه من القرآن سواء تبعه بالنسبة لتصوره فيما بينه وبين نفسه وصار يُورد على نفسه آيات متشابهات، أو كان يتبع ذلك بالنسبة لعرض القرآن على غيره، فيقول للناس مثلًا: ما تقولون في كذا وكذا؟ ويأتي بالآيات المتشابهات بدون أن يحلها، ولهذا من الخطر العظيم أن تُورد سواء للطلبة أو للعامة آيات متشابهة دون أن تبين حل إشكالها؛ لأنك إذا فعلت هذا أوقعتهم في الحيرة والشك، وصرت كمن ألقى الإنسان في بحر لا يستطيع الخلاص منه ولم تخلصه، وهذا يقع من بعض المتحذلقين من طلبة العلم أنه يورد الآيات المتشابهات ثم يقف، يقف ولا يبيِّن للناس وجه هذا التشابه فيوقع الناس في حيرة وهو لا يشعر.
* من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين يتبعون المتشابه تارة يبتغون الفتنة وصد الناس عن دينهم ونزع الثقة من قلوبهم بالنسبة للقرآن لقوله: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾، وتارة يريدون بذلك -أي بعرض هذا المتشابه- أن يحرفوه إلى المعنى الذي يريدون، وذلك لأنهم لو أرادوا أن يحرفوا المحكم ما قُبِلوا، أليس هكذا؟ ولكن يأتون بالمتشابه ليتمكنوا من تحريفه، من تحريفه على ما يريدون؛ لأنه إذا كان متشابهًا فإن المخاطَب الذي يخاطبونه يكون قد اشتبه عليه أمر فيقبل ما جاؤوا به من التحريف، وبهذا يزول الإشكال الذي قد يعرض الإنسان في قوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران ٧]؛ لأن ابتغاء التأويل على الوجه المراد أمر مطلوب، وليس من شأن ذوي الزيغ بل هو من شأن أهل الإيمان، لكن ذوي الزيغ يأتون بهذا المتشابه من أجل أن يحرفوه على ما يريدون؛ لأنه ليس محكمًا واضحًا حتى يعارضهم الناس، لكنه متشابه فيحصل بذلك ما يريدون من التحريف.
وهنا سؤال وهو: أن كثيرًا من المتكلمين قالوا: إن آيات الصفات من المتشابه، وقالوا: إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، فصارت النتيجة أن آيات الصفات لا يُعرف معناها، ولهذا قالوا: إن القول الحق في آيات الصفات هو التفويض، انتبه للمعنى، فقولهم: إن الحق هو التفويض، وأن لا تتكلم فيها بشيء ناتج عن هذين الأمرين: أولًا: أن آيات الصفات من المتشابه، والثاني: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، فتكون النتيجة أن لا نخوض في معاني آيات الصفات؛ لأنها من المتشابه ولا يعلم تأويله إلا الله، وما لا يمكن الوصول إلى علمه لا يجوز الخوض فيه، ولكن نقول: إن هذا القول قول باطل؛ أولًا: أن نقول: ماذا تعنون بالمتشابه؟ أو ماذا تعنون بالتشابه في آيات الصفات؟ إن قالوا: نريد اشتباه المعنى -وهو الذي يريدونه- قلنا: هذا خطأ، لماذا؟ لأن معاني آيات الصفات واضح ومعلوم ولا فيه اشتباه، ليس فيه اشتباه إطلاقًا، كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء غير مجهول، ما هو مجهول لأحد، بل هو معلوم، معلوم لكل أحد، استوى على العرش يعني علا عليه، ما فيه إشكال، وإن أرادوا بالتشابه اشتباه الحقيقة والكيفية فهم صادقون ولكنهم لا يريدون هذا؛ لأنهم لو قالوا: نحن نعلم المعنى ونجهل الحقيقة والكيفية قلنا: هذا مذهب صحيح، لكن يقولون: نحن نجهل المعنى والكيفية والحقيقة، ولهذا سُموا (أهل التفويض)، و(أهل التجهيل)؛ لأنهم يقولون: كل آيات الصفات وأحاديثها غير معلومة لأحد، وأن قراءتنا لها بمنزلة قراءة الأعجمي للخطاب العربي، أو بمنزلة قراءة العربي للخطاب العجمي، أو بمنزلة قراءة الحروف الهجائية: (ألف، باء، تاء، ثاء) إلى آخرها، هذا نظرهم بالنسبة لأيش؟ لآيات الصفات، وهو نظر -بلا شك- خاطئ، كيف نعلم معنى آيات الوضوء، والصلاة والبيع وما أشبهها مما لا يعد شيئًا بالنسبة لصفات الله ونجهل معاني آيات الصفات وهي أوْلى بالعلم من غيرها ولا تمكن العبادة حقًّا إلا بمعرفة صفات الله عز وجل؟
فنقول: أنتم لو أردتم أنها لا تُعرف الحقيقة التي هي عليها، قلنا: صدقتم، أما أن تقولوا: لا يُعرف معناها، وأنها مجهولة، فهذا خطأ، فصار الآن إذا قال قائل: هل آيات الصفات من المتشابه؟ نقول: لا يصح القول بالإطلاق لا نفيًا ولا إثباتًا، مع أنه يمر بكم في كتب أصول الفقه إذا أرادوا أن يمثلوا بالمتشابه قالوا: مثل آيات الصفات، وهذا خطأ؛ لأنه لا بد من التفصيل، إذا أرادوا التشابه المعنوي فهذا خطأ، بل هي من الآيات الواضحة المحكمة، وإن أرادوا اشتباه الحقيقة بأنا لا نعلم كيفية هذه الصفات ولا نحيط بها فهذا حق، لكنهم لا يريدون هذا، إنما يريدون الأول.
* من فوائد الآية الكريمة: فضيلة الرسوخ في العلم، وأيش معنى الرسوخ في العلم؟
* الطلبة: الثبات.
* الشيخ: الثبات فيه والتعمق فيه حتى نصل إلى جذوره لقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ [آل عمران ٧]. ضد الرسوخ في العلم السطحية في العلم، وما أكثر السطحية اليوم فينا، أكثر الناس اليوم علومهم سطحية، ولهذا تجدهم إذا ألَّفوا أو كتبوا يكثرون من النقول؛ لأن ما عندهم حصيلة، قال فلان، وقال فلان، وقال فلان، لسبب أنه ليس عندهم حصيلة علمية، لا يستطيع الإنسان أن يعبر؛ لأنه ما عنده علم فيجعل نفسه في حِل من الكلام، ويأتي بقال فلان، ويستدل لك وجهًا كاملًا أو أكثر من ذلك، وإذا رجعت إلى أهل العلم، أهل العلم حقًّا وجدت أنهم يتكلمون بالعلم من صدورهم بدون نقل، ولهذا تجد أحيانًا عباراتهم تخالف عبارات العلماء الآخرين، ومن أجلى ما يكون وأوضح كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، تجد أنهم يتكلمون عن علم راسخ وأمثالهم كثير، لكن القصد أن هذا من أوضح ما مر بي، إن الرسوخ في العلم يجعل الإنسان كأن العلم ينبع من قلبه، أما السطحي هذا الذي يكون ظلًّا على الرأس فقط فهذا فائدة مُتعلِّمه قليلة.
من * فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يكون راسخًا في العلم لا جامعًا كثيرًا منه؛ لأن العبرة الرسوخ في العلم، فإن الإنسان إذا كان عنده رسوخ في العلم صار عنده ملكة يستطيع أن يقرب العلم بعضه من بعض ويقيس ما لم يُنص عليه على ما نص عليه، ويكون العلم لديه كالطبيعة الراسخة.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الراسخين في العلم يعلمون أن الذي من عند الله لا يكون فيه تناقض لقوله: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران ٧].
* من فوائد الآية الكريمة: أن مقتضى الربوبية أن الله تعالى ينزل على عباده كتابًا لا يكون فيه اختلاف يوقعهم في الشك والاشتباه لقولهم: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ وما كان من عند الرب المعتني بعباده بربوبيته فلن يكون فيه شيء يتناقض ويختلف.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه لا يتذكر بهذا القرآن ولا بغيره إلا أصحاب العقول لقوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران ٧].
* من فوائد الآية الكريمة: أنه كلما ازداد الإنسان عقلًا ازداد تذكرًا بكلام الله عز وجل، وكلما نقص تذكره بالقرآن دل على نقص -أيش- عقله؛ لأنه إذا كان الله حصر التذكر بأولي الألباب فإنه يقتضي انتفاء هذا التذكر عمن ليس عنده لبّ.
* من فوائد الآية الكريمة: أن العقول غير الذكاء، أي: أن العقل غير الذكاء؛ لأننا نجد كثيرًا من الناس أذكياء، ولكن لا يتذكرون بالقرآن، إذن هؤلاء لا نسميهم عقلاء، لكن الذي انتفى عنهم من العقل هو عقل الإدراك أو التصرف؟
* الطلبة: التصرف.
* الشيخ: عقل التصرف والرشد، أما الإدراك فهم يدركون، ولهذا تقوم عليهم الحُجة.
* من فوائد الآية الكريمة: أن من القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله على قراءة الوقف ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران ٧]. فإن قال قائل: ما الفائدة في تنزيل شيء لا يُعلم تأويله؟ قلنا: الفائدة امتحان العباد بتأدبهم مع الله عز وجل، هل يحاولون أن يصلوا إلى شيء لا تدركه عقولهم أو يقفون على حدود ما تدركه عقولهم؛ لأن من الناس من يذهب ويتجرأ على محاولة إدراك ما لا يصل إليه العقل، ومن الناس من يتأدب، فإذا وصل إلى ما لا يبلغه العقل وقف.
* من فوائد الآية الكريمة: سعة علم الله عز وجل لقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ على قراءة الوقف.
* ومن فوائدها أيضًا: أن كلام الله عز وجل يختلف: منه محكم، ومنه متشابِه، ومنه أمر، ومنه نهي، ومنه خبر، ومنه استخبار، إلى أنواع لا يحصيها إلا الله، خلافًا لمن قال: إن كلام الله نوع واحد، وأن اختلاف السور أو الصيغ لا يدل على تنوعه واختلافه مثل: الأشاعرة؛ لأن الأشاعرة يرون أن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وأنه شيء واحد إن عُبِّر عنه بالعربية صار قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرية صار توراة، وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلًا، وإن أتى بصيغة النهي صار نهيًا وهكذا، أو إن عبر عنه بصيغة النهي صار نهيًا، وإن عبر عنه بصيغة الأمر صار أمرًا، وإلا فهو شيء واحد، ولا شك أن هذا قول يبطله العقل والسمع.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق