الباحث القرآني
﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ تَمَّ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: إلّا اللَّهُ، ومَعْناهُ أنَّ اللَّهَ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ تَأْوِيلَ المُتَشابِهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وأُبَيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، وعائِشَةَ، والحَسَنِ، وعُرْوَةَ، وعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وأبِي نَهِيكٍ الأسَدِيِّ، ومالِكِ بْنِ أنَسٍ، والكِسائِيِّ، والفَرّاءِ، والجُبّائِيِّ، والأخْفَشِ، وأبِي عُبَيْدٍ، واخْتارَهُ: الخَطّابِيُّ والفَخْرُ الرّازِيُّ.
ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿والرّاسِخُونَ﴾ مُبْتَدَأً، و(يَقُولُونَ) خَبَرٌ عَنْهُ، وقِيلَ: (والرّاسِخُونَ) مَعْطُوفٌ عَلى اللَّهِ (وهم يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ) و(يَقُولُونَ) حالٌ مِنهم أيْ: قائِلِينَ، ورُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا، ومُجاهِدٍ والرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ، ومُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وأكْثَرِ المُتَكَلِّمِينَ، ورُجِّحَ الأوَّلُ بِأنَّ الدَّلِيلَ إذا دَلَّ عَلى غَيْرِ الظّاهِرِ عُلِمَ أنَّ المُرادَ بَعْضُ المَجازاتِ، ولَيْسَ التَّرْجِيحُ لِبَعْضٍ إلّا بِالأدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ، وهي ظَنِّيَّةٌ، والظَّنُّ لا يَكْفِي في القَطْعِيّاتِ، ولِأنَّ ما قَبْلَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى ذَمِّ طالِبِ المُتَشابِهِ، ولَوْ كانَ جائِزًا لَما ذُمَّ بِأنَّ طَلَبَ وقْتِ السّاعَةِ تَخْصِيصُ بَعْضِ المُتَشابِهاتِ، وهو تَرْكٌ لِلظّاهِرِ، ولا يَجُوزُ، ولِأنَّهُ مَدَحَ الرّاسِخِينَ في العِلْمِ بِأنَّهم قالُوا ﴿آمَنّا بِهِ﴾ ولَوْ كانُوا عالِمِينَ بِتَأْوِيلِ المُتَشابِهِ عَلى التَّفْصِيلِ لَما كانَ في الإيمانِ بِهِ مَدْحٌ؛ لِأنَّ مَن عَلِمَ شَيْئًا عَلى التَّفْصِيلِ لا بُدَّ أنْ يُؤْمِنَ بِهِ، وإنَّما الرّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ بِالدَّلِيلِ العَقْلِيِّ أنَّ المُرادَ غَيْرُ الظّاهِرِ، ويُفَوِّضُونَ تَعْيِينَ المُرادِ إلى عِلْمِهِ تَعالى، وقَطَعُوا أنَّهُ الحَقُّ، ولَمْ يَحْمِلْهم عَدَمُ التَّعْيِينِ عَلى تَرْكِ الإيمانِ، ولِأنَّهُ لَوْ كانَ (الرّاسِخُونَ)، مَعْطُوفًا عَلى (اللَّهُ) لَلَزِمَ أنْ يَكُونَ (يَقُولُونَ) خَبَرَ مُبْتَدَأٍ وتَقْدِيرُهُ: هَؤُلاءِ أوْ هم، فَيَلْزَمُ الإضْمارُ، أوْ حالًا، والمُتَقَدِّمُ (اللَّهُ والرّاسِخُونَ) فَيَكُونُ حالًا مِنَ الرّاسِخِينَ فَقَطْ، وفِيهِ تَرْكٌ لِلظّاهِرِ، ولِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ يَقْتَضِي فائِدَةً، وهو أنَّهم آمَنُوا بِما عَرَفُوا بِتَفْصِيلِهِ وما لَمْ يَعْرِفُوهُ، ولَوْ كانُوا عالِمِينَ بِالتَّفْصِيلِ في الكُلِّ عُرِّيَ عَنِ الفائِدَةِ، ولَمّا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ تَفْسِيرَ القُرْآنِ عَلى أرْبَعَةِ أوْجُهٍ:
تَفْسِيرٌ لا يَقَعُ جَهْلُهُ.
وتَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ العَرَبُ بِألْسِنَتِها.
وتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ العُلَماءُ.
وتَفْسِيرٌ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ تَعالى.
وسُئِلَ مالِكٌ، فَقالَ: الِاسْتِواءُ مَعْلُومٌ، والكَيْفِيَّةُ مَجْهُولَةٌ، والإيمانُ بِهِ واجِبٌ، والسُّؤالُ عَنْهُ بِدَعَةٌ، انْتَهى ما رُجِّحَ بِهِ القَوْلُ الأوَّلُ، وفي ذَلِكَ نَظَرٌ، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ قِراءَةُ أُبَيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، فِيما رَواهُ طاوُسٌ عَنْهُ ﴿إلّا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ وقِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ (وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ إنَّ تَأْوِيلَهُ إلّا عِنْدَ اللَّهِ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ) . ورَجَّحَ ابْنُ فُورَكَ القَوْلَ الثّانِيَ وأطْنَبَ في ذَلِكَ.
وفِي قَوْلِهِ (p-٣٨٥)ﷺ - لِابْنِ عَبّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ وعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» ما يُبَيِّنُ ذَلِكَ، أيْ: عَلِّمْهُ مَعانِيَ كِتابِكَ، وكانَ عُمَرُ إذا وقَعَ مُشْكِلٌ في كِتابِ اللَّهِ يَسْتَدْعِيهِ ويَقُولُ لَهُ: غَصَّ غَوّاصٍ، ويَجْمَعُ أبْناءَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، ويَأْمُرُهم بِالنَّظَرِ في مَعانِي الكِتابِ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إذا تَأمَّلْتَ قُرْبَ الخِلافِ مِنَ الِاتِّفاقِ، وذَلِكَ أنَّ الكِتابَ مُحْكَمٌ ومُتَشابِهٌ، فالمُحَكَمُ المُتَّضِحُ لِمَن يَفْهَمُ كَلامَ العَرَبِ مِن غَيْرِ نَظَرٍ، ولا لَبْسٍ فِيهِ، ويَسْتَوِي فِيهِ الرّاسِخُ وغَيْرُهُ، والمُتَشابِهُ مِنهُ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، كَأمْرِ الرُّوحِ، وآمادِ المُغَيَّباتِ المُخْبَرِ بِوُقُوعِها، وغَيْرِ ذَلِكَ، ومِنهُ ما يُحْمَلُ عَلى وُجُوهٍ في اللُّغَةِ، فَيَتَأوَّلُ عَلى الِاسْتِقامَةِ كَقَوْلِهِ في عِيسى: ﴿ورُوحٌ مِنهُ﴾ [النساء: ١٧١] إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ولا يُسَمّى راسِخًا إلّا مَن يَعْلَمُ مِن هَذا النَّوْعِ كَثِيرًا بِحَسَبِ ما قُدِّرَ لَهُ، وإلّا فَمَن لا يَعْلَمُ سِوى المُحْكَمِ فَلَيْسَ بِراسِخٍ.
فَقَوْلُهُ: ﴿إلّا اللَّهُ﴾ مُقْتَضٍ بِبَدِيهَةِ العَقْلِ أنَّهُ تَعالى يَعْلَمُهُ عَلى اسْتِيفاءِ نَوْعَيْهِ جَمِيعًا، والرّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ النَّوْعَ الثّانِي، والكَلامُ مُسْتَقِيمٌ عَلى فَصاحَةِ العَرَبِ، ودَخَلُوا بِالعَطْفِ في عِلْمِ التَّأْوِيلِ كَما تَقُولُ: ما قامَ لِنَصْرِي إلّا فُلانٌ وفُلانٌ، وأحَدُهُما نَصَرَكَ بِأنْ ضارَبَ مَعَكَ، والآخَرُ أعانَكَ بِكَلامٍ فَقَطْ.
وإنْ جَعْلَنا ﴿والرّاسِخُونَ﴾ مُبْتَدَأً مَقْطُوعًا مِمّا قَبْلَهُ، فَتَسْمِيَتُهم راسِخِينَ يَقْتَضِي أنَّهم يَعْلَمُونَ أكْثَرَ مِنَ المُحْكَمِ الَّذِي اسْتَوى في عِلْمِهِ جَمِيعُ مَن يَفْهَمُ كَلامَ العَرَبِ، وفي أيِّ شَيْءٍ رُسُوخُهم إذا لَمْ يَعْلَمُوا إلّا ما يَعْلَمُ الجَمِيعُ ؟ وما الرُّسُوخُ إلّا المَعْرِفَةُ بِتَصارِيفِ الكَلامِ، ومَوارِدِ الأحْكامِ، ومَواقِعِ المَواعِظِ ؟
وإعْرابُ: الرّاسِخِينَ، يَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ، ولِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ بِهِما، ومَن فَسَّرَ المُتَشابِهَ بِأنَّهُ ما اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَقَطْ، فَتَفْسِيرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأنَّهُ تَخْصِيصٌ لِبَعْضِ المُتَشابِهِ، انْتَهى، وفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ، وفِيهِ اخْتِيارُهُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى (اللَّهُ) وإيّاهُ اخْتارَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قالَ: لا يَهْتَدِي إلى تَأْوِيلِهِ الحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ إلّا اللَّهُ وعِبادُهُ الَّذِينَ رَسَخُوا في العِلْمِ، أيْ ثَبَتُوا فِيهِ وتَمَكَّنُوا، وعَضُّوا فِيهِ بِضِرْسٍ قاطِعٍ، و(يَقُولُونَ) كَلامٌ مُسْتَأنَفٌ مُوَضِّحٌ لِحالِ الرّاسِخِينَ، بِمَعْنى: هَؤُلاءِ العالَمُونَ بِالتَّأْوِيلِ يَقُولُونَ: (آمَنّا بِهِ) أيْ: بِالمُتَشابِهِ، انْتَهى كَلامُهُ.
وتَلَخَّصَ في إعْرابِ ﴿والرّاسِخُونَ﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: (اللَّهُ) ويَكُونُ في إعْرابِ (يَقُولُونَ) وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والثّانِي: أنَّهُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِنَ الرّاسِخِينَ، كَما تَقُولُ: ما قامَ إلّا زَيْدٌ وهِنْدٌ ضاحِكَةً.
والثّانِي مِن إعْرابِ (والرّاسِخُونَ) أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ: (يَقُولُونَ) خَبَرًا عَنْهُ، ويَكُونُ مِن عَطْفِ الجُمَلِ.
وقِيلَ: ﴿الرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ [النساء: ١٦٢] مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلّامٍ وأصْحابِهِ، بِدَلِيلِ ﴿لَكِنِ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ مِنهُمْ﴾ [النساء: ١٦٢] يَعْنَي الرّاسِخِينَ في عِلْمِ التَّوْراةِ، وهَذا فِيهِ بُعْدٌ، وقَدْ فُسِّرَ الرُّسُوخُ في العِلْمِ بِما لا تَدُلُّ عَلَيْهِ اللُّغَةُ، وإنَّما هي أشْياءُ نَشَأتْ عَنِ الرُّسُوخِ في العِلْمِ، كَقَوْلِ نافِعٍ: الرّاسِخُ المُتَواضِعُ لِلَّهِ، وكَقَوْلِ مالِكٍ: الرّاسِخُ في العِلْمِ العامِلُ بِما يَعْلَمُ، المُتَّبِعُ.
﴿كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ هَذا مِنَ المَقُولِ، ومَفْعُولُ (يَقُولُونَ) قَوْلُهُ: ﴿آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾ وجُعِلَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ كَأنَّها مُسْتَقِلَّةٌ بِالقَوْلِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَكْ بَيْنَهُما بِحَرْفِ العَطْفِ، أوْ جُعِلا مُمْتَزِجَيْنِ في القَوْلِ امْتِزاجَ الجُمْلَةِ الواحِدَةِ، نَحْوُ قَوْلِهِ:
؎كَيْفَ أصْبَحْتَ كَيْفَ أمْسَيْتَ مِمّا يَزْرَعُ الوِدَّ في فُؤادِ الكَرِيمِ
كَأنَّهُ قالَ: هَذا الكَلامُ مِمّا يَزْرَعُ الوِدَّ، والضَّمِيرُ في: بِهِ، يَحْتَمِلُ أنْ يَعُودَ عَلى المُتَشابِهِ، وهو الظّاهِرُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَعُودَ عَلى الكِتابِ. والتَّنْوِينُ في (كُلٌّ) لِلْعِوَضِ مِنَ المَحْذُوفِ، فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الكِتابِ، أيْ: كُلُّهُ مِن عِنْدِ رَبِّنا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيُرُ: كُلُّ واحِدٍ مِنَ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وإذا كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ فَلا تَناقُضَ ولا اخْتِلافَ، وهو حَقٌّ يَجِبُ أنْ يُؤْمَنَ بِهِ، وأضافَ العِنْدِيَّةَ إلى قَوْلِهِ: (رَبِّنا) لا إلى غَيْرِهِ مِن أسْمائِهِ تَعالى لِما في الإشْعارِ بِلَفْظَةِ الرَّبِّ مِنَ النَّظَرِ في مَصْلَحَةِ عَبِيدِهِ، فَلَوْلا أنَّ في المُتَشابِهِ مَصْلَحَةً ما (p-٣٨٦)أنْزَلَهُ تَعالى، ولَجَعَلَ كِتابَهُ كُلُّهُ مُحْكَمًا.
﴿وما يَذَّكَّرُ إلّا أُولُو الألْبابِ﴾ أيْ: وما يَتَّعِظُ بِنُزُولِ المُحْكَمِ والمُتَشابِهِ إلّا أصْحابُ العُقُولِ؛ إذْ هُمُ المُدْرِكُونَ لِحَقائِقِ الأشْياءِ، ووَضْعِ الكَلامِ مَواضِعِهِ، ونَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّ ما أشْتَبَهَ مِنَ القُرْآنِ فَلا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِ بِالعَقْلِ الَّذِي جُعِلَ مُمَيِّزًا لِإدْراكِ الواجِبِ والجائِزِ والمُسْتَحِيلِ، فَلا يُوقَفُ مَعَ دَلالَةِ ظاهِرِ اللَّفْظِ، بَلْ يُسْتَعْمَلُ في ذَلِكَ الفِكْرُ حَتّى لا يُنْسَبَ إلى البارِئِ تَعالى، ولا إلى ما شَرَعَ مِن أحْكامِهِ ما لا يَجُوزُ في العَقْلِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أيْ، ما يَقُولُ هَذا ويُؤْمِنُ بِهِ، ويَقِفُ حَيْثُ وقَفَ، ويَدَعِ اتِّباعَ المُتَشابِهِ إلّا ذُو لُبٍّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَدْحٌ لِلرّاسِخِينَ بِإلْقاءِ الذِّهْنِ وحُسْنِ التَّأمُّلِ.
﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ [آل عمران: ٨] ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا مِن جُمْلَةِ المَقُولِ أيْ: يَقُولُونَ رَبَّنا، وكَأنَّهم لَمّا رَأوُا انْقِسامَ النّاسِ إلى زائِغٍ، ومُتَذَكِّرٍ مُؤْمِنٍ، دَعَوُا اللَّهَ تَعالى بِلَفْظِ الرَّبِّ أنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَهم بَعْدَ هِدايَتِهِمْ، فَيَلْحَقُوا بِمَن في قَلْبِهِ زَيْغٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ تَعالى عَلَّمَهم هَذا الدُّعاءَ، والتَّقْدِيرُ: قُولُوا رَبَّنا.
ومَعْنى الإزاغَةِ هُنا الضَّلالَةُ، وفي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ تَعالى رَدٌّ عَلى المُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ لا يُضِلُّ، إذْ لَوْ لَمْ تَكُنِ الإزاغَةُ مِن قِبَلِهِ تَعالى لَما جازَ أنْ يُدْعى في رَفْعِ ما لا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: لا تُكَلِّفْنا عِبادَةً ثَقِيلَةً تَزِيغُ بِها قُلُوبُنا، وهَذا القَوْلُ فِيهِ التَّحَفُّظُ مِن خَلْقِ اللَّهِ الزَّيْغَ والضَّلالَةَ في قَلْبِ أحَدٍ مِنَ العِبادِ. وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: سَألُوا أنْ لا يَزِيغُوا، فَيُزِيغَ اللَّهُ قُلُوبَهم، نَحْوُ: ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] أيْ: ثَبِّتْنا عَلى هِدايَتِكَ، وأنْ لا نَزِيغَ، فَنَسْتَحِقَّ أنْ تُزِيغَ قُلُوبَنا، وهَذِهِ نَزْغَةٌ اعْتِزالِيَّةٍ، كَما قالَ الجُبّائِيُّ: لا تَمْنَعْها الألْطافَ الَّتِي بِها يَسْتَمِرُّ القَلْبُ عَلى صِفَةِ الإيمانِ، ولَمّا مَنَعَهُمُ الألْطافَ لِاسْتِحْقاقِهِمْ مَنَعَ ذَلِكَ، جازَ أنْ يُقالَ: أزاغَهم، ويَدُلُّ عَلَيْهِ: فَلَمّا زاغُوا، وقالَ الجُبّائِيُّ أيْضًا: لا تُزِغْنا عَنْ جَنَّتِكَ وثَوابِكَ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: احْرُسْنا مِنَ الشَّيْطانِ وشَرِّ أنْفُسِنا حَتّى لا نَزِيغَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لا تُبْلِنا بِبَلايا تَزِيغُ فِيها قُلُوبُنا، أوْ لا تَمْنَعْنا ألْطافَكَ بَعْدَ أنْ لَطَفْتَ بِنا، انْتَهى.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق