الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ﴾ إلى قوله: ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾ اختلف المفسرون في المُحْكَمِ والمُتَشابِه.
واختلفت (فيهما) [[في (ج): (فيها).]] الروايات عن ابن عبّاس، فقال في روايةِ عَطِيّة: المُحْكَم: الناسخ الذي يُعمل به. والمُتشابه: المَنْسُوخُ الذي يُؤمَنُ به، ولا يُعمل [به] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج).
وهذا الأثر عن ابن عباس من رواية عَطِية، في "تفسير الطبري" 3/ 172، "تفسير الثعلبي" 2/ 5/ ب، "الدر المنثور" للسيوطي: 3/ 8. وسند هذا الأثر عن ابن عباس من طريق عطية قال عنه الشيخ أحمد شاكر: (إسنادٌ مُسَلْسَلٌ بالضعفاء). انظر: "تفسير الطبري" 1/ 263 هامش (1) (ط. شاكر)، وقد تكلم على السَّنَدِ بإسهاب. وانظر كذلك السندَ، في "تفسير الثعلبي" 1/ 4 أ. وقد أخرج الطبريُ أثرًا آخرَ عن ابن عباس، في نفس المعنى من رواية السُّدِّي الكبير، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 172، وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على سنده، في: 1/ 156 - 160 هامش (2) (ط. شاكر).]]. وهذا قول قتادة، والربيع [[انظر الأثر عنهما في "تفسير القرآن" لعبد الرزاق الصنعاني (تحقيق د. مصطفى مسلم): 1/ 115، "تفسير الطبري" 3/ 172، "تفسير الثعلبي" 3/ 5 ب، "تفسير البغوي" 1/ 17، " المحرر الوجيز" 3/ 17 - 18.]].
وقال في رواية عطاء: المُحْكَمَات: (هي) [[(هي): ساقطة من: (ج).]] الثلاثُ (الآيات) [[في (ب): (آيات).]] في (آخر) [[في (ج): (أواخر).]] سورة الأنعام: ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ [الأنعام: 151]، إلى آخر الآيات الثلاث [[لم أجد هذا الأثر عن ابن عباس من رواية عطاء فيما رجعت إليه من مصادر، وإنما الوارد عنه هو من رواية أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن قيس. وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك" 2/ 288، وصححه، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 592 كما أورده السيوطيُّ في "الدر المنثور" 2/ 6، وعزا إخراجه لسعيد بن منصور، وابن مردوية وورد من نفس الطريق بلفظ آخر: (قال: هي الثلاث الآيات، مِنْ ههنا: ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ [الأنعام: 151]، إلى ثلاث آيات، والتي في (بني إسرائيل): ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23] إلى آخر الآيات). أخرجه الطبريُّ في "تفسيره" 3/ 172، وابن أبي حاتم 2/ 592، والثعلبي 3/ 5/ ب، من رواية أبي إسحاق.
وأورده السيوطيُّ في "الدر المنثور" 2/ 6 وزاد نسبة إخراجه لعبد بن حميد، وابن المنذر. وانظر: "الإتقان" له: 3/ 5. وقال ابن عطية فى "المحرر الوجيز" 3/ 17 - 18: (وهذا عندي مِثالٌ أعطاه في المُحكَمَات).]].
﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ يريد: (التي) [[في (ج): (الذي).]] تشابهت اليهود؛ وهي حُرُوف التَّهَجِّي في أوائل السُّوَرِ؛ وذلك أنهم أوَّلُوها على حِسَابِ الجُمَّلِ، وطلبوا أن يَسْتَخرِجوا منها مُدَّة بقاء هذه الأمَّةِ، فاختلط عليهم واشْتَبَه [[موقف اليهود من حروف أوائل السور، ورد في أثر طويل رواه محمد بن إسحاق، عن الكَلْبِيُّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله، وروايته له بصيغة التمريض؛ حيث قال: (.. فيما ذُكر لي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله ..). انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 170 - 171. فسنده ضعيف لِمَا فيه مِنْ مجهول. وأخرجه الطبري في "تفسيره" 3/ 174، وقال عنه الشيخ أحمد شاكر: (ضعيف الإسناد). وقد أورد شاكر أسانيد هذا الأثر وبَيَّن اضطرابَها، ثم قال: (وعندي أن هذا الاضطراب، إنما هو من ابن إسحاق، أو لَعَلَّه رواهُ بهذه الأسانيد كمَا سَمِعَه، وكلها ضعيف مضطرب). "تفسير الطبري" 1/ 179 (ط. شاكر). وأورده الثعلبي في "تفسيره" 3/ 6 ب، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 370، وقال عنه: (مداره== على محمد بن السائب الكلبي، وهو مِمَّن لا يُحتج بما انفرد به). وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 8، وأشار إلى ضعفه، والشوكانى في "فتح القدير" 1/ 480 وَرَدَّه هذا وقد استدل الطبري بهذه الرواية على أن هذه الحروف هي من حساب الجُمّل، مع أن الرواية التي أوردها مدارها على الكلبي، الذي ضعفه الطبري نفسُهُ، وعدّه ممن لا يجوز الاحتجاج بنقله. وقال عنه ابن تيمية: (فهذا نقلٌ باطلٌ)، وبيَّن بطلانَه من ثلاثة وجوه، منها: أنه من رواية الكلبي. وقال ابن كثير: (وأمّا مَنْ زَعَم أنها دالَةٌ على معرفة المُدَدِ، وأنه يُستخرجُ من ذلك أوقاتُ الحوادث والفِتَنِ والمَلاحِمِ، فقد ادّعَى ما ليس له، وطار في غير مطاره)، ثم قال: (كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحًا أن يُحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإنْ حُسِبت مع التكرار فأطم وأعظم). انظر: "تفسير الطبري" 3/ 175، "تفسير سورة الإخلاص" لابن تيمية: 191. "تفسير ابن كثير" 1/ 370.]].
وهذا القول، اختيار الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 190.]].
وقال في رواية الوالبي [[يريد المؤلف بـ (الوالبي) والله أعلم: علي بن أبي طلحة، الراوي عن ابن عباس، وهكذا سماه الثعلبي شيخ المؤلف في مقدمة تفسيره "الكشف والبيان" 1/ 5 أ، وساق سنده إليه، فقال: (.. أن معاوية بن صالح حدثه عن علي بن طلحة [هكذا في المخطوط، والصواب: ابن أبي طلحة] الوالبي، عن ابن عباس)، وهو نفس السند الذي روى به ابن أبي طلحة التفسير عن ابن عباس، وهو نفس السند الذي جاءت به هذه الرواية عنه في هذا الموضع في "تفسير الطبري" "تفسير ابن أبي حاتم". ولم أقف في المصادر التي رجعت إليها، على مَنْ سَمَّاه بـ (الوالبي) سوى الثعلبي والواحدي، والزركشي في "البرهان" 2/ 158.
وهو: علي بن أبي طلحة "سالم" بن المخارق الهاشمي، أبو الحسن. أرسل عن ابن عباس ولم يره، عالم بالتفسير، رواه عن ابن عباس مرسلًا، والواسطة بينهما مجاهد، أو سعيد بن جبير. وتُعَدُّ هذه الطريقة إلى ابن عباس في التفسير من أقوى== الطرق إليه. واعتمد عليها البخاريُّ في صحيحه قال الإمام أحمد: (بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا، ما كان كثيرًا) مات سنة (143هـ). انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 191، و"المراسيل" 140، و"تاريخ بغداد" 11/ 428، و"ميزان الاعتدال" 3/ 143، و"تهذيب التهذيب" 7/ 339، و"الإتقان" 2/ 414 - 415.]]: محكمات القرآن: ما فيه من الحلال والحرام، والحُدُود والفرائض، مِمّا يُعمل به. والمتشابهات: مُقَدَّمُه ومُؤَخَّرُه، وأمثالُهُ وأقسامه، وما يُؤمَنُ به (ولا يُعمل به) [[في (ج): (وما لم يُعمل به) والأثر أخرجه الطبري في "تفسيره" 3/ 172، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 593، والبغوي في "تفسيره" 2/ 8. وأورده السيوطى في "الدر" 2/ 9، وزاد نسبة إخراجه كذلك لابن المنذر، وأورده كذلك في: "الإتقان": 3/ 4.]].
وقال ابن كَيْسَان [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 6 ب، وأورده بالمعنى النحاسُ في "معاني القرآن" له: 1/ 345. وابن كسيان، أكثر من واحد، وهو هنا: عبد الرحمن بن كيسان، أبو بكر الأصم المعتزلي. كان من أفصح الناس، وأورعهم، وأفقههم، وله تفسير للقرآن، وكتب كثيرة ذكرها ابن النديم. قال ابن حجر: (هو من طبقة أبي الهذيل العلاف، وأقدم منه)، توفي سنة (200 هـ)، وقيل: (201 هـ). وقد نَصّ الثعلبيُّ على اسمه في مقدمة تفسيره "الكشف والبيان" وجعله من مصادره، وعليه اعتمد الواحديُّ. انظر: "الفهرست" لابن النديم: 120، "لسان الميزان" لابن حجر: 4/ 288، "طبقات المفسرين" للداودي: 1/ 274، "تفسير الثعلبي" (المقدمة) 1/ 10.]]: المُحْكَمَات: حُجَجُها واضحةٌ، ودَلائِلُها لائحة، (لا) [[في (ج): (ولا).]] حاجة بمن سمعها إلى طلب معانيها. والمتشابه: ما يُدرَك عِلْمُهُ بالنظر. وهذا القول؛ اختيار أبي إسحاق؛ لأنه حكى هذا القول، وقال [[في "معاني القرآن وإعرابه" له: 1/ 376. نقله عنه باختصار وتصرف يسير.]]: معنى ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾: أي: أُحكِمت في الإبانة، فإذا سمعها السامعُ لَمْ يَحْتَجْ إلى تأويلها؛ لأنها ظاهرة بَيِّنةٌ؛ نحو: ما قَصّ اللهُ تعالى مِنْ أقاصيص الأنبياء، مِمّا اعترف به أهلُ الكِتَاب، وما أخبر اللهُ جلّ وعزَّ به مِنْ إنشاءِ الخَلْقِ، في قوله: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ [المؤمنون: 14] الآية. ومِنْ خَلْقِهِ مِنَ الماءِ (كلَّ) [[في (ج): (كل كل).]] شيءٍ (حَيٍّ) [[(حي): ساقطة من: (د).]]، وما خلق مِنَ الثمار، وهذا (ما) [[في (ب): (مما).]] لَمْ يُنْكِروا، (وأنكروا) [[في (ج): (ولو أنكروا).]] ما احتاجوا فيه إلى النَّظَرِ مِنْ أنَّ اللهَ يبعثهم بعد أنْ يَصِيروا تُرابًا، (ولُوْ نَظَرُوا وتَدَبَّروا) [[(ولو نظروا وتدبروا): ساقطة من: (ج).]] لَصَارَ المُتَشابِهُ عندهم كالظاهر؛ لأنَّ مَنْ قَدَرَ على الإنشاء أوّلًا، قَدَرَ على الإعادَةِ.
وقد نَبَّهَ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا﴾ [يونس: 79].
وقال محمد بن جعفر بن الزبير [[هو: محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي المدني. من أتباع التابعين، كان من فقهاء أهل المدينة، ثقة، مات ما بين (110 هـ و 12 هـ). انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 221، "تهذيب التهذيب" 3/ 530، "تقريب التهذيب" ص 471 (5782).]]: المُحْكَم: ما لا يَحْتَمِل مِنَ التأويل غير وَجْهٍ واحدٍ. والمُتَشابه: ما احتمل من التأويل أوجُهًا [[هذا معنى كلام محمد بن جعفر، ذكره: الطبري في "تفسيره" 3/ 173، ولفظه عنده من رواية محمد بن إسحاق: (قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾: فيهن حُجَّةُ الرَّبِّ، وعصمةُ العباد، ودفعُ الخصوم والباطل؛ ليس لها تصريف ولا تحريف عما وُضِعت عليه. ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾: في الصدق؛ لَهُنَّ تصريفٌ وتحريف وتأويل، ابتلى اللهُ فيهن العبادَ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام؛ لا يُصرَفْنَ إلى الباطل، ولا يُحرفن عن الحق).== وانظر: "تفسير الثعلبي" 3/ 6 أ، "تفسير البغوي" 2/ 8، "تفسير القرطبي" 4/ 10، "الدر المنثور" 2/ 7. وقال ابنُ عَطيَّة في "المحرر الوجيز" 3/ 18: (وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية).]]. وهذا اختيار ابن الأنباري، وكثيرٍ مِنَ العلماء [[ونسبه الماورديُّ، وابنُ الجوزي للشافعي رحمه الله. انظر: "النكت والعيون" 1/ 369، "زاد المسير" 1/ 381.]].
[و] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج).]] قال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]: الآية المُحْكَمَةُ: التي مَنَعَتْ كَثْرَةَ التأويلات؛ لأنها لا تَحْتَمِلُ إلّا تفسيرًا واحدا.
والعرب تقول [[من قوله: (والعرب ..) إلى نهاية بيت الشعر: (.. أحكموا سفهاءكم): نقله بتصرف واختصار عن "تهذيب اللغة" للأزهري: 1/ 886.]]: (حَكَمتُ) و (أحكمتُ) و (حَكَّمْتُ)؛ بمعنى: (رَدَدْت) [[في (أ): رَدّدت. والمثبت من: بقية النسخ، ومن "التهذيب".]]، ومَنَعْتُ. والحاكم يَمْنَعُ (الظالمَ) [[في (ج): (الظلم).]] من الظُلْم.
قال الأصمعي [[قوله: في "جمهرة اللغة" لابن دريد: 1/ 143 (أبواب النوادر)، وفي "تهذيب اللغة" كما سبق.]]: وأصلُ الحُكُومَةِ: رَدُّ الرَّجُلِ عَنِ الظُّلْمِ، ومِنْهُ قولُ لَبِيد:
أَحْكَمَ الجِنْثِيَّ مِنْ عَوْراتِها ... كُلُّ حِرْباءٍ إذا أُكْرِهَ صَلْ [[البيت في "ديوان لبيد" 192. وقد ورد منسوبًا له، في: كتاب "المعاني الكبير" لابن قتيبة: 2/ 1030، "جمهرة اللغة" لابن دريد: 1/ 143، "تهذيب اللغة" 1/ 886 (حكم)، "شرح الأبيات المشكلة الإعراب" للفارسي: 541، "الصحاح" 1/ 109 (حرب)، "مجمل اللغة" لابن فارس: 1/ 199 (جنث)، "اللسان" 1/ 306 == (حرب)، 12/ 141 (حكم). وورد غير منسوب في "المخصص" لابن سيده: 12/ 240.
وللبيت رواية ثانية: برفع (الجِنْثِيُّ)، ونصب (كلَّ). ومعنى (إذا أكرِهَ صَلّ): إذا أكره لِيُدْخَلَ في الحِلَقِ، سمعت له صليلًا. وعلى الرواية الثانية، يكون معنى الإحكام في البيت: إحكام الصنعة، و (الجِنْثِي): الزَّرَّاد (الحداد)؛ أي: أحْكَمَ الزَّرَّادُ مساميرها. انظر: "كتاب المعاني الكبير" 2/ 1030، "شرح الأبيات المشكلة" 541، "جمهرة اللغة" 3/ 1322.]] قال: (الجِنْثِيّ): السَّيْف [[في "القاموس" (الجُنْثي بالضم: السيف، والزَّرَّاد، وأجود الحديد، ويُكسر). ص 166 (جنث)، وانظر: "مجمل اللغة" 1/ 199 (جنث).]]؛ أي: ردَّ السيفَ عن [[في (ب): (من).]] عوراتِ (الدرع) [[في (ج): (الدروع).]] (وهي) [[في (ب): (وهو).]] فُرَجُها، كلُّ حِرْباءٍ وهُوَ المِسْمَارُ الذي يُسَمَّرُ به حَلَقُها [[انظر: (حرب) في "الصحاح" 1/ 108، "اللسان" 2/ 818.]].
ومِنْهُ حديثُ النَّخَعِيِّ: (حَكّمْ اليتيمَ كما تُحَكِّم وَلَدكَ) [[الأثر في "غريب الحديث" لأبي عبيد: 2/ 240، وقال: (حدثنيه ابنُ مهدي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ..)، "تهذيب اللغة" 1/ 886، "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري: 1/ 303، "غريب الحديث" لابن الجوزي: 1/ 231، "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير: 1/ 420.]]، أي: امنعه من الفَسَاد [[وقيل: حكمه في ماله ومِلْكِهِ إذا صَلَح، كما تحَكِّم وَلدَكَ في مِلْكه. ولم يرتض الأزهريُّ هذا المعنى، ورجح المعنى السابق. انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 886 (حكم)، "الزاهر" لابن الأنباري: 1/ 503، "النهاية في غريب الحديث" 1/ 420، والمراجع السابقة.]].
وقال جرير:
.. أَحْكِمُوا [[في (ج): (حكموا).]] سُفهاءَكُمْ [[البيت في: ديوانه: 47. وتمامه:
أَبنِي حَنِيفَةَ أحْكِمُوا سُفَهاءَكمْ ... إنِّي أخافُ عليكُمُ أنْ أغْضَبَا
وقد ورد منسوبًا له، في "غريب الحديث" لأبي عبيد: 2/ 421، "الكامل" للمبرد: 3/ 26، "الزاهر" 1/ 503، ومادة (حكم) في "تهذيب اللغة" 1/ 886، "الصحاح" 5/ 1902، "مجمل اللغة" 1/ 246، "أساس البلاغة" للزمخشري: 1/ 191، "اللسان" 2/ 953. وورد غير منسوب، في "غريب الحديث" للخطابي: 2/ 462، "الفائق" للزمخشري: 1/ 303. وقد وردت روايته في "الكامل" (أبني حنيفة نَهْنِهُو).]] ...
يقول: امنعوهم [[في (ج): (امنعوا السفهاء).]] من التَعرُّض.
قال أبو بكر [[هو ابن الأنباري، ولم أقف على مصدر قوله.]]: والمُتَشَابِهُ، ما اعتَوَرَتْهُ تأويلات. وسُمِّيَ مُتشابهًا؛ لأن لفظَهُ يُشْبِهُ لفظَ غيره، ومعناه يخالف معناه.
وقال بعضهم [[من قوله: (وقال ..) إلى (.. وعلم الروح): نقله بتصرف يسير عن "تفسير الثعلبي" 3/ 6 أ، كما أن هذا القول موجود في "تفسير الطبري" 3/ 173، مع اختلاف يسير جدًّا، إلا أن سياق المؤلف له أقرب إلى سياق الثعلبي.]]: المُحْكَمُ: ما عرفَ العلماءُ تأويلَهُ، وفهموا معناه. والمتشابه: ما ليس لأحدٍ إلى عِلْمِهِ سبيلٌ، مِمَّا استأثرَ اللهُ بِعِلْمِهِ؛ وذلك نحو: وقت خروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجّال، ونزول عيسى، وقيام الساعة، وعِلْم الرُّوح.
ويُسْأَلُ (فيقال) [[في (د): (فيقول).]]: ماذا [[من قوله: (ماذا ..) إلى (.. يقع العجز والبلادة): نقله عن "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة: 86.]] أراد اللهُ بإنزال المُتشابِهِ في القرآن؛ وأراد بالقرآن لِعِبادِهِ الهُدَى والبيان؟ فيقال: إنَّ القرآن نَزَلَ بألفاظِ العَرَبِ ومذاهبها في: الإيجاز؛ (للاختصار) [[في (د)، "وتأويل المشكل": (والاختصار).]]، والإطالَةِ؛ (للتوكيد) [[في "تأويل المشكل": (والتوكيد).]]، والإشارة إلى الشيء، واغماض بعض المعاني؛ حتى لا يظهر عليه إلا اللَقِن [[في (د): (الكفر). واللَّقِن، هو: سريع الفهم. انظر: "القاموس" ص 12321 (لقن).]]. ولو كانَ القرآنُ كلُّهُ ظاهرًا مكشوفًا، حتى يستوي في معرفته العالمُ والجاهلُ، لَبَطَلَ التفاضُلُ بين الناس، وسقطت المِحْنَةُ، وماتت الخواطرُ. ومَعَ الحاجَةِ تَقَعُ الفِكْرةُ [[في (ج): (النكر).]] والحِيلَةُ، ومع الكفاية يقع العَجْزُ والبَلاَدَةُ [[انظر الحكمة في ورود المحكم والمتشابه في القرآن، في "الكشاف" 1/ 412، "تفسير الفخر الرازي" 7/ 185 - 186، "البرهان في علوم القرآن" للزركشي: 2/ 75، "الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة" للرجراجي: 161، "أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات" للكرمي: 50، "نور من القرآن" لعبد الوهاب خلاف: 67، "علوم القرآن" د. عدنان زرزور: 177، "الناسخ والمنسوخ بين الإثبات والنفي" لعبد المتعال الجبري: 135.]].
وأصل التشابه [[من قوله: (وأصل التشابه ..) إلى (.. وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة، مشكل): نقله بتصرف واختصار يسيرين عن "تأويل مشكل القرآن" 101 - 102.]]: أن يُشْبِهَ اللفظُ اللّفظَ في (الظاهر) [[(الظاهر): ساقطة من: (ج).]]، والمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفان. قال اللهُ عز وجل في وَصْفِ ثِمَارِ الجَنَّةِ: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة: 25]؛ أي: مُتَّفِقَ المَنَاظِرِ، [و] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج).]] مُخْتَلِفَ الطُعُوم [[ممن قال هذا: ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والحسن، والربيع، وغيرهم.== انظر: "تفسير الطبري" 1/ 173، "تفسير القرطبي" 1/ 206،"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة: 26، "تفسير المشكل" لمكي: 25، "تذكرة الأريب في تفسير الغريب" لابن الجوزي: 1/ 53، "عمدة الحفاظ" للسمين الحلبي: 259.]].
ثم يقال لكل ما غَمُضَ ودَقّ: (مُتشابهٌ)، وإنْ لم تقع الحَيْرَةُ فيه، مِنْ جِهَةِ (الشَّبَهِ) [[في (ج): (الشيء).]] بغيره ألا تَرَى أنه قد قيل للحروف المقَطَّعَةِ في أوائل السُّوَر: متشابهة؟ (وليس) [[في (ج): (ولبس).]] الشكُّ [[قوله: (الشك ..) إلى (ومثل المتشابه): ساقط من: (ج).]] فيها. والوقوف فيها؛ لمشاكَلَتِها غيرَهَا والتباسِها به. ومثل المتشابه: المُشكِلُ.
واعلَمْ [[من قوله: (واعلم ..) إلى (.. ويصدق بعضه بعضا) نقله عن "تفسير الثعلبي" 3/ 6ب.]] أنَّ القرآن كُلَّهُ محكَمٌ مِنْ وَجْهٍ؛ على معنى: أنه (حقٌّ) [[(حق): ساقطة من: (ج).]] ثابت [[تدور معاني الإحكام العام هنا على المعنى اللغوي للكلمة، أي: بمعنى الاتقان، والتدعيم، ومنع تطرق الخلل إلى ألفاظه وأساليبه ومعانيه؛ فهو محكم الألفاظ، لا يعتريها خلل ولا خطأ؛ ومحكم الأساليب، لا يعتورها رِكَّةٌ ولا تعقيد؛ ومحكم المعاني، فكلها حق ورسوخ، وثبات.]]. قال اللهُ تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: 1]. ومُتَشابِهٌ مِنْ وَجْهٍ؛ وهو أن يشبه بعضه بعضًا في الحُسْنِ، ويُصدّق بَعْضُه بعضًا [[قوله: (في الحسن ويصدق بعضه بعضًا): ساقط من: (ج).]]، وهو قوله تعالى: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [[قال ابن العربي: (وأما كونه متشابها) فبمعنى واحد، وهو ما وصفناه من الأحكام الذي يجري في جميع سوره وآياته). "قانون التأويل" له: 665. ويقول: "والمعنى الذي صار به القرآن كله محكما، بذلك المعنى، صار كله متشابهًا). المرجع السابق: 665. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالتشابه هنا: تماثل الكلام، وتناسبه؛ بحيث يصدق بعضه بعضًا. فالإحكام العام في معنى التشابه العام، بخلاف الإحكام الخاص والتشابه الخاص؛ فإنهما متنافيان). ذكره ابن الوزير في "إيثار الحق على الخلق" 92. وانظر في هذا المعنى: "الرسالة التدميرية" لابن تيمية: 65، "القائد إلى تصحيح العقائد"، لعبد الرحمن المعلمي: 161، "ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان" لابن الوزير: 124، "أقاويل الثقات"، للكرمي: 48.]] [الزمر: 23].
وقوله تعالى: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾. أي: أصل الكتاب الذي يُعْمَل عليه [[والعرب تطلق (الأم) على كلِّ ما جُعِلَ مُقَدَّما لأمْرٍ، وله توابعُ تَتْبَعُه، وكلِّ جامعٍ لأمْرٍ؛ ومِنْ ذلك: رايَةُ الجيش، والجِلْدَة التي تجمع الدِّمَاغ، وتسمى: (أم الرأس)، ومكة المكرمة، وتسمى: (أم القرى)؛ لِتقدمها أمام جميعها، أو لأن الأرض دُحِيت منها، فصارت لجميعها أمَّا .. وهكذا. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 170، "الصحاح" 5/ 1864 - 1865 (أمم)، "تفسير الثعلبي" 3/ 5 أ.]]. فَمَنْ جَعَلَ (المُحْكَمَات): الآيات الثلاث في (الأنعام)، قال: يريد: هُنّ أم كلِّ كِتَابٍ أنزله الله على نَبِيٍّ، فيهن كلُّ ما أحلّ، وفيهن كلُّ ما حرّم. ووحَّد (الأمَّ) بعد قوله: ﴿هُنَّ﴾؛ لأن [[من قوله: (لأن ..) إلى (.. وكلام الله واحد): نقله بنصه عن "تفسير الثعلبي" 3/ 5 ب. وانظر: "تفسير الطبري" 3/ 170.]] الآياتِ كلَّها في تكامُلِها واجتماعها، كالآية الواحدة، وكلام الله واحد.
وقال أبو العباس [[لم أقف على مصدر قوله.]]: لأنهن بكمالِهِنَّ (أُمٌّ)، وليست كلُّ واحدِةٍ منهن (أُمَّ الكتاب)، على انفرادها.
وقال الأخفش [[في "معاني القرآن" له: 1/ 193. نقله عنه بالمعنى.]]: وَحَّدَ ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾ بالحكاية؛ على تقدير الجواب؛ كأنه قيل [[في (ج): (قيل له).]]: ما أمُّ الكتاب؟ فقيل: هنّ أم الكتاب؛ كما تقول: مَنْ نَظِيرُ زيد؟ فيقول قومٌ: نحن نظيرُه [[العبارة في "معاني القرآن" للأخفش: (.. كما يقول الرجل: ما لي نصير. فيقول: نحن نصيرك).]]؛ كأنهم حَكَوا ذلك اللفظ. وهذا على قولهم [[في (ج)، (د): (وعلى هذا قولهم).]]: دَعْنِى مِنْ (تَمْرَتان) [[في (ب): تمراتان.]]؛ أي: مِمَّا يقالُ له (تمرتان).
قال أبو بكر [[لم أقف على مصدر قوله. وقد أورده السمين الحلبي في "الدر المصون" 3/ 26.]]: وقولُ الأخفش بِعيدٌ مِنَ الصواب في الآية؛ لأن الإضمار لمْ يَقُمْ عليه دليلٌ، ولم تَدْعُ إليه حاجةٌ. وقيل [[هو قول ابن كيسان. انظر: "معاني القرآن" للنحاس: 1/ 348.]]: أراد: كل آية منهنّ أمُّ الكتاب؛ كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: 50]؛ أي: كلُّ واحدٍ منهما آية [[فعيسى عليه السلام وأمَّه، مشتركان جميعا في الأمر العجيب الخارق للعادة، فهي قد جاءت به مِنْ غير زوج، وهو مِنْ غير أبٍ. فلم تكن الآيةُ لها إلّا بِهِ، ولا لَهُ إلّا بها. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 171، "معاني القرآن" للنحاس: 1/ 348، "تفسير الفخر الرازي" 23/ 103.]].
قال العلماءُ، وأصحابُ المعاني: معنى قوله: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أي: أصلُ الكتاب الذي يُسْتَدَلُّ به على المتشابه وغيره مِنْ أمور الدين. فإذا وردت الآية المتشابهة رُدَّت إلى المحْكَمَةِ، فكانت المُحْكَمَةُ [[(فكانت المحكمة): ساقطة من: (د).]] مُفَسِّرَةً لها، وقاضِيَةً على معناها.
فـ ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾ معناه: أصل الكتاب الذي ترجع إليه التأويلات، وتضم جميع المعاني، لأن الأم يرجع إليها بنوها فتضمهم.
مثال ما ذكرنا: قوله تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر: 3]. هذه آيةٌ [[في (ب): (الآية).]] مُحْكَمَةٌ، لا تحتمل تأويلًا غير ظاهرها [[في (د): (غير ظاهر).]]، لأن معناها: لا ينشئ الصُّوَرَ [[في (د): (الصورة).]]، ولا يُرَكِّبُ الأرواحَ في الأجسام غيره عز وجل.
وأما الآية المتشابهة: فقوله عزَّ ذِكْرُه: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]؛ يقع هذا متنافيًا عند الجاهل؛ إذْ كان قالَ في ذلك الموضع: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر: 3]، وَجَعَلَ في [[(في) ساقطة من: (ج).]] هذا الموضع مع الله خالِقِين، فاحتجنا إلى رَدِّ هذه الآية، إلى الآية المحكمة؛ لِتَحْكُمَ [[في (ج): (ليحكم)، وفي (د): (لنحكم).]] عليها، فقلنا: قد نَفَت الآيةُ المُحْكَمة أن يكون مع الله تعالى خالق يُنْشئ وُيحْيي.
ووجدنا العربَ تجعل (الخَلْقَ) على مَعْنيَيْن: أحدهما: (الإنشاء)، والآخر: (التقدير). [[انظر: "الأضداد" للأصمعي (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد): 55، "تأويل مشكل القرآن " 507، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج: 35، "الزاهر" 1/ 84، "تهذيب اللغة"1/ 1093، "قاموس القرآن" للدامغاني: 163، 164، "مفردات ألفاظ القرآن". للراغب: 296 (خلق)، "نزهة الأعين النواظر" لابن الجوزي: 283، "اللسان" 2/ 1243 (خلق).]] فنفت الآيةُ المُحْكَمة (الخَلْقَ) الذي بمعنى: (الإنشاء)، فبقي الذي معناه [[(الذي معناه): ساقط من: (ج).]]: (التقدير). فَحَمَلْنا المُتشابِهَ عليه، وقلنا: تأويلُهُ: فتباركَ اللهُ أحْسَن المُقَدِّرِين؛ كما قال: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: 17]، أي: ويُقَدِّرُون [[في (د): (وتعبدون). وفي "تهذيب اللغة" 1/ 1093: (وتقدرون). وانظر: "تفسير الطبري"20/ 137، "تهذيب اللغة" 1/ 1093 (خلق)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج: 36، "تفسير القرطبي" 13/ 335، "لسان العرب" 2/ 1243 (خلق)، "تفسير أبي السعود" 7/ 34، "الدر المنثور" 6/ 457، "فتح القدير" 4/ 197. وقد سبق أن ذكر المؤلف عند تفسير آية: 21 من سورة البقرة: أن الخلق المنسوب لغير الله، إنما هو قياس وتشبيه وافتراء ومحاكاة وتقدير، على قدر قدره غيره، فخلق الله ذاتي، وخلق غيره على سبيل الاستعارة والتقدير.]].
ومن هذا القَبِيل أيضًا، قولُه: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: 52]؛ هذه مُحْكَمَةٌ لا تَحْتَمِل التأويلات. ثم قال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]؛ فَأَثْبَتَ في المُتَشَابِهِ [[في (د): (المتشابهة).]] ما نفاهُ في المحكمة؛ فكانت المُحْكَمة قاضيةً عليها؛ لأنا وجدنا النسيان في كلام العرب على مَعْنيَيْنِ: أحدهما: (الإغفال)، والآخر: (التَّعَمُّدُ والتَّرْكُ) [[يعني أن النسيان، إما ترك الشيء عن غفلة وسهو وعدم ذكر، أو ترك الشيء مع التعمد. انظر: "الأضداد" لابن الأنباري: 399، "الأضداد" لأبي حاتم السجستاني (ضمن ثلاثة كتب في "الأضداد" 156، "قاموس القرآن" للدامغاني: 454، "نزهة الأعين النواظر" 579، "الوجوه والنظائر في القرآن" د. سليمان القرعاوي: 614، "المصباح المنير" 231 (نسو).]].
فقلنا في قوله عز وجل: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]: تركوا [[في (ج): (ترك).]] العَمَلَ لله، فَتَرَكَ أنْ يُثِيبهم [[انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة: 198، "تفسير الطبري" 10/ 175، "الأضداد" لابن الأنباري: 399، وتذكرة الأريب "في تفسير الغريب" لابن الجوزي: 1/ 220.]]؛ فكان في المُحْكَمِ بَيانُ المُتَشابِهِ.
ومن هذا: قولُ اللهِ عز وجل: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [[سورة الأعراف: 54، ويونس: 3، والرعد: 2، والفرقان: 59، والسجدة: 4، والحديد: 4.]]، احتمل في اللغة أنْ يكونَ كاستواءِ الجالِسِ على سَرِيرِهِ، واحتَمَلَ أن يكون بمعنى الاستيلاءِ؛ وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لا يجوز على الله؛ لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] وهذا من المُحْكم، الذي هو أصلٌ يُردُّ إليه المتشابهُ، فقلنا: إنَّ استواءَهُ بمعنى: الاستيلاء [[لقد أبعد المؤلف -رحمه الله- النجعةَ، في حمل الاستواء على الاستيلاء، وجانبه الصواب في ذلك؛ حيث لم يرد عن العرب أنَّ مِنْ معاني (الاستواء): الاستيلاء. وإنما الوارد عنهم في معاني الاستواء، التالي: الاستقرار، والقَصْدُ، والعُلُوّ، والإقبالُ على الشيء وإليه، والصُّعود. وقد ذَكَرَ ابنُ القيِّم أن للسلف أربع تفسيرات للاستواء، وهي: الاستقرار، والعلو، والارتفاع، والصعود، وهو ما يتناسب مع المعنى اللغوي. انظر: "توضيح المقاصد" في "شرح قصيدة الإمام ابن القيم" لأحمد بن عيسى: 1/ 440. أما (الاستيلاء) فقد أورده الجوهري في "الصحاح" مستدلًا بقول الشاعر:
قد استوى بِشْرٌ على العراق ... من غير سيفٍ ودَمٍ مِهْراقِ
وقد نسب الزبيديُ في "تاج العروس" البيتَ للأخطل. وتبع الجوهريَّ في ذكر هذا المعنى، صاحبُ "لسان العرب" وصاحبُ "القاموس المحيط".
أما بيت الشعر السابق، فقد قال عنه ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 5/ 146: (ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة ..).
وقد رَدَّ ابن الأعرابي وهو من أئمة اللغة على مَنْ فَسَّر الاستواء بـ (الاستيلاء) هنا، بقوله: (.. لا يقال: استولى على الشيء، إلا أن يكون له مضادّ، فإذا غلب أحدُهما، قيل: استولى ..). "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" لللالكائي: 3/ 442. والله تعالى لا منازع له في مُلْكه. ورَدَّه كذلك الخليل بن أحمد. ذكَرَ ذلك الكرميُّ == في "أقاويل الثقات" 124.
فمعنى لفظ (الاستواء) من ناحية اللغة معروفٌ، وليس متشابها، ولا حرج في تفسيره بالألفاظ التي جاءت في اللغة، وليس في ذلك إيهام بالكيف، أو التجسيم ومشابهة الخلق؛ لأننا عندما نفسر هذه الصفة، إنما نذكر المعنى اللغوي، ونُجري هذه المعاني بما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، ونقطع الطمع عن إدراك الكيفية، وذلك لعجز وقصور عقولنا عن إدراك ذلك. ومنهج السلف الصالح إزاء صفة الاستواء، وغيرها من صفات الباري تعالى: أن تمر كما جاءت، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل؛ فيثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، إثباتًا منزهًا عن التشبيه، منزهًا عن التعطيل، فمن نفى حقيقة الاستواء فهو مُعطّل، ومَنْ شبهه باستواء المخلوق على المخلوق، فهو مُمَثِّل. وقد قال الإمام مالك بن أنس، لَمَّا سُئل عن كيفية الاستواء، فقال: (الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وقد وَرَدَ مثلُ ذلك عن أم سلمة رضي الله عنها، وربيعة الرأي.
انظر: "شرح أصول الاعتقاد" 3/ 440 - 443. وانظر مادة (سوا) في "تهذيب اللغة" 2/ 1794، "الصحاح" 6/ 2385 - 2386، "اللسان" 4/ 2160، "القاموس المحيط" 1297، "قاموس القرآن" للدامغاني: 255، "تاج العروس" للزبيدي: 1/ 179. وانظر حول موضوع صفة الاستواء: "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة: 394، "الرد على الجهمية" للدارمي: ص 40، "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" للبيهقي: ص 116، "الأسماء والصفات" للبيهقي: 2/ 303، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 5/ 146، 365 ،404، 519 - 520 "العقائد السلفية" لأحمد بن حجر: 1/ 124 - 125، 164 - 167، "رسائل في العقيدة" لمحمد بن عثيمين: 70.]] ومثل هذا كثيرٌ، وفيما أوردتُهُ كِفَايَةٌ لِمَنْ رُزِقَ الفَهْمَ.
وقوله تعالى: ﴿وَأُخَرُ﴾ زعم [[من قوله: (زعم ..) إلى (.. إلا صفة منعت الصرف): نقله عن "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 377. وانظر: "كتاب سيبويه" 3/ 224، 283.]] سِيبَويه والخليلُ أنَّ (أُخَرَ) فارقت أخواتها، والأصلَ الذي عليه بِنَاءُ أَخَواتِها؛ لأن (أُخَرَ) أصلُها أن تكون بالألف واللّام [[في "معاني القرآن" (أن تكون صفة بالألف واللام).]]؛ كما تقول: (الصُّغْرى) و (الصُغَر)، و (الكُبْرَى) و (الكُبَر). فلما عُدِلَت عن مُجْرَى الألِفِ واللام، وأصلِ (أَفْعَلَ مِنْكَ) وهي مِمَّا لا يكونُ [[في (د): (وهي لا تكون).]] إلا صِفَةً، مُنِعَت الصَّرْفَ. وقد شرحنا هذه المسألة عند قوله: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [[يريد المؤلف (والله أعلم) أن (أخَر) مُنِعت مِنَ الصَّرْفِ؛ لأنها جاءت صفة بغير الألف واللام، ولم تلحقها (مِنْ) كأفعل التفضيل (أفعل منك)؛ حيث إن (أُخَر) جمعٌ، ومفرده (أُخْرَى). و (أخْرَى) مؤنث لِلَفْظٍ مُذَكَّرٍ، هو: (آخِر)؛ الذي أصله (أأخَر) بفتح الهمزة الأولى، وتسكين الثانية، على وزن (أفْعَل) الدال على التفضيل. وهو مُجَرَّدٌ من (أل) والإضافة. وحقُّه أنْ يكون مفردًا مذكرًا في جميع استعمالاته. ولكنْ عَدَلَ العربُ عنه إلى لفظ (أُخَر) بصيغة الجمع، ومنعوه من الصرف؛ للوصفية والعَدْل.
انظر آراء النحويين حول منع (أخر) من الصرف، في "المقتضب" للمبرد: 3/ 246، 376، "إعراب القرآن" للنحاس: 1/ 235، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري:1/ 143، "شرح المفصل" لابن يعيش: 6/ 99، "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري: 1/ 116، "شذور الذهب" لابن هشام (بشرح محمد محي الدين عبد الحميد): ص 537، "همع الهوامع" للسيوطي: 1/ 80، "النحو الوافي" لعباس حسن: 3/ 408، 4/ 224.]] [البقرة: 184].
قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾. الزَّيْغُ: المَيْلُ. يعني: مَيْلًا عن الحقِّ؛ (زاغ، يَزِيغ، زَيْغًا، وزَيْغُوغَةً، وزَيَغانًا، وزيوغًا [[انظر: (زيغ) في "تهذيب اللغة" 2/ 1502، "اللسان" 3/ 1890.]].
قال الفراء [[قوله في "تهذيب اللغة" 4/ 3083. وأورده بمعناه ابن جني في "المنصف" 2/ 12.]]: والعرب تقول في عامةِ ذوات الياء، مِمَّا يُشْبِهُ (زِغتُ)؛ مثل: (سِرْتُ)، و (صرْتُ)، و (طِرتُ): (سَيْرُورَةً)، و (صَيْرُورَةً)، و (طَيْرُورَةً)، و (حِدْتُ حَيْدُودَةً)، و (مِلْتُ مَيْلُولَةً)، لا أحصى ذلك، وهو كثير. فأمّا ذوات الواو؛ مثل: (قلتُ)، و (رُضْتُ)، فإنهم لمْ يقولوا ذلك إلا في أربعة أحْرُف، منها: الكَيْنُونة [[مصدر (كان يكون كَوْنًا وكيْنُونة).]]، والدَّيْمُومَةُ، مِنْ: (دُمْتُ)، والهَيْعُوعَةُ، من: (الهُواع) [[في "القاموس المحيط": (والهواع بالضم، والهيعوعة، والمِهْوع، والمهواع بكسرها: الصياح في الحرب). ص 777 (هوع). وجعلها في "لسان العرب" من مصادر ذوات الياء، فقال: (هاعَ، يَهاع، ويَهِيع، وهَيْعًا، وهَاعًا، وهُيُوعًا، وهَيعَة، وهَيَعانًا، وهَيْعُوعة: جَبُن وفَزع. وقيل: استخف عند الجزع). 8/ 4721 (هيع). والهُواع: القيءُ. يقال: (هاع، يهوع هواعًا. وهيعوتة): أي: قاء. انظر: (هوع) في "الصحاح" 3/ 1309، "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" لأبي موسى الأصفهاني:3/ 516، "اللسان" 8/ 4721، "المعجم الوسيط" 2/ 1010.]]، والسيْدُودَةُ، من: (سُدْتُ).
وكان ينبغي أن يكونَ -في القياس-: (كَوْنُونَة) بالواو [[ويرى الخليل بن أحمد أن (كيْنُونة): (فَيْعُولة)، هي في الأصل: (كَيْوَنُونَه)؛ التقت منها ياءٌ وواوٌ، والأولى منهما ساكنة، فَصُيِّرَتا ياءً مشدَّدَةً [أي: كيَّنُونة]، مثلما قالوا: (الهيِّن) من (هُنْت)، ثم خففوها فقالوا: (كيْنُونة)؛ كما قالوا: (هَيْنٌ، لَيْنٌ). قال الفراء: وقد ذهب مذهبًا، إلا أن القول عندي هو الأول). "تهذيب اللغة" 4/ 3084 (كان).]]، ولكنها لَمَّا قَلَّت في مصادر الواو، وكثرت في مصادر الياء، ألحقوها بالذي هو أكثر مجيئًا منهما؛ إذ كانت الواوُ والياءُ مُتَقارِبَتَينِ في المَخْرَج.
ومثل هذا: أنهم يقولون في ذوات الياء: (سَعَيْتُ به سِعَايةً)، و (رَمَيْتُهُمْ رِمَايَةً)، و (دَرَيْتُ بِهِ [[في (د): (بهم).]] دِرايةً)، فتأتي المصادرُ في ذوات الياء، على هذا النحو، كثيرةً، ولا تكاد تأتي في ذوات الواو؛ نحو: (خَلَوْتُ)، و (دَعَوْتُ). فَنَدَرَ حرفٌ مِنْ ذوات الواو فألْحِقَ بذوات الياء، وهو قولُهم: (شَكَوْتُ فُلانًا شِكَايَةً)، ولم يقولوا: (شِكاوَةً)، فألحقوها بالمصادر من الياء [[انظر في هذا الموضوع: "المنصف" لابن جني: 2/ 10، "الممتع في التصريف" لابن عصفور: 2/ 502، 504، "شرح شافية ابن الحاجب" للاستراباذي: 1/ 152.]].
واختلفوا في هؤلاء الذي عُنُوا بقوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾: فقال الربِيع [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 177، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 596، "تفسير البغوي" 2/ 9، "زاد المسير" 1/ 353.]]: هم [[(هم): ساقطة من: (ج).]] وَفْدُ نَجْرَانَ؛ لَمَّا حَاجُّوا رسولَ الله ﷺ، في المَسِيح، فقالوا: أليسَ [[في (أ)، (ب): (ليس). والمثبت من: (ج) و (د).]] هُوَ كَلِمَة اللهِ، وروح منه؟ قال: "بَلَى". قالوا: حَسْبُنا. فأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾، الآية. ثمّ أنزل: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ الآية.
وقال الكَلْبِيُّ [[قول الكلبي، أخرجه الطبري 1/ 92، 93 من رواية محمد بن إسحاق، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله، وأخرجه البخاري في: تاريخه: 1/ 2/ 208، والبغوي 2/ 9، وذكره بمعناه أبو الليث في "بحر العلوم" 1/ 247، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 353، والسيوطي في "الدر" 2/ 78.]]: هم اليهود، طَلَبُوا [[في (ج): (طالبوا).]] عِلْمَ أكْلِ [[في (ج): إقامة. (د) أجل. وحقيقة (الأُكْل) بضم الهمزة: التنَقّص. ومعناها هنا: الرزق، والحظ من الدنيا.
يقال للميت: (قد انقطع أكْلُه)، أي: انقضت مدته في الدنيا. فاليهود أرادوا معرفة == مدة بقاء أمة محمد ﷺ، وأجلها. انظر: (أكل) في "مجمل اللغة" 1/ 100، "القاموس المحيط" ص 961.]] هذه الأُمَّةِ، واستِخْراجِهِ مِنَ الحُرُوف المُقَطَّعَةِ في أوائل السُّوَرِ [[انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 170، 171 فقد ذكره عن ابن إسحاق. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 595 عن مقاتل بن حيان، وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 7 وزاد نسبة إخراجه لابن المنذر في "تفسيره" عن ابن جريج معضلا.]]. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على رواية عطاء عن ابن عباس.]].
وقيل: هم جميع المُبْتَدِعَةِ، وكلُّ من احتَجَّ لِباطِلِهِ بالمتشابه [[روت عائشة رضي الله عنها قائلة: (تلا رسول الله ﷺ، ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ إلى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، قالت: قال رسول الله ﷺ: "فإذا رأيت الذين بتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سَمَّى الله فاحذروهم". أخرجه البخاريُّ (4547). كتاب: التفسير. سورة آل عمران باب: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾، ومسلم رقم (2665). كتاب: العلم. باب: النهي عن اتباع متشابه القرآن. وفي رواية الإمام أحمد: "فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله فاحذروهم". "المسند" 6/ 48، 256. وأخرجه أبو داود رقم (47). كتاب: السنة. باب: النهي عن الجدال، والترمذي رقم (2993)، (2994). كتاب: التفسير. باب: ومن سورة آل عمران، وابن ماجة رقم (47). في المقدمة، وابن حبان في "صحيحه" 1/ 274، 277 (73)، (76). وأخرجه: عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 116، والطبري في "تفسيره" 6/ 189 - 195، والطيالسي في "المسند" 3/ 50 (1535)، والآجري في "الشريعة" 26، 27.]]. وهذا معنى قول قتادة [[كان قتادة إذا قرأ هذه الآية ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾، قال: (إنْ لم يكونوا الحَرُورِيَّة والسَّبَئِيَّة، فلا أدري مَن هم! ..). و (الحرورية) هم: الخوارج، و (السبئية): نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي غالى في الإمام عليٍّ، وادَّعى فيه الألوهية. انظر الأثر، في "تفسير عبد الرزاق": 1/ 115، "تفسير الطبري" 3/ 178، "تفسير == البغوي" 2/ 8، "المحرر الوجيز" 3/ 23. وورد كذلك عن أبي أمامة رضي الله عنه: أنهم الخوارج. يرويه عن رسول الله ﷺ وقد رجح ابن كثيرٍ وقفَهُ على أبي أمامة. انظر الأثر في: "مسند الإمام أحمد" 5/ 262، "مصنف عبد الرزاق" 10/ 152رقم (18663)، و"سنن البيهقي" 8/ 188، و"مسند الحميدي" 2/ 404 رقم (908)، "المعجم الكبير" للطبراني: 8/ 274 وما بعدها، "المعجم الصغير" له: 1/ 42 (33)، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 594، و"الشريعة" للآجرِّي: 36، "تفسير ابن كثير" 1/ 371.]].
وقولُ الزَّجَّاج في هذه الآية، يَدُلُّ على أنّ هؤلاء، هم الكفار الذين يُنْكِرُون البَعْثَ، لأنه قال [[في "معاني القرآن" له:1/ 378.]] في سياق الآية: معنى ابتغائهم تأويله: أنهم طلبوا تأويل بَعثِهِمْ وإحيائهم.
وقوله تعالى: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾. قال عطاءٌ، عن ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله. وقد ورد في "تنوير المقباس" المنسوب إلى ابن عباس: 43.]]: يريد: الكفر. وقال الرَّبِيع [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 180، "ابن أبي حاتم" 2/ 596، "الثعلبي" 3/ 7 ب، "البغوي" 2/ 10، "المحرر الوجيز" "زاد المسير" 1/ 354.]]، والسدي [[قوله في: المصادر السابقة، عدا "المحرر الوجيز". والسُدِّيُّ هنا هو: السُدِّي الكبير (إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، ت: 182 هـ). وليس هو السُدِّي الصغير (محمد بن مروان، ت: 186 هـ)؛ وذلك أن هذا الأثر ورد من رواية أسباط عن السدي، وأسباط إنما يروي عن السدي الكبير. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 596، " الطبقات الكبرى" لابن سعد: 6/ 376، "تهذيب التهذيب" لا بن حجر: 1/ 158في ترجمة أسباط، "معجم المفسرين" لعادل نويهض: 1/ 90، 2/ 635.]]: طلب الشرك [[وهو قول: مقاتل في "تفسيره" 1/ 264، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" 101.]].
وقال مجاهد [[قوله في "تفسيره" 1/ 122، والمصادر السابقة.]]: اللَّبْسِ [[هكذا وردت في الأصل بالكسر على تقدير: ابتغاء، أو طَلَبِ اللَّبْسِ. == ونصُّ قول مجاهد كما في "تفسير الطبري" (الشبهات، مِمَّا أهلكوا به)، وفي تفسيره: (الهلكات التي أهلكوا بها).]]؛ لِيُضِلُّوا به جُهَّالَهم.
وقال أبو إسحاق [[هو الزجاج في "معاني القرآن" له: 1/ 377. نقله عنه بتصرف يسير جدًا في بعض الألفاظ.]]: الفِتْنَةُ في اللغة على ضُرُوب: فالضَّرْبُ الذي ابتغاه هؤلاء: إفسادُ ذوات [[في (ج) و"معاني القرآن": (ذات).]] البَيْن في الدِين، والحرب. والفتنة في اللغة: الاستهتار بالشيء والغُلُوُّ فيه؛ يقال: (فلانٌ مَفْتُونٌ بِطَلَب الدُّنْيا)؛ أي: قد غلا في طَلَبِها، وتجاوز القَدر [[في "معاني القرآن" للزجاج: (وتجاوز القُدْرة). وانظر: "اللسان" 6/ 3345 (فتن)، "تفسير الفخر الرازي" 7/ 189. ويقول النحاس في هذا الموضع: (أي: ابتغاء الاختبار الذي فيه غُلوٌّ، وإفْسادُ ذاتِ البَيْن؛ ومنه: (فلانٌ مَفْتُونٌ بِفُلانة)؛ أي: قد غَلا في حبها). "إعراب القرآن" له: 1/ 310.]].
وقوله تعالى: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾. التأويل: التفسير. وأصلُهُ في اللغة: المرجِعُ والمَصِيرُ؛ مِنْ قولهم: (آل الأمْرُ إلى كذا): إذا [[في (ب): (أي).]] صار إليه. و (أوَّلْته تأويلًا): إذا صَيَّرته إليه، فتأول [[في (ب): (فتأوله).]]؛ أي: رَجَعَ، وصار.
قال الأعشى:
على أَنَّها كانتْ تَأوُّلُ حُبِّها ... تأؤُّلَ رِبْعيِّ السِّقابِ فَأَصْحَبَا [[البيت، في: "ديوانه": ص 7. وقد ورد منسوبًا له، في: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة: 1/ 86، "تفسير الطبري" 3/ 184، "تهذيب اللغة" 2/ 1349 (ربع)، "الصحاح" 4/ 1627 (أول)، "الصاحبي" لابن فارس: 315، "اللسان" 3/ 1566 (ربع)، 1/ 172 (أول)، وفي: 4/ 2401 (صحب) أورد الشطر الثاني ولم ينسبه. وورد == البيت في الديوان كالتالي: (.. تأوَّلُ حبَّها ..). وورد في "التهذيب" 2/ 1349 (ربع)، "اللسان" 3/ 1566 (صحب)، كالتالي:
ولكنها كانت نَوًى أجنبيَّةً ... توالِيَ رِبْعِيِّ السِّقاب فأصحبا
وينشد كما في "تفسير الطبري" 3/ 184:
على أنها كانت تَوَابعُ حُبِّها ... توالي رِبْعِيِّ السِّقاب فأصحبا
ومعنى: (ربعي السقاب): ذلك أن الفصيل الذي يُنتَج في أول النتاج، يقال له: (رُبَع)، والجمع: (رِباع). ورِبْعِيُّ كل شيء: أوله. والسَّقْب: ولد الناقة، أو ساعة يولد، إذا كان ذكرًا. والجمع: (سِقاب). ويقال: (سقبٌ رِبْعِيٌّ)، و (سقاب رِبعية)، وهي: التي ولدت في أول النتاج. و (أصحب): ذَلَّ وانقاد. انظر: "كتاب الفرق" لقطرب: 100، "الفرق" لابن فارس: 87، "اللسان" 1/ 172 (أول)، "القاموس" ص 97 (سقب). وسيأتي تفسير المؤلف للبيت على الرواية التي أوردها. أما على الرواية الثانية، التي أوردها الأزهريُّ، وصاحب "اللسان" فمعنى (توالي ربعي السقاب) هنا: من (الموالاة). وهي: تمييز شيء من شيء، وفصله عنه؛ أي: إن نَوَى صاحبته اشتَدَّ عليه، فحن إليها حنين ربعي السقاب، إذا فُصِل عن أمِّهِ ومُيِّز عنها. وأن هذا الفصيل يستمر على الموالاة ويُصْحب، أما هو فقد دام على حنينه الأول، ولم يصحب إصحاب السقب. انظر: "تهذيب اللغة" 1349.]] أي: كان حُبُّها صغيرًا، فآل إلى العِظَم، كما آل السَّقْبُ إلى الكِبَرِ [[انظر: "تفسير الطبري" 3/ 284؛ حيث قال في تفسيره: (ويعني بقوله: (تأوُّلُ حبِّها): تفسير حبِّها ومرجعه. وإنما يريد بذلك أنَّ حبَّها كان صغيرًا في قلبه، فآلَ من الصِّغَرِ إلى العِظَم، فلَمْ يزلْ ينبت حتى أصْحَبَ فَصَارَ قديمًا، كالسَّقْبِ الصغير الذي لم يزل يشبُّ حتى أصحبَ فَصَارَ كبيرًا مثلَ أمِّهِ) ويبدو أن المؤلف نقل هذا المعنى عن الطبري، متصرفًا في عبارَتِه هذه]].
هذا معنى (التأويل) في اللغة [[انظر: (أول) في "الصحاح" 4/ 1626، 1628، "مجمل اللغة" 1/ 107، "اللسان" 1/ 172، "المصباح المنير" 12، "القاموس المحيط" 963.]].
ثم تُسَمَّى (العاقبةُ): (تأويلا)؛ لأنَّ الأمرَ يصيرُ إليها. و (التفسير) يُسمَّى: (تأويلًا)، وهو قوله: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: 78]؛ أي: بِعِلْمِهِ وتفسيره؛ لأن التَّأويل: إخبارٌ عَمَّا يَرْجِعُ إليه اللفظُ مِنَ المعنى.
وذكرنا معنى التَّأوِيل [بأبلغ] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج)، (د).]] مِنْ هذا، في سورة النساء، عند قوله: ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59] [[وقد تكلم ابنُ القيم عن معاني (التأويل) بإسهاب، وبَيَّن الصحيح منه والباطل. انظر: "الصواعق المرسلة": 175 وما بعدها.]].
قال ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية. وقد ورد هذا القول في: "تنوير المقباس": 43.]]: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ أي: طَلَبِ مُدَّةِ أُكْلِ مُحَمَّد ﷺ.
وفي قول الزجاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 378.]]: المراد به: الكفار [[في (ب): (المراد به الزج الكفار).]]؛ طلبوا متى يُبْعثون؟ وكيف يكون إحياؤُهم بعد الموت؟ وفي قول الباقِين: معناه: طَلَبُ تفسير المُتَشابِهِ، وعِلْمِهِ. قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ يريد: ما يَعلَمُ انقضاءَ مُلْكِ أُمَّة [[(أمة): ساقطة من: (ج).]] محمد ﷺ إلّا الله؛ لأن انقضاءَ مُلك هذه الأُمَّةِ مع قيام الساعَةِ، ولا [[في (ج): (لا) بدون واو.]] يَعْلَم ذلك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌ مُرْسَلٌ. وهذا قولُ عطاء [[لم أقف على مصدر قوله.]]. وعلى هذا؛ يَحْسُنُ الوقفُ على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾، وكذلك على قول الزجاج؛ لأن وقت البعثِ لا يَعلَمُهُ إلا الله. ثم ابتدأ، فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أي: الثابتون فيه. والرُّسُوخُ في اللغة [[في (ج): (في العلم).]]: الثُّبُوتُ في الشيء [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 378، "الصحاح" 421 (رسخ)، "تفسير القرطبي" 4/ 19.]]. وعند أكثر المفَسِّرين [[قول المؤلف أعلاه: (عند أكثر المفسرين)، غير مُسَلَّم؛ لأنني لم أجد من قال بهذا القول إلا مقاتل بن حيان، كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 600. ولو كان قال به أكثر المفسرين، لتناقلته كتب التفسير والحديث، مما أُلِّف قبل المؤلف وبعده. وقد أورد هذا القولَ الثعلبيُّ وهو شيخ المصنف في "تفسيره" 1/ 280 بصيغة (قيل) ولم يذكر قائله. وأورده أبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 385 بصيغة (قيل) ولم يذكر القائل، ولكنه استبعده بقوله: (وهذا فيه بعد).]]: المرادُ بـ (الراسخين علمًا): مُؤْمِني أهل الكتاب؛ دليله: قوله: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 162]. قال ابن عباس [[قوله في "تفسير الطبري" 6/ 208. "تفسير الثعلبي" 3/ 10 أ، "تفسير البغوي" 1/ 280. ومن قوله: (قال ابن عباس ..) إلى (.. وما لم نعلمه): نقله بنصه عن "تفسير الثعلبي" 3/ 10 أ.]]، ومجاهد [[قوله في المصادر السابقة. وهو من روايته عن ابن عباس.]]، والسُّدِّي [[قوله في المصادر السابقة.]]: بقولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، سَمَّاهُم اللهُ (راسخينَ في العِلْم). فَرُسُوخُهم [[في (د): فرسخهم.]] في العِلْمِ؛ قولُهم: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ أي: بالمُتَشَابِهِ.
﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ المُحْكَم والمُتشابه؛ الناسخُ والمنسوخ؛ وما عَلِمْناه وما لَمْ نعْلَمْه.
وقال الزجاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 378. نقله عنه بالنص.]]: أي: يقولون: صَدَّقنا بأن الله عز وجل يبعثنا، ويؤمنون بأنَّ البَعْثَ حَقٌّ، كما أنَّ الإنشاءَ حَقٌّ.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. قال عطاء [[لم أقف على مصدر قوله.]]: هذا ثَنَاءٌ مِن الله تعالى على الذين قالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، معناه: ما يَتَّعِظُ [بما] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).]] في القُرْآن، إلّا ذَوُو العُقُول.
وقال الزَّجَّاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 379. نقله عنه بتصرف يسير.]]: هذا دليلٌ على أن الأمرَ الذي اشْتَبَهَ عليه من البَعْثِ، لمْ يَتَدَبَّرُوه، ومعناه: ما يَتَدَّبر القرآنَ، وما أتَى به الرسولُ ﷺ، إلّا أوْلُوا الألباب. والأظهر في تفسير هذه الآية: قولُ عطاء: إنَّ هذا في اليهود، حين طلبوا تفسيرَ الحروف المُقَطَّعَة، والقولُ الذي حكاه الزجَّاج: إن هذه في منكري البعث.
ويقال: هل يجوز أن يكون في القرآن شيءٌ، لا يعلمه إلا الله؟ فيقال: اختلف الصحابة والناسُ في هذا:
فذهب الأكثرون: إلى أنَّ تَمَامَ الوَقْفِ على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾، وأن جميع المتشابه لا يعلمه إلا الله؛ مثل: وقت قيام الساعة، وطلوع الشمس من المغرب، ونزول عيسى، وخروج الدجَّال.
وقال قومٌ: في القرآن أشياء لا يَعْرِف حقيقَتَها إلا الله؛ كالحروف المُقَطَّعة، وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [المائدة: 64]، وقوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75]، وقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، وأشباه هذا. والله تعالى مُخْتَصٌّ [[في (أ)، (ب): (يختص). والمثبت من: (ج)، (د)؛ لمناسبته لسياق العبارة.]] مُستأثِرٌ بِعِلْم هذه، والإيمانُ بها حَقٌّ، وحقائقُ عُلُومِها مُفَوَّضَةٌ إلى الله تعالى.
وهذا مذهب: عائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبَي، وكثير من التابعين، واختيار [[في (أ): (واختار). والمثبت من: (ب)، (ج)، (د). وهو الصواب.]] الفَرّاء، والكسائي [[تقدمت ترجمته.]]، والمُفَضَّل [[هو: المُفَضَّل بن محمد بن يعلى الضَبِّي، الكوفي. تقدم 2/ 119.]]، وابن الأنباري، وأَبي عُبَيد [[في "الأضداد" لابن الأنباري: أبو عبيدة. وورد في أكثر المصادر: أبو عبيد. وهو: أبو عُبَيد، القاسم بن سَلّام الهَرَوي الأزدي الخزاعي.]]، وأحمد بن يحيى [[هو: أبو العباس، أحمد بن يحيى (ثعلب). وقد بَيَّن النحاسُ أن نَيِّفًا وعشرين رجلًا من الصحابة والتابعين والقراء وأهل اللغة، ذهبوا إلى الوقف التام على لفظ الجلالة (الله)، وأن ما بعده منقطع منه، ثم ذكر إضافة إلى من ذكرهم المؤلف: الحسن، وأبانهيك، والضحاك، ومالك بن أنس، وسهل بن محمد، وعمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، والطبري، والزجاج، وابن كيسان، وأحمد بن جعفر بن الزبير، والسدي.
انظر: "القطع والائتناف" للنحاس: 212، "تفسير الطبري" 3/ 182 - 184، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 599 - 601، "معاني القرآن" للنحاس: 1/ 351، "تفسير الثعلبي" 3/ 8 ب، "المحرر الوجيز" 3/ 24، "تفسير القرطبي" 4/ 16، "البحر المحيط" 2/ 384، "الدر المنثور" 2/ 10، 11، "معترك الأقران" للسيوطي: 1/ 138، "فتح القدير" للشوكاني: 1/ 476، "فتح البيان" لصديق حسن خان: 2/ 15 - 16.]].
ودليل هذا القول: قراءة عبد الله [[يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]]: (إنْ تَأويلُهُ إلّا عِنْدَ الله. والرّاسخون في العِلْم يقولون آمَنّا به) [[انظر هذه القراءة في "معاني القرآن" للفراء: 1/ 191، "كتاب المصاحف" لأبي بكر بن أبي داود: 59، "تفسير الطبري" 3/ 184، "الأضداد" لابن الأنباري:== 426، "تفسير الثعلبي" 3/ 9 أ، "تفسير البغوي" 2/ 10، "البحر المحيط" 2/ 384، "الدر المنثور" 2/ 10، والإتقان، للسيوطي: 2/ 15. وقد وردت القراءة في: كتاب المصاحف، لابن أبي داود، كالتالي: (وإنْ حقيقةُ تأويلِهِ إلا عند الله ..).]].
وفي [[من قوله: (وفي ..) إلى (.. آمنا به): ساقط من: (ج).]] حرف أُبَيٍّ، وابن عباس: (ويقول [[في (ب): (ويقولون).]] الراسخون في العلم آمَنّا به) [[انظر هذه القراءة، في "معاني القرآن" للفراء: 1/ 191، "الأضداد" لابن الأنباري: 426، "القطع والائتناف" للنحاس: 212، "المستدرك" للحاكم: 2/ 289 كتاب: التفسير، سورة آل عمران. وقال: (صحيح) ووافقه الذهبي، "تفسير الثعلبي" 3/ 9 أ، "الدر المنثور" 2/ 10 وزاد نسبة إخراج الأثر لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر. قال النحاس عن هذه القراءة: (وهي قراءة على التفسير).]]. وهذا هو الأشبه بظاهر الآية؛ لأنه لو كان ﴿الرَّاسِخُونَ﴾ عَطْفًا، لَقَال: ويقولون آمنّا به.
وفي قوله أيضًا: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، دليلٌ على أنهم لَمْ يَعْرِفوا البعضَ فآمَنُوا بظاهره، وقالوا: إنه من عند الله.
وقد رُوي عن ابن عباس، أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسيرٌ [[(تفسير): ساقطة من: (ج).]] لا يَسَعُ أحدًا جَهْلُه، وتفسيرٌ تَعرِفُهُ العربُ بألسنتها، وتفسيرٌ يَعْلَمُهُ العلماءُ، وتفسيرٌ لا يعلمه إلا الله [[الأثر، في "تفسير الطبري" 1/ 34، أخرجه موقوفًا على ابن عباس، من رواية محمد بن بشار، قال: (حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان [بن عيينة]، عن أبي الزناد ..) والسند صحيح، ما عدا مؤمل بن إسماعيل، فقد اختلف فيه. انظر: "ميزان الاعتدال" للذهبي: 5/ 353، 354. وأورده النحاس في "القطع والائتناف" 213، كما أخرجه الطبري مرفوعًا بلفظ آخر عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ، قال: "أنزل الله القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام، لا يُعذَر أحدٌ بالجهالة به،== وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره ومن ادَّعَى علمَهُ سوى الله، فهو كاذب". وقال الطبري: (في إسناده نظر)؛ وذلك أنه من رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهي أوهى الأسانيد عن ابن عباس. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 34.
وانظر: الحُكْمَ على الكلبي، وأبي صالح، في "تهذيب التهذيب" 3/ 569، "تقريب التهذيب" ص 479 (5901)، "ميزان الاعتدال" 5/ 2 (7574)، "الاتقان" للسيوطي: 4/ 238.]].
وعلى هذا المذهب؛ إنما [[في (د): (إن ما).]] أنزل الله -تعالى- ما [[(ما) ساقطة من: (د).]] لا [[: ساقطة من: (ج).]] يعلمه إلّا هو؛ اختبارًا [[في (د): (اختبار).]] للعباد، لِيُؤمِنَ به المُؤْمِنُ فَيَسْعَد، ويكفر به الكافرُ فَيَشْقَى؛ لأن سبيلَ المُؤْمِنِ إذا قرأ من هذا شيئًا، أنْ يُصَدِّق رَبه عز وجل، ولا يعترض فيه بسؤال وإنكار؛ فَيَعْظُمَ -بذلك- ثوابُهُ على الله عز وجل.
فإن [[في (أ)، (ب): (بان). والمثبت من: (ج)، (ء).]] قيل: وأي [[في (أ)، (ب): (وإلى). والمثبت من: (ج)، (ء).]] تخصيصٍ لِلرَّاسخين إذا [[في (د): (فإذا).]] لم يَعرِفوا، فإنَّ غيرَهم أيضًا يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، فَلِمَ خَصَّ [[في (أ): خُصَّ بالبناء للمجهول. وفي (ب)، (ج).، (د) غير مضبوطة بالشكل. وما أثبتُّه يتناسب مع ما بعده، من نصب (الراسخين).]] الراسخينَ [[في (د): (الراسخون).]] بالذكر؟
قلنا: المراد بـ (الراسخين): كلُّ مَنْ يقول: ﴿آمَنَّا﴾ وليس المراد بهم الذين يدأبون في التَّعَلُّمِ [[في (د): (التعليم).]] ويَجْتَهِدُون. وقد ذكرنا عن ابن عباس، أنه قال: سمَّاهم (راسخين)، بقولهم: ﴿آمَنَّا﴾.
وقال مجاهد [[قوله في "تفسيره" 1/ 122، "تأويل مشكل القرآن" 100، "تفسير الطبري" 3/ 183، "الأضداد" لابن الأنباري: 424، "تفسير الثعلبي" 3/ 8 ب، "المحرر الوجيز" 3/ 24، "تفسير القرطبي" 4/ 16. وقد رَدَّ ابن الأنباري رواية هذا القول عن مجاهد؛ زاعمًا بأن الراوي عن مجاهد هو ابن أبي نَجِيح، وهو لم يسمع التفسير عن مجاهد. ولكن أئمة الجرح والتعديل على توثيق ابن أبي نجيح، وتصحيح تفسيره عن مجاهد، بل عدَّه ابنُ تيمية مِنْ أصح التفاسير. انظر: "الأضداد" لابن الأنباري: 427، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: 5/ 203، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 17/ 409، "سير أعلام النبلاء" للذهبي: 6/ 125، 126، "تهذيب التهذيب" 2/ 444، "تقريب التهذيب" ص 326 (3662).]]، والربيع [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 183، "القطع والائتناف" للنحاس: 215، "تفسير الثعلبي" 3/ 8 ب، "المحرر الوجيز" 3/ 25، "تفسير القرطبي" 4/ 17.]]، ومحمد بن جعفر بن الزبير [[قوله في المصادر السابقة.]]: المتشابه يعلمه الله، ويعلمه الراسخون. ولا يجوز أن يكون في القرآن شيءٌ، لا يعرفه [[في (د): (لا يعلمه).]] أحدٌ مِنَ الأُمَّةِ. وهذا اختيار ابن قتيبة [[في "تأويل مشكل القرآن" له: 98. قال مرعي الكرمي: (ورجح هذا جماعات من المحققين؛ كابن فورك، والغزالي، والقاضي أبي بكر بن الطيب، وقال النووي: إنه الأصح، وابن الحاجب: إنه المختار ..). "أقاويل الثقات" 53. وانظر: "مشكل الحديث" لابن فورك: 522 - 525، وشرح صحيح مسلم، للنووي: 16/ 218، "معترك الأقران" للسيوطي: 1/ 138، "والإتقان" له: 3/ 3537.]]، وزَعَمَ أنَّ الراسخينَ في العِلْمِ عَلِمُوا تأويل القرآن مع الله تعالى؛ لأنه لم يُنْزِلْ كتابَهُ، إلا لِيَنْفَعَ به عِبَادَه، ويدل على المعنى الذي أراده. وتأوَّلَ قولَهُ: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾، على أنه حالٌ صُرِفَت إلى المُضَارَعَةِ؛ أي [[في (أ)، (ب): (إلى). والمثبت من: (ج)، (ء).]]: (والراسخون [[في (ج): (والراسخين).]] في العلم، قائلين [[في (د): (قايلون).]] آمَنَّا به).
قال: ومثله من [[في (ج): (في).]] الكلام: (لا يَأتِيك إلا عبدُ الله، وزَيْدٌ يقول: أنا مسرورٌ بزيارتك)، تريد [[من قوله: (تريد ..) إلى (.. بزيارتك): ساقط من: (ج)، (ء).]]: (لا يأتيك إلا عبدُ الله، وزيدٌ قائلًا: أنا مسرورٌ بزيارتك). فـ (زيد) عطفٌ على (عبد الله) [[أورد الشوكاني، والشنقيطي إشكالًا على من يمنع كون جملة ﴿يَقُولُونَ﴾ حالًا، وخلاصته: أن الحال قَيْدٌ لِعامِلِها. ووصف لصاحبها، فتقييد عِلْمِهم بتأويله، بحال كونهم قائلين: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، لا وجه له؛ لأن مفهومه: أنهم في حال عدم قولهم ﴿آمَنَّا بِهِ﴾، لا يعلمون تأويله، وهو باطل؛ حيث إنهم يعلمونه في كل حال. ويرى الشنقيطي أن جملة ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ في حال كونها معطوفة، فإن ﴿يَقُولُونَ﴾ تكون معطوفة كذلك بحرف محذوف. واستدل على ذلك بأقوال المحققين من أهل العربية، واستشهد عليه بآيات من القرآن؛ كقوله تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ فإنها معطوفة على قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ بالواو. انظر: "فتح القدير" للشوكاني: 1/ 482، "أضواء البيان" للشنقيطي: 1/ 131.]].
واحتج لهذه الطريقة في كتابه (المُشْكل) بما يطول ذِكْرُه [[انظر: "تأويل مشكل القرآن" 86101. إن الخلاف الواقع بين العلماء في تبني أحَدِ المذهبَيْنِ المذكورَيْن للسَّلَفِ؛ في الوقف أو العطف على لفظ الجلالة في هذه الآية، مرجعه وسببه: الاشتراك في لفظ التأويل؛ حيث إنَّ له معانٍ عِدَّة. ولكنَّه إذا أطْلِقَ عند السَّلَفِ، إنَّما يُرادُ به أمران: == الأول: تفسيرُ الكلام وبيان معناه؛ كقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: بتفسيره. فيجوز بهذا المعنى عطفُ جُملَةِ ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ على لفظ الجلالة؛ لأن الراسخين يعلمون تفسيره، ويفهمون ما أريد منهم بالخطاب القرآني.
الثاني: حقيقةُ الشيء، وما يؤول أمرُهُ إليه. ومنه قوله تعالى: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: 100]، و ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: 53]؛ أي: حقيقة ما أخبرهم الله به مِنْ أمر القيامة والبعث. فيجوز بهذا الاعتبار الوقف على لفظ الجلالة؛ لأن حقائق الأشياء وكنهها، لا يعلمها إلا الله تعالى.
وهناك معنى ثالث للتأويل عند الأصوليين والفقهاء المتأخرين عن عصر السَّلَف، وهو: صَرْفُ اللفظ عن ظاهره المتبادرِ منه، إلى مُحتَمَلٍ مرجوح، بدليل يدل عليه. وهذا المعنى ليس مُرادًا في إطلاقات السَّلَف، فهو خارجٌ عن دلالة الآية هنا. فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل، اعتَقَدَ كلُّ مَنْ فَهمَ مِنْهُ معنًى، أنَّ ذلك هو المذكور في القرآن. ولا شكَّ أنَّ في القرآن أمورًا لا يعلمها إلا الله: كوقت قيام الساعة، وحقيقة الروح وغيرها ... وهي الأمور المتشابهة في نفسها. وهناك أمورٌ، العِلْمُ بها نِسْبيٌّ، يعلمها الراسخون في العلم دون غيرهم، وهو المتشابه الإضافي، الذي قد يَشْتَبِه على أناسٍ دون آخرين. فلا مُنافاة بين الرأيَيْنِ عند التحقق. انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" 443445 (شبه)، والإكليل في المتشابه والتأويل، لابن تيمية: 89، 2025، والرسالة كلها حول هذا المعنى، وتفسير سورة الإخلاص، لابن تيمية: 174، 179، 183، 188، 193، "الرسالة التدميرية" لابن تيمية:5963، "تفسير ابن كثير" 1/ 372، "بصائر ذوي التمييز" للفيروز آبادي: 3/ 296، "أقاويل الثقات" للكرمي: 5355، "فتح القدير" للشوكاني: 1/ 482، "فتح البيان" لصديق خان: 2/ 1517، و"مباحث في علوم القرآن" لمناع القطان: 218، 219.]].
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق